|
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾
صدق الله العلي العظيم.
انطلاقا من الآية المباركة نتحدث في محاور ثلاثة:
المحور الأول: الحجاب فريضة قرآنية.
عندما نقرأ الآيات المتعلقة بالحجاب نكتشف أن الحجاب كسائر الفرائض القرآنية لا محيص من الالتزام به، فكما أن القرآن أمر بالصلاة، وقال: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ﴾، وأمر بالصيام، وقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، أمر بالحجاب ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾، فصيغة الأمر التي تعني أن العمل فريضة لا فرق فيه بين الصلاة والصوم والحجاب فلا مناص عن هذه الجهة، حدود الحجاب فقهيا وأحكامه وشرائطه أنا تحدثت عن هذا الموضوع في حوار رمضاني في ثلاث حلقات موجود في موقع المنير بعنوان: «الحجاب تقييد للحرية أم ضرورة اجتماعية» يمكن الرجوع إلى الحوار لمعرفة الحدود الفقهية.
الحجاب فريضة قرآنية متصفة بصفتين:
الصفة الأولى: أنها حق لله تبارك وتعالى ليس حقا للمرأة حتى تتنازل عنه وليس حقا للأسرة حتى تقرر وجوده أو عدمه هو حق لله، فمثلا القصاص حق لولي الدم بإمكان ولي الدم أن يتنازل عن حقه في القصاص، ولكن الصلاة والصوم والحجاب وحرمة شرب الخمر ليست حقا للعبد حتى يتنازل عنه أو يسقطه وإنما هو حق لله تبارك وتعالى فلا مجال لرفع اليد عنه، كما أن الحجاب مظهر لعبودية المرأة لله، الإنسان العابد لله له مظاهر لهذه العبودية، كما أن الصلاة مظهر للعبودية لله عز وجل، الصيام مظهر لعبودية الله عز وجل، حجاب المرأة من المرأة مظهر لعبوديتها لله تبارك وتعالى، كما أنه يحرم على المرأة الحائض أن تلبث في المساجد ويحرم على الرجل مباشرتها كذلك يحرم على المرأة إبداء مفاتنها للأجنبي، هذا مظهر لعبوديتها لله تبارك وتعالى، فسواء عرفت المرأة ما هي فلسفة الحجاب وما هي أهداف الحجاب وما هي الحكمة من الحجاب أم لم تعرف فإن هذا لن يغير من الواقع شيئا، الحجاب حق لله لا مجال للتنازل عنه، الحجاب مظهر للعبودية لله ومظهر لإطاعة الله تبارك وتعالى فلابد من التأطر في حدود هذه العبودية وهذه الإطاعة.
نعم القرآن الكريم كما ذكر أهدافا للفرائض الأخرى ذكر أهدافا للحجاب، القرآن عندما تعرض للصلاة ذكر أهدافا للصلاة، قال: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾، وقال: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، ذكر الصيام وذكر هدفا للصيام، قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ حتى ينال الإنسان التقوى، ذكر هدفا لحرمة الربا عندما قال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ الهدف من حرمة الربا منع الظلم، كذلك ذكر أهدافا لفريضة الحجاب عندما قال القرآن الكريم: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ﴾ إذن ذكر علل وأهداف للحجاب.
من هنا ننطلق إلى فلسفة الحجاب من خلال ما نظر إليه القرآن الكريم من جهة ذكره وبيانه لبعض أهداف الحجاب في الإسلام.
المحور الثاني: فلسفة الحجاب.
فلسفة هذه الفريضة تعود إلى عدة منطلقات نظرت إليها الشريعة الإسلامية: منطلق اجتماعي، منطلق روحي، منطلق أسري، منطلق عرفاني، منطلق إعلامي، هناك عدة منطلقات لوحظت في فريضة الحجاب، نعدد هذه المنطلقات:
المنطلق الأول: المنطلق الاجتماعي.
هناك مدرسة في علم النفس تسمى بالمدرسة السلوكية وهي تركز على الاستجابة للمثير، أن الاستجابة للمثير قد تكون استجابة سوية وقد تكون استجابة مرضية، فمثلا الإنسان لديه حاجات بيولوجية مثل حاجته للطعام، لديه حاجات شعورية مثل حاجته إلى الجنس مثلا، له حاجات نفسية مثل حاجته للتملك وأخذ الأشياء، كل حاجة من هذه الحاجات كيف يشبعها ويغذيها؟
استجابته لما يثير عنده الحاجة تارة تكون استجابة سوية وتارة تكون استجابة مرضية، مثلا الإنسان يحتاج إلى الطعام – حاجة بيولوجية – الجوع مثير فكيف يستجيب الإنسان لهذا المثير؟ تارة يأكل بحدود صحية وهذه استجابة سوية، وتارة يأكل بلا حدود وبشكل مسرف فيصاب بالتخمة الممرضة وهذه استجابة مرضية، الإنسان مثلا محتاج إلى الجنس فكيف يشبع هذه الحاجة؟ تارة يشبعها بحدود وهذه استجابة سوية، وتارة يشبعها بإفراط فيتحول إلى إنسان جنسي، شره جنسيا لا يستغني عن هذا الأمر يوميا وهذه استجابة ممرضة، وكذلك الإنسان يحب أن يتملك الأشياء عنده نزعة التملك قد يستجيب إلى هذه النزعة استجابة سوية ضمن القوانين يتملك، وقد يستجيب لهذه النزعة استجابة مرضية القوانين لا تكفيه فيذهب عبر الاحتيال والسرقة واللف والدوران إلى أن يتملك أكبر قدر من الثروة وهذه استجابة مرضية.
إذن هناك استجابة سوية وهناك استجابة مرضية، القرآن عبر عن الاستجابة المرضية بمثالين:
المثال الأول: النفاق، قال: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾.
المثال الثاني: التبرج، حيث قال القرآن الكريم: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾.
نمثل لهذين المرضين:
عندما تعيش المرأة ازدواجية في الشخصية، هي محجبة ولكن لديها علاقات غير مشروعة أو لديها ميولات غير مشروعة، هذه تعيش مرض النفاق وازدواجية الشخصية، وكذلك الرجل الذي لا يمتلك ضبطا لغريزته ولا يمتلك تحكما في ذاته، يلهث وراء صوت المرأة وشكل المرأة ومكياج المرأة ووراء مفاتن المرأة بدون حدود وبدون قيود، هذا يعيش مرض الاسترسال وراء شهوته وغريزته، وكلاهما مرض لذلك القرآن قال: ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾.
إذن من أجل صيانة المجتمع عن هذه الأمراض: مرض ازدواجية الشخصية، ومرض الاسترسال وراء الشهوات والغرائز، من أجل منع هذه الأمراض جاء الإسلام وفرض حدود من أجل صيانة المجتمع من مرض الاسترسال وراء الغرائز والشهوات، وقال: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ بدأ أولا بالرجل، بعض النساء تقول لماذا الحديث كله على النساء، القرآن بدأ بالرجل لم يبدأ بالمرأة، الرجل مسؤول أولا عن صيانة المجتمع وعن الاسترسال وراء الشهوات، ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾، إذن الرجل والمرأة كلاهما مسؤولان عن صيانة المجتمع عن الاسترسال وراء الشهوات، الرجل يغض بصره والمرأة تستر بدنها، كل منهما يمارس وظيفة لمنع انهيار المجتمع وراء مرض الاسترسال وراء الشهوات.
المنطلق الثاني: المنطلق الروحي.
عندما نأتي للمدرسة الثانية في علم النفس تسمى: المدرسة الاستبطانية، وهي تركز على مبدأ تأجيل اللذة، كل إنسان له ثلاث أنواع من اللذة: لذة حسية مثل اللذة بالطعام، ولذة نفسية مثل لذة الحب، إذا شعر الإنسان بطعم الحب بينه وبين أمه، بينه وبين زوجته هذه لذة نفسية، ولذة عقلية عندما يكون الإنسان قادر على حل معادلات رياضية، قادر على حل طلاسم يصاب بلذة عقلية.
الإنسان الذي يحكم غريزته هو الإنسان القادر على تأجيل اللذة وله ثلاثة أساليب:
- تأجيل معوض.
- تأجيل مثمن.
- تأجيل مبدئي.
التأجيل المعوض: أن أؤجل بعوض، مثل الطالب أيام الامتحانات يقلل علاقاته مع الأصدقاء ويقلل النوم والأكل أي يؤجل لذاته حتى يحصل على العوض وهو التفوق الدراسي.
التأجيل المثمن: مثل الذي يبذل وقته وجسمه وطاقته في خدمة الناس بلا مقابل، في خدمة المآتم، في خدمة الفقراء، في خدمة المشاريع الخيرية، هذا يؤجل كل لذاته لكن هذا التأجيل مثمن، مقابل هذا التأجيل يثني عليه المجتمع، ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾، ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ﴾.
التأجيل المبدئي: أرقى أنواع التأجيل، التأجيل لا لغرض العوض ولا لغرض أن يكتسب سمعة أو أن يكون له مدح أبدا، لأنه يرى في التأجيل مبدأ، هو يرى من مبادئه تأجيل اللذة، كما يرى من مبادئه الصدق والأمانة يرى من مبادئه تأجيل اللذة، لذلك يقول العرفاء: اللذة في ترك اللذة، أي اللذة الروحية في ترك اللذة الجسمية، نفس تأجيل اللذة هو مبدأ من المبادئ، لذلك القرآن يمدح هؤلاء، ويقول: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، ويقول عنهم: ﴿وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى﴾ هؤلاء يمارسون تأجيل اللذة.
من التأجيل المبدئي حجاب المرأة، فالمرأة بطبيعتها تحب أن تبرز أنوثتها وجمالها وأناقتها، طبيعة فطرية عند المرأة إبراز الجمال والأناقة والأنوثة، لذة تمارسها المرأة عندما تبرز جمالها وأنوثتها لأي ناظر، عندما يمدحها أحد في جمالها تلتذ، حتى المرأة العفيفة الملتزمة عندما يمدح أحد جمالها ترتاح نفسيا، طبيعة في المرأة هكذا، طبيعة المرأة أنها تحب أن يمدح جمالها، عندما يقول لها الإسلام هذه اللذة أجليها، أجلي هذه اللذة لعلاقة الزواج، بدون زواج لا تمارسي هذه اللذة، أجلي هذه اللذة إلى يوم القيامة، نفس تأجيل اللذة هو مبدأ روحي تمارسه المرأة.
إذن الحجاب هو تأجيل للذة، بدل أن تبرز مفاتنها وتحرز لذة في إبراز المفاتن، ستر مفاتنها لون من ألوان تأجيل اللذة وهو مبدأ عظيم يدل على قوة الإرادة ويدل على الصبر والتحكم في الغرائز واللذات والشهوات، وبالتالي الحجاب مظهر روحي ومبدأ وصورة من صور مبادئ تأجيل اللذة التي تمارسها المرأة من خلال التزامها بالحجاب.
المنطلق الثالث: المنطلق العرفاني.
علماء العرفان يقولون: الله تبارك وتعالى له صفة العزة، ما معنى ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ حتى المؤمنين يجب أن تكون لديهم صفة العزة، كيف تحصل العزة؟
باقتران الجمال والجلال، الله له صفة جمال وله صفة جلال، من جماله رحمته وعفوه ورزقه، ومن جلاله قوته وجبروته ورقابته، إذن الله له جمال وجلال، هذا المزج جماله في جلاله وجلاله في جماله، المزج بين الجمال والجلال عزة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ العزة كناية ورمز لهذا الامتزاج بين الجمال والجلال، جماله في جلاله وجلاله في جماله تبارك وتعالى.
أيضا المؤمن عنده جمال وعنده جلال، عنده صفات جمالية يعفو، يسامح، يبادر، يخدم، وعنده صفات جلالية قوي، متحكم في ذاته، متحكم في مشاعره، عندما يمتزج الجمال بالجلال يكتسب المؤمن صفة العزة ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
عندما تمزج جمالها بجلالها، المرأة بطبيعتها لوحة جمالية لذلك جمالها بطبيعتها، الذي تحتاجه هو الجلال، أن تمزج هذا الجمال بالجلال، ستر الجمال وصيانته وتقنينه هو الجلال، عندما يكون الجمال معروض لكل شخص ومبذول لكل ناظر ولكل محدق إذن الجمال موجود لكن الجلال غير موجود، أما عندما تقوم المرأة بستر هذه المفاتن وتضع تقنين لإبرازها لمفاتنها، ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ﴾ من حق المرأة أن تبرز جمالها لكن ضمن هذه الحدود التي تحفظ جمالها بجلالها، إذن ستر الجمال بالحجاب جلال، وقرن الجمال بالجلال عزة، وبالتالي تصبح المرأة إنسانا عزيزا لأنها قرنت الجمال بالجلال، فالمرأة المبذولة رخيصة لكن المرأة المتمنعة المتسترة هي التي ترى عزيزة وغالية ومهمة، دائما الابتذال يساوي الرخص، أي بضاعة تعرضها في السوق إذا هي مبتذلة تصبح رخيصة وإذا هي بضاعة نادرة تصبح غالية وعزيزة، إذن الابتذال مساوق للرخص، بينما التغنج والتمنع ومزج الجمال بالجلال هو الذي يعطي الغلاء والعزة.
سامي عامري لديه دراسة في مجلة نيويورك تايمز، في هذه الدراسة كتب عن الإعلانات والدعايات التي تنشر على مستوى العالم، في اليوم الواحد ينفق الرجال ملايين الدولارات لأجل أن تبرز المرأة من خلال إعلان أو دعاية، تنفق الشركات مليارات الدولارات من قبل الرجال على أن تبرز المرأة في ملابس داخلية أو أن تبرز في ملابس السباحة أو أن تبرز يدها أو ساقها أو رجلها على كل منتج، على كل مصطنع، حتى على المشروبات العادية توضع صورة المرأة، لماذا؟
لأن صاحب الدراسة يقول: اكتشفنا من خلال هذه الدراسة سحر التأثير البصري لصورة المرأة على الرجل، صورة المرأة لها تأثير سحري على بصر الرجل، سحر التأثير البصري لجسم المرأة على الرجل كشف لنا من خلال هذه الدراسة جميع المنتجات والمصنوعات لا تروج ولا تشيع إلا من خلال صورة المرأة لذلك ابتذلت صورتها في الإعلانات والدعايات والمجلات والجرائد، حتى ساقها ويدها، هذا الابتذال يجعل المرأة رخيصة في نظر الرجل وأنها مجرد سلعة يستخدمها لتسويق منتجاته ومصنوعاته، وسلعة يستخدمها لإشباع غرائزه وشهواته وهذا أمر خطير أن تكون المرأة بهذه الصورة وبهذا النظر.
إذن صيانة من الإسلام لعزة المرأة وأن تكون غالية عزيزة أمرها أن تمزج جمالها بجلالها، ومزج جمالها بجلالها بأن تصون هذه المفاتن عبر هذا الحجاب الذي لا يمنعها لا من عمل ولا من نتاج ولا من نشاط ولا من إبداع إطلاقا بإمكانها أن تمارس ذلك.
هناك بعض الأخوات يطرحن هاذين السؤالين:
الحرية ليست قيمة مطلقة، الحرية قيمة إذا كانت ضمن الكرامة، حريتك ضمن كرامتك لا كرامتك ضمن حريتك، أنت حر ما دامت الحرية تخدم الكرامة أما إذا كانت الحرية وسيلة لتضييع وإهدار الكرامة لا تصبح الحرية قيمة فطرية مطلوبة، مثلا لو أن مجتمع رفض التعليم وقال نحن أبناء قبيلة لا نريد أن نتعلم نريد أن نبقى جهلة فنحن أحرار، هذه الحرية ليست قيمة لأن فيها إهدار للكرامة، حرية على حساب علم الإنسان ومعرفة الإنسان، ليس المجتمع حرا في أن يتعلم أو لا يتعلم مجبور على أن يتعلم.
نحن الآن لدينا وباء كورونا أو متحور دلتا – كما يقولون – دخل بعض المجتمعات الخليجية، فلو قال المجتمع نحن لا نريد لقاحات ولا احترازات ولا كمامات دعونا أحرار، هل يمكن ذلك؟ لا، فالحرية التي تكون على حساب صحة الإنسان ليس لها قيمة قانونية ولا قيمة أخلاقية، الحرية في إطار الكرامة، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ لم يقل حررنا بني آدم، اهتم بالكرامة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ إذن الحرية في إطار الكرامة انطلاقا من هذا المرأة حرة لكن إذا كانت حريتها تضمن كرامتها، وكرامتها في الجمع بين الجمال والجلال وليست كرامتها أن تصبح سلعة رخيصة كما تريدها بعض الشركات أو بعض الحركات التحررية.
هذه القضايا شكل ومضمون، ليست القضية مضمون بدون شكل وشكل بدون مضمون، فمثلا الصلاة شكل ومضمون، الصلاة شكل من خلال القيام بالحركات من قيام وقعود وركوع وسجود، ومضمون أيضا، القرآن يقول: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، فلو قال الإنسان أنا لا أحتاج إلى الصلاة أنا لدي تأملات روحية بيني وبين ربي ومن خلال هذه التأملات الروحية لا أمارس لا الفحشاء ولا المنكر وليس هناك داع للصلاة، هل يمكن؟ لا، فقوتك على ترك الفحشاء والمنكر لابد أن يكون لها شكل يبرزها والشكل الذي يبرزها هو الصلاة.
يأتي إنسان مثلا يقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ فيقول لماذا حرم الله الزنا؟ حرمه حتى لا تختلط الأنساب، يمكن للمرأة أن تشرب حبوب منع الحمل أو الرجل يكون عقيم وبالتالي يمارسون الجنس عبر الزنا بلا مانع لأن الهدف من حرمة الزنا تحقق وهي منع اختلاط الأنساب وتنتهي المشكلة، نحن نقول لا، الابتعاد عن الزنا عفة وهذا هو شكلها ومظهرها، مظهرها أن يترك الإنسان الانجرار وراء الزنا.
إذن هناك مضمون وهناك شكل يبرز المضمون، المرأة عفيفة لكن تبرز عفتها بحجابها، الحجاب مظهر ورمز للعفة، فالعفة المطلوبة شكل ومضمون وليست مجرد مضمون بلا شكل ولا شكل بدون مضمون، العفة مضمون يتجلى ويبرز من خلال هذا الشكل الذي تلتزم به المرأة ألا وهو شكل الحجاب.
المنطلق الرابع: المنطلق الأسري.
ويل ديورانت في كتابه «قصة الحضارة» يقول: قام الزواج على نزعتين: نزعة الاستحواذ عند الرجل، ونزعة التغنج عند المرأة، الرجل يريد أن يصطاد المرأة أن يصل إليها، طبيعته هكذا أنه يسعى نحو المرأة، والمرأة بطبيعتها تتمنع تعيش التدلل والتغنج أمام الرجل، لولا هاتان النزعتان لكان الزواج بلا معنى، الزواج يقوم على حب الرجل للمرأة وتغنج المرأة أمام الرجل، هاتان النزعتان دعامتان لبناء الزواج ولكيان الزواج، لذلك الرجل بطبعه يحب المرأة الممتنعة ولا يميل إلى المرأة المبذولة، هذا بطبع الرجل، فمتى ما بذلت المرأة مفاتنها لكل رجل تتحول العلاقة بينها وبين الرجل إلى علاقة جنسية وليست علاقة عاطفية فالرجل لا يميل إليها عاطفة يميل إليها جنسا، طبيعة الرجل أنه يميل إلى المرأة المتمنعة لكي يصل إليها، فمتى ما رفعت الحواجز ومتى ما رفعت الستر وأصبحت مبتذلة تتحول العلاقة من علاقة عاطفية إلى علاقة جنسية بحتة والعلاقة الجنسية البحتة لا يقوم عليها زواج ولا تقوم عليها أسرة، بل يترتب على ذلك أثران خطيران:
الأثر الأول جفاف الحب الأسري، إذا كان المجتمع كله نساؤه سافرات والرجل كل يوم يرى بدائل عن زوجته ويرى ألوان من الجمال وألوان من المفاتن وألوان من الإغراءات والإثارات يفقد الرجل علاقته بزوجته وهذا أمر طبيعي، الرجل الذي يعيش يوميا بدائل صور ومناظر وإغراءات وإثارات هو إنسان ومن الطبيعي أن تصبح شهواته وغرائزه متحركة ومتجددة يوميا لما يرى من البدائل وتتحول علاقته بزوجته إلى علاقة باردة عاطفيا، إلى علاقة جليدية عاطفيا، لأنه لا يرى في زوجته ميزة ولا محرك ولا مثير ما دام يرى ألوان من المثيرات والغرائز يوميا، وإذا تحولت العلاقة مع الزوجة إلى علاقة باردة أصبح الرجل يرى الأسرة سجن يريد أن يفر منه حتى ينطلق في شهواته وغرائزه، وأصبحت المرأة تنظر إلى الرجل أنه سجن تريد بديلا عنه لأنه لا يشبعها عاطفيا ولا يملؤها سكنيا خلاف ما دلت عليه الآية المباركة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ من هنا يبدأ التوتر الأسري، يبدأ الجفاف في علاقة الحب بين الزوجين، وإذا عاش الزوجان توترا عاش الأبناء توترا، فالأبناء الذين يعيشون بين زوجين بينهما علاقة حميمة يصبحون أولاد منتجين ومبدعين وواثقين من أنفسهم، والأبناء الذين يعيشون بين زوجين متوترين عاطفيا يصبحون أبناء قلقين ومتوترين.
إذن أثر الحجاب حصر الاستمتاعات في بيت الزواج، ليس لك استمتاعات خارج الزواج لأن المرأة محجبة، أثر الحجاب حصر الاستمتاع في بيت الزواج وإذا انحصر الاستمتاع في بيت الزواج قويت العلاقة بين الرجل والمرأة وأصبحت علاقة حب وسكينة ومودة ورحمة، بينما أثر التبرج هدم هذه العلاقة الحميمة بينهما وتحول العلاقة إلى علاقة جنسية يمكن أن يشبعها الرجل في أي مكان وبأي بديل ونتيجة ذلك التوتر في الجو الأسري بكامله، ومن هنا ركز الإسلام على ضرورة الحجاب.
ربما شخص يقول إذا انتشر السفور مثل الغرب وانتشر التبرج وظهرت المفاتن فلا يوجد مشكلة الرجل شيئا فشيئا يبرد لأنه كل يوم يرى نفس الجمال، هذه الغريزة ستبرد لأنه لو رأى الجمال يوم في الأسبوع يمكن أن يتحرك، أما إذا كان يرى الجمال يوميا ويرى الإثارات والإغراءات بشكل يومي فمن الطبيعي أنه سيعتاد على ذلك وستبرد غريزته وتنتهي المشكلة، فما هي المشكلة في ترك الحجاب والتبرج؟
الفيلسوف راسل يقول بأن الحاجات على قسمين: مؤقتة، ودائمة، كيف ذلك؟
حاجة الإنسان إلى النوم حاجة مؤقتة ينام ست ساعات أو ثمان ساعات ويكتفي ويستيقظ نشيط، حاجة الإنسان إلى الطعام أيضا حاجة مؤقتة يأكل ويشبع بطنه ويكتفي، بينما هناك حاجات دائمة مثل حب المال، هل هناك شخص يقتنع بمال قليل؟ لا يوجد، فهذه حاجة متجددة ودائمة لذلك ورد عن الإمام علي : ”منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال“ من يطلب العلم لا يقف عند حد، ومن يطلب المال لا يقف عند حد، الشره نحو المال شيء دائم وليس شيء مؤقت كذلك الشره الجنسي ليس شيئا مؤقتا، فرق بين الحاجة الجنسية والشره الجنسي، الحاجة الجنسية ربما الإنسان خلال دقيقة يمارس الجنس ويفرغ المادة وينتهي، لكن الشره يختلف عن الحاجة الشره الجنسي أمر دائم متجدد ومتلون ومتغير، لذلك كلما تغيرت الإثارات وكلما تجددت الإغراءات تجدد عنده الشره الجنسي وتجددت عنده الرغبة وتغيرت إلى ألوان متعددة وهذا ما نراه في الغرب على مصراعيه.
الآن في أمريكا مثلا توجد قوانين قاسرة لمنع التحرش الجنسي أكثر من الشرق مع ذلك حوادث الاغتصاب وحوادث التحرش وحوادث العلاقات غير المشروعة على مصراعيها، لم تجدي القوانين في التخفيف منها ولا في منعها لأن الجمال إذا عرض بكل إغراءاته وإثاراته فالشره الجنسي يبقى مشتعلا ومتجددا وإن تغيرت ألوانه وأشكاله، إذن صيانة للجو الأسري الحميم فرض الإسلام الحجاب.
المنطلق الخامس: المنطلق الإعلامي.
علم الاجتماع يركز في المادة الإعلامية على الرمز فالرمز يخدم في مجال الإعلام، فمثلا تدخل نيويورك ترى منارة من بعيد هذا رمز للحضارة الإسلامية هذا يعطي مضمون إعلامي للإنسان، الرمز قد يكون بناء مثل المنارة تكون رمز للمسجد، وقد يكون الرمز لباس، فالطبيب يلبس هذا القميص الأبيض رمزا لمهنته كطبيب، وقد يكون الرمز عمل من الأعمال، فالإنسان الحاج يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، هذا العمل عمل رمزي يرمز إلى التخلص من الشيطان، إذن الرمز له دلالات إعلامية مهمة ومن تلك الرموز الحجاب، فالحجاب رمز للهوية الإسلامية، الحجاب رمز للحضارة الإسلامية، خصوصا في الغرب فعندما تذهب إلى الغرب وترى امرأة محجبة تعرف أن هذه امرأة ملتزمة بدينها وبمبادئها، هذه الدلالة الرمزية يراعيها الإسلام مراعاة كبيرة جدا، هذا رمز للهوية الإسلامية، رمز للحضارة، لا يمكن رفع اليد عنها ولا يمكن التنازل عنها.
إذن من هذه المنطلقات نفهم فلسفة الحجاب في الإسلام.
المحور الثالث: القيم التربوية في قصة كربلاء.
كربلاء محور للقيم ومحور للمثل العليا، من كربلاء نتعلم القيم، زينب وما أدراك ما زينب ، زينب ونساء الحسين وبنات الحسين يعلمن الأجيال كلها القدوة والمنار في الالتزام بالحجاب ولذلك وقفت زينب أمام يزيد ابن معاوية، وقالت: «أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد أبديت وجوههن وهتكت ستورهن لا من حماتهن حمي ولا من ولاتهن ولي» إذن عرضت عظمة وأهمية الالتزام بالحجاب صلوات الله عليها.
من قيم كربلاء قيمة الإيثار، العباس ان علي ينزل إلى الماء ولكن بمجرد أن يتذكر أخاه الحسين وهو محتاج إلى الماء حاجة ماسة وفي آخر لحظات حياته، لكن خلق الإيثار تجلى في شخصيته، فقال:
يا نفس من بعد الحسين هوني هذا حسين وارد المنوني تالله ما هذا فعال ديني |
وبعده لا كنت أو تكوني وتشربين بارد المعيني ولا فعال صادق اليقيني |
تأتي إلى قيمة الإصرار على المبادئ وعدم التنازل عنها عندما يبرز علي الأكبر:
أنــا علي بـن الـحسين بـن علي نحن وبيت الله أولى بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي |
الحسين أيضا يمثل هذا المبدأ عندما يقول:
«أنا الحسين ابن علي آليت ألا أنثني والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون».
نأتي إلى قيمة أيضا من القيم العظيمة التي تجلت يوم كربلاء وهي قيمة التعاون، شيوخ وشباب وأطفال كلهم ظهروا بصورة واحدة، الشيخ حبيب ابن مظاهر، الشاب علي الأكبر، الصبي القاسم بن الحسن ، كل الألوان وكل الأعمار تعاونت تحت مبدأ واحد واشتركت تحت إطار واحد ألا وهو إطار الفداء في سبيل الدين وفي سبيل السماء وفي سبيل القيم والمبادئ، كلهم بهذا النداء انطلقوا إلى المعركة.
ومن تلك القيم يوم كربلاء قيمة العبادة، تصور أن جماعة مقبلين على الموت ويعلمون أنهم غدا سيموتون كلهم يبيتون ليلتهم في العبادة قائمين قاعدين راكعين ساجدين يتزودون من الصلاة، وفي اليوم الثاني في وسط الحرب والمعركة قائمة يقف الحسين ويصلي لربه صلاة الظهر، قيمة العبادة والإصرار على الصلاة تجلى يوم عاشوراء.
ومن القيم العظيمة لكربلاء قيمة الارتباط بالله والتوكل عليه، الحسين يذبح طفله بين يديه ويقول كلمة واحدة: «هون ما نزل بي أنه بعين الله»، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، الحسين يصيبه السهم المثلث فينزل على الأرض وهو يقول: «اللهم رضا بقضائك وتسليما لأمرك يا غياث المستغيثين».
اترك تعليقاً