|
المكان: | مسجد الحمزة بن عبدالمطلب | سيهات |
المدة: | 01:01:28 |
المصدر: | موقع السيد منير الخباز |
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97]
ذهب بعض الفلاسفة إلى احتقار موقعية المرأة، مثلاً الفيلسوف روسو يقول بأنه يجب تعليم المرأة أن تتمحور في الرجل، فعليها أن ترضيه وتكن له الاحترام، تغذيه وتعلمه في صغره وتعطيه السكينة والطمأنينة في كبره، فهذا هو دورها مع الرجل في مختلف الأزمنة.
دارون أيضاً عنده حديث حول المقارنة بين الرجل والمرأة، يقول إن الرجل متفوق على المرأة في المجالات العقلية، والدليل على ذلك أن كل عمل يدخل في تحقيقه الرجل يكون أعلى مكانة مقارنة بالمرأة، سواء كان ذلك العمل يستدعي عمقاً في التفكير أو لا يستدعي عمقاً في التفكير، من هنا نشأت حركات تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها، وهذه الحركات على تيارين: تيار وصفي، وتيار طبيعي.
- التيار الوصفي هو التيار الذي يعترف بأن المرأة كيان مختلف عن كيان الرجل، لكنه يقول أن المرأة لم تنل حقوقها بالمقدار الذي ناله الرجل.
- التيار الطبيعي هو الذي ينكر الفروق بين المرأة والرجل حتى الفروق الطبيعية.
فمن التيار الأول الباحثة النسوية سوزان جيمس التي تعترف بالفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة، ولكنها تقول ما زالت المرأة في كثير من دول العالم ترزح تحت سطوة الرجل وتحت ظلمه، وهذا أمر غير قانوني.
ومن التيار الثاني الفيلسوفة سمون دي بيفور التي ذكرناها في الليلة السابقة، التي ترى أن الثقافة السائدة التي تظهر أن الرجل وجود متميز على المرأة وأنه حركة دائبة تتفاعل مع كل الظروف في مختلف الأزمنة، فهذه الثقافة غير صحيحة، فالمرأة كيان وجودي كالرجل تماماً، بل إن جوديث بتلر الباحثة والفيلسوفة أفرطت وأنكرت حتى الفروق الطبيعية والجنسية بين الرجل والمرأة، يعني الرجل يمكن أن يكون فاعلاً ومنفعلاً، والمرأة يمكن أن تكون فاعلاً ومنفعلاً من الناحية الجنسية، وبالطبع هذا الإنكار هو مكابرة للواقع الذي يعترف به الجميع.
الدين الإسلامي لم يقف ضد المنظمات الحقوقية الصادقة التي دافعت عن كرامة المرأة وعن حقوقها وموقعيتها في المجتمع البشري، وفي نفس الوقت لا يمكن أن نقبل إنكار الفروق الطبيعية المميزة لشخصية الأنثى وأدوارها مع شخصية الرجل وأدواره، لذلك نرى أن الدين الإسلامي في الوقت الذي احترم الفروق الجوهرية بين الشخصيتين، واحترم الشخصيتين، وقسم الأدوار والأعمال بما ينسجم مع كل شخصية بحسب طاقاتها وقدراتها.
فعندما نريد أن نتحدث عن موقعية المرأة في الفكر الديني الإسلامي، فنحن نتحدث من منطلقات ثلاثة: منطلق فلسفي، منطلق قرآني، ومنطلق قانوني.
المنطلق الأول: المنطلق الفلسفي.
الله تبارك وتعالى هو الكمال المطلق الذي لا يحده شيء ولا نهاية له، كمال مطلق، لكن هذا الكمال المطلق له صفتان: جلال وجمال، الله سبحانه وتعالى في صفاته الجلالية في قوته، قدرته، جبروته، وعلمه، هذه الصفات تعكس جلاله التي يرهبها الإنسان ويخشاها، وعندما تلاحظ رحمته ورزقه وعطاءه وعفوه وغفرانه فهذا يعكس جماله، فله جلال وله جمال، وعبر عن جلاله بقوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحديد: 1]، وعبر عن جماله بقوله: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: 7]، الله في القرآن الكريم ضرب لنا أمثلة رائعة لجلاله وأمثله رائعة لجماله.
عندما يقول تبارك وتعالى في قوله: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: 49] هناك تفسيران للآية المباركة:
التفسير الأول: تفسير تكويني منذ بداية الانفجار العظيم للكون تشكلت مادة ومادة مضادة وهذا معنى زوجان، واتحاد هاتين المادتين شكل أنوية الذرة، والذرة نفسها تتكون من بروتونات موجبة والكترونات سالبة، الإلكترون نفسه يحمل في طياته زوج آخر، إذن مبدأ الزوجية منبث في كل شيء في الوجود، أصلا الوجود قائم على مبدأ الزوجية، زوجين من كل شيء خلقنا.
التفسير الثاني: أن المراد بالزوجين عنصر الجلال وعنصر الجمال، أي لا يوجد مخلوق إلا وهو يكتسب عنصرين عنصر جلال وعنصر جمال، ليكون في عنصريه مظهراً لجلال الله وجماله تبارك وتعالى، وكذلك عندما نأتي إلى السماوات والأرض نجد في القرآن مئتي آية عن السماوات والأرض، وتذكر المقابلة بين السماوات والأرض، فما هو المقصود من هذه المقابلة بين السماوات والأرض في مئتي آية؟
بعض المفسرين يقول أن الهدف من هذه المقابلة بيان عنصر الجلال وعنصر الجمال، السماوات التي عبر عنها القرآن الكريم ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس: 5] بناء وليس المقصود بالبناء مثل ما كان يعتقد الفلك القديم أن السماء جسم سميك لا يمكن العبور منه ولا النفوذ منه، المقصود بالسماوات بحسب هذا التفسير هي مجموعة الشموس والنجوم والكواكب، وهذه المجموعات الشمسية تخضع لنظام دقيق لا يتخلف ولا يختلف ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40] إذن السماوات مظهر للجلال والعظمة.
وعندما تأتي للأرض ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات: 30] جعل الأرض مهداً لحياة الإنسان، وجعل الأرض مصدراً لغذاء الإنسان، ومأوى للإنسان ومهداً لحياته ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 10]، ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك: 15] الأرض دحيت لتكون مصدراً لحياة الإنسان، ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 55].
إذن السماوات مظهر للجلال، والأرض مظهر للجمال والعطاء والغذاء والحياة، لذلك هناك مقارنة بين السماوات والأرض ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57].
كما أن العالم المادي فيه مظاهر جمال ومظاهر جلال كذلك العالم الإنساني، عالم البشرية فيه مظاهر جمال ومظاهر جلال، عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134] كظم الغيظ جلال، والكاظمين الغيظ قوة ضبط الأعصاب تعبر عن الجلال، ولكن الإحسان يعبر عن الجمال ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
ومن مظاهر الجمال والجلال في هذا الكون وفي هذا الوجود اختلاف الذكر والأنثى، لذلك يقول تبارك وتعالى ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى «1» وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى «2» وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى «3»﴾ [الليل: 1 – 3] الذكر والأنثى صيغتان ومظهران لجمال الله وجلاله، الذكر يمتلك طاقة تغذي الأنثى بالدفء والحماية وهذا مظهر جلال، والأنثى تمتلك طاقة تغذي الذكر بالحب والحنان والسكينة وهذا مظهر للجمال، فالذكورة والأنوثة مظهران للجمال والجلال، لذلك الرجل مرآة لله في جلاله، والمرأة مرآة لله في جماله، فاختلاف الذكورة والأنوثة هو اختلاف فلسفي قصد في إيجاد هذا الكون ليكون مظهراً لجمال الله وجلاله تبارك وتعالى.
المنطلق الثاني: المنطلق القرآني.
في المنطلق القرآني عندما نقرأ القرآن ونتأمل في آياته، نجد أن القرآن الكريم لا يفضل الرجل على المرأة ولا يجعل الرجل أصل والمرأة فرع، ولا يجعل الرجل هو المتقدم والمرأة هي المتأخر، القرآن يعرض الشخصيتين شخصية المرأة والرجل على أنهما رافدان يرفدان المجتمع بالعطاء والبناء، لذلك نستوحي هذا المعنى من عدة مضامين من القرآن الكريم:
المضمون الأول:
أن الذكر والأنثى من طبيعة واحدة وجنس واحد، عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء: 1] ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الأعراف: 189] ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الزمر: 6] هذه الآيات يقول فيها بعض المفسرين أن هذا خطاب للذكور؛ أي أنت أيها الرجل خُلقت ومن ثم خُلقت الأنثى منك، من نفسك ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ ولكن البعض الآخر يقول أن هذه الآيات تشير إلى وحدة الطبيعة ووحدة الجنس، يعني عندما تقول فلان من نفس فلان يعني من جنس واحد، كما في قوله تبارك وتعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: 128] يعني من جنسكم لا هو جن ولا هو ملك، بل هو من جنسكم ومن نفس الطبيعة، فالنفس بمعنى الجنس والطبيعة، إذن عندما يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء: 1] يعني طبيعة واحدة وجنس واحد، أنتما أيها الطرفان الذكر والأنثى جئتما من طبيعة واحدة ومن جنس واحد وصاغكم الله بصياغة زوجية بحيث يحتاج كل منكما للآخر كي يقع بينكما التكامل والترابط، فإذن هذه الآية لم تجعل الذكر أصل ولا الأنثى فرع وإنما هما متفرعان ومنحدران عن طبيعة واحدة.
المضمون الثاني:
عندما يتحدث القرآن الكريم عن قيمة الإنسان، وأن قيمته بإنسانيته لا بذكوريته ولا بأنوثته، يقول الفلاسفة بأن شيئية الشيء بصورته لا بمادته، وأن المادة هي مجرد قوة خام تصلح لأن تتشكل بأي شكل، مثلا المادة الخشبية تستطيع أن تجعلها كرسي أو طاولة أو صندوق.. وغيرها، نفس المادة الخشبية هي مجرد مادة خام صالحة لأن تتشكل بأي شكل، فشيئية الشيء بصورته أي بهيئته لا بمادته، فالمادة أمر مشترك بين عدة أشياء، كذلك عندما نأتي إلى الإنسان، إنسانية الإنسان هل هي بمادته المنوية وبخلقته أم بإنسانيته وروحه، بأي شيء إنسانية الإنسان؟ يصر القرآن على أن الإنسان ليس بمادته المنوية، بل الإنسان بروحه، نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14»﴾ [المؤمنون: 12 – 14] هذا هو الإنسان الخلق الآخر، الإنسان حقيقته بهذا الخلق الآخر وهي روحه، الروح الإنسانية هي حقيقة الإنسان وليست المادة المنوية التي تشكل منها، وروح الإنسان لا تعرف ذكراً ولا أنثى، الإنسان بما هو إنسان هو الروح سواء كانت ذكر أو كانت أنثى لا يفرق، طبعا الذكورة والأنوثة لا ننكر تأثيرهما، فالذكورة والأنوثة صفتان لهما تأثير على شخصية الإنسان، لكن حقيقة الإنسان ليست بالذكورة ولا بالأنوثة بل حقيقة الإنسان بإنسانيته، مثلا أليس للعروبية أثر على الإنسان العربي؟ طبعا لها أثر، فعندما ينشأ الإنسان على اللغة العربية فإن هذه اللغة لها تأثير على شخصيته وعلى طريقة تفكيره، وعلى طريقة نظرته للأمور وهذا أمر طبيعي، لكن هذا لا يعني أن العروبة جزء من إنسانيته.
كذلك عندما تأتي للإنسان الذي يمتلك ذكاء مفرط أو يمتلك قوة بدنية هائلة، صحيح أن هذا الذكاء له أثر على شخصيته لكن حقيقته بإنسانيته لا بذكائه.
إذن الذكورة والأنوثة ليستا مقومتين لحقيقة الإنسان بل حقيقة الإنسان بروحه الإنسانية، وروحة الإنسانية هي العقل، الإرادة، والوجدان، فكل إنسان له ثلاثة عناصر: العنصر العقلي وهو التفكير، والعنصر الوجداني وهي الإرادة، والعنصر الحركي وهي الطاقة والقدرة المختزنة في شخصيته التي يعملها في أي مجال، وهذا لا فرق فيه بين الذكر والأنثى، لذلك عندما تقرأ قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى «37» ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى «38» فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى «39»﴾ [القيامة: 37 – 39] أي أن مرحلة الذكورة والأنوثة تأتي بعد مرحلة التسوية، التمييز بين الذكورة والأنوثة جاء في مرحلة بعد مرحلة التسوية، ومرحلة التسوية التي يعبر عنها بعض المفسرين بمرحلة الإلهام: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8»﴾ [الشمس: 7 – 8] حتى العلم الحديث الآن يؤكد أن الجنين عندما ينمو فهو ينمو كأنه أنثى، ومن ثم بعد ستة أسابيع هذه الجينات إذا كانت معدة لتكون ذكر يبدأ كروموسوم الذكورة بفرز هرمونات الذكورة التي تسهم في تكوين الأعضاء التناسلية، إذن التمييز بين الذكر والأنثى هو في مرحلة تالية لمرحلة التسوية ﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى «38» فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى «39»﴾ بالنتيجة حقيقة الإنسان بروحه الإنسانية لا بالذكورة ولا بالأنوثة.
المضمون الثالث:
عندما يركز القرآن الكريم على أن الصفات التي يسمو بها الإنسان أو يخفق بها لا فرق فيها بين الذكر والأنثى، تأتي إلى العلم فلا ترى أن هناك علم ذكري وعلم أنثوي، بل أن العلم صفة تجمع الإنسانية، صفة للإنسان بما هو إنسان لذلك قال تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].
وعندما تأتي إلى عنصر التفكير لم يميز فيه بين الذكر والأنثى قال: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ «17» الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ «18»﴾ [الزمر: 17 – 18].
وعندما جاء إلى العنصر السلوكي أيضا لم يفرق بين الرجل والمرأة ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97].
وعندما جاء لعنصر الإرادة لم يفرق بين الرجل والمرأة ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا «18» وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا «19» كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا «20»﴾ [الإسراء: 18 – 20] لذلك تجد 67 آية في القرآن تتكلم عن الإنسان بما هو إنسان، وتعبر عنه بالإنسان لا برجل وامرأة، وعند التحدث عن الصفات لا تخصص ذكر أو أنثى بل تعبر بالإنسان﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ [القيامة: 14] ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: 54] ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: 37] ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: 6] ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ «6» الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ «7» فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ «8»﴾ [الانفطار: 6 – 8] ثم يقول: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72] كل التركيز على الإنسان، فالإنسان في صفات السمو هو الإنسان ذكر أو أنثى، والإنسان في صفات الهبوط هو الإنسان ذكر كان أم أنثى.
إذن هذه المضامين القرآنية عندما نتأملها تثبت لنا أن الذكر والأنثى في عرض واحد وفي رتبة واحدة لا فضل للرجل على الأنثى ولا العكس من حيث القيمة القرآنية والنظرة القرآنية.
المنطلق الثالث: المنطلق القانوني.
عندما نقرأ القانون الإسلامي من حيث تعامله مع الرجل والمرأة، نجد أن القانون الإسلامي يرتكز على أربع ركائز:
الركيزة الأولى:
الطبيعة هادفة فعندما نقرأ الوجود نجد أن الكون طبيعة هادفة ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الدخان: 38] لا يوجد فيها لعب ولا عبث، ووجد الكون لهدف، عندما تقرأ هذا الكون ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: 22] وقال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53] وقال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ «20» وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ «21»﴾ [الذاريات: 20 – 21] إذن الكون طبيعة هادفة ولم يخلق شيء عبث، وكل ما في الكون من طاقات خلقت لهدف ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾
بما أن الكون كله هادف إذن حتى الاختلاف في الكون هو اختلاف لهدف، أي اختلاف كوني فهو يرشد لهدف وراء هذا الاختلاف، لأجل ذلك فاختلاف الكون إلى ذكر وأنثى هو اختلاف يرشد إلى هدف، وهذا الهدف لابد من صياغته عبر قانون سماوي.
في القانون الإسلامي نقول: كلما نظرتَ إلى طاقتين ووجدت بين الطاقتين علاقة فعل وانفعال، إذن بما أن الطاقتين فعل وانفعال إذن هناك حق في كل طاقة للطاقة الأخرى ما دام بينهما فعل وانفعال، وهذا الحق لا يمكن ضمان استثماره إلا عبر قانون، فالقانون يكون محققاً لأهداف الطبيعة والخلقة، مثال حيوي: الأرض فيها طاقات ومعادن، والإنسان فيه طاقات وقدرات، الأرض فيها طاقة معدنية والإنسان فيه طاقة فاعلة، فبين الطاقتين يوجد فعل وانفعال، الإنسان فعل والطاقة المعدنية انفعال، وبما أن الطاقة الأرضية المعدنية والطاقة البشرية الإنسانية علاقة فعل وانفعال إذن لأحدهما حق في الآخر، للإنسان حق أن يستثمر الأرض وأن يكتشف ثرواتها وأن يحوز معادنها ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29] وهذا الحق الذي للإنسان في الأرض يصوغه الإسلام بقانون حتى يستوفي هذا الحق، ورد عن الرسول محمد : ”من أحيا أرضاً مواتاً فهي له“ قانون يريد ذلك الحق أن يصوغه بصياغة قانونية، ما دام للإنسان حق في الأرض إذن من أحيا أرضاً مواتاً فهي له.
نفس الأمر بين الذكر والأنثى، الذكر طاقة والأنثى طاقة، ولكن طاقة المرأة بالنسبة للرجل فعل وانفعال هي تفعل وتنفعل، وطاقة الرجل بالنسبة للمرأة فعل وانفعال، وبما أن بين الطاقتين علاقة فعل وانفعال إذن لكل منهما حق في الطاقة الأخرى، وهذا الحق يصوغه الإسلام بقانون ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187] لهذا فإن القانون الإسلامي تجده منسجم مع عالم الوجود، ومع طبيعة الإنسان، ومع الطبيعة الهادفة في هذا العالم الكوني وهذا العالم الوجودي.
الركيزة الثانية:
هي التي تركز على أن الإنسان يعيش نوعين من الوجود: وجود في ذاته، ووجود لذاته، والفرق بين الوجود في ذاته وبين الوجود لذاته هو أن الوجود في ذاته هو عبارة عن الطاقة الموجودة لدى الإنسان، فالإنسان لديه طاقة بدنية وطاقة عقلية وطاقة فنية وطاقة مادية، وهذه الطاقة المختزنة في جسم الإنسان وشخصيته هي الوجود في ذاته.
والوجود لذاته هو عبارة عن عناصر تستثمر ذلك الوجود لعمل ما، الإنسان كما أُعْطي طاقة وهي التي نعبر عنها بالوجود في ذاته أُعْطي علماً، وأعطي عقلاً، وأعطي إرادة.
أعطي علماً ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 5]، وأعطي عقلاً ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ «17» الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ «18»﴾ [الزمر: 17 – 18] وأعطي إرادة ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: 39] فهذه العناصر الثلاثة تسمى الوجود لذاته؛ أي الوجود الذي يستثمر الوجود الأول من أجل عمل مستقبلي، ومن أجل غاية مستقبلية، وكل إنسان ذكر أو أنثى يعيش هذين النوعين من الوجود: وجود في ذاته ووجود لذاته.
هنا يثار تساؤل: إذا كان كل إنسان يمتلك عقل وعلم وإرادة ويستطيع أن يستثمر طاقته في بناء حياته ومستقبله إذن لماذا يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق؟ لماذا لم يجعل الحقوق متساوية بما أن الرجل والمرأة متساويان في الوجود في ذاته والوجود لذاته، في العقل والعلم والإرادة، لماذا لم يجعل بينهما الحقوق متساوية؟
هناك فرق بين المساواة الكيفية والمساواة الكمية، المساواة الكيفية تعني المساواة في النوع والقيمة، والمساواة في الكمية يعني المساواة في العدد.
مثلاً أب يمتلك عدة ثروات، يمتلك ثروة زراعية، ويمتلك مصانع، ويمتلك تجارات ومقاولات، وهذا الأب أراد أن يوزع ثروته بين أبنائه في حياته، فكيف يكون التوزيع توزيعاً عادلاً هل بالمساواة الكمية أم بالمساواة الكيفية؟
يكون التوزيع العادل بالمساواة الكيفية وليس بالمساواة الكمية؛ ويكون ذلك بأن يعطي لكل ولد من أولاده ما ينسجم مع طاقته وإبداعه، فهذا الولد لديه قدرة إبداعية في مجال التجارة فيسلمه التجارة، وهذا الولد لديه طاقة إبداعية في مجال الزراعة والعقار فيعطيه ذلك، وهذا الولد لديه طاقة إبداعية في مجال الصناعة فيعطيه المصنع، كلٌ يعطيه حسب طاقته وقدراته الإبداعية، هذا يسمى مساواة كيفية وإن لم تكن مساواة كمية، فلو فرضنا أن العقارات عشرة بينما المصانع اثنين فهل في هذا ظلم؟ لا ليس هنالك ظلم، قد تكون قيمة مصنعين تعادل عشر عقارات، المهم المساواة في الكيفية وليس المساواة في الكمية، لذلك عندما يأتي المفسرون إلى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25] نجد أن الهدف من وجود الأنبياء هو تحقيق العدالة، فليست العدالة مساواة كمية وإنما العدالة مساواة كيفية، أن تعطي كل ذي حق حقه بحسب طاقته وقدراته، من هنا أيضا جاء القانون الإسلامي.
القانون الإسلامي صنف الحقوق بحسب الطاقات والقدرات، لم يصنف الحقوق بمساواة كمية وإنما صنف الحقوق بمساواة كيفية، مثلا الإسلام عندما راعى في مجال الحقوق نجد بالنتيجة أن حقوق الطفل تختلف عن حقوق الشاب، وحقوق الشاب تختلف عن حقوق الشيخ، وحقوق الأب تختلف عن حقوق الولد، إذن وزع الحقوق بما ينسجم مع القدرات والطاقات لذلك توزيع الحقوق بين الرجل والمرأة أيضاً بما ينسجم مع طاقاتهما، وهو الميزان القانوني المحقق لصورة العدالة وصورة القسط، ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]
الركيزة الثالثة:
أن القرآن الكريم في صياغته للقوانين مزج بين القانون وبين خمس علاقات، وهذه نقطة لابد أن نلتفت إليها، نجد أن سياق القرآن مرة يتكلم في القانون وبعدها يتكلم عن الطبيعة وبعدها يتكلم عن التاريخ وبعدها يتكلم عن خلقة الإنسان، قد يظن البعض أن القرآن يحمل سياقات متنافرة، وسياقات متباينة، ولكن لا فهناك فرق بين المزج في السياق وبين التنافر في السياق، القرآن لا يضم سياقات متنافرة بل هو يمزج بين السياقات، وذلك لتحقيق العلقة الأسرية بين أهداف الوجود وأهداف الإنسان، مثلاً عندما نأتي إلى سورة المؤمنون ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «1» الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ «2» وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «3» وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ «4» وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ «5»﴾ [المؤمنون: 1 – 5] ذكر عدة قوانين في هذه الآيات، صلاة، خشوع، زكاة، وحفظ للفرج، فبعض هذه القوانين علاقة مع الله ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ «2»﴾ بعض هذه القوانين علاقة مع المجتمع ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ «4»﴾، وبعض هذه القوانين مثلاً علاقة مع القيم والمثل ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ «5» إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «6»﴾، فهذا القانون الإسلامي ربطه القرآن بعدة علاقات:
العلاقة الأولى:
علاقة الإنسان مع وجوده، مثلا عندما يقول القرآن الكريم في نفس السورة سورة المؤمنون التي يتحدث فيها عن القانون يتحدث فيها عن وجود الإنسان ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14» ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ «15» ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ «16»﴾ [المؤمنون: 12 – 16] وهنا يبين للإنسان بأن القانون مرتبط بوجوده، وأن وجوده له مبدأ ومنتهى، وبين المبدأ والمنتهى قانون يغمره ويحكمه.
العلاقة الثانية:
ثم ينطلق القرآن إلى علاقة أخرى فيتحدث عن الطبيعة ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ «17» وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ «18» فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ «19»﴾ [المؤمنون: 17 – 19] وهنا يبين للإنسان أن القانون يتدخل في علاقته مع الطبيعة التي يعيش فيها والتي تغمره.
العلاقة الثالثة:
ثم ينقل الإنسان إلى الحديث عن التاريخ إذ يقول ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ «23» فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ «24»﴾ [المؤمنون: 23 – 24] أي أن التاريخ له دخل أيضا في التزامك بالقانون لأن في التاريخ عظة وعبرة لك ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: 111]
إذن هذا المزج القرآني يجعل من قوانين الإسلام قوانين هادفة لإحياء العلاقات الخمس، علاقة الإنسان مع الله، علاقة الإنسان مع الطبيعة، علاقة الإنسان مع المجتمع، علاقة الإنسان مع التاريخ، علاقة الإنسان مع وجوده من المبدأ إلى المنتهى، وهذا لا فرق فيه بين الذكر والأنثى.
الركيزة الرابعة:
أن الإسلام يركز على الهدف وأما الوسيلة فتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، مثلاً عندما يقول القرآن الكريم ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60] هذا الهدف وهو القوة، وأما ما هي آلية القوة وما هو الأسلوب فهو يختلف باختلاف الأزمنة، كان المسلون في بداية الدعوة يحتاجون إلى قوة عسكرية وجيوش، ولكن المسلمين الآن في العصر الحاضر يحتاج إلى علم وقوة علمية، لا يستطيع المجتمع الإسلامي في العصر الحاضر أن يضاهي المجتمعات الأخرى إلا بالقوة العلمية لا بالقوة العسكرية المادية، ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ فالمهم أن تملكوا القوة، وأما أنواعها وآلياتها تختلف باختلاف الأزمنة والمجتمعات.
أيضا على الرجل أن يعد قوة، وعلى المرأة أن تعد قوة كل بحسب طاقته، وبالنوع الذي يتلاءم معه، بالأسلوب الذي ينسجم مع شخصيته وقدراته، لذلك تجد حتى الأئمة الطاهرين اختلفت أساليبهم مع أن هدفهم واحد كما عبر السيد الصدر قدس سره، الأئمة تعدد الأدوار ووحدة الهدف، وإن تعددت الأساليب والأدوار إلا أن الهدف واحد.
قيام الحسين وصلح الحسن «ابناي هذان قاما أو قعدا»، تعدد الأسلوب يصب في هدف واحد وهو حفظ رسالة السماء، يصب في هدف واحد وهو خدمة الدين، يصب في هدف واحد وهو حفظ مقام الإمامة، لذلك بنفس المنطلق الذي انطلق منه صلح الحسن ، انطلقت منه ثورة الحسين .
اترك تعليقاً