|
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾
ذكر الرازي في تفسيره عن أبي ذر الغفاري «رضي الله عنه» قال: سمعتُ بِهاتين وإلا صُمتا ورأيت بِهاتين وإلا عميتا رسول الله صلى الله عليه وَ آله وهو يقول عليٌ قائد البررة عليٌ قاتل الفجرة منصور مِنْ نصره مخذول مِنْ خذله وذلك أن سائل أتى مسجد رسول الله فم يكن عند رسول الله ما يعطيه فناوله عليٌ خاتمه وهو راكع فَ أخد السائل وأشترى بِ ثمنه طعاماً له، فلما بلغ ذلك رسول الله قال ”اللَّهُمَّ أن أخي موسى سألك قال ربي أشرح لي َّ صدري ويسر ليَّ أمري ولحلل عقدة مِنْ لساني يفقه قولي وأجعل لي َّ وزير مِنْ أهلي هارون أخي أشدد به أزري“ فَ أنزلت عليه قال تعالى: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ وأنا أسالك رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ أجعل لي وزير مِنْ أهلي عليٌ أشدد به أزري فَ نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾حديثنا انطلاقاً مِنْ شخصية الإمام عليٌ الذي كان المثال الواضح في الآية المُباركة حديث فِي محورين:
- فاعلية الصدقة.
- قوة الإرادة.
المحور الأول: فاعلية الصدقة:
القرآن الكريم يجعل مقارنه بين الصدقة والربا يقول: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾الربا وَالصدقة مُتعاكسان فِي الأثر وَالتأثير، الربا يربي المرابي على الأنانية والتمركز حول الذات وأن لا يفكر إلا بجيبه ومصلحته بينما الصدقة تربي الإنسان على البدل والعطاء والغيرة والتفكير بالآخرين التفكير والحرمان حول النفس الصدقة والربا ذات تأثير كبير وَمتعاكس لذلك قال القرآن: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ الصدقة كما يذكر عُلمائنا الصدقة تتألف من عنصرين:
1/ الصدق.
2/ الإحسان.
العنصر الأول: الصدق:
لماذا سميت الصدقة صدقة؟ لأنها عمل صادق العمل الذي يبذله الإنسان من دون أجر ومقابل أي عمل من دون أجر ومقابل يسمى صدقة، الصدقة كل عمل يقوم به الإنسان لا طلب لشهرة ولا سمعة ولا طلب لأجرة ومقابل ما قوم به الإنسان بدافع التضحية فهو عمل صادق لذلك يسمى بالصدقة وهذا ما ورد في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾ ربما يتساءل إِنسان هُنّا هل يمكن أن المُسلم وَ الكافر يصدر منهم الصدقة؟! المُسلم تصدر منه الصدقة تقرباً إلى الله هل هذا يتصور في الكافر أن الكافر مصدر للعطاء ومصدر للبدل، نعم الكافر كذلك لماذا..؟!
علماء العُرفان يقولون وجه الله ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ﴾ وجه الله هو الرحمة وجه الله هي الرحمة التي وسعت كُلّ شيء مثلاً ورد عن النبي مُحمّدٍ صلى الله عليه وَآله: «تخلقوا بِأخلاق الله» كيف الإنسان يتخلق بِأخلاق الله ما هي أخلاق الله؟ قال هي رحمة الله والكافر أذا كان مصدر لِرحمة والرأفة فهو مُتخلق بِأخلاق الله، ألتفت ولم يلتفت الرحمة وجه الله ومِن تخلق بِالرحمة تخلق بِأخلاق الله تبارك وتعالى سواء كان مُسلم أو كافراً، الكافر حينما يبذل أمواله أو يبذل جهوده، أو يبذل وقته، أو يبذل طاقته لأجل الرحمة لا لأجل أجره ولا لأجل شهرته لأجل الرحمة الإنسانية فَهذا العمل الصادر منه صدقة لأنه صدر منه بدافع الرحمة الإنسانية وبدافع وجه الله كما ذكرنا أن وجه الله هو الرحمة التي إذا أحلت تجسده في بشر كان مُتخلق بِأخلاق الله.
العنصر الثاني: الإحسان:
حتى الفقهاء فِي رسائلهم العملية يقولون أن الصدقة: هي الإحسان القربى، كُلّ إحسان صدقة كثير منا يظن أن الصدقة أن تعطي الأموال إلى الفقراء إذا سمع ما ورد عن النبي : «الصدقة تدفع البلاء» يعتقد أن الصدقة أن يقدم أموال للفقراء ”لا“ الصدقة لا تنحصر في تقديم أموال للفقراء حتى أذا قضت حاجة لأخيك الغني الثري يعد صدقة لا فرق في الصدقة أن تكون لفقير أو غني أو ثري كُلّ إِحسان للآخرين صدقة سوى كان إلى غني أو فقير ولذلك ورد عن النبي مُحمّدٍ صلى الله عليه وَآله: «أماطة الأداء عن الطريقة صدقة» الصدقة: كًل ّ إِحسان التعليم صدقة قضاء حاجة المؤمن صدقة أرشاد المؤمن إلى شيء صدقة لا تنحصر الصدقة إلى بدل الأموال إلى الفقراء، كثير منا يتصور مثلاً: الوقف من أوضح مصاديق إلى الصدقة كثير منا يتصور أرض لِتكون مسجدٍ أو تقف أرض لِتكون مأتم أو تقف أموال على مواكب العزاء أو مواكب خدمة الحسين وزوار الحسين الوقف أرض لتكون مبرة للأيتام هذا من أوضح أنواع الصدقة.
الصدقة: كُلّ إِحسان يخدم المُجتمع وَهو مظهر للصدقة ومقربٌ الله تبارك وَ تعالى وتترتب عليه أثر الصدقة كَدفع البلاء، وَطول العمر، ونمو الرزق، كما ورد في الأحاديث الشريفة عن النبي مُحمّدٍ الإمام أمير المؤمنين كان مثال حي للصدقة والعطاء والبدل عليٌ الذي تصدق بِخاتمة وهو راكع ما قيمة الخاتم أن يتصدق به علي، علي كان يريد أن يعطي درساً تربوي أكبر مِنْ أن يتصدق بِخاتم، علي كان يريد أن يُعلم الأمة على أن الإنسان يمكن أن يجمع عبادتين في آن واحد ويجمع بين تقربين في آن واحد، علي جمع بين الصلاة والزكاة بين الصدقة والقرب مِن الله، عليٌ بعد وترقى وتقرب إلى ربه بِعبادتين وبأسلوبين «الصلاة والزكاة» أراد بذلك أن يعطي درساً أن الصلاة لا تنفصل عن الزكاة وإن الزكاة لا تنفصل عن الصلاة «صلوات الله وسلامه عليه».
عليٌ أعطي أرض ينبع أرض كبيرة الآن أّذا تذهبون إلى الحجاز وتخرجون مِن المدينة إلى مكة هذا الميقات الذي وقته رسول اله وهو مسجد الشجرة وهو بِجوار أرض ينبع وهبها الرسول إلى أمير المؤمنين فَ ستخرج أَنهارها وعمارها وأحياها فَ سميت بِأديار علي لأنه أستخرج فيها أديار كثيرة هذه الأرض التي عماها وكانت كبيره وواسعة جداً بعد أن عمارها بيده وبعرقه تعبه قال هذا ما تصدق به عليٌ بن أبي طالب صدقة بتلاه لا تباع ولا تباع ولا تذهب على الفقراء وَ المساكين وحجاج بيت الله وعابر سبيله، الإمام أمير المؤمنين كان مثال حياً للصدقة والبدل والتضحية.
المُحور الثاني: قوة الإرادة:
التي تجسده في شخصية الإمام علي عندما نتحدث عن أمور ما هو تعريف الإرادة؟ وما هو تأثير الإرادة على مُعتقدات الإنسان؟ وَ ما هي عوامل تقوية الإرادة التي نستلهمها مِن شخصية الإمام عليٌ .
السؤال الأول ما هو تعريف الإرادة؟
الإرادة فيها بحث فلسفي طويل لا أريد أن أدخل فيه نتعرض للمقتطفات:
سيدنا الخوئي «قدس سره»: تعريف الإرادة بِأنها أعمال القدرة، الإرادة سلطنه نفسيه كيف النفس تسيطر على الإنسان وتبعثه نحو عمل من الأعمال الإرادة سلطنة النفس على قوة الإنسان في بعثها أو زجرها، الإنسان مثلاً عندما يتصور دعاء الجوشن الكبير دعاء الجوشن طويل.
يتصور فوائده الأخروية والثواب الذي أعده الله إذا تصور ذلك وصدق بهذه الفوائد جاء والإرادة النفس تفرض سلطتها وسيطرتها على أعضاء الإنسان ويمر الأعضاء بالجلوس والاستماع والإصغاء والقراءة لدعاء الجوشن الكبير، سلطنة النفس على الأعضاء تسمى إرادة.
كما يعرف الإرادة السيد الأستاذ السيد علي السيستاني «دام ظله»: يقول أشارة الدماغ للأعصاب بِالحركة. عندما تصدر الإشارة مِن الدماغ هناك مقدمات يمشي فيها الإنسان ويخطو فيها يتصور دعاء الجوشن الكبير يصدق بفوائده يدفع العوائق والموانع لقرأته تحصل عند الشوق والرغبة للقراءة هذا الدعاء أذا تمت هذه المُقدمات نأتي إلى مرحلة الإرادة، مرحلة الإرادة هي أشارة دماغية إشارة الدماغ للأعصاب أن تتحرك نحو عمل ما فَهذه الإشارة الدماغية المعبر عنها بِالإرادة هذه هو تعريف الإرادة.
سؤال الثاني ما هو تأثير الإرادة عن مُعتقدات الإنسان؟
هُنّا بحث موجود حتى عند فلاسفة الغرب بين ديكارت بحث في تأثير الإرادة على المعتقد كيف ذلك؟ هل حكم الإنسان على الأشياء بصواب أو الخطأ هذا الحكم من أين جاء هل من العقل أو الإرادة؟! عندما يحكم الإنسان مثلاً عمل المُسلمين يوم العيد عمل صحيح؟! هذا الحكم جاء من الإرادة أو من العقل؟! عندما يحكم الإنسان على ولده يقول سلوك ولدي سلوك صحيح؟! هذا الحكم هل جاء من قبل العقل أما جاء من قبل الإرادة؟! هل مصدر الأحكام بصحة أو الخطأ من العقل أم من الإرادة؟!!
تأتي إلى ديكارت: يقول مصدر الإحكام هي الإرادة وليس العقل، العقل مُجرد مُدرك يوردك الأشياء.. لا يحكم لا يقول شيء الذي يقول هو الإرادة والذي يحكم هو الإرادة ما معنى هذا الكلام؟ ديكارت يقول: معتقدات الإنسان نابعة من إرادة وإرادة نابعة من عواطفه وميوله.
مثلاً: هذا الإنسان يحب معاوية تجده يبحث عن لأدلة والبراهين التي تبيض وجه معاوية وَ تحسن صورة معاوية لِجعل من معاوية شخصاً عظيم هذا الإنسان من أين جاءت أحكامه عندما يقول معاوية كان شخص عظيماً هذا الحكم من أين جاء لم يأتي من عقلة وإنما جاء من إرادته لأنه يحب معاوية لأنه يميل إليه عواطفه سيطرة على إرادته وإرادته هي التي بعثته نحو هذه المعتقدات والأحكام فحكم جاء من الإرادة وليس من العقل.
سندخل في شيء جانبي ثم أعود إلى الموضوع مره أخر،،
مثلاً: عندما يأتي إنسان يقول لك الإمام علي أصلاً لم يكن يعتقد أنه خليفة شرعي، الإمام علي لم يكن يرى نفسه خليفة منصوص عليه بالخلافة والدليل:
أولاً: أنه لم يطالب بالخلافة ولم يصدر منه احتجاج على الخلفاء بأنكم أخذتم الخلافة مني وأنا شخص نصبني الرسول للخلافة لم يحتج على الخلفاء؟! لم يطالب الخلفاء بالمنصب هذا دليل على أن لا يرى نفسه خليفة شرعياً منصوص عليه وإلا لطالب الخلفاء بمنصبه أو أحتج عليهم هذا أولاً.
ثانياً: الإمام علي أحتج بشورى الإمام علي بنفسه كتب إلى معاوية أبن أبي سفيان أما بعد فإن بُيعتي وأنا بقوا أبا بكر وعمر وعثمان على لم بايعوهم عليه فلم يكن لشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما البيعة للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجلاً وسموه أماماً كان الله فيه رضا أو في خطبة الآخرة فلم يكن للشاهد إن يختار وللغائب إن يرد.
فالإمام علي أتي يحتج بالبيعة لم يقل أنا منصوص عليّ قال أنا جماعة بايعوني وأصبحت خليفة شرعي لا لأنني بويعت لا لأنني منصوص عليَّ، وهو نفسه لما أقبل على بيعته قال أنا لكم وزير خير مني لكم أمير ولو كان يعتقد بحقيقة لقال أنا أول بالأمر أنا صاحب الخلافة أنا المنصوص عليه ولم يقل أنا لكم وزير خير لكم مني أمير، إذن بعضهم حاول أن يجمع مثل هذه الأمور أن الإمام علي ليس خليفة منصوص عليه ولم يكن يرى نفسه خليفة منصوص عليه وإلا لم يكن يصدر منه ذلك:
أولاً: الإمام علي احتج في عدة خطب وفي عدة مقالات على أنه صاحب الحق وأنه منصوص عليه قد أخذ منه في عدة خطب أنت من تراجع نهج البلاغة لا تكن إنسان مُتحيزاً تأخذ بعض الخطب وتخفي البعض الآخر تأخذ بعض الكلمات وتسقط الأخر راجع خطب الإمام علي الإمام أمير المؤمنين في خطبته الشقشقية: «أما والله لقد تقمَّصها فلان وهو يعلم أن محلِّي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليَّ الطير فسدلتُ دونها ثوبا وطويتُ عنها كشحا.. فصبرتُ وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا»
نأتي إلى الخطبة الثانية من خطب نهج البلاغة وهو يقول: «إن الله حينما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخضوا مخض الرطب يفسده أدني وهن، ويعكسه أقل خلاف» يقول أنني درة بين مهم وأهم وصولي إلى كرسي الخلافة أمر مهم لأنني سأقود الأمة قيادة رشيدة عادلة ولكن افتراق كلمة المسلمين وسفك دمائهم هذا كان أهم أنا درت بين المهم والاهم وبين أن أحافظ على وحده كلمة المسلمين، وعلى وحقن دماء المسلمين، وعلى أن لا تهجم الفرس والروم والمنافقين على هذا المجتمع الصغير ويبدونه على آخره دار الأمر بين صيانة والمحافظة على المجتمع الإسلامي وبين أن وصل إلى كرسي الخلافة فرأيت أن المجتمع الإسلامي أهم فضحيت بِكرسي لخلافة من أجل المجتمع الإسلامي ورأيت أن الصبر أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم والناس حديث عهد بالإسلام والدين يمخضوا مخض الرطب يعني الدين كان رطباً طرياً.
لاحظ أيضاً في خطبة 167 في نهج البلاغة عندما يقول: «اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانها على ذلك فإنها قطعة رحمي، وحقرت عظيم منزلتي، وأجمعت على منازعتي أمرا هو حق لي من دون جميع الناس» كيف الإمام لم يحتج وكيف الإمام ما تظلم.
الإمام في خطبة 168 قال: «والله منذ أن قبض الله نبيه والله مازلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً عليّ به عني منذُ أن قبض الله نبيه وحتى يومناً هذا» وكان وقت إذن هو خليفة المسلمين مبايع من قبل المسلمين.
الأمام علي في يوم الرحبة كما ذكر الإمام أحمد أبن حنبل في مسنده جمع الناس يوم الرحبة قال: «أشهدكم الله من منكم حضر يوم غدير خم أن يشهد بما رأى يوم غدير خم فقام ثلاثون بدريً ومعهم جمع كثير قالوا نعم شهدنا غدير خم ورأينا رسول الله أخذ بعضدك وهو يقول من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والي من ولاه وعادي من عاده ونصر من نصره وخذل من خذله وادر الحق معه أينما دار إلا أنس بن مالك»
وفي رواية أخرى زيد بن أرقم جلس قال: «يا شيخ لماذا لم تقم وتشهد وقد كنت حاضر يوم إذ قال يا أمير المؤمنين أني كبرت ونسيت قال اللهم أن كان كاذباً فضربة ببيضاء لا تواريها عمامته فأصابه البرص وكأن يقول سبقتني دعوة العبد الصالح». إذاً الأمام علي احتج على القوم في عدة مواقف ومواطن لا إنه لم يحتج هذا أولاً.
ثانياً: الأمام علي عندما كتب إلى معاوية إنه بايعني من بايع أبا بكر وعمر وعثمان على لم بيعوهم عليه وإنما البيعة إلى المهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل لم يكن لشاهد والغائب لم يرد هذا لم يكن أقرار بمنطق البيعة وإنما كان بقاعدة الالتزام ألزموهم بما ألزموا أنفسهم به، الأمام علي يخاطب معاوية أنا خليفة شرعي لان الخلافة أن كانت بالنص فأن منصوص علي وأن كانت بالبيعة فأن قد بويعت فأنت ملزم بخلافتي على كل حال، ذكر البيعة لا لأنه يرى شرعية الخلافة بالبيعة بل من أجل إلزام معاوية بما ألزم به نفسه والاحتجاج عليه بما يراه حجه بينه وبين نفسه وإما قوله «صلوات الله عليه» أنا لكم وزير خيراً لكم مني أمير كان اختيار للناس هل الناس يصرون على بيعته أم لا يستدرجهم ليعرف نواياهم ليعرف مدى إصرارهم على بيعته والإقبال عليه لما أختبرهم ورأى مدى إصرارهم قال لهم أني أن أمرت عليكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغي إلى قول قائل ولا لعتب عاتب فقبلوا بذلك لذلك تصدى «صلوات الله عليه» إلى إدارة شؤون ألخلافه هذه ذكرنها استطرادنا بتتميم موضوعات الليالي السابقة أن الأمام علي كان يرى نفسه خليفة شرعياً واحتج على القوم كما كان يرى نفسه.
نعود إلى موضوعنا هل الأحكام بالإرادة أو بالعقل؟
ذكرنا أن ديكارت: يقول الحكم للإرادة، الإنسان يحكم عل الأشياء بالصحة والخطأ استنادا إلى إرادته لا عقله.
هيوم: يقول مصدر الأحكام بالصحة والخطأ هو العقل وليس الإرادة أشرح لك هذه النظرية هناك قوتان لدى الإنسان:
1/ قوة العقل.
2/ قوة القلب.
قوة العقل: وظيفتها الإدراك تدرك الأشياء، وقوة القلب: ووظيفتها الإذعان والاعتقاد فعندنا قوتان لكل منها وظيفة أحياناً تجتمع القوتان وأحياناً تتفرق القوتان، أحياناً يدرك الإنسان بعقلة ويصدقه قلبه وأحياناً يدرك العقل ولكن القلب لا يصدق ولا يدعن أحياناً القلب يخالف ويعاند على العقل ولا يقبل على ما يدرك عليه العقل.
مثلاً: يذكر علمائنا في الأصول في بحث حجية القطع يذكرون هذا المثال يقولون لو أن إنسان دخل غرفة ووضع أمامه إنسان ميت، ميت في التابوت ودعوه في غرفه مع الميت أطفئوا الأنوار وأغلقوا الأبواب جلس هو مع الميت ألا يخاف ويرتبك وتحدثه نفسه بأحاديث مختلفة؟ «هنا يفترق القلب مع العقل» العقل يقول هذا ميت لا يتحرك لا يضر لا يمكن أن يعتدي عليك لا يمكن أن يصيبك بسوء لأنه ميت هذا كلام العقل، لكن كلام القلب هو الاضطراب والارتباك وعدم الإذعان والاعتقاد بما يراه العقل إذاً هناك قوتان قوة عقل الذي يقول خوف ولا تفريط وقوة قلب الذي يقول أنا خائفاً ولا أستطيع البقاء هنا تتفرق قوة العقل عن قوة القلب وهذا ما ذكرته الآية المباركة بشأن الكفار قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُم﴾، يعني أن عقولهم أدركت أن الإسلام صحيح أدركت أن الإسلام دين صائب لكن قلوبهم لم تطاوع عقولهم ولم تدعن عقولهم وجحدوا الإسلام بقلوبهم مع إنه قد أقرته عقولهم ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُم﴾.
إذن عندنا عقل وقلب والإرادة تؤثر على القلب لا على العقل، العقل يدرك الأشياء يدرك صوابها يدرك خطأها من دون إرادة لكن الاعتقاد القلبي بهذه الأشياء يتأثر بالإرادة والميول والعواطف.
السؤال الثالث ما هي عوامل تقوية الإرادة؟
كثير منا يقول إرادتي ضعيفة أنا لا أملك قوة ولا إرادة قويه يعني أنا إذا أستمع إلى الصوت الجميل الصوت المطرب استرسل معه انقاد له لا أملك إرادة أنا إذا أتعرض إلى مغريات من أمراءه فاتنة استرسل معها ولا أضبط نفسي ولا إرادتي أنا عندي إرادة ضعيفة لا أستطيع أن أصمد بها أمام الإثارات والإغرات ما هي العوامل التي توجب قوة وصلابة إرادتي ما هي عوامل تقوية الإرادة؟ نذكر عاملين كما ذكر علماء النفس:
العامل الأول:
التلقين النفسي مسألة التلقين النفسي مسألة مهمة في تقوية الإرادة الإنسان الجبان أذا لقن نفسه أنه شجاع وأنه جري مرة بعد أخرى تجرى يتشجع ورد عن عليٌ : «أذا خفت من شيء فقع فيه» علم نفسك على الجرأة إذ خفت من شيء فقع فيه فأن انتظارك له أشد من الوقوع فيه لقن نفسك وسوف تضبط لك إرادتك وسوف تكون إرادة قاهرة قوية جداً لقن نفسك الشجاعة أيضاً أذا تعرضت لأغراء شيطاني تعرض لأغراء شهوي تعرض لإثارة شهوية هنا ليقوي أرادته يحتاج إلى عملية التلقين النفسي كيف يلقن نفسه مسألة البطولة بطولة الإنسان بإراداته وبقوته عزيمته ليس البطولة وأن تكو الإنسان مفتول العضلات قوي البنية يحمل الأثقال هذا ليس مقياس للبطولة مقياس البطولة أن تكون عندك إرادة أن تكون قوي الإرادة من أستطاع أن يقول للشهوته لا.. فهو البطل القوي وأن كان ضعيفاً نحيفاً من أستطاع الوقف أمام شهوته وغريزة أمام ميوله ونزعاته فهو البطل القوي ليس من يطوي طريقاً بطلاً أنما من أتقى الله بطل أتقي الله فتقوى الله ما جاورت قلب أمراً إلا وصل مقياس بطولة الإنسان ورجولته بقوة إرادته وليس بشيء أخر، الإمام أمير المؤمنين يركز على التلقين النفسي «إنما هي نفسي أروضها بالتقوى» ويقول: «أن الله خلق الملائكة عقلاً بدون شهوة وخلق الحيوان شهوة بلا عقل وركب في الإنسان عقلاً وشهوة فمن غلب شهوته عقله فهو أذنا من البهائم ومن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ” أذا عامل التلقين النفسي من أسباب تقوية الإرادة.
العامل الثاني التذكير بِالمصير:
ذكر نفسك بِمصيرك تقوى إرادتك الإنسان أذا جاءت أيام الامتحانات وهو يدرس بالجامعة أذا يتصور المصير والعاقبة عاقبته أنه سيأخذ الشهادة أو أنه يسقط أذا تذكر مصيره قويت إرادته تذكر المصير يقوي الإرادة لذلك ترى الأئمة وفي مقدمتهم الإمام علي يصرون على تذكر المصير الإمام يقول: «كفى بالموت واعظا تذكروا هادم اللذات ومفرق الجماعات» تذكر المصير يقوي الإرادة.
الإمام زين العابدين يقول: «و مالي لا ابكي ولا ادري إلى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت فمالي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إياي» تذكر المصير يقوي علاقة الإنسان بربه قال تعالى: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم﴾كان عليٌ قوي الإرادة كان عليٌ خير مثال لقوة الإرادة عليٌ لم تغره المُغريات أبداً بعد مصرع الخليفة الثاني ولو قبل لكان هو الخليفة قالوا نبايعك على كتاب الله وسنه رسوله وسيرة الشيخين قال: لا تبايعوني على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رائيي كان بإمكانه أن يقول كلمة وينتهي ويعبر الجسر ويستلم عرش الخلافة ولكنه أبا إلا الصدق والشفافية والوضوح أن يكون طريقة واضحاً شفافاً وبعد أن تسلم الخلافة قالوا يا أمير المؤمنين أذا أردت أن تهدم معاوية قرب الوجهاء وقرب هؤلاء وأغدق عليهم الأموال حتى أذا صاروا إليك وتمكن سلطان ففعل بهم ما بدا لك، المهم أن تصل إلى السلطان في بداية الأمر وبالتالي أفعل ما تريد قال ويحكم أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور لا والله لو كان المال لي لساويت بينهم وكيف وأن المال مال الله وكان يقول «سلام الله عليه»: «قد يرى الحول القلب وجه الحيلة، ودونها حاجز من تقوى الله» علي ٌ ومعاوية التاريخ يذكر الاثنين معاً عليٌ معاوية كان يعيش صار بين لذة الدنيا والأخر يعيش صراع بين لذة المادة ولذة الإيمان عليٌ أيضاً يعيش بين صراعين لكن معاوية حكم لذة الدنيا على لذة الطاعة والإيمان، وعليٌ حكم لذة الإيمان على لذة الدنيا، وماذا حصل لعليٌ ومعاوية معاوية فاز بلذة الدنيا وخسر لذة الخلود عليٌ ضحى بلذة الدنيا على لذة الخلود يقول محمد مجدوب السوري الشاعر المُعروف حين زار قبر عليٌ في النجف وقبر معاوية في الشام.. قال:
أين القصور أبا يزيد ولهوها
اين الدهاء نحرت عزته على هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه كتل من الترب المهين بخربةٍ قم وارمق النجف الشريف بنظرة تلك العظام أعز ربك قدرها |
والصافنات وزهوها والسؤددُ
أعتاب دنيا زهوها لاينفدُ لا سال مدمعك المصير الأسودُ سكر الذباب بها فراح يعربدُ يرتد طرفك وهو باك أرمدُ فتكاد لولا خوف ربك تعبدُ |
عليٌ كان مثال لقوة الإرادة والتضحية بلذة الدنيا في سبيل لذة الإيمان وه الذي كان يقول: «ركعت لي في دنياكم أحب الي من الجنة وما في فيها» أنتم تسعون إلى الجنة لان الجنة نعيم لذائد مادية، أنا أسعى لِ رضا الله «ركعة لي في دنياكم أحب ليّ من الجنة وما فيها ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعاً في جنتك لكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك».
”لقد جاءني أخي عقيل وستماحني صاعاً من بركم فا حميتٌ له حديده فدنيتها من جسمه ففزع منها يا عقيل! أتئن من حديده أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه“ أمير المؤمنين الذي كان مثلاً لقوة الإرادة.
يقول ضرار لما دخل على معاوية قال يا ضرار صف ليّ علياً قال: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أما إذ لا بد فأقول ما أعلمه منه: والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفيه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب. كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة، ولا نبتدئه عظمة، إن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا أبي تعرضت؟ أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات غري غيري، قد باينتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، فعيشك حقير، وخطرك كثير، آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق».
علياً الذي لهج بالصلاة منذ ولادته علي ولد في بيت الله وهو يلهج بالصلاة وخاض الحروب وهو يلهج بالصلاة يوم صفين وقف بين الجيوش يصلي قالوا يا أبا الحسن أهذا وقت صلاة قال علاما نقاتلهم إذاً إنما نقاتلهم لأجل الصلاة يصلي والسهام بجسمه وهو لا يكاد يشعر بها علي ولد في بيت الله وختم حياته في بيت الله وهو يلهج بالصلاة وأغمض عينيه والصلاة بين شفيته أغمض عينيه وهو يقول إلى أولاده الله الله بالصلاة فأنها عمود دينكم الله الله في طاعة ربكم كان مع الصلاة طوال عمره وحياته إلى آخر ليلة ليلة الواحد والعشرون..
شبكة المنير
اترك تعليقاً