|
المكان: | مسجد الحمزة بن عبدالمطلب | سيهات |
المصدر: | موقع السيد منير الخباز |
ملحق بمحاضرة الليلة الأولى
أ – مدة حياة الأئمة من أهل البيت هي 260 سنة، وقد انتهت الغيبة الصغرى سنة 329 للهجرة، فتراثهم قد وصل للمسلمين قبل انقضاء القرن الثالث، واستمر لما قبل انقضاء القرن الرابع، ونقله الثقات القريبون منه إلى القرن الخامس.
ب – من روى خطبة الإمام علي لبنت أبي جهل عدة رواة، ولكن العمدة لدى المؤرخين هو المسور بن مخرمة، والراوي عنه: عبد الله بن أبي مليكة أو محمد بن شهاب الزهري عن الإمام السجاد، وقد تبين حالهم في المحاضرة.
ج – قد يقول البعض بأن رواية الخطبة موجودة عند الشيعة في كتاب علل الشرائع «ج1 ص 185»، ولكن مضمونها تكذيب الواقعة لا إثباتها وأن شقيًا من الأشقياء نسب للإمام علي ذلك والإمام نفى، مضافًا لضعف سندها بأحمد بن محمد بن يحي بن زكريا القطان.
د – إن هناك من علماء الشيعة أيضًا من يقول بأن زينب وأم كلثوم بنات الرسول ، كما ذكر ذلك الشيخ المفيد «رضوان الله عليه» في أجوبة المسائل العكبرية «ص 120»، والطبرسي «قدس سره» في أعلام الورى «ص 146»، والتستري في القاموس «ج9، ص450»، وهناك من خالفهم وقال أنهما ربيبتان للرسول ، وليستا ابنتيه كما فصل ذلك المرحوم العلامة السيد جعفر مرتضى في كتابه الصحيح من سيرة الرسول الاعظم .
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
هناك ثلاثة أساليب لتناول التاريخ:
الأسلوب الأول: الوصفي.
هو عبارة عن سرد وقائع التاريخ كما نقلت بشرط أن لا يكون ذلك مصادما للعقل، ولا منافيا لسياقات مسيرة التاريخ، كأن يقرأ الإنسان قصة مقتل الحسين كما نقلت.
الأسلوب الثاني: التحليلي.
أن يقوم الإنسان بتحليل التاريخ، تحليل أسبابه، نتائجه، مراحله والأحداث المؤثرة في بروزه أو خموده.
الأسلوب التحليلي له ثلاثة مناهج:
- المنهج الإنساني.
- المنهج الإنثروبولوجي.
- المنهج الإيماني.
مثلا عندما نريد أن نقرأ تاريخ السيدة الزهراء يمكن أن نقرأه بالمناهج الثلاثة قراءة تحليلة:
المنهج الأول: الإنساني.
أن تقرأ التاريخ أو أن تقرأ الإنسان من حيث هو إنسان بدون أي ضمائم أخرى، المنهج الإنساني هو المنهج المتبع في إطار الحداثة، رواد الحداثة يركزون على قراءة التاريخ من خلال المنهج الإنساني، نعم بعضهم مثل سلامة موسى، محمد أركون، علي حرب، يفصلون المنهج الإنساني عن المقدس والدين، يقولون لا يمكن أن تقرأ إنسانا بما هو متدين، هذه ليست قراءة إنسانية، إذا أردت أن تقرأ أي شخص بما هو متدين، بما هو مؤمن بدين، فهذه القراءة لا تنسجم مع الحداثة، هذا إخفاق في فهم الحداثة، لأن الإنسان المتدين يعني الإنسان الذي يعيش عبودية وخضوع لله عز وجل، بينما الحداثة تعني أن تقرأ الإنسان مستقلا عن أي ارتباط آخر، الحداثة تعني أن المركزية والمحورية للإنسان من دون أي ارتباط بأي شيء آخر.
هذه النظرة نظرة مفرطة في الحداثة، الحداثة لا تتصادم مع قراءة الإنسان من حيث أنه إنسان ذو دين أبدا، لماذا؟
تارة تقرأ الإنسان المتدين الذي يعيش الدوافع الدينية فقط، وهذه قراءة قد لا تنسجم مع الحداثة، وتارة تقرأ الإنسان المتدين الذي انطلق إلى الدين بدوافع إنسانية، هو إنسان ويرى من حقه كإنسان أن يؤمن بالدين، الإيمان بالدين لا يتنافى مع الإنسانية، قد تكون الدوافع التي تمنح الإنسان الإيمان بالدين هي دوافع إنسانية، يعني أنه ينطلق للدين من زاويته الإنسانية، يؤمن بالدين من خلال دوافعه الإنسانية، لذلك أنت عندما تقرؤه متدينا بدوافع إنسانية فهذه قراءة حداثية، قراءة بمنهج إنساني.
من أجل ذلك نحن عندما نقرأ شخصية الزهراء نقرؤها بمنهج إنساني من زاويتين، زاوية عطاء الزهراء ، نحن عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ عندما نقرأ هذا الحدث الزهراء تعطي، الزهراء تبذل وتمنح، نعيش الزهراء في قراءة إنسانية، انطلقت إلى العطاء والبذل لأنها تعيش هموم الإنسانية، لأنها تعيش آلام مجتمعها وهمومه.
نحن عندما نأتي إلى الزهراء وهي ربة بيت أيضا نقرؤها قراءة إنسانية، الرسول محمد عندما يدخل عليها فيرى أنها تطحن الرحى بيدها وفي يدها الأخرى طفلها تحمله في صدرها، يبكي الرسول عندما يراها، فتقول له: «يا أبتاه، الحمد لله على نعمائه ولله الشكر على آلائه»، يعني أنها تعبر عن روح ممتلئة بالصبر والقناعة والثقة بالنفس، هذه قراءة إنسانية، القراءة الإنسانية أن تقرأ الإنسان وهو يحمل الألم والأمل، هو من جهة يحمل ألم مجتمعه، ومن جهة يحمل أملا في نجاة مجتمعه، وهكذا كانت السيدة الزهراء وكيف لا وهي ابنة أبيها الذي قال فيه تعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكم عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكم بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
المنهج الثاني: الإنثروبولوجي.
الفيلسوف كانت يعرف الإنثروبولوجيا بأنها مذهب معرفة الإنسان، الإنثروبولوجيا تعني أن تقرأ المجتمع قراءة متعددة الأبعاد، يعني أن تأتي لمجتمع معين تقرؤه من ناحية ثقافية، من ناحية اجتماعية، من ناحية دينية، أن تقرأ المجتمع متعدد الأبعاد.
هل يمكن أن تقرأ الزهراء من هذا المنطلق؟
نرى الدول التي استعمرت دول العالم الثالث، بريطانيا، فرنسا، قرأت هذه الشعوب أولا قراءة إنثروبولوجية، يعني عاداتها، تقاليدها، لغتها، أديانها، مذاهبها، ثقافتها، إلى أن فهمتها ثم استعمرتها وعرفت كيف تتعامل معها.
إذن كلما قرأت مجتمعا قراءة متنوعة الأبعاد فهي قراءة إنثروبولوجية يمكن لنا أن نقرأ السيدة الزهراء من خلال هذا المنطلق.
عندما تأتي إلى خطبة الزهراء ، خرجت إلى المسجد، جعلت دونها ملاءة، خطبت تلك الخطبة البليغة المعروفة، هذه الخطبة ماذا تعبر؟ هذه الخطبة عندما نقرؤها وهي تتحدث وتعبر عن شخصية السيدة الزهراء ، هذه تشير إلى ثلاثة عناصر مهمة في شخصية الزهراء :
العنصر الأول: عنصر الثقافة.
خطبة مملوءة بالثقافة، مملوءة بفهم عميق للإسلام وأصوله، وفروعه، وأبعاده، ومنجزاته، إذن الخطبة تعبر عن عنصر ثقافي في شخصية الزهراء .
العنصر الثاني: العنصر الحركي.
امرأة تخرج بكل جرأة وبكل بسالة وتقف أمام المسلمين في مسجد رسول الله صادعة بالحق، منذرة للمجتمع، تحلل، توبخ، تثبط، تحث، تزجر، هذا يكشف عن عنصر حركي في هذه الشخصية العملاقة.
العنصر الثالث: العنصر الإنساني.
الزهراء لم تخض المعركة بسلاح ولا خاضت المعركة بمواجهة بعنف، خاضت المعركة بحوار عقلاني يبتني على الأدلة والبراهين لتثبت حقانية احتجاجها.
إذن اجتماع هذه العناصر في شخصية الزهراء من خلال خطبتها هذه قراءة إنثروبولوجية.
نلاحظ في نفس هذا المنهج الإنثروبولوجي يقول لك من أسسه أن تقرأ التاريخ لا كما مضى، بل كما يأتي، يعني أن تقرأ التاريخ كناقل من الماضي إلى المستقبل، وكيف تكون ناقل للتاريخ من الماضي إلى المستقبل؟ هذا يعني تداخل التاريخ مع عدة علوم اجتماعية وإنسانية، الزهراء هكذا قرأت المجتمع، عندما قالت: «وكنتم على شفا حفرة من النار – يعني تتحدث عن الماضي وعن الحاضر والمستقبل – مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، فأنقذكم الله بأبي محمد أقام الهداية، وبصر العمايا، وأنقذ من الغواية، بأبي محمد كشف ظلمها، ورفع غممها» الزهراء تتكلم عن مسيرة حضارية بدأها النبي المصطفى عندما أسس لهذه الدولة المحمدية في ذلك المجتمع الفوضوي المتقاتل الجاهلي، وحوله خلال 23 سنة إلى مجتمع متفوق في معارفه وعلومه، ومتقدم في تطلعاته وطموحاته.
إذن الزهراء أيضا تعاملت مع ذلك المجتمع في خطبتها بهذا المنهج الإنثروبولوجي.
المنهج الثالث: المنهج الإيماني.
الزهراء إنسان غارق في الله، إنسان منطلق من الله وإلى الله تبارك وتعالى، عندما تقرأ الزهراء من هذه الزاوية ومن هذه النقطة فأنت تقرؤها بالمنهج الإيماني، الزهراء خاضت حركة رسالية، الزهراء ليست شخص بل حركة، أنت لا تقرؤها كشخص بل كحركة صنعت الحدث وحركت المجتمع، كحركة عاشت آلام الرسالة وهمومها، وأيضا تنبأت بآمالها ومستقبلها.
الزهراء عندما تقرؤها كحركة رسالية هي مصداق للآية المباركة: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ ترى أن الزهراء منهجا إيمانيا يصلح أن يكون قدوة وأسوة لكل مؤمن ولكل متدين.
إذن هذا مانعبرعنه بالمنهج التحليلي، نقرأ التاريخ قراءة تحليلية سواء بمنهج إنساني، أو بمنهج إنثروبولوجي، أو بمنهج إيماني، كما ذكرنا الأمثلة في شخصية الزهراء .
الأسلوب الثالث: التحقيقي.
من هنا إذا لاحظنا التاريخ لا يمكن دعوى اليقين، يعني لا يمكن لك أن تقول أنا عندي يقين بأن هذا التاريخ حدث، اليقين الرياضي بوقوع التاريخ أمر نادر الحدوث، يعني قليل من الأحداث التي نتيقن من حدوثها، عندنا يقين بمقتل الحسين ، بمظلومية الإمام علي ، بفتح مكة وهكذا، القضايا اليقينية قضايا قليلة، معدودة، إذن غيرها من القضايا كيف نقوم بتوثيقه؟
أول من فتح هذا الباب ألا وهو الأسلوب التحقيقي للتاريخ ابن خلدون في مقدمته، سلك هذا الدليل، الآن في المصطلح العلمي الرياضي يسمى: دليل حساب الاحتمالات، وهو دليل رياضي تستطيع أن تقرأ به التاريخ أيضا، يعني أن تجمع القرائن والشواهد والأدلة، ونتيجة جمع الشواهد والأدلة والقرائن تصل إلى الاطمئنان بوقوع الحدث التاريخي أو بعدم وقوعه، أو أن وقوعه أقرب من عدمه، أو أن عدم وقوعه أقرب من وقوعه، استخدام دليل حساب الاحتمالات في مجال تحقيق التاريخ هو الأسلوب العلمي والمنطقي في مجال تحقيق التاريخ، هذا الأسلوب له عدة أدوات نتعرض إليها مع أمثلتها في تاريخ السيدة الزهراء .
الأداة الأولى: أن لا يكون الخبر التاريخي معارضا بخبر أقوى منه وإلا لا يثبت.
مثلا: تاريخ ولادة الزهراء إذا أتينا للمشهور عند مؤرخي إخواننا من أهل السنة أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، يذكر هذا ابن الجوزي في «تذكرة الخواص»، والحنفي في «درر السمطين»، والطبري في «ذخائر العقبى»، وغيرهم من أهل السنة يذكرون بأنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وقريش كانت تبني البيت الحرام، هذا خبر ولكن نحن لا نستطيع أن نعتمد عليه لأنه معارض بخبر أقوى منه، لأنه معارض بروايات أهل البيت ، وأهل البيت أدرى بما فيه، عندما ترجع إلى روايات أهل البيت المعتبرة تجد أن روايات أهل البيت وهم أعرف بميلاد أمهم الزهراء تصرح بالعكس، بأنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات يعني بفرق عشر سنوات، يعني بناء على الرأي الأول عندما ماتت الزهراء ماتت وعمرها 28 سنة، بينما بناء على الرأي الثاني عندما ماتت، ماتت وعمرها 18 سنة، فرق شاسع، عشر سنوات فارق بين العمرين.
هذا سأشير إليه في بعض الكلمات الآتية لتعرف بعض الأهداف من وراء هذا الإصرار على أن الزهراء ولدت قبل البعثة بخمس سنوات والروايات المعتبرة بلسان أهل البيت أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات.
الأداة الثانية: أن تكون المسافة الزمنية المنقول عنها الخبر أقرب للحدث من مسافة أخرى.
عندما نأتي لعلم التاريخ نرى المؤرخين يختلفون ما هو أوثق قرن، أي ما هو آخر قرن نثق بنقله، هل القرن الرابع نثق بنقله، أو القرن السادس آخر قرن نثق بنقله، أو القرن العاشر، ما هو آخر قرن من هذه القرون الأربعة عشر من يوم الإسلام إلى يومنا هذا، ما هو آخر قرن يوثق بنقله؟
نأتي إلى قراءة نص لبعض الكتاب حتى نرى هل هذا الكلام صحيح أم غير صحيح:
بسام الجمل باحث تونسي حاصل على الدكتوراة في الآداب واللغة العربية وله عدة كتب منها: «أسباب النزول»، و«الإسلام السني»، و«ليلة القدر في المتخيل الإسلامي»، وعنده كتاب في الزهراء وهو «فاطمة من التاريخ إلى المتخيل»، هو شخص لا يؤمن بالزهراء يقول بأن الزهراء مضخمة ومكبرة، وتاريخها لا يستحق كل هذا التضخيم ولا كل هذا التبجيل، لذلك يعتبر أغلب الروايات الواردة في الزهراء هي من القسم المتخيل، كله خيال، والواقع هو بضع روايات قليلة تضمنت ولادتها ومرضها ووفاتها، عندما تأتي إليه في الكتاب، ما هو آخر قرن يوثق بنقله عن شخصية الزهراء وعن سيرتها؟
يقول: إن ترجمة فاطمة في المصادر السنية إلى حدود منتصف القرن الثالث للهجرة مع ابن سعد في طبقاته، هي أقرب إلى ما يكون في التاريخ، يعني إلى هذه المدة نصف القرن الثالث، نأخذ بهذه الروايات إلى ما رواه ابن سعد في طبقاته، فكل الأحداث المتعلقة بهذه الشخصية ممكنة الحصول من منظور تاريخي وليس فيها ما يخرج عن سنن التاريخ، ولادة، وزوجا، ومرضا، ووفاة، ولكن يبدو من نحو منتصف القرن الرابع للهجرة مع الطبراني – صاحب المعجم – من هنا بدأ التضخيم لحياة الزهراء ، الطبراني في معجمه بدأت تتسلل إلى الترجمة معطيات لا يمكن قبولها إلا من وجهة نظر إيمانية لا علاقة لها بالتاريخ، من قبيل مناقب فاطمة في يوم القيامة، من قبيل أن تزويجها بأمر من السماء، من قبيل أنها تمر يوم المحشر بين الناس فيقال غضو أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد ، يقول: كل هذا متخيل، كله خيالات، هذه الأخبار جاءت من القرن الرابع فما بعد ونحن لا نقبل، المسافة الزمنية هي ما قبل القرن الرابع، لا ما بعد القرن الرابع.
هل هذا الكلام دقيق أم لا؟ هذا الكلام ليس كلاما علميا ولا موضوعيا.
أولا: لا فرق بين نصف القرن الثالث ونصف القرن الرابع، بينهم 100 سنة، متى نعتبر القرن موثوق بنقله؟ إذا توفرت فيه ثلاث أشياء:
- الأول: هناك رواة موثوق بهم.
- الثاني: هناك شهرات.
- الثالث: هناك كتابة.
كل قرن قرب من زمن النبي وتوفر على العناصر الثلاثة: كتاب، وشهرات، ورواة موثوق بهم، إذن هذا القرن موثوق بنقله، ما الفرق بين هذه النواحي قبل 100 سنة، وبعد 100 سنة، بين نصف القرن الثالث ونصف القرن الرابع، الجميع متوفر على الكتاب، والشهرات، والرواة الموثوق بنقلهم، إذن بالنتيجة لا يوجد مائز علمي بين نصف القرن الثالث ونصف القرن الرابع سوى أن هذه 100 سنة لا أكثر، وإلا العوامل هي العوامل، والعناصر هي العناصر.
ثانيا: المهم أن يكون هناك وثوق بالنقل، لنرى في الطرف الآخر، أنت الآن تعتمد على المصادر السنية، تقول حسب المصادر السنية هكذا، نأتي إلى المصادر الأخرى، روايات أهل البيت ، رواياتهم أوثق من تلك المصادر التي ادعي أنها هي المقبولة لأنها قبل القرن الرابع، لماذا؟
أولا: روايات أهل البيت خضعت للتنقيح والمراجعة، نحن لدينا من الثابت أن الإمام الرضا عرضت عليه كتب الصادقين – أي الإمام الباقر والصادق – فقرأها وأنكر منها أحاديث، قال بعض هذه الأحاديث غير صحيحة، وبعض هذه الأحاديث صحيحة، إذن روايات أهل البيت خضعت للمراجعة والتنقيح.
ثانيا: أن روايات أهل البيت قبل القرن الرابع، أهل البيت امتدوا إلى نصف القرن الثالث، إذن روايات أهل البيت جاءت قبل انقضاء القرن الرابع.
ثالثا: أهل البيت أدرى بما فيه، أنت عندما تريد أن تبحث عن تاريخ النبي ، الزهراء ، الإمام علي ، هم أعرف بتاريخهم وتاريخ أسلافهم، لأجل ذلك الاعتماد على روايات أهل البيت الثابتة في هذا المجال هو الطريق الموثوق، وهو الطريق المضمون، وإذا رجعنا إلى روايات أهل البيت في هذا المجال نجد أن روايات أهل البيت هي التي نقلت هذه الروايات التي سماها روايات إيمانية، أن الزهراء زوجت بأمر من السماء، أن الزهراء تمر يوم المحشر بين الخلائق، أن الزهراء لها مناقب كثيرة متعددة، هذه الروايات لم تروى بعد القرن الرابع وعند الطبراني بل رويت قبل ذلك بمئة سنة على لسان أهل البيت ، وفي الفترة الزمنية الموثوق بالنقل عنها كما ذكر الكاتب.
ثالثا: إذا كانت كل رواية فيها لمسة إيمانية غيبية، نتحفظ عليها ولا نقبلها لأن فيها لمسة غيبية إيمانية، بعيدة عن مسار التاريخ هذا يقتضي أن نتوقف حتى في الأحداث التي ذكرت في القرآن، القرآن ماذا قال عن مريم؟ ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ هل نتوقف لأن فيها لمسة غيبية؟ أو عندما يقول عن عيسى ابن مريم: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ هذه لمسة غيبية إعجازية، محمد عندما يقول عنه القرآن الكريم: ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ هذه قصة عليها لمسة غيبية إعجازية واضحة.
إذن ليس كل حدث فيه لمسة إعجازية يتحفظ عليه ويقال هذا ليس من التاريخ، بل المهم أن هذا الخبر ثبت بطريق صحيح أم لا، إذا ورد الحدث بطريق معتبر بحسب الموازين العلمية يؤخذ به حتى لو كانت فيه لمسات غيبية أو إعجازية أو إيمانية.
إذن الأداة الثانية أن يؤخذ بنقل المسافة الزمنية الأقرب إلى وقوع الحدث.
الأداة الثالثة: الشهرة.
بعض الأحداث تثبت بالشهرة بمعنى أن يتعدد رواتها، يتعدد نقلتها، بحيث لا ينقل اللاحق عن السابق، لا بل كل مؤرخ له مصادره الخاصة به، إذا تعدد الرواة، تعدد النقلة، كانت الشهرة طريقا من طرق الوثوق بالخبر والحدث.
مثلا: خطبة الزهراء أمر مشهور عند أهل السنة والشيعة، روى هذه الخطبة من مصادر متعددة كثير من المؤرخين والمحدثين، عندما تأتي إلى خطبة الزهراء رواها أحمد ابن أبي طاهر في كتابه «بلاغات النساء» من القرن الثاني، رواها أبو بكر الجوهري في كتابه «السقيفة وفدك»، رواها المسعودي في «مروج الذهب»، رواها الخوارزمي عن الحافظ ابن مردويه في كتابه «مقتل الحسين»، رواها ابن الأثير في «النهاية» وفي كتابه «منال الطالب» عن زينب العقيلة، رواها ابن أبي الحديد في «شرح النهج»، كل هؤلاء من مؤرخي إخواننا أهل السنة.
ورواها من الشيعة الشيخ الصدوق في «علل الشرائع»، الطبري في «دلائل الإمامة»، الإربلي في «كشف الغمة»، عندما ترى هذا العدد الضخم الذي يروي خطبة الزهراء تتحقق عندك الشهرة لهذه الخطبة المؤدية للوثوق والاطمئنان بوقوع هذا الحدث وهو خطبة الزهراء في مسجد رسول الله .
الأداة الرابعة: أن يكون الناقل للحدث من المؤرخين المعروفين بالتثبت والدقة.
حتى لو كان مؤرخ متأخر لكنه معروف بالدقة والتثبت ولا ينقل في كتابه إلا بعد تحري المصادر المتعددة يؤخذ بنقله، مثل: لدينا كتاب نفيس في مجال التأريخ كتاب «الإرشاد» للشيخ المفيد وهوعالم، فقيه، مؤرخ، متثبت، دقيق، يصر على المصادر الموثوقة، إذن ما ينقله المفيد في كتاب «الإرشاد» يعتبر موطنا للقبول، الشيخ المفيد في كتاب «الإرشاد» هو الذي ينقل أن الزهراء دخلت على رسول الله وهو في مرضه الذي توفي فيه، وقالت: «واكرباه، أبيض يستسقى الغمام بوجهه، ثمال اليتامى، عصمة للأرامل» قال: «لا تقولي هذا، هذا قول عمك أبي طالب، قولي: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ﴾» ثم ينقل، يقول: فأومأ إليها فأقبلت إليه، فأسر في أذنها فتهلل وجهها، فقيل: ماذا قال لك حتى سرى بما بك من الحزن؟ قالت: «أسر إلي قال: أنت أول أهل بيتي لحوقا بي»، هذه الرواية أيضا يرويها مسلم في صحيحه، ويرويها من كتبنا الشيخ المفيد في «الإرشاد»، يؤخذ بها لأنها من مصدر لمؤرخ معروف بالتثبت والدقة.
الأداة الخامسة: أن يكون الخبر المنقول محفوفا بمعطيات وبعوامل نوعية توجب الوثوق به أو الوثوق بعدم وقوعه.
هذه العوامل النوعية ثلاثة عوامل: دلائل عقائدية، سنن اجتماعية، وسياقات تاريخية، نضرب مثال لكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة:
الأول: الدلائل العقائدية.
هل الخبر منسجم مع العقيدة الثابتة أم غير منسجم معها، فمن أسباب رفض الخبر أن يكون مصادما لعقيدة ثابتة، من أسباب قبول الخبر أن يكون منسجما مع عقيدة ثابتة، هل هذا العامل عامل صحيح أم لا؟
نعود إلى بسام الجمل في كتابه «فاطمة من التاريخ إلى المتخيل» هو لا يقبل، كثير من الروايات يقول بأنها تعتبر الزهراء معصومة وتعتبرها طاهرة وإلى آخره.
نأتي الآن لتحليل هذه النقطة، هناك مجموعة من الباحثين يقولون يجب أن يقرأ التاريخ مجردا عن العقيدة، تقرأ التاريخ بما هو تاريخ لا تأتي بالعقائد وتدخلها بالتاريخ، يجب أن يقرأ التاريخ بتجرد وأن لا يفرض عليه مسبقات فكرية وإسقاطات عقدية، فإنك إذا فرضت عليه عقيدتك لم تكن القراءة للتاريخ قراءة موضوعية، لذلك لا يصح أن نرفض خبر لأنه يتنافى مع العصمة.
لنفرض أن لدينا حدث ترويه بعض كتب التاريخ وهو حدث تأبير النخل، أن النبي جاء من مكة، ومكة بلد غير زراعي، إلى المدينة وهي بلد زراعي، فرآهم يؤبرون النخل أي يلقحونه، فنهاهم، قال: لا تؤبرون النخل، فلم يؤبروه فخرج التمر شيص، لم يثمر النخل في تلك السنة، فالخطأ أتى من النبي الذي نهاهم عن تأبير النخل وتدخل في شيء لا يعلم به وليس من اختصاصه، هكذا يعرض في بعض كتب التاريخ.
عندما نأتي لهذه الرواية هل نقبلها أم لا؟ يقال لا يصح أن ترفض الرواية لأنها لا تنسجم مع عقيدتك في النبي .
نأتي الآن لمسألة مرتبط بالزهراء ، روى بعض المؤرخين أن الإمام علي خطب جويرية بنت أبي جهل، هو متزوج بالزهراء ومع ذلك خطب جويرية بنت أبي جهل، فأغضب ذلك الزهراء وأغضب رسول الله وقال الرسول ما قال.
نحن الآن نريد أن نبحث المسألة بحث كبروي علمي، وبحث صغروي هل هذه الحادثة وقعت فعلا أم لم تقع:
البحث الكبروي:
أولا: نحن عندما نرفض خبر لأنه يتنافى مع العصمة هذا ليس قراءة للتاريخ من خارج التاريخ، وليس فرضا وإسقاطا للعقيدة على قراءة التاريخ، بل هو قراءة للتاريخ من داخل التاريخ، كيف ذلك؟
هناك تاريخ ثابت، وتاريخ مشكوك، فيحاكم التاريخ المشكوك على ضوء التاريخ الثابت، مثلا: ثبت لدينا بتاريخ ثابت أن النبي محمدا في قمة الخلق، القرآن يقول: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، ويقول: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، ويقول: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ إذن ثبت تاريخيا أن الرسول في قمة الخلق، إذا أتتك رواية أن ابن أم مكتوم أقبل إلى الرسول ليتعلم منه القرآن فشاح عنه الرسول بوجهه وأعرض عنه، هل تقبل هذه الرواية؟ تقول بعدما ثبت بالتاريخ أنه في قمة الخلق إذن أنا أرفض الرواية لأنها لا تنسجم مع التاريخ الثابت، فأنا ناقشت التاريخ بالتاريخ، يعني أني رفضت خبرا تاريخيا لأنه مناف لتاريخ ثابت، نفس الشيء في قضية العصمة، هي من التاريخ الثابت، العصمة تعني وجود نصوص ثابتة تدل بدلالة عربية واضحة على عصمة أهل البيت ، إذا لدينا نصوص ثابتة وتدل دلالة واضحة على عصمة أهل البيت ، إذن هذا من التاريخ الثابت، فأي رواية تأتي تتنافى معها نرفضها لا من باب إسقاط عقيدة على قراءة التاريخ، بل من باب محاكمة التاريخ المشكوك بالتاريخ الثابت.
نأتي إلى النصوص، نقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ويأتي صحيح مسلم، ويأتي حاكم في مستدركه، ويقول: أخذ الرسول بيد علي وفاطمة وحسن وحسين ، وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾» إذن هذه الآية تدل على العصمة والطهارة وقد طبقت بنص ثابت على هؤلاء، هذا تاريخ ثابت.
عندما تأتي إلى ما ذكره الحاكم في مستدركه، وغيره من المؤرخين والمحدثين: ”فاطمة بضعة مني يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها“ هذا يدل على عصمة الزهراء وهذا أيضا تاريخ ثابت.
إذن ثبتت العصمة من خلال التاريخ نفسه، العصمة أصبحت مدلول تاريخي ثابت، فعندما تأتيني رواية تتنافى مع العصمة أطرحها لأنها منافية للتاريخ الثابت.
ثانيا: من القرائن التي تستخدم في قراءة التاريخ القرائن العقلية، يعني أن الأحكام العقلية الواضحة هي من القرائن الارتكازية التي تتدخل في تفسير النص، في تفسير وتحليل التاريخ، العقل حاضر أثناء القراءة، أنت عندما تستخدم عقلك في قراءة التاريخ هذا ليس من إسقاط عوامل خارجية على العوامل الداخلية، بل هذا استناد لعوامل داخلية أيضا لأن أحكام العقل من القرائن الارتكازية المتصرفة في قراءة التاريخ، مثلا: عندما يحكم العقل بأن الله ليس بجسم ولا تعرض عليه الحركة، هذا حكم عقلي، قطعي، بديهي، مع وجود هذا الحكم العقلي البديهي من الطبيعي أني أرفض أي رواية تنسب إلى الله التجسيم، لأنها تتنافى مع حكم عقلي بديهي واضح، أيضا حكم العقل بالعصمة من الأحكام العقلية البديهية، النبوة تعني العصمة، الإمامة تعني العصمة، هذه من الأحكام العقلية البديهية، لذلك هذا الحكم العقلي بالعصمة عندما يتدخل في قراءة التاريخ قبولا أو رفضا فهذا ليس من إسقاط عقائد خارجية، بل من محاكمة التاريخ من خلال قرائن وعوامل داخلية. ن
نأتي الآن إلى نفس الحدث، هل أن الإمام علي فعلا خطب جويرية بنت أبي جهل أم لا – أبو جهل أشد أعداء النبي وقتل في أول المعارك -.
نقرأ النص الذي نقل حول هذا الحدث، ذكر المسور ابن مخرمة كما في كتاب «ذخائر العقبى»، و«صحيح مسلم»، مسور ابن مخرمة ينقل هذا الحدث عن محمد ابن شهاب الزهري، وعن عبدالله ابن أبي مليكة، ينقلون هذا الحدث أنه وقع: خطب علي ابن أبي طالب جويرية وعنده فاطمة، فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك، فقال: كيف؟، فقالت: هذا علي ناكح بنت أبي جهل، يقول المسور ابن مخرمة: فقام النبي، فسمعته حين تشهد، ثم قال: أما بعد، إني أنكحت أبا العاص ابن الربيع – أي زوجته زينب التي هي من بنات خديجة كما في بعض الروايات – فحدثني فصدقني، وإن فاطمة بضعة مني أكره أن تفتنوها، وإنه والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة. بالنتيجة أن الذي آذى الزهراء هو الإمام علي ، من الذي يكون مصداقا لمن آذى الزهراء ويشمله قول الرسول : ”من آذاها فقد آذاني“ هو علي ابن أبي طالب لأنه خطب بنت أبي جهل وهي عنده، وهي زوجته.
عندما نأتي إلى هذه الرواية على مستوى سندها، وعلى مستوى مضمونها، هل هذه الرواية مقبولة أم لا؟
أولا: هذه الرواية يرويها المسور ابن مخرمة وكان من جنود عبدالله ابن الزبير وقد قتل يوم رميت الكعبة بالمنجنيق، وكان إذا ذكر معاوية صلى عليه، ولو تجاوزنا المسور ابن مخرمة كما نقل عنه هذه المعلومات في «تهذيب التهذيب» جئنا إلى من يروي عنه – أي من يروي عن المسور – محمد ابن شهاب الزهري يروي عن الإمام زين العابدين السجاد الواقعة، بأن الإمام السجاد هو الذي قال أن جده أمير المؤمنين خطب، محمد ابن شهاب الزهري ماهو مستواه من حيث الوثاقة والقبول؟ قال عنه ابن أبي الحديث في «شرح النهج»: كان من المنحرفين عن الإمام علي ، وروى محمد ابن شيبة، قال: شهدت المدينة فإذا محمد ابن شهاب الزهري وعروة ابن الزبير يذكران عليا وينالان منه، ولذلك قدح ابن معين في «تهذيب التهذيب» في وثاقة ابن شهاب الزهري، عبد الله ابن أبي مليكة أيضا أحد الرواة كان قاضيا عند ابن الزبير ومؤذنا له، بمعنى أنهم كلهم شبكة واحدة معروفة، هؤلاء بحسب موازين النقد وثاقتهم مجروحة ومخدوشة لا يؤخذ برواياتهم.
ثانيا: المسور – نفس الراوي – ولد بعد السنة الثانية من الهجرة، أي عندما خطب الرسول كان ابن تسع أوعشر سنوات فهل يؤخذ بنقله وحديثه وهو في هذا السن الذي لا يعتمد فيه على حفظه وإدراكه وتركيزه؟
ثالثا: نفترض أن الزهراء لا يجوز الزواج عليها، بعض العلماء هكذا رأيه، أن فاطمة الزهراء لا يجوز الزواج عليها، هذه خصوصية في فاطمة ، أما كان بإمكان النبي أن يجتمع بعلي ويخبره بهذا الحكم بينه وبينه، فإذا استجاب فبها وإذا أصر على مخالفة النبي حينئذن يمكن أن يصعد النبي على المنبر ويندد ويبالغ في الإنكار، أما أن يصعد المنبر قبل أن يتحدث مع الإمام علي ويقول مثل هذه الكلمات فهذا مما يتنافى مع خلق النبي ، ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، وكيف يعبر النبي عن أبي جهل بأنه عدو الله؟ والحال بأن أبا العاص أخو جويرية عندما جاء المدينة مسلما، قال النبي : «استقبلوه ولا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي» هكذا أخلاق النبي وأدبه، أبو جهل ألد أعدائه ولكن لم يرضى بسبه ولا بالتعريض به أمام ابنته أو أمام ولده، قال: «إن سب الميت يؤذي الحي»، فكيف يصعد المنبر ويقول: لا تجتمع بنت رسول الله مع بنت عدو الله، إذن هذه الرواية من تمام الجهات هي مخدوشة ومرفوضة سندا ومضمونا.
الثاني: السنن الاجتماعية.
من العوامل الدخيلة في قبول الخبر أن يكون متفقا مع السنن الاجتماعية، أي العادات والتقاليد، أنت ستنقل خبر عن جزيرة العرب لابد أن يكون هذا الخبر منسجم مع عادات جزيرة العرب وثقافتها وتقاليدها، أن يكون الخبر منسجم مع الظرف الاجتماعي الذي ينقل عنه، هذا من العوامل الدخيلة في قبول الخبر أو في رفضه.
بسام الجمل يقول في كتابه عن زواج الزهراء : إننا لا نعثر على أسباب صريحة تفسر عزوف شباب أهل مكة عن التقدم لخطبة بنت الرسول ، ثم يقول في الهامش: ربما لم تكن فاطمة على حظ كاف من الجمال الذي يطلبه شباب قريش من الفتاة بمقاييس الفتاة المرغوب فيها في ذلك الوقت. وكأنه يريد أن يقول أن سبب عزوف شباب قريش عن خطبتها يدل على خلل فيها، وهذا الخلل أنه لم يكن لديها جمال لذلك عزف شباب قريش عن خطبتها، فهذا هو المنسجم مع الثقافة والسنن الاجتماعية في ذلك العصر وهو القرن السابع من الميلاد، لأن فاطمة في ذلك الوقت كانت قد تجاوزت 15 سنة ومع ذلك لم يتقدم شباب قريش لخطبتها، وفي تلك الفترات كانوا يزوجون البنت 9 سنين و10 سنين على أبعد التقادير 13 سنة، أما أن تتجاوز 15 سنة ومع ذلك لم يتقدم إليها أحد هذا يتنافى مع السنن الاجتماعية، هذا يدل على أن هناك مشكلة في نفس البنت.
أولا: دعوى أن سن الزهراء فوق سن 15 عند وصولها إلى المدينة هذا مما لا دليل عليه، وسبق أن ذكرنا أن الصحيح في روايات أهل البيت أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، أي لما هاجرت إلى المدينة كان عمرها ثمان سنوات، ولما وصلت إلى المدينة كانت دون الثانية عشر، كانت في السن الذي هو سن الزواج، لم تتأخر عن سن الزواج بحسب مثيلاتها في ذلك العصر.
ثانيا: لنفترض أنها تجاوزت الخامسة عشر ولم يتقدم أحد إليها، هذا لا يعني أن هناك خللا فيها، ربما لأن النبي كان محاصر في مكة، وكان من الصعب التواصل معه، ربما لأن المؤمنين من شباب قريش كانوا محاصرين في مكة وكان من الصعب أن يتقدموا لخطبة بنت الرسول وهم يعيشون هذا المأزق وهذا الحصار الكبير عليهم من قبل قريش أيام مكة، فلماذا اتجهت مباشرة إلى مشكلة في الجمال؟ هذه رائحة نتنة يفرزها الإنسان وهو يريد أن يقرأ التاريخ قراءة موضوعية، يفرز من مثل هذه الروائح ومثل هذه الدفائن المقيتة من خلال قراءة التاريخ.
ثالثا: ليس لديه أي رواية، لم يستند ولا إلى رواية واحدة أن شباب قريش عزفت عن خطبة بنت النبي ، بل الروايات بالعكس، عندما نأتي إلى ما يذكره ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» يقول: خطبها الأشراف والوجهاء، خطبها الخليفة الأول، وخطبها الخليفة الثاني، خطبها عبد الرحمن ابن عوف، وكان الرسول عندما يتقدم أحد لخطبتها يقول: «إنني أنتظر بها القضاء» أي أنتظر أمر السماء.
إذن هذه الرواية المناسبة للسنن الاجتماعية، أن الزهراء كانت موردا لخطبة الأشراف والوجهاء، إلى أن تقدم أمير المؤمنين علي لخطبتها.
الثالث: السياق التاريخي.
من عوامل قبول الخبر أن يكون منسجم مع سياق التاريخ، كيف ذلك؟
نأتي إلى نفس الكاتب يقول بأن الزهراء لم تولد بعد البعثة بخمس سنوات، لأن خديجة لما ماتت، ماتت وعمرها 65 سنة، وهي قد ماتت بعد البعثة بعشر سنين، معناه لو ولدت الزهراء بعد البعثة بخمس سنين، لولدت الزهراء وعمرها 60 سنة، وهذا لا ينسجم مع السياقات التاريخية أن المرأة تلد وعمرها 60 سنة، إذن هذا يؤكد أن الزهراء ولدت قبل البعثة بخمس سنين، يعني أنه من المعقول أن خديجة ولدتها بعمر 55 سنة، وليس أنها ولدتها وعمرها 60 سنة أو 59 سنة.
لكن هذه الكلمة عليها ملاحظات:
أولا: خديجة لم تتزوج وهي في سن الخمسين، هو يريد أن يؤكد أن خديجة لما تزوجت النبي كان عمرها 50 سنة وعاشت معه 15 سنة، وهذا ليس صحيحا، عمر خديجة حسب المؤرخين من أهل السنة عندما تزوجت النبي كان بين 25 سنة إلى 46 سنة أي بين هاذين العمرين اختلف المؤرخون، وأكثر المؤرخين على أن عمرها حين تزوجها النبي 25 سنة أي كانت في شبابها، وروى ذلك البيهقي، وابن كثير في «البداية والنهاية» و«السيرة الحلبية» ومجموعة من المصادر، وأما أن عمرها 46 سنة ذكره البلاذري في «أنساب الأشراف»، إذن أكثر الروايات على أنها كانت 25 سنة عندما تزوجها النبي .
ثانيا: لو أن خديجة تزوجت وعمرها 50 سنة، أولاد النبي من أين أتوا؟ كلهم من خديجة، القاسم، والطاهر، وعبد الله، كلهم أولاد خديجة، ما ولدت له إلا ماريا القبطية، ولدت له إبراهيم، وإلا كل أولاده الذين ماتوا في حياته القاسم، وعبد الله، والطاهر، هم أولاد خديجة، عند إخواننا أهل السنة أيضا أن زينب وأم كلثوم بنات الرسول يعني أن خديجة أنجبت ثلاثة أولاد وثلاث بنات ومنهم فاطمة الزهراء ، فهل من المنسجم مع السياق التاريخي امرأة عمرها 50 سنة أن تنجب بين الخمسين والستين ستة أبناء؟ هذا لا ينسجم مع السياقات التاريخية، عادة المرأة في هذا السن تقف عن الإنجاب حتى لو كانت قرشية تقف عن الإنجاب في مثل هذا السن، أما أنها تنجب ستة أولاد بين الخمسين والستين فهذا غير منسجم مع السياقات التاريخية.
إذن المنسجم مع السياق التاريخي هو أن خديجة تزوجت وهي شابة وأنجبت أولادها في عمر الشباب، لا أن خديجة تزوجت وهي في مثل هذا العمر الذي ذكره هذا الكاتب.
إذن من العوامل الدخيلة في قبول الرواية ورفضها أن تكون الرواية كما ذكرنا منسجمة مع السياقات التاريخية، نضرب مثالين:
المثال الأول: ما روي لدى بعض المؤرخين من أن الإمام الحسن الزكي تزوج عشرات الزوجات، وكان يتزوج ويطلق، حتى أن الإمام علي غضب، وقال: لا تزوجوا ولدي الحسن فإنه مطلاق.
هذه الروايات لو حاكمناها على ضوء السياقات التاريخية، ماذا نقول؟
الشخص الذي يتزوج عشرات الزوجات، حتى نقل ابن أبي الحديد عن بعضهم أنه تزوج 90 زوجة، الرجل الذي يتزوج عشرات الزوجات يقتضي أن يكون عنده كثرة من الأولاد، السياقات التاريخية هكذا تقول، والرجل لم يكن عقيم، بينما عندما يحصى أولاد الإمام الحسن على أصح الروايات 15 ولد بين الولد وبين البنت، وهذا لا ينسجم مع تزوجه من عشرات الزوجات.
المثال الثاني: رواية يذكرها الطبري: أن الإمام الحسين عندما خرج من مكة إلى العراق، بعدما تجاوز منطقة التنعيم في مكة، رأى قافلة أقبلت من اليمن، من والي اليمن بجير ابن يسار القافلة لمن؟ ليزيد ابن معاوية، القافلة محملة بالأموال والأمتعة والألبسة، فقام الإمام الحسين بمصادرتها، وأخذ منهم الأمتعة والألبسة والأموال وخلى سبيلهم.
السيد بحر العلوم في رجاله يرفض قبول هذه الرواية، لماذا يرفضها؟ من الصحيح أن الإمام الحسين ولي الأمر وله الولاية على كل شيء، ولكن لا تنسجم مع سياق الأحداث، رجل قد خرج وهو يقول: «لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» رجل خرج وهو يدعو الناس إلى الهدى، ويريد جلب القلوب إليه، وإمالة النفوس إلى مشروعه وطريقه، لا ينسجم مع هذا السياق أن يبدأ مسيرته بمواجهة قافلة ويصادر ما فيها من أمتعة وأموال وألبسة، هذا لا ينسجم مع السياق.
اترك تعليقاً