|
المكان: | مسجد الحمزة بن عبد المطلب | سيهات |
المدة: | 01:00:03 |
المصدر : | موقع السيد المنير |
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]
تغزو العالم الإسلامي والدول الشرق أوسطية تيارات مثل تيار الجندر والحركة النسوية، وتفرض هذه التيارات على الواقع الاجتماعي آثاراً خطيرة جداً، ولذلك تحتاج هذه الأمور إلى تسليط الضوء عليها بنحو دقيق، فهنا عدة محاور نتحدث فيها حول هذه الظاهرة:
- في بيان الفرق بين الجندر والحركة النسوية.
- في تداعيات هذه الحركة على الواقع الاجتماعي.
- في النقد والملاحظة على هذه التيارات المتنوعة.
- في بيان المفهوم الإسلامي نحو دور كل من الرجل والمرأة تجاه الآخر.
المحور الأول: بيان الفرق بين الجندر والحركة النسوية.
هناك مصطلحان مصطلح الجندرية ومصطلح الحركة النسوية، الجندر هي كلمة انجليزية من أصل لاتيني وتعني الجنس ذكر وأنثى، ولكن اسْتُخدم في عدة معاني أخرى بينها قاسم مشترك؛ وهو رفض تجذر الوضع الأنثوي والوضع الذكوري؛ أي ليس هناك صفة حتمية اسمها الأنوثة، وليس هناك صفة حتمية اسمها الذكورة، وتوضيح ذلك عندما نراجع موسوعة ستانفورد الفلسفية نجد أنها تفرق بين الجنس والجندر، الجنس هي صفة يكتسبها الإنسان من عامل بيولوجي؛ أي أن صفة الأنوثة أو صفة الذكورة تكتسب من خلال الهرمونات ومن خلال الأعضاء التناسلية والجينات، إذن الجنس صفة ثابتة يكتسبها الإنسان من عوامل بيولوجية ترجع إلى الجينات أو الهرمونات أو الأعضاء التناسلية، بينما الجندر صفة وهوية يكتسبها الإنسان من عوامل اجتماعية كموقع هذا الإنسان في الأسرة، ودوره الاجتماعي، سلوكه، هويته الرسمية والقانونية، كل هذه العوامل تحدد هويته أنه رجل أو امرأة، إذن ليس هناك ملازمة بين الطبيعة التكوينية والطبيعة الاجتماعية، لا ملازمة ولا سببيه، قد يكون هو بطبيعته التكوينية أنثى لكنه يحمل هوية الرجل، وقد يكون بطبيعته التكوينية ذكر لكنه يحمل هوية الأنثى، يكتسب كل من الجنسين جندراً يتناسب مع موقعه الاجتماعي، ويتناسب مع سلوكه، ويتناسب مع هويته القانونية أو الرسمية، لذلك عندما نرجع إلى الموسوعة البريطانية نرى أنها تقول أن الجندر هو شعور كلٍ بالذكورة أو الأنوثة لا أنه ذكر أو أنثى بل بما يشعر، شعور كل من الطرفين بهوية معينة نتيجة العوامل النفسية والعوامل الاجتماعية، لذلك الحركة الجندرية أصرت على التغيير وإلغاء الأدوار مما يعني أنه من الممكن للرجل أن يقوم بدور الأم، ويمكن للأنثى أن تقوم بدور الأب، ولا مائزة بينهما من حيث الأدوار.
ومصطلح الحركة النسوية نظرية مرحلة ضمت مدارس مختلفة وضمت اتجاهات متباينة، تذكر الباحثة خديجة العزيزي في كتابها «الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي» أن الحركة النسوية تضمن عدة مدارس منها النزعة الأنثوية المتطرفة التي تهدم كل أشكال وأنساق الترابط بين البشر، ومنها النزعة الأنثوية التي تتمركز حول الأنثى، سيمون دي بيفور فيلسوفة فرنسية لديها كتاب اسمه «الجنس الآخر» وتذكر في كتابها أن الزواج والأسرة هي سجن للمرأة؛ لأن الأسرة تحطم طموحات المرأة وأحلامها وآمالها، لذلك لا يمكن للمرأة أن تأخذ دورها إلا بتجاوز هذا السجن، وعندها كلمة معروفة وهي لا يولد الإنسان رجلاً بل يصير رجلاً، يعني يكتسب من المجتمع صفة الرجولة وإلا يمكن هو أنثى، ولا يولد الإنسان امرأة بل يصير امرأة؛ يعني ممكن هو ذكر ويصبح امرأة نتيجة المحيط الاجتماعي والعوامل النفسية والاجتماعية.
وهناك النزعة الأنثوية أو الحركة النسوية الليبرالية وهي منتشرة في المجتمع الخليجي والدول العربية، وهي التي تدعو إلى المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الذكر والأنثى، بحيث لا يبقى تمايز بين كل منهما من حيث الدور ومن حيث الأداء.
وهناك الحركة النسوية الراديكالية التي تعتبر أن الرجل هو المشكلة، وأن الرجل هو المسؤول عن استغلال المرأة وعن قمع المرأة وعن حصرها في المنزل حتى يقتل طموحاتها وأحلامها وتطلعاتها.
لذلك نحن أمام اتجاهين اتجاه أصلا يلغي الفوارق بين الرجل والمرأة وبالتالي هو يلغي الدور التي تتميز به الأنثى، وواضح أن أهم دور تتميز به الأنثى هو كونها ربة منزل وكونها مصدر لتربية الأطفال، إلغاء هذا الدور بالنتيجة سيلغي كيان الأسرة الذي هو أهم المؤسسات الاجتماعية، وأما التيار الثاني الذي يعترف بالفروق بين الرجل والمرأة لكنه مع اعترافه بالفروق يدعو بكل قوة إلى المساواة والتماثل في الحقوق والواجبات بين الطرفين وبين الجنسين، فلهذا هذه الحركات النسوية التي هبت الآن على الدول العربية ومنها المجتمعات الخليجية بشكل واضح لها تداعيات خطيرة مستقبلية كما حدثت في الغرب تماماً؛ لأن نتيجة هذه الحركات هو سحق إنسانية المرأة، وإنسانية المرأة تتجلى في الدور الأسري وما تقدمه من عطاء وما تمنحه من بذل، فعندما يسد أمامها هذا الباب تسحق إنسانيتها ويزج بها في المصانع والمقاولات التجارية والأعمال الشاقة، لتعيش كل يومها تكدح من أجل تحصيل لقمة العيش، مما يحرمها عن ذلك الدور الذي ينسجم مع طبيعتها الأنثوية وينسجم مع فطرتها وحقيقتها.
المحور الثاني: في تداعيات هذه الحركة على الواقع الاجتماعي.
تداعيات هذه الظاهرة وهذه الحركة النسوية وآثارها الخطيرة على المجتمع الإسلامي:
الأثر الأول:
هدم دعائم الأسرة، ما دامت الحركة النسوية تعتبر أن أهم عامل لمعاناة المرأة ومأساتها هو وجودها داخل الأسرة وداخل كيان الزوجية، فهذا يشجع الفتيات على عدم الزواج أو تأخيره لفترة طويلة، باعتبار أن الأسرة تقيد طموحاتها وتحجم آمالها وتطلعاتها.
الأثر الثاني:
تدنيس موقع الأمومة، هذا الموقع العظيم بما يحمل من بذل وتضحية وإيثار وعطاء أصبحت الحركة النسوية تنادي بأن موقع الأمومة هو موقع ثانوي وهامشي لا قيمة له، والمهم أن المرأة تثبت جدارتها في ميدان العمل لا في ميدان الأمومة، وأن الأمومة مجرد صفة ثانوية لا أكثر من ذلك، لذلك حتى مع وجود يوم عالمي باسم يوم الأم مع ذلك هذا اليوم العالمي بدأ يخفت ويتضاءل نتيجة هذه الصيحات، أن الأمومة عمل تستطيع أن تقوم به الخادمة والشغالة ودور الحضانة ورياض الأطفال ولا حاجة لأن تنهك الأم وتتعب نفسها في القيام بهذا الدور، لهذا مثل هذه الحركات تدعو إلى التقليل من شأن دور الأمومة، بينما إذا نظرنا فهناك الكثير من النساء يرون أن دورهن في الأسرة في أن تكون مصنعاً ومهداً لإنشاء مواطنين صالحين ومواطنات صالحات، ترى أن دورها الذي ينسجم مع طبيعتها هو دورها كأم من خلال الأسرة فلماذا نحن نصادر هؤلاء وندعوهن للخروج إلى ميدان العمل بكل وسيلة وتهميش دور الأمومة؟! ليس من الصائب قانونياً ولا أخلاقياً زج المرأة التي هي غير مقتنعة بهذا الدور إلى أن تتخلى عن الدور الأسري وتتجه إلى دور آخر، المفروض أن مبادئ الحرية الفكرية ومبادئ الحرية القانونية تفرض أن المرأة هي التي تختار قرارها وهي التي تقرر الدور الذي ينسجم مع طبيعتها، فإذا اختارت أن تكون أماً وزوجةً وتقوم برعاية الأسرة وتغذيتها واحتضانها فلا معنى للوقوف أمامها وهي تمارس دورها الطبيعي.
الأثر الثالث:
الدعوة إلى الإجهاض، وأن المرأة من حقها أن لا تحمل وإذا حملت من حقها أن تجهض لأن الإجهاض يخلصها من قيود الإنجاب والحمل والإرضاع وما أشبه ذلك.
الأثر الرابع والخطير:
فتح الباب أمام الحرية الجنسية بألوانها المختلفة.
إذن هناك تداعيات وآثار خطيرة تترتب على اتساع الحركة النسوية خصوصاً في الدول الشرق أوسطية.
المحور الثالث: في النقد والملاحظة على هذه التيارات المتنوعة.
الحركة النسوية تعتمد على ركيزتين: ركيزة فلسفية وركيزة قانونية.
الركيزة الفلسفية هي التي تثبتها سيمون دي بيفور في كتابها «الجنس الآخر» أن الرجل والمرأة جنس واحد ليس هناك جنسان ونوعان، صحيح أن هناك فوارق طبيعية ولكنها لا قيمة لها، الرجل والمرأة ينحدران من جنس واحد وأصل واحد ويمتلكان الصفات الثلاث: العقل، الإرادة، والحرية، فلأن كل منهما يمتلك هذه العناصر الثلاثة إذن المرأة إنسان واعي مستقل، وصاحب قرار مستقل لا يمكن أن نخضعه لقيادة الرجل، طبعا هي تأثرت بزوجها الفيلسوف الفرنسي الوجودي المشهور سارتر وتأثرت بنظرته أن الكيان الوجودي للرجل والمرأة كيان واحد ولا ميز بينهما من هذه الجهة.
النسوية الراديكالية استغلت هذه الركيزة الفلسفية ولذلك طرحت على أنه يمكن للفئات من النساء أن يعشن بلا رجال ويستغنين عن الرجال، تعيش المرأة مع المرأة بدون حاجة إلى أن تكون هناك علاقة بينها وبين الرجل، وأما الحركة النسوية الليبرالية فركزت على الركيزة الثانية وهي الركيزة القانونية.
الركيزة القانونية: تقول ما دام كل منهما إنسان وكل منهما يمتلك عقل وإرادة وحرية إذن يجب أن تكون الحقوق متماثلة، ويجب أن يكون هناك مساواة تامة؛ لأن الحركة النسوية تستند إلى فقرات في مفردات هيئة الأمم المتحدة، وتدعو الحكومات والمؤسسات وجميع المنظمات الحقوقية في العالم إلى لائحة المساواة التامة في الحقوق بين الرجل والمرأة في مجال العمل وفي مجال التعليم وفي المجالات المؤسسية المختلفة بناءً على ذلك، من هنا نفهم أن هناك ركيزتان فلسفية وقانونية.
الملاحظات التي نسجلها على هذه الظاهرة بتبنياتها المختلفة:
الملاحظة الأولى:
المرأة مربية والرجل يقود الأسرة فهذه هي الأدوار الطبيعية المعروفة، فلو فرضنا أن هذه الأدوار هي أدوار اجتماعية؛ أي أدوار لا ترجع لطبيعة الإنسان، وإنما هي أدوار فرضتها الثقافة التاريخية وفرضتها عملية اجتماعية بعيدة المدى وإلا ما كان الناس هكذا، لو فرضنا ذلك لا يمكن تجاهل الاختلافات الفسيولوجية بين الرجل والمرأة، المرأة تملك الاستعداد للدورة الشهرية وللحمل والولادة والإرضاع، وهي ليست تغيرات جسمية وليست تغيرات فسيولوجية فقط، بل تفرض هذه الاستعدادات تفاعلات نفسية وتفاعلات فكرية تفرزها عن الرجل شاءت أم أبت.
فهذه الاختلافات الفسيولوجية بين الجنسين تفرض حتماً اختلافات سيكولوجية بينهما، أي تفرض اختلافات نفسية وتفرض اختلافات فكرية شاء كل من الجنسين أم أبى، هو أمر تفرضه الطبيعة ويفرضه الواقع، لذلك لا يمكن التغاضي عن الاختلافات الفسيولوجية والسيكولوجية بين الطرفين، بل يؤكد علم النفس الاجتماعي أن النظر العاطفي من قبل الرجل للمرأة يختلف عن النظر العاطفي من قبل المرأة للرجل، النظر العاطفي من الرجل للمرأة هو الحاجة إلى السكينة والاستقرار، والنظر العاطفي من المرأة للرجل هو حاجتها للدفء والحماية والحضن الذي يحتضنها، كل منهما تختلف عاطفته تجاه الآخر، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]
بيتر سون عالم نفس غربي مشهور وله صيت واسع يقول: لا يمكن إلغاء الفروق الجوهرية بين الرجل والمرأة والبناء على قانون المساواة بينهما، بل لابد من التفصيل والتدقيق في هذه المسألة ولا يمكن إلغاء هذه الفروق لحساب شيء آخر، وهذه الفروق بين الرجل والمرأة ليست فروق تفضيلية؛ بمعنى أن الرجل أفضل من المرأة أو أن المرأة أفضل من الرجل، بل إن هذه الفروق جعلت العلاقة علاقة تكامل، وكل منهما يكمل الآخر، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187] كل يكمل الآخر تماماً كما في اختلاف البشر في القدرات، هناك ذكي وهناك أذكى، هناك شخص لديه قدرة عقلية، وهناك شخص لديه قدرة بدنية وهناك شخص لديه قدرة فنية، وهناك شخص لديه قدرة رياضية، وهناك شخص لديه قدرة مهنية، كلها قدرات وزعها الله بين البشر، فهل اختلاف القدرات تفضيل؟ أبداً بل إن اختلاف القدرات لكي يتكامل البشر بعضهم ببعض ولذلك قال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13] ليستفيد بعضكم من بعض، لتتلقح تجاربكم ومعارفكم ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13] تماماً مثل أعضاء البدن، البصر والسمع والشم كل حاسة لها دور معين وتحتاج إلى الحاسة الأخرى، والإنسان لا يتكامل إلا بحواسه الخمس مع أن لكل حاسة قدرة متميزة، كذلك المجتمع لا يتكامل إلا بقدرات وطاقات متنوعة ذكر وأنثى، لذلك يقول القرآن الكريم وهو يتحدث عن تمايز الأدوار: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35] فاختلاف الأدوار واختلاف المواقع هو نتيجة اختلاف القدرات، إذن لا يمكن التغاضي عن هذا الاختلاف.
الملاحظة الثانية:
لنفترض جدلاً أن اختلاف الأدوار نشأ من عملية تاريخية وأنه ليس اختلاف طبيعي كون الأنثى أماً وكون الرجل أباً، بل اختلاف نشأ عن بناء اجتماعي وتصالح اجتماعي على ممر التاريخ، فلو افترضنا ذلك ففي أي لحظة من لحظات التاريخ تحول المجتمع من ندين إلى أم وأب، إلى زوج وزوجة؟ يعني هذا من يدعي هذه الدعوة أن البشر كانوا يعيشون في حالة ندية الذكر والأنثى كل منهما ند للآخر وكل منهما في عرض الآخر وبعدها نتيجة بناءات اجتماعية وعادات وتقاليد وثقافات أصبحت هذه أم وهذا أب وهذا زوج وهذه زوجة، لو فرضنا هذا فمتى حصل هذا؟ وفي أي لحظة تاريخية تحول المجتمع من تعامل الندية إلى اختلاف في الأدوار؟
لا يوجد لا مؤرخ ذكر ولا أثر من الآثار يدل على أن المجتمع مر بتاريخ الندية ثم تحول إلى توزيع في الأدوار نتيجة اختلاف الطبائع، من الواضح أن صياغة المجتمع بهذه الصياغة رجل وامرأة، زوج وزوجة، أب وأم، أن هذه الصياغة الاجتماعية جاءت نتيجة الاختلافات الطبيعية، بمعنى أن البشرية حينما التفتت إلى أن المرأة تملك صفات عاطفية لا يملكها الرجل وأن الرجل يملك سمات قيادية لا تملكها المرأة وزع الأدوار حسب الاختلاف الطبيعي بينهما، لا أن هذه الاختلافات جاءت نتيجة خلفية اجتماعية بالعكس الخلفية الاجتماعية هي التي جاءت نتيجة اختلاف الطبائع بين الطرفين وبين الجنسين، إذن في أي لحظة تاريخية اختلف الدور! لا يوجد أي شاهد تاريخي على هذا، ولذلك إذا رجعنا إلى علم النفس الاجتماعي نراه يؤكد أن الرجل كلما كانت صفات الذكورة فيه أكثر يميل إلى الأنثى التي صفات فيها الأنوثة أكثر، والأنثى التي صفات الأنوثة فيها أكثر تميل إلى الرجل الذي فيه صفات الذكورة أكثر، فلا يميل الرجل إلى الأنثى التي بها صفة ذكورية، ولا تميل الأنثى إلى الرجل الذي فيه صفة أنثوية، كل منهما يميل إلى المختلف لا إلى المتفق هكذا خلقوا، خلق الطرفان وميولهم الطبيعية إلى المختلف لا إلى المتفق، الرجل يميل إلى الأنثى المتمحضة في الطبيعة الأنثوية، والأنثى تميل إلى الرجل المتمحض في الطبيعة الذكرية، هذه قاعدة سيكولوجية موجودة في علم النفس الاجتماعي ولا يمكن التغافل عنها ولا يمكن تجاهلها.
الملاحظة الثالثة:
الباحثة الأمريكية كارول جيليغان لديها ملاحظة على ما تطرحه الحركة النسوية فتقول: كل من الطرفين الذكر والأنثى، والرجل والمرأة يعيش حس المسؤولية، لأن طبيعة الإنسان الإحساس بالمسؤولية، ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: 21] ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى «39» وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى «40»﴾ [النجم: 39 – 40] كل إنسان يعيش حس المسؤولية، وكل من الجنسين يعيش حس المسؤولية تجاه الآخر، لكنهما يختلفان في الدوافع، الرجل يعيش حس المسؤولية لكن بنزعة قانونية حقوقية، والمرأة تعيش حس المسؤولية لكن بنزعة أخلاقية اجتماعية، أي أن الرجل حينما يتجه للمسؤولية تراه يركز على الحقوق وعلى قانون العدالة، الرجل يركز على نظرة الاستحقاق ويطالب بتطبيق العدالة وإعطائه حقه الكامل، هذه نزعة موجودة في الرجل، أما المرأة تتجه إلى المسؤولية بشعور التضحية والإيثار، والعفو والتسامح، فإذا حملت مسؤولية الأسرة أو إدارة مكان معين فهي لا تتحمل المسؤولية بروح العدالة وتطبيق القانون، بل تتحمل المسؤولية بروح الإيثار والتضحية والتسامح والعفو والرأفة، هكذا طبيعة المرأة.
ولذلك فاتجاه الرجل لتحمل المسؤولية يكون بنزعة فردانية، واتجاه المرأة نحو المسؤولية بنزعة اجتماعية وأخلاقية، ولهذا تحلت الأم بالإيثار والتضحية والعطاء المجاني اللا مقابل بشيء في سبيل زوجها وأولادها وأسرتها لأن طبيعتها بنيت على ذلك، فمن هنا أن الدعوة لتحرير المرأة من ميدان الأسرة ونقلها إلى ميدان العمل بتممامه هو عبارة عن تهميش هذه المبادئ الخلقية، وتهميش هذه المبادئ يعني إلغاء الأسرة وإلغاء كيانها، لأنه من المستحيل أن الأسرة تتحول إلى مؤسسة وظيفية، يكون فيها الرجل موظف والمرأة موظفة، الأسرة لا يمكن أن تقوم على الروح الوظيفية، ولا يمكن أن تقوم على الندية بين الطرفين، فالأسرة لا تقوم إلا على المبادئ الخلقية من الإيثار والتضحية والعطاء المتبادل بين الطرفين، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187] فعندما يُطلب من الرجل أن يتحول إلى الأم فيعمل في وظيفتها، ويطلب من الأنثى أن تدير العمل ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32] لم يقل أن الرجل أفضل المرأة، ولا المرأة أفضل من الرجل، كل منهما في طاقته أفضل من الآخر.
من هنا جيليغان تقول أن هناك شيء اسمه أخلاق الرعاية والعناية، وهذه الأخلاق متوفرة في الأنثى أكثر من توفرها في الرجل، فلا يمكن وضع الرجل مكان الأنثى أو وضع الأنثى مكان الرجل.
المحور الرابع: في بيان المفهوم الإسلامي نحو دور كل من الرجل والمرأة تجاه الآخر.
وهذه القيمة الدينية تعتمد على ركائز ثلاث:
الركيزة الأولى: هناك فرق بين الهدف وبين الأدوار، فما هو الهدف من وجود الرجل وما هو الهدف من وجود المرأة؟ وهل هناك هدف لوجود المرأة يختلف عن الهدف من وجود الرجل أو العكس؟
الهدف من وجود الرجل والمرأة واحد لأن كل من الرجل والمرأة إنسان، وكل إنسان يحمل العقل والإرادة وحس المسؤولية، لذلك الهدف من وجودهما هدف واحد وهو إعمار الأرض وإقامة الحضارة، وتجسيد العبادة ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61] ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك: 2] ويقول القرآن: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97] ويقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72] ويقول وهو يخاطب الإنسان: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ [القيامة: 14]، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: 6] ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ «6» الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ «7» فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ «8»﴾ [الانفطار: 6 – 8] فالإنسان بما هو إنسان له هدف واحد ذكر أو أنثى وهو إعمار الأرض، وتجسيد العبادة على الأرض ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]
إذن الهدف واحد لكن الأدوار في تحقيق ذلك الهدف تختلف بين الرجل والمرأة، بنظرة قانونية عندما نرجع إلى علم القانون فإنه يقول بأنه لا يمكن وضع قانون واحد لكل المستويات، بل لابد أن يراعى في القانون اختلاف الموقع الاجتماعي لكل طرف، والموقع الاجتماعي لكل طرف يتحدد بما قدم من أدوار وإنجازات، وهذه الإنجازات إنما تتحدد بمقتضى طاقاتك وقابلياتك، مستحيل أن يكون جميع الناس دورها الاجتماعي واحد وموقعها واحد، تختلف البشر في مواقعها الاجتماعية نتيجة اختلاف إنجازاتها، واختلاف إنجازاتها ينشأ عن اختلاف طاقاتها وقابلياتها، فما دام للمرأة طاقة وللرجل طاقة مختلفة إذن سيختلف الإنجاز بين الرجل والمرأة، وما دام سيختلف الإنجاز سيختلف الموقع الاجتماعي، وإذا اختلف الموقع الاجتماعي فمن الطبيعي أن تختلف الحقوق والقوانين بين الرجل والمرأة، لأجل ذلك القانون الإسلامي روعي فيه اختلاف الموقع الاجتماعي بين الرجل والمرأة وقُسمت الأدوار حسب اختلاف الطبائع وحسب اختلاف الطاقات.
الركيزة الثانية: القاعدة الأولى هي المساواة بين الرجل والمرأة في التكاليف والواجبات ولكن هناك استثناء من هذه القاعدة في بعض المواطن نتيجة الأسرة، مثلاً لا يمكن أن يتساويا في الدور الأسري، نتيجة اختلاف طاقة كل منهما عن الآخر، وهذا الاختلاف يفترض أن للأم دوراً وللأب دوراً وللأخت دوراً وللأخ دوراً، ونتيجة اختلاف الطاقات اختلاف الموقع الأسري بين كل منهما والآخر.
الركيزة الثالثة: ربما البعض يقول أن الإسلام يمنع عمل المرأة، ويمنع أن تكون المرأة تاجرة أو رئيسة شركة، أو أن تكون كابتن طيار، أو مهندسة بترول، ولكن الصحيح أن الإسلام لا يمنع المرأة أن تنتهج عملاً ميدانياً خارج الأسرة، ولكن ما هو المعيار في عمل المرأة هذا هو الأمر المهم.
اتجاه الحركة النسوية الجندرية يرى أن المعيار في عمل المرأة هو المعيار في عمل الرجل، فمن حق المرأة أن تكتسب ثروة، ومن حق المرأة أن يكون لها موقع ريادي، وفي بناء الدولة، وفي بناء المجتمع كما للرجل تماماً، إذن المعيار في عمل المرأة هو معيار مادي ووضعي بحت.
بينما الاتجاه الإسلامي يقول من حق المرأة أن تكتسب ثروة وأن يكون لها عنوان اجتماعي من خلال كونها مديرة شركة أو مديرة مقاولات ما دامت في حدود شرعية لا توقعها في أسر شهوي أو علاقات غير مشروعة، لكن المعيار في عمل المرأة أعمق من ذلك، فالمعيار معيار رسالي وليس معياراً مادياً، ليست قيمة المرأة في أن تكون لها ثروة وليست قيمة المرأة بأن يكون لها لقب اجتماعي وليست قيمة المرأة أن تكون صفاً إلى صف الرجل، هناك معيار أعمق من ذلك، معيار رسالي أنيط بالمرأة وهو أن تكون هذه المرأة مصدراً للإنسان الصالح، كل مجتمع وكل وطن لا يمكن أن يبني له حضارة إلى إذا كان المواطن صالح، فالمواطن الصالح تربيه المرأة، لأن المرأة هي صاحبة القدرة على إنشاء وإيجاد المواطن الصالح والمبدع، المواطن القادر على العطاء والإبداع والبذل، من هنا نرى إشادة القرآن وإشادة النبي بموقع المرأة وعظمة المرأة عندما يقول القرآن الكريم ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [التحريم: 11] ضرب الله بآسيا زوجة فرعون مثلاً في الصبر والفداء والمقاومة للظلم والطغيان، ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ [التحريم: 12] وضرب بمريم ابنت عمران مثلاً للعفة والطهارة، ضرب بهما مثلاً للذين آمنوا، إذن المعيار في قيمة المرأة هو هذا المعيار معيار الفضيلة والقيمة.
وعندما تأتي إلى الآيات القرآنية الأخرى التي تتحدث عن دور امرأة عظيمة أخرى ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران: 61] يعني المرأة شريكة الرسول في حركة الرسالة وفي حركة الدعوة وأبرز تلك المرأة التي هي شريكته في حركة الرسالة والدعوة أبرز فاطمة بنت محمد ، وقال عندما قالت له إحدى زوجاته: ما تذكر في عجوز تقصد خديجة حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها، قال: ما أبدلني خيراً منها آمنت بي حين كفر بي الناس، وآوتني حين طردني الناس ورزقت منها الولد وحرمته غيرها، وقال: فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، فهذه المرأة هي المثل في علمها وفي عطائها وفي جهادها وصبرها، ولذلك ارتبطت صورة هذه المرأة العظيمة بأولادها، فاطمة عملاق وربت عمالقة، فاطمة معطاء ربت رجال أعطوا وبذلوا، فارتبطت هذه بنفسية هؤلاء الأولاد، يقول الإمام الحسن الزكي: ما رأيت أعبد من أمي فاطمة كانت إذا قامت إلى صلاتها لا تنفتل حتى تتورم قدماها من طول الوقوف بين يدي ربها، وما رأيتها دعت لنفسها قط وإنما تدعو للمؤمنين والمؤمنات، أقول لها أماه فاطمة لما لا تدعين لنفسك تقول: بني الجار ثم الدار. الحسن يحمل ذكريات جميلة وعظيمة عن أمه فاطمة، والحسين يحمل ذكريات عظيمة عن أمه فاطمة عن تلك التربية وعن ذلك العطاء، لذلك لم يستطع الحسين فراقها وفراق موطنها وفراق مقامها لما عزم على الخروج من المدينة، صعب عليه أن يفارق قبر أمه فاطمة.
اترك تعليقاً