|
١. لقد فُطر الانسان بحسب تكوينه النفسي على الشعور بكائن غيبي، والإحساس بالحاجة إليه – لا سيّما في مواطن الضعف وعوارض الحاجة -؛ ولأجل هذا لن تستقيم حياته الروحية ـ نوعاً ـ إلا بإدراك هذا الكائن، والاتصال به، وعرض الحاجة عليه، والتوجّس من جزائه، ولن ينال سلامته النفسية إلا بالإيمان به، وإلا عاش فراغاً في نفسه، وخلأً في حياته.. نظير شعور الطفل بالحاجة إلى أبويه، والتي لا تمتلئ إلا بالاتصال بهما.
٢. وربما يستفاد هذا الأمر من بعض الآيات القرآنية والأحاديث المأثورة، قال تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وقال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا﴾، وقال رسول الله (ص): (كل مولود يولد على الفطرة)، وفي كتاب نهج البلاغة عن الإمام علي (ع): (ووَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَه لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِه، ويُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِه، ويَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، ويُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ ويُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ، مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ ومِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، ومَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ).
٣. لقد زُوّد الانسان بهذا الشعور ليكون داعماً لما يدركه بعقله -إذا تأمّل بديع صنع هذا المشهد وظرافته- من وجود خالق للكون واهب للحياة؛ فلا يكون إيمانه بالغيب أمراً مجافياً لطبيعته، بل يجد في النفس شعوراً متناسباً معه، على حدِّ شعور الطفل بالحاجة إلى عاطفة الأم؛ الذي يشير إلى أن نظام الخِلقة كفل له أمّاً ذات عواطف متبادلة معه بحيث تحتضنه وتعتني به.. ولعلّ هذا هو السر في تمام التئام الإنسان وانسجامه مع الإذعان بالغيب والإيمان بالله، قال عزّ من قائل: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.
٤. إن هذا الشعور الفطري قد يخفى في حالات الترف والراحة والانشغال بالحياة وأعمالها، كما أنه قد يتحفّز في حالات الاضطرار والخوف وملاحظة رؤية بديع الصنعة. وقد يحتاج أيضاً إلى التحفيز كي ينتقل إلى مرحلة الإدراك الواعي.
وقد توهم مثل هذه الأمور أن هذا الشعور غير نابع من الفطرة الصافية، ولكنّ هذا التوهم غير صحيح؛ لإنّ كثيراً من المشاعر والاستعدادات التي جُهّز بها الإنسان -والتي لا شك في فطريتها- تحتاج إلى التحفيز لانبثاقها، كما أن بعضها يخفى في مواضع أو يتحفز في أخرى، وليس في ذلك ما يقتضي كونها مشاعر مكتسبة عن عوامل ثانوية، كما يعرفه الباحثون في علم النفس المعاصر.
منهج التثبت في شأن الدين – الحلقة الخامسة
اترك تعليقاً