|
المكان: | مسجد الحمزة بن عبدالمطلب | سيهات |
المصدر: | موقع السيد منير الخباز |
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: 71]
صدق الله العلي العظيم
ذكرت الدكتورة أليس روزي عالمة اجتماع أمريكية أن من ينكر الفروق الثابتة بين الرجل والمرأة فهو يقف بوجه علوم البيولوجيا، وعلوم المخ والأعصاب، وأن من يتنكر لهذه الفروق كمن يتنكر لتغيرات الطقس أو ينكر وجود جبال الهملايا، وأن ما استحدث في الغرب من حبوب منع الحمل، وأساليب منع الإنجاب وأساليب الإجهاض واستئجار الأرحام وعمليات الاستنساخ، كل ذلك من أجل تخلص المرأة من قيود الإنجاب، لن يزيل الفوارق الثابتة بين الرجل والمرأة؛ لأن الفارق بين الرجل والمرأة لا ينحصر في الحمل والولادة حتى إذا تخلصت المرأة من الحمل والولادة انتهت الفوارق بين الرجل والمرأة، إن الفوارق بين الرجل والمرأة أعمق من ذلك بكثير؛ لأنها فوارق ترجع إلى تركيب المخ وآلياته، والنظر إلى الحياة وأولويات المسيرة فيها، من هنا انصب البحث في ثلاث ليال حول المقارنة بين الاتجاهين: الاتجاه الجندري والاتجاه الديني.
بعض الأصدقاء من سلطنة عمان ذكر لي أنه في الليلة الثانية التي تحدثنا فيها حول الجندر والحركة النسوية أنه لم نسلط الضوء على المناقشات للاتجاه الجندري واكتفينا ببعض الملاحظات، والحال بأننا عقدنا ثلاث ليال وما زلنا إلى الآن نتكلم عنه ولم نستوفي البحث بعد، تحدثنا في الليلة الأولى: الفرق بين الجندر والحركة النسوية، ثم في بيان الفروق بين الاتجاهات الجندرية والاتجاه الديني، وبحثنا في الليلة الثانية: عن موقع المرأة القيمي في المفهوم الديني والإسلامي من خلال منطلق فلسفي ومنطلق قرآني ومنطلق قانوني، وفي هذه الليلة أيضاً نتابع البحث حول تأصيل الفروق بين الجنسين وما ينسجم مع هذه الفروق الأصيلة بين الحنسين.
الخلاف بين الاتجاهين الاتجاه الجندري والاتجاه الديني يكمن في نقطتين:
- النقطة الأولى: لا إشكال في وجود فوارق طبيعية بين الجنسين، ولكن هل أن النظام الحقوقي يبتني على هذه الفوارق الطبيعية أم لا، أم أن النظام الحقوقي منفصل؟
الاتجاه الجندري يقول أن النظام الحقوقي لا علاقة له بالفوارق الطبيعية بين الجنسين، بينما الاتجاه الديني يرى ترابطاً بين الفوارق الطبيعية والنظام الحقوقي وتوزيع الأدوار وتقسيم الوظائف. - النقطة الثانية: علاقة الطرفين في جو الأسرة، هل العلاقة بين الطرفين في مؤسسة الأسرة تبتني على نزعة وظيفية، بحيث أن كل منهما موظف مستقل ويؤدي أدوار معينة، أم أن العلاقة بين الطرفين في محيط الأسرة هي علاقة تكامل وليست علاقة وظيفية؛ أي علاقة مبنية على النزعة الأخلاقية لا على النزعة الوظيفية.
إذن هناك نقطتان محل خلاف بين الاتجاه الجندري والاتجاه الديني، ولذلك في هذه الليلة نتابع البحث من خلال محاور ثلاثة نستوفيها:
- في الفوارق الثابتة بين الرجل والمرأة.
- مركز االاختلاف بين الاتجاهين الجندري والديني.
- علاقة التكامل بالاختلاف الفطري.
المحور الأول: في الفوارق الثابتة بين الجنسين.
ربما تحاول بعض الحركات النسوية إلغاء الفوارق بين الجنسين ولكن هناك فوارق ثابتة لا يمكن غض النظر عنها وهي على ثلاثة أنواع: فارق فسيولوجي «طبيعي»، فارق سيكولوجي «نفسي»، فارق سلوكي.
الفارق الأول: الفارق الطبيعي البيولوجي بين الذكر والأنثى.
الدكتور عمرو شريف في كتابه «المخ ذكر أم أنثى؟»[1] : كل إنسان له عقلان عقل مسؤول عن التحليل وهو الفكر التحليلي، وعقل مسؤول عن التفكير الانفعالي كالحدس والخيال والإبداع.
أيضا الدماغ له نصفان نصف أيمن ونصف أيسر، النصف الأيسر من الدماغ هو هذا النصف المسؤول عن التفكير والتحليل والاستنتاج، بينما النصف الأيمن هو المسؤول عن التفكير الانفعالي، لذلك عندما نأتي لملاحظة الفرق بين الرجل والمرأة في الدماغ:
الملمح الأول: أن الرجل أكثر تفوقاً في الذكاء التصنيفي؛ تصنيف الأشياء وفرزها، والمرأة أكثر تفوقاً في الذكاء اللغوي والاجتماعي، فترى الطفلة الأنثى تكتسب اللغة قبل أن يكتسبها الولد الذكر وإن كانا في سن واحد، البنت أقدر على التكيف مع الآخرين والانفتاح عليهم من الولد، فهو متميز في مجال الذكاء التصنيفي، وهي متميزة في مجال الذكاء اللغوي والذكاء الاجتماعي؛ وهي القدرة على التكيف والتفاعل مع الآخرين.
الملمح الثاني: مراكز الدماغ لدى الرجل كأنها منفصلة، كأن كل وظيفة عقلية للرجل في صندوق مستقل عن الوظيفة العقلية الأخرى، بينما عندما نأتي للأنثى النصف الأيسر من الدماغ المسؤول عن التفكير والتحليل في صلته بالنصف الأيمن المسؤول عن الانفعالات، هذه الصلة أكثر غزارة عند الأنثى من الذكر، ولذلك قرارات الأنثى فيها جرعة من الانفعال والتعاطف أكثر من قرارات الرجل؛ نتيجة غزارة الصلة بين النصفين الكرويين من الدماغ.
الملمح الثالث: يقول الدكتور أن أي مشكلة تعرض على الرجل وتعرض على المرأة، والاثنان محللان اجتماعيان ومحللان نفسيان، فإن الرجل يتجه للمشكلة من خلال الأعمدة الرئيسية لها، يتجه إليها ويغض النظر عن التفاصيل، لذلك يعتبر تفكير استراتيجي، أما المرأة عندما تتلقى المشكلة فإنها تتلقاها بكل أبعادها وكل تفاصيلها، بكل أبعادها الاجتماعية والنفسية والإنسانية، ولذلك تتعامل مع أي مشكلة بنظر الاعتبار مع كل تفاصيلها، لذلك تفكيرها تفكير تكتيكي تنفيذي، إذن هناك اختلاف بين الجنسين في تركيب المخ وآلياته وأوليات النظر إلى الأمور.
الفارق الثاني: الفارق السيكيولوجي «النفسي».
ما هي ميول كل منهما؟ ما هي نظرة كل منهما للحياة؟ وما هي نظرة كل منهما للنجاح ومقاييس النجاح، وهل يختلف الذكر عن الأنثى في مجال هذه الميول؟
عندنا صور خمس تبين لنا الاختلاف السيكولوجي بين الرجل والمرأة:
الصورة الأولى: دراسة ذكرها الدكتور عمرو شريف في كتابه «»، أقيمت في ستة من المجتمعات الحديثة، وهذه الدراسة تتركز على النظر للمستقبل وأولوياته، وطرح السؤال على الرجل: ماذا تريد أن تكون في المستقبل؟ وطرح السؤال على المرأة: ماذا تريدين أن تكوني في المستقبل؟
فأجاب أغلب الرجال أنهم يريدون أن يكونوا في المستقبل إنساناً ذا قوة، نافذاً، ذا سيادة ذا تمكن، والمرأة تريد أن تكون محبوبة بين الناس وأن تكون معطاءة ومساهمة في إنقاذ الآخرين.
وعندما طرح السؤال عن الأولوية: ما هي أولويات الرجل؟ وما هي أولويات المرأة؟
فإن أولويات المرأة تركزت في الاعتبارات الإنسانية، وفي اكتساب الخبرات الاجتماعية والإنسانية، بينما أولويات الرجل تركزت على الاعتبارات الاقتصادية والسياسية، أن يكون ثرياً وقوياً، وأن يكون مستقلاً ونافذاً.
إذن هناك فرق بينهما من حيث الميول إلى المستقبل وتحديد الأولويات.
الصورة الثانية: دافيد بوس عالم اجتماع أمريكي أقام دراسة على عشرة آلاف سيدة ينتمين إلى سبعة وثلاثين حضارة، أقام هذه الدراسة التي تتعلق بالنظر إلى الزوج، وبطبيعة شريك الحياة، فالمرأة تركز على موقع الرجل المهني أو الاجتماعي، فعادة المرأة لا يهمها شكل الرجل وهندامه أكثر مما يهمها موقعه المهني والاجتماعي؛ لأنها تركز على رجل يوفر لها الأمن والحماية النفسية والمادية، لها ولأسرتها؛ لذلك تركز على الموقع، بينما الرجل عندما يسئل عن شريكة الحياة فأول الأسئلة التي يطرحها عن الجمال وعن الصفات الجسدية والأنثوية للمرأة بقدر ما تحقق له من سكينة وحب واستمتاع.
الصورة الثالثة: مهارات التعاطف، عندما نتأمل في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13] التعارف فرع التعاطف، فإذا لم يكن هناك تعاطف فليس هناك تعارف، والتعاطف نزعة فطرية في الإنسان، ولكن هناك شيء في علم النفس الاجتماعي يسمى بمهارات التعاطف، وما تعنيه مهارات التعاطف هو هل لديك القدرة أن تقرأ جملاً غير منطوقة، هل تستطيع أن تقرأ قسمات الوجه بمشاعر الآخرين؟ هناك دراسة قام بها أحد علماء الاجتماع يقال له روبرت رونغان، وقد قام بهذه الدراسة على ستة آلاف شخص، وتوصل إلى هذا المعنى أن الإنسان القدير على قراءة الآخرين من خلال قسمات وجوههم فهذا الإنسان هو إنسان عاطفي وحساس أكثر من غيره تأقلماً وتكيفاً مع المجتمع الذي حوله، فإذا قارنا الرجل والمرأة في هذه النقطة لوجدنا أن المرأة أقدر على قراءة الوجه من الرجل، المرأة تقرأ وجه زوجها أكثر مما يقرأ الزوج وجه زوجته وتفهمه من خلال قسماته أكثر مما يفهمها من خلال قسماتها، ولذلك فإن المرأة مؤهلة لدور الأمومة أكثر من الرجل؛ لأن الأمومة وخصوصا في السنوات الأولى تعتمد العلاقة بين الأم والطفل على قراءة قسمات وجه الطفل وتحسس أوضاعه وأحواله من خلال أمه التي تعنى به.
الصورة الرابعة: مقياس النجاح، متى يكون الرجل ناجح بنظر نفسه ومتى تكون المرأة ناجحة بنظر نفسها؟
الرجل يرى النجاح في الترقي في السلم الوظيفي، فكلما ترقى في السلم الوظيفي فهو ناجح؛ لما يحقق له هذا الترقي من ثروة ومن جاه ونفوذ، والمرأة ترى نجاحها في رصيدها الاجتماعي بحسب الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية، فكلما حققت رصيداً اجتماعياً أنقدت أناس، قضت حوائج أناس، قامت بمشاريع اجتماعية فإنها ترى أنها حققت أعلى درجات النجاح، ولذلك يرى الرجل أن المشاركة في العمل تنافس، وميدان العمل كأنه ميدان لعب كرة القدم كل ينافس الآخر حتى يحقق أكبر قدر من الفوز والنجاح، بينما المرأة تميل لشريكاتها على أنها شراكة وتعاون لا أنه على تنافس، لذلك يذكر في بعض هذه البحوث أن الرجل مستعد للتضحية بالمال والصحة وبالأصدقاء في سبيل أن يصل إلى الموقع المتميز في الوظيفة، الرجل قد يضحي حتى بأصدقائه حتى يصل إلى الموقع المتميز من النفوذ والرقي في مجال وظيفته، بينما المرأة لا تعتبر ذلك أكثر من شراكة وتعاون في مجال عملها.
الصور الخامسة: في الاستجابة إلى التوتر، الحدث عندما يعرض على الإنسان، فإن الإنسان يمر بثلاث مراحل: إنذار، استجابة، إنهاك، فالحدث ينذرك، ثم تستجيب له استجابة تفاعلية، بعد الاستجابة فإما تنتصر على الحدث أو ينهكك الحدث فلا تنتصر عليه، فعندما ينهكك الحدث لا تستطيع أن تفعل شيء، لأن الحدث قد وقع ولا تستطيع أن ترده، فكيف تتصرف كرجل وكيف تتصرف كامرأة؟
المرأة عندما لا ترى حلاً أمام الحدث يزداد عندها هرمون الأنوثة، ويؤدي بها إلى قدر من التراجع والاسترخاء، وربما تصل إلى حد الشعور بالاكتئاب والوسوسة، بينما الرجل بمجرد أن يدرك أن لا علاج أمامه تجاه ما حدث يزداد عنده هرمون الذكورة فتزداد الميول العدوانية وربما يذهب إلى روح الانتقام.
إذن بالنتيجة هناك عدة صور للفروق بين ميول الرجل وميول الأنثى، وهذا ما نعبر عنه بالفروق السيكولوجية للطرفين.
الفارق الثالث: الفرق السلوكي.
أيضا الفرق السلوكي بين الطرفين يتضح في عدة ألوان:
اللون الأول: تميل المرأة إلى العمل الذي في تواصل مع الآخر والاقتراب مع الآخر، تميل إلى العمل في الطب، الطب النفسي، التمريض، التعليم، العلاقات، باعتبار أن هذه المهن فيها تواصل مع الآخر، بينما مهن رجال الأعمال «مصطلح المهن الأربع لرجال الأعمال» التجارة المقاولات، النقل، المواصلات، فهذه المهن الأربع لا تميل إليها المرأة بطبعها وإن كانت ربما تكون موظفة في إحدى هذه المهن لكنها بطبعها لا تميل لأمثال هذه المهن.
اللون الثاني: تدير المرأة مؤسسة العمل كما تدير المنزل، بروح الأمومة، والمديرات الناجحات للشركات يصرحن بذلك ويقلن: نحن ندير الشركة كما ندير المنزل، وإدارة الشركة بروح الأمومة لا تعني أنها تعطف على الموظفين إلى حد التسيب والفساد الإداري، ولا تعني أنها تراقبهم بحزم إلى حد الاختناق، روح الأمومة هي روح المرونة وروح التوازن لذلك تتعامل مع الموظفين بروح التشجيع والدعم والمواصلة وإلفات النظر، بخلاف الرجل إذا صار مديراً فإنه يتعامل بروح قانونية صارمة بينه وبين موظفيه.
اللون الثالث: الأسرة بنظر الرجل إحدى المؤسسات التي يديرها، وإلا ربما يكون اهتمامه بوظيفته المهنية أعظم من اهتمامه برعايته الأسرية، وربما يرى نجاحه في مجال العمل أهم من نجاحه في مجال الأسرة، بينما المرأة ترى أن كيانها ونجاحها بمؤسسة الأسرة، مؤسستها الأولى هي الأسرة، لا أن الأسرة إحدى مؤسساتها، ولذلك إنما ترضى وتقر عينها إذا رأت أسرتها قائمة ومعتمدة على نفسها قائمة بوظيفتها حينئذ تعيش قرارا وارتياحاً واطمئناناً.
المحور الثاني: موطن الاختلاف بين الاتجاه الجندري والاتجاه الديني.
موطن الاختلاف بين الحركة الجندرية وبين الاتجاه الديني أو الفكر الديني من خلال ثلاثة أسئلة نطرحها:
يقول علماء الوراثة أن الخلفية البيولوجية ليست حتمية وإن كانت مؤثرة، كما أن الخلفية التربوية ليست حتمية وإن كانت مؤثرة، ولبيان ذلك لنفترض أن انساناً جاء من سلسلة كلها علماء ومؤمنين فهل لابد أن يكون مؤمناً؟ ليس بالضرورة، فانحداره من هذه الجينات الوراثية تعطيه استعداداً لأن يكون مؤمنا ولكن ليس بالحتم أن يكون مؤمناً ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾ [الأعراف: 58] هذا من حيث الاستعداد لا أنه على نحو الحتمية، فتأثير الجينات الوراثية استعدادي وليس حتمي، وكذلك لو كان لدينا توأم كلاهما جاء من رحم واحد ومن بويضة واحدة، وكل منهما يمتلك روح الاقتحام فليس بالضرورة أن يكونا بمهنة واحدة أو بدرب واحد، ربما أحدهما يصبح رئيس عصابة، والآخر جراح، امتلاك روح الاقتحام لا يعني المسانخة بين الطرفين.
أيضاً عندما تأتي للتنشئة والتربية فهي لا تعني الحتم، فأحدهم يتربى في أسرة متدينة ليس بالضرورة لأن يكون متديناً، ولكنها تعطيه استعداداً للتدين لا أنه حتماً يصبح متديناً، فلو أن هناك ولدين أحدهما أبوه قاضي، والقاضي لديه أن الحقيقة واحدة والباقي خطأ، والولد الآخر والده مندوب شركات يروج لعدة مبيعات فليس لديه حقيقة واحدة لأنه يروج لعدم مبيعات مختلفة ومتنوعة، فلا يعني أن ولد الأول سيصبح صارم في فهم الحقيقة، والولد الثاني سيصبح متنوع في فهم الحقيقية، هذه تأثيرات استعدادية وليست تأثيرات حتمية.
من هنا نقول أن الفروق التي ذكرناها بين الرجل والمرأة لا يعني أن كل امرأة تحمل هذه الفروق ولا يعني أن كل رجل يحمل هذه الفروق، ربما يكون رجل عملاق لكن تفكيره تفكير انفعالي وعاطفي، وربما تكون امرأة ويكون تفكيرها تفكير تحليلي واستراتيجي، فلا تعني هذه الفروقات الحتمية وإنما النوع، نوع المرأة هكذا تفكيره، نوع الرجل هكذا تفكيره، وليس أمراً حتمياً.
الصحفية الفرنسية آلين ويلر عملت 41 سنة مع الحركات النسوية التي تنادي بتحرير المرأة، وبالدفاع عن حقوقها وجعلها صفاً إلى صف مع الرجل وندا له في جميع الميادين، تقول: عملت 41 سنة ثم التفت إلى أن ذلك كان وهماً فليس الرجل والمرأة متساويين والذي أوهمنا أنهما متساويان هم الرجال، هم الرجال الذين دفعونا إلى هذا الميدان لنكون منافسات لهم في ميادينهم ونخرج عن إطارنا وقيمنا.
فهذه الصحفية تعتقد أن للرجال قيم وللنساء قيم، وقيم الرجال هي المنافسة، ولذلك تقول لما تركنا الأمر للرجال أدخلونا في حروب مدمرة، ووصلنا نتيجة المنافسة بين الرجال إلى أننا نتنفس الهواء الملوث ونشرب الشراب الضار، ونأكل الغذاء الغير صحي، بينما قيم النساء هي قيم التسامح وقيم الشراكة، وقيم الالتقاء، لذلك تقول: انكشف لي كالشمس في رابعة النهار أن الرجل يختلف عن المرأة وأن العلاقة بينهما ينبغي أن تكون علاقة اشتراك وليس علاقة تنافس، ينبغي أن تكون العلاقة بينهما علاقة تكامل، واستثمار الفروق في بناء علاقة تكامل لا علاقة تنافس.
الجواب عن هذا السؤال في المحور الثالث.
المحور الثالث: علاقة التكامل بالقيم والاختلافات الفطرية بين الرجل والمرأة.
النقطة الأولى: الاتجاهات الجندرية والحركات النسوية ترى أن نوع العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة الاستقلال، فكلاهما كائن واعي مستقل، فالعلاقة بينهما علاقة الاستقلال سواء كانوا في الأسرة أو في شركة أو في مجال القيادة، فالعلاقة بين الرجل والمرأة علاقة الاستقلال؛ لأن المرأة قادرة على أن تخترق كل ميادين العمل التي وصل إليها الرجل وربما تتفوق عليه. إحدى الباحثات النسويات الكويتيات تقول: أعطونا الفرصة، التاريخ من عهد سليمان وداوود إلى الآن هو تاريخ ذكوري وتاريخ الرجل، ونتيجة هذه الخلفية الثقافية التاريخية أصبح المفهوم السائد أن الرجل هو المتفوق في ميادين العمل وأن المرأة لا تبدع إلا في مجال الأسرة، فأعطونا الفرصة، لو أعطيت المرأة الفرصة كما أعطيت للرجل واشتركت معه في كل ميادين العمل ستثبت تفوقها ومهارتها وقدرتها، فلماذا لا تعطى الفرصة الكافية من أجل ذلك؟
الجواب: أنقلك إلى جوردان بيتر سون عالم نفس مشهور وله مقابلة تلفزيونية مترجمة إلى اللغة العربية، يقول في هذه المقابلة: أُجْريت دراسات نفسية إحصائية من قبل علماء نفس متخصصين في مجال الإحصاء، وأقيمت هذه الدراسات قبل 25 سنة على عينات مختلفة من خمسة وخمسين شعب، وهذه الدراسات تطرح أسئلة على الرجل والمرأة من خلال سمات الشخصية «في علم النفس الاجتماعي خمس سمات للشخصية: العصابية، الانبساطية، القبول، الانفتاح، يقظة الضمير» يقول أقيمت هذه الدراسات والنتيجة كانت: كلما زادت نسبة المساواة بين الرجل والمرأة زادت الفروقات بينهما بتناسب عكسي، وكلما زادت المساواة بينهما زادت الفروق السيكولوجية بين الطرفين بمعنى: يقول في الدول الاسكندنافية منها الدنمارك بوجه الخصوص هناك تطبيق صارم لسياسة المساواة والمماثلة بين الرجل والمرأة في جميع الميادين، وهذا التطبيق زاد الهوة بين الطرفين وزاد الفجوة بينهما وزادت الفروق السيكولوجية بحيث أصبحت المرأة دائما في مجال توتر وتشنج نتيجة المنافسة الحادة بينها وبين الرجل في جميع ميادين العمل.
بينما في الدول التي لا تطبق سياسة المساواة مثل الصومال يقول بالعكس، فنسبة التقارب بين الرجل والمرأة أقوى من نسبة التقارب بينها في الدول المتقدمة، وهذا ما ذكرته مجلة ساينس ومجلة تايمز.
كلما زادت نسبة المساواة بينهما زادت الفروق النفسية بينهما، هناك فرقان أساسيان بين الرجل والمرأة: فرق ثقافي في المفاهيم والأفكار، وفرق سيكولوجي ونفسي، فكلما ضيقنا الفرق الثقافي وقلنا أن الرجل والمرأة سواء ازداد واتسع الفرق السيكولوجي بين الطرفين وبين الجنسين، إلى حد يقول أصبح الأمر تشكيل العائلة أصبح أمراً صعباً، وتشكيل الأسرة المتلائمة المستمرة على سنين طويلة أصبح أمراً صعباً؛ نتيجة ازدياد الفجوة والفروق السيكولوجية بين الطرفين بسبب زيادة سياسة المساواة والتماثل في الحقوق والأدوار بين الطرفين الرجل والمرأة.
النقطة الثانية: عندما نرجع إلى النظرية التي يطرحها الفكر الديني، يقول أن العلاقة ليست علاقة استقلال وإنما العلاقة علاقة تكامل، فماذا يعني علاقة تكامل؟
عندما نرى الشعوب المختلفة نرى أن كل شعب يمتلك خصائص ثقافية وخصائص وراثية سلوكية تختلف عن الشعب الآخر، ومن الطبيعي أن تكون العلاقة بين الشعوب علاقة تكامل، بمعنى أن الشعوب تتلاقح أفكارها وخبراتها في سبيل بناء الحضارة الإنسانية على الأرض وهذا ما تعرضت له الآية المباركة: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13] فكما أن الشعوب الإنسانية لا يمكنها بناء الحضارة إلا إذا كانت العلاقة بينها علاقة تكامل وتلاقح تجارب، كذلك لا يمكن للرجل والمرأة بناء المجتمع الإنساني إلا إذا كانت العلاقة بينهما علاقة تكامل لا علاقة استقلال وتنافس، ولا علاقة وظيفية، بل علاقة أخلاقية وأن تكون بين الطرفين علاقة التكامل.
وهذا ما ركز عليه القرآن الكريم في ذكره أن تصميم الكون وتصميم الوجود تصميم هادف، ومن جملة تصميم الكون الهادف تصميم الاختلاف بين الرجل والمرأة فإن الاختلاف بينهما تصميم هادف ولذلك تجد الآيات القرآنية في سورة الروم جعلت في سياق واحد، عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ «19» وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ «20» وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ «21» وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ «22»﴾ [الروم: 19 – 22] أي كما أن تصميم السماوات والأرض تصميم هادف، أيضا وجود ذكر وأنثى بينهما سكن ومودة ورحمة جزء من التصميم الهادف، وكما أن علاقة السماوات والأرض علاقة تكامل، فلولا السماء لما بقيت الأرض ولولا الأرض لما بقيت السماء، والمجموعة الشمسية أسرة مترابطة ومتكاملة، كذلك لولا الترابط بين الذكر والأنثى على صعيد الأسرة لما عاش المجتمع البشري عيشة آمنه ومستقرة.
النقطة الثالثة: هل نحن ضد عمل المرأة؟ هنا نظريتان:
النظرية الأولى:
يطرحها الشيخ المطهري في كتابه «نظام حقوق المرأة في الإسلام»، يقول: في الأسرة تختلف المرأة عن الرجل، فالمرأة لها دور الأمومة والرجل له دور الأبوة، واختلاف الدورين نتيجة اختلاف الفسيولوجي والسيكولوجي بين الطرفين، فالاختلاف الطبيعي أدى لاختلاف الأدوار والمناصب داخل الأسرة، أما خارج الأسرة فهما متساويان في جميع المجالات ولا فرق بينهما؛ لأن كل منهما يمتلك العقل والإرادة والقدرة، فعناصر الإنسانية متساوية بينهما.
النظرية الثانية:
نظرية السيد الطباطبائي صاحب كتاب «الميزان» يقول: لا يوجد فرق بين داخل الأسرة وخارجها، إما أن الاختلافات الطبيعية لها أثر فلها أثر في الجميع، وإما ليس لها أثر فليس لها أثر في الجميع، إما أن تكون الاختلافات بين الرجل والمرأة في المجال البيولوجي وفي المجال النفسي وفي المجال السلوكي، إما هذه اختلافات مؤثرة في اختلاف الأدوار والحقوق إذن هي مؤثرة سواء على صعيد الأسرة أو على صعيد المجتمع العام، وإما أن هذه الاختلافات لا أثر لها، فكما أن الرجل والمرأة متساويان خارج الأسرة هما متساويان أيضاً داخل الأسرة، أما أن نحصر أثر الاختلاف الطبيعي في اختلاف الأدوار الأسري فقط دون الاختلاف في ميادين العمل الأخرى هو تفكيك غير منطقي بنظر السيد صاحب الميزان
إذن بالنتيجة نقول لم يمنع الإسلام المرأة من العمل في أي ميدان من الميادين الذي تشعر أن هذا الميدان يلبي طموحها ويحقق غايتها ورغبتها، إذا حافظت على الأطر الشرعية التي لا توقعها في إثارات شهوية أو علاقات غير مشروعة، ولكن حتى تحصل على الإبداع ومن الطبيعي أن كل إنسان إنما يبدع في العمل الذي ينسجم مع طاقته وقدراته وقابليته النفسية، المجال مفتوح للمرأة في أي مجال ولكنها ستبدع في المجالات التي تنسجم مع طاقتها أكثر من المجالات الأخرى، المرأة تشترك مع الرجل في العمل لا مانع ولكن إذا وضعت ضوابط تجعل العلاقة بين الرجل والمرأة في كل مجالات العمل علاقة تكامل لا علاقة تنافس ولا علاقة ندية، سوف تحتفظ المرأة بقدرتها على الإبداع والخلاقية كما يحتفظ الرجل بقدرته على الإبداع والخلاقية.
من هنا نعود إلى التاريخ العظيم، تاريخ تلك النساء اللاتي أبرزن قدراتهن وطاقاتهن في مجال العمل الرسالي، فعندما نرجع إلى تاريخ خديجة بنت خويلد وإلى تاريخ فاطمة بنت محمد على مستوى أداء الرسالة وعلى مستوى نشر القيم والفضائل وعلى مستوى نشر المثل الإنسانية، فاطمة ربت تلك البنت زينب العقيلة وربت أم كلثوم على هذه القيم والمثل التي تجلت في كربلاء وتجلت في حادثة كربلاء، وهذه المثل ربت حتى الرجال والشباب على أن يبدعوا في كربلاء وفي مسيرة الحسين إبداعاً قيادياً واضحاً، من أولئك القيادين الذين تربوا في بيت الإمام أمير المؤمنين علي ، تربوا على الروح القيادية والروح الرسالية مسلم بن عقيل سفير الحسين .
اترك تعليقاً