|
الفصل الرابع: في المطهرات
وهي أمور:
الأول: الماء، وهو مطهر لبعض الأعيان النجسة كالميت المسلم، فإنه يطهر بالتغسيل على ما مر في أحكام الأموات، كما يطهّر الماء المتنجس على تفصيل تقدم في أحكام المياه، نعم لا يطهّر الماء المضاف في حال كونه مضافاً وكذا غيره من المائعات.
وأما الجوامد المتنجسة فيطهرها الماء بالغسل بأن يستولي عليها على نحو تنحل فيه القذارة عرفاً ــ حقيقة أو اعتباراً ــ وتختلف كيفية تطهيرها باختلاف أقسام المياه وأنواع المتنجسات وما تنجست به على ما سيأتي تفصيل ذلك في المسائل الآتية.
مسألة 452: يعتبر في التطهير بالماء القليل ــ مضافاً إلى استيلاء الماء على الموضع المتنجس على النحو المتقدم ــ مروره عليه وتجاوزه عنه على النهج المتعارف بأن لا يبقى منه فيه إلا ما يعد من توابع المغسول، وهذا ما يعبر عنه بلزوم انفصال الغسالة.
توضيح ذلك: أن المتنجس على قسمين:
(الأول): ما تنجس ظاهره فقط من دون وصول النجاسة إلى باطنه وعمقه، سواء أكان مما ينفذ فيه الماء ولو على نحو الرطوبة المسرية أم لا كبدن الإنسان وكثير من الأشياء كالمصنوعات الحديدية والنحاسية والبلاستيكية والخزفية المطلية بطلاء زجاجي.
وفي هذا القسم يكفي في تحقق الغسل استيلاء الماء على الظاهر المتنجس ومروره عليه.
(الثاني): ما تنجس باطنه ولو بوصول الرطوبة المسرية إليه، لا مجرد النداوة المحضة التي تقدم أنه لا يتنجس بها، وهذا على أنواع:
النوع الأول: أن يكون الباطن المتنجس ممّا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ويمكن إخراجه منه بالضغط على الجسم بعصر أو غمز أو نحوهما أو بسبب تدافع الماء أو توالي الصب، وهذا كالثياب والفرش وغيرهما مما يصنع من الصوف والقطن وما يشبههما، وفي هذا النوع يتوقف تطهير الباطن على نفوذ الماء المطلق فيه وانفصال ماء الغسالة بخروجه عنه ولا يطهر الباطن من دون ذلك.
النوع الثاني: أن يكون الباطن المتنجس مما يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولكن لا يخرج عنه بأحد الأنحاء المتقدمة كالحب والكوز ونحوهما، وفي هذا النوع لا يطهر الباطن بالغسل بالماء القليل على الأحوط لزوماً لأن الحكم بطهارة الباطن تبعاً للظاهر مشكل، ودعوى صدق انفصال الغسالة عن المجموع بانفصال الماء عن الظاهر بعد نفوذه في الباطن غير واضحة لاسيما إذا لم يكن قد جفف قبل الغسل.
النوع الثالث: أن يكون الباطن المتنجس مما لا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولا يخرج منه أيضاً، ومن هذا القبيل الصابون والطين المتنجس وإن جفف ما لم يصر خزفاً أو آجراً، وفي هذا النوع لا يمكن تطهير الباطن لا بالماء الكثير ولا بالماء القليل.
مسألة 453: ما ينفذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولكن لا يخرج عن باطنه بالعصر وشبهه كالحب والكوز يكفي في طهارة أعماقه ــ إن وصلت النجاسة إليها ــ أن تغسل بالماء الكثير ويصل الماء إلى ما وصلت إليه النجاسة، ولا حاجة إلى أن يجفف أولاً ثم يوضع في الكر أو الجاري. وكذلك العجين المتنجس يمكن تطهيره بأن يخبز ثم يوضع في الكر أو الجاري لينفذ الماء في جميع أجزائه.
مسألة 454: الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجس يطهر بالغسل بالماء الكثير إذا بقي الماء على إطلاقه إلى أن ينفذ إلى جميع أجزائه ويستولي عليها، بل بالقليل أيضاً إذا كان الماء باقياً على إطلاقه إلى أن يتم عصره أو ما بحكمه ولا ينافي في الصورتين التغير بوصف المتنجس مطلقاً.
مسألة 455: اللباس أو البدن المتنجس بالبول يطهر بغسله بالماء الجاري مرة واحدة، ولا بد من غسله مرتين إذا غسل بالماء القليل ، و كذلك إذا غسل بغيره ـ عدا الجاري ـ على الأحوط وجوباً، وأما غيرهما من المتنجسات عدا الآنية فيطهر بغسله مرة واحدة مطلقاً، وكذا المتنجس بغير البول ومنه المتنجس بالمتنجس بالبول في غير الأواني، فإنه يكفي في تطهيره غسلة واحدة مع زوال العين وإن كان زوالها بنفس الغسلة الأولى.
مسألة 456: الآنية إن تنجست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره مما يصدق معه أنه فضله وسؤره غسلت ثلاثاً، أُولاهن بالتراب وغسلتان بعدها بالماء.
مسألة 457: إذا لطع الكلب الإناء أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه كان ذلك بحكم الولوغ في كيفية التطهير وإن لم يبق فيه شيء يصدق أنه سؤره، وأما إذا باشره بلعابه أو تنجس بعرقه أو سائر فضلاته أو بملاقاة بعض أعضائه فالأحوط لزوماً أن يعفر بالتراب أولاً ثم يغسل بالماء ثلاث مرات، وإذا صبّ الماء الذي ولغ فيه الكلب في إناء آخر جرى عليه حكم الولوغ.
مسألة 458: الآنية التي يتعذر تعفيرها بالتراب تبقى على النجاسة، ولا يسقط التعفير به على الأحوط لزوماً، وأما إذا أمكن إدخال شيء من التراب في داخلها وتحريكه بحيث يستوعبها أجزأ ذلك في طهرها.
مسألة 459: يجب أن يكون التراب الذي يعفر به الإناء طاهراً قبل الاستعمال.
مسألة 460: يجب في تطهير الإناء المتنجس من شرب الخنزير غسله سبع مرات، وكذا من موت الجرذ، بلا فرق فيها بين الغسل بالماء القليل أو الكثير، وإذا تنجس داخل الإناء بغير ما ذكر وجب في تطهيره غسله بالماء ثلاث مرات حتى إذا غسل في الكر أو الجاري أو المطر على الأحوط لزوماً، هذا في غير أواني الخمر، وأما هي فيجب غسلها ثلاث مرات مطلقاً والأولى أن تغسل سبعاً.
مسألة 461: مرّ أن الثوب أو البدن إذا تنجس بالبول يكفي غسله في الماء الجاري مرة واحدة، و يتعين غسله مرتين إذا غسل بالماء القليل و كذلك إذا غسل بغيره ـ عدا الجاري ـ على الأحوط لزوماً ، ولا بد في الغسل بالماء القليل من انفصال الغسالة كما مر في المسألة 452 ، و لا يعتبر ذلك في الغسل بغيره .
مسألة 462: التطهير بماء المطر يحصل بمجرد استيلائه على المحل المتنجس من غير حاجة إلى العصر أو ما بحكمه، وأما التعدد فلا يسقط فيما سبق اعتباره فيه مطلقاً على الأحوط لزوماً، كما لا يسقط اعتبار التعفير بالتراب في المتنجس بولوغ الكلب.
مسألة 463: يكفي في تطهير المتنجس ببول الصبي أو الصبية ــ ما دام رضيعاً لم يتغذ بالطعام ــ صبّ الماء عليه وإن كان قليلاً مرة واحدة بمقدار يحيط به، ولا يحتاج إلى العصر أو ما بحكمه فيما إذا كان المتنجس لباساً أو نحوه.
مسألة 464: يتحقق غَسل الإناء بالقليل بأن يصب فيه شيء من الماء ثم يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه ثم يراق، فإذا فعل به ذلك ثلاث مرات فقد غُسل ثلاث مرات وطهر فيما يكون تطهيره بذلك.
مسألة 465: يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال.
مسألة 466: يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها ــ كاللون والريح ــ، فإذا بقي واحد منهما أو كلاهما لم يقدح ذلك في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين.
مسألة 467: الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الصخر أو الزفت أو نحوها يمكن تطهيرها بالماء القليل إذا جرى عليها، لكن مجمع الغسالة يبقى نجساً إلا مع انفصال الغسالة عنه ولو بسحبها بخرقة أو نحوها فيحكم بطهارته أيضاً.
مسألة 468: لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدد الغسل، فلو غسل في يوم مرة وفي آخر أخرى كفى ذلك، كما لا تعتبر المبادرة إلى العصر أو ما بحكمه فيما سبق اعتباره في تطهيره، نعم لا بد من عدم التواني فيه بحد يستلزم جفاف مقدار معتد به من الغسالة.
مسألة 469: ماء الغسالة ــ أي الماء المنفصل عن الجسم المتنجس عند غسله ــ نجس مطلقاً على ما تقدم في أحكام المياه، ولكن إذا غسل الموضع النجس فجرى الماء إلى المواضع الطاهرة المتصلة به لم يلحقها حكم ملاقي الغُسالة لكي يجب غَسلها أيضاً بل إنها تطهر بالتبعية.
مسألة 470: الأواني الكبيرة المثبتة يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصب الماء فيها ويدار حتى يستوعب جميع أجزائها، ثم يخرج حينئذٍ ماء الغسالة المجتمع في وسطها بنزح أو غيره ولا تعتبر المبادرة إلى إخراجه، ولكن لا بد من عدم التواني فيه بحد يستلزم جفاف مقدار معتد به من الغُسالة، ولا يقدح الفصل بين الغسلات، ولا تقاطر ماء الغسالة حين الإخراج على الماء المجتمع نفسه، وتطهر آلة إخراج الماء بالتبعية.
مسألة 471: الدسومة التي في اللحم أو اليد لا تمنع من تطهير المحل، إلا إذا بلغت حداً تكون جرماً حائلاً، ولكنها حينئذٍ لا تكون مجرد دسومة عرفاً.
اترك تعليقاً