|
الشيخ الجزيري: بعض دلالات حديث “إِنّهُ لا يُحِبُّني إلّا مُؤمنٌ”
اعتكاف مسجد السبطين عليهما السلام بالمحدود 24 /9/ 1437هـ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
روى مُسلمُ بن الحجَّاج ([1]) إِمام أهل الحديث في صحيحه الذي قالوا عنه أنّه “ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم“([2]) بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قَالَ : “وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ ، إِلَيَّ أَنْ ” لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِق”.
هذا الحديث صَحيحُ الإسناد، رواهُ إمام أهل الحديث عندهم مسلم بن الحجاج في صحيحه، هذا من حيث صدور الحديث([3]).
وأما من حيث دلالة الحديث :
فالحديثُ ظاهرُ الدلالة جَليُّ المعنى.
أميرُ المؤمنين عليه السلام بدأ نقل كلام رسول الله صلى الله عليه وآله بالقسم المغلَّظِ ، ولو لم يكن المعنى الذي يُريد نَقلهُ عن رسول الله صلى الله عليه وآله معنىً جليلاً ، لا تقبله نفوس من لا تعرف قدر علياً عليه السلام، ما إحتاج الى اليمين.
فلو أنّه صلوات الله عليه أراد أن ينقل عن رسول الله صلّى الله عليه وآله إستحباب السواك هل يقول: “والذي فلق الحبة وبرأ النسمه إنه لعهد النبي الأمي إلي أن السواك مستحب”؟!! أفيمهّد هذا التمهيد ليروي استحباب السواك؟!
إنّما يحتاج إلى هذا التمهيد إذا كان المعنى الذي يُريد نقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معنىً جليلاً أولاً، وثانياً معنىً تأباهُ نفوس كثيرٍ من أهل القبلة .
“وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ “:
لم يقل (والله) ، مع أَنَّهُ أقسم بالله ، ولكنّ القسم بالله سبحانه بالصفة التي لم يعهد الناس سماعها أكثر إلفاتاً للنظر بأنّ المتحدث قاصدٌ للقسم بجلال الله وعظمته. صحيحٌ إن قوله (والله) في قوة قوله “وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ “ من حيث المعنى ، فالله سبحانه هو الذي فلقَ الحبة وبرأ النسمة، ولكنّ أثر القسم في النفوس يختلف بإختلاف أُنس الأذن بهذا اليمين. أذنُ السامعين تألف القسم بصيغة “والله” فلو أنّهُ صلوات الله تعالى عليه قال “والله” لم يتنبه السامعُ ، لأنّه قسمٌ يسمعه عندما يُريدُ شراء التفّاح ، وعندما يُريدُ بيعَ التمر ، وعندما يُريد هبة الزيت وأمثال ذلك، فهذا اليمينٌ – وإن كان عظيماً- لكنّ الناس قد إستسهلوه! فأقسمَ أمير المؤمنين عليه السلام بالله قسماً بصيغةٍ لم تألفها أذنُ السامعين ، لكي يتنبهوا إلى عظمة ما هو بِصَدد نقله ، بأنّ يُقسم بالله ملتفتاً، لا يُقسمُ بالله كما يُقسم آحادُكم بالله.
” إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ “:
انتهى صلوات الله عليه من وصف الله تعالى (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة)، وبدأ بوصف رسول الله صلّى الله عليه وآله (إنه لعهد النبي الأمي)، وهذا أيضاً تنبيهٌ على مكانة القائل للقول الذي أريدُ نقله؛ فالقائلُ هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله) “إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ”
ولم يَقُل (أخبرني) رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يقل (عهد إلي) رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، مع أن في قوله (عهد إلي) دلالة أكثر من قوله (أخبرني) وأكثر من قوله (حدثني).
ولكنَّهُ إختار لفظاً آخر ، فيه دلالةٌ أكثر من دلالة “أخبرني” وأكثر من دلالة “عهد إلي“، “إنّه لعهد النبي الأمي إلي”، (إنّهُ) : (إنّ) : كلمة توكيد، و (الهاء) تسمى : هاء الشأن ، وهي للتنبيه أيضاً على أنّ الحديث الذي يتلوها حديثٌ له شأنٌ عظيمٌ، [بمعنى أنّ] هذا الكلام الذي سأنقلهُ لكم ، تنبَّهوا لهُ جيداً، فإنّه كلامٌ له شأنٌ عظيمٌ.
ما هو هذا العهد؟! بعد أن استوقف أمير المؤمنين عليه السلام كل الخواطر ، وجلب إلى حديثه كل القلوب ، ونبه الغافلين إلى أهمية ما سيتحدث عنه ، بدأ بنقل عهد رسول الله صلى الله عليه وآله :
لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ :
أَملُ كلِّ إنسانٍ موحدٍ من أهل القبلة ، أن يُعدّ عند الله مؤمناً، بل نُقل في أحد الصحيحين عن الحسن- يقصدون البصري- : أَنّه لا يوجد أحدٌ يأمن النفاق إلّا وهو ليس بمؤمن ، ولا يُوجد أحدٌ يَضمنُ الإيمانَ إلّا وهو غيرُ مؤمن([4])، فالمؤمنُ يجب أن يكون دائماً على حذر من النفاق، لأنّ النفاق أمرهُ عظيم.
هذه الكلمة من الحسن البصري نحنُ لا نوافق على إطلاقها (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ومَن كان مُحباً لعلي عليه السلام، ومَن يَجدُ برداً في قلبه إذا ذُكِرَ عليٌ بخير يَعرفُ أنّه بعيدٌ عن النفاق، ومن لم يجد تلك البرودة في قلبه إذا سمع ذكر عليٍ بخير فليعرف أنّه ليس بمأمنٍ من النفاق، بل الأمر أكثر من هذا ونحن لا نريد أن نخرج عن حديثنا عن حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي هو موضوع الكلمة.
“لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ “: لا يوجد أحدٌ يُحبُ علياً عليه السلام إلا وهو مؤمن،
فهل المقصود أنّهُ لا يُحبُّني إلا من أظهر الإيمان؟
هذا الأمرُ لا يحتاج إلى بيان رسول الله (صلّى الله عليه وآله)،
بل هو خبر لا يطابق الخارج المشهود ، فــأميرُ المؤمنين عليه السلام يُحبُّه بعض من أظهر الإيمان، ولكن يبغضه أيضاً بعض من أظهر الإيمان!
ويكفيك إعترافُ إبنُ تيمية أنّهُ كان في الصحابة مَنْ يَسبُّ علياً ومن يُبغضه ([5]) هذا بحسب إعتراف من يَرى أنّ الصحابة كلهم أجمعون أكتعون ([6]) عدول، ومع ذلك يعترفُ بأنّه كان يُوجد فيهم من يبغض علياً عليه السلام ومَن يَسبُّه. إذن من يُظهِرِ الإيمان فيهم من يُحبُّ علياً عليه السلام وفيهم من يبغضه!
وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – وهو أحكمُ خلق الله- أَجلُّ من أن يكون لبيان أمرٍ ظاهرٍ يُمكنُ أن تُدركه بحواسك! فهل يُكَلِّفُ رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه من أَجلِ أن يقول “السماء فوقنا” و”الأرضُ تحتنا” والشمس تشرق في الصباح وتغرب بعد العصر”؟ أفيقول هذا حكيمٌ؟! أفيكلِّفُ الحكيمُ نفسه من أجلِ بيانِ أمرٍ يُمكنُ أن يُدركَ بالحواس أم أنّه يُريد أن يُخبر عن بواطنِ النفوس؟! حُبُّ عليٍّ لا يَستقرُّ في قلبِ مُنافِق! أمرٌ باطن يليق بكلام الأنبياء وكلام الحكماء الذين لا يُهدرون طاقتهم ولا يُضيعونَ أوقاتَ الناس في أمرٍ لا نَفع فيه.
“لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ” هذه قضيةٌ ربما يتحملها كثيرٌ من الناس لأنَّ دعوى الايمان أمرُها سهلٌ ولأنَّ إظهار المحبَّةِ أمرهُ سَهلٌ .
ولكنّ الفقرة التالية هي قاصمةُ الظهر، بمقتضى طبيعة هذه الفقرة، وسنأتي بشاهد على دعوانا هذه.
الفقرة التالية “وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِق”!
وهي فقرةٌ أَرَّقت الكثير، وسنأتي على بعض الكلمات ننقلها بحروفها.
البُغض يَصعبُ إخفاؤُه! ، قد يَسهلُ أَن تُظهرَ المحبَّة لمن لا تحب ، ولكن أن يكون القلبُ مُمتلئاً بُغضاً وتُخفي هذا البُغض فهو أمرٌ صعبٌ.
شاهد من المبغضين لأمير المؤمنينن عليه السلام:
حريز بن عثمان، أَحدُ مبغضي أمير المؤمنين عليه السلام([7])، وهو من الشيوخ الذين يُروى لهم في الصحيحين، وكان يلعن أمير المؤمنين عليه السلام كل يومٍ سبعين مرةٍ
[الشيخ مُتهكماً] : من شدِّة حُبّه لأمير المؤمنين عليه السلام!!!
البغضُ يَصعُبُ إخفاؤه! مهما إشتدَّ النفاقُ يَبقى إِخفاءُ البغضِ أمراً صعباً؛ ولذلك كانت هذه الفقرة من الَحديث قاصمةَ الظهر.
فلننظر إلى بعض الكلمات ، نقرؤها بلفظها لتحكموا !
هذا نصُّ كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ، الذي رواهُ مسلم بن الحجاج ، إمامُ أهلِ الحديث، في كتابه الصحيح ، الذي قالوا فيه : تلقّته الأُمةُ بالقبول، هذا مصدر هذا القول ، وهذا معناه.
فلنأت إلى بعض الكلمات ، لنقرأ كيف يُمكن أن تُعالج هذه المواقف.
رأي أئمة الحديث في تَوثيقِ النواصب:
يقولُ إمام أهل الحديث إبنُ حجر العسقلاني في كتاب تهذيب التهذيب ([8]):
“وقد كُنتُ استشكل” أي : أرى الأمر مُشكلاً “تَوثيقَهم” أي : توثيق عُلماء الحديث من أصحابه “الناصبيّ غالباً (أو غالياً) ، وتوهينهم الشيعي مطلقا، ولا سيّما أن علياً ورد في حقه : لا يُحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق”
كان هذا الحديث يُؤرِّقُ مَضجَعه؛ ماذا يفعل وعلماء الحديث من أصحابه يوهّنون الشيعي مُطلقاً، ويوثِّقون الناصبي غالباً أو غالياً.
حريز بن عثمان هذا نموذج.
وعمران بن حطّان نموذج آخر([9])، وهو من شيوخ البخاري، له بيتُ الشعر المشهور في مدح إبن ملجم أشقى الآخرين بنص رسول الله صلى الله عليه وآله، أشقى الآخرين في رأي عمران بن حطان هو التقي ، وليس التقي فحسب ، بل أوفى البرية ميزاناً عند الله ، هو عدو الرحمن ابن ملجم في رأي عمران بن حطان شيخ البخاري.
هؤلاء مشايخهم، وابنُ حجر يَستشكلُ هذا العمل.
ولكنّه بعد ذلك يقول : تأمّلتُ .
في الحقيقة – وأنا بهذه الكلمة أصف حقيقة الحال ، ولا أنقل كلامه – في الحقيقة : لم يجد جواباً ، فإن موقف أصحابه واضحٌ ، بيّن ، لا سِترة عليه لذي بصيرة، فماذا يصنع ؟
أراد أن يُلفِّق أجوبةً، فماذا قال في الجواب؟!
يقولُ إبن حجر : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقصدُ أن كلّ من يبغضُ علياً عليه السلام فهو منافق بل يقصدُ أنّ المنافق هو خصوص من يبغض علياً عليه السلام بسبب نُصرةِ علي لرسول الله صلى الله عليه وآله.
أقول: وهذا تأويلٌ مُضحكٌ !
وتخصيصٌ بلا مُخصِّص!
وليته إكتفى بالتخصيص بلا مُخصِّص، بل أضاف إلى ذلك سوءَ الأَدبِ مع أَمير المؤمنين عليه السلام، وإتّهمهُ بالإِساءة إلى المؤمنين بدوافع دنيوية، فقال :“لأنّ من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض والحب بعكسه وذلك ما يَرجع إلى أمور الدنيا غالبا”.
فانظر كيف أستحلَّ القَدحَ في أميرِ المؤمنين عليه السلام بأنَّه يدعوهُ حرصهُ على حُطامِ الدُنيا إلى ظُلم بعض المؤمنين والإِساءة إليهم. فما الذي دعا إبن حجر إلى هذه الجرأة،وإلى هذا القدحِ في أمير المؤمنين عليه السلام؟!
الذي دعاهُ إلى ذلك هو سَعيُهُ لِتَزكية مُبغضي عليٍ عليه السلام من النفاق!!
أقول لكم هذه وجوه تلفيقية ، لماذا؟
راجعوا كلام إبن حجر في فتح الباري ، عندما يتعرَّض لحديث (لأُعطين الراية غداً رجلاً ) –وهو حديثٌ مروي في صحيح البخاري ، شرحه ابن حجر في كتاب “فتح الباري في شرح صحيح البخاري”-
والكلام الآتي ليس لي ، بل لإبن حجر، يقول هناك : ليس المقصود يحب الله محبةً آنيةً في وقتٍ ما ، أو محبةً غير كاملةٍ؛ لأنّ هذا أمرٌ حاصلٌ لكلِّ المؤمنين، يُحبّون الله في وقتٍ ما، يحبّون الله محبةً غير كاملة، كلُّ المؤمنين هكذا، فلماذا يتطاول الصحابة – يرفعون أعناقهم ليراهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟! ليكونوا ذلك الرجل الذي وَصفه بأنه (يُحبُّ الله ورسوله ويُحبُّه اللهُ ورسولُه)،
قال : لأنّ المحبة هنا هي المحبةُ التامة ([10])
ولكلمة إبن حجر هناك تتمةً ، فتنبّهوا لها ، يقول: وإذا طابقنا هذا مع قوله تعالى “قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فكأنه أشار إلى أنّ علياً تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه [وآله] و سلم “،
أقول : وهذه هي العصمةُ بقولِ الشيعة، لكنّه لم يُعَبِّر بالعصمة.
هذا كلام ابن حجر هناك.
[ونحنُ] نُريد أن نرجع لكلامه نفسه في (تهذيب التهذيب) لتعلموا أن الجواب الذي دافع به عن أصحابه جوابٌ ملفَّقٌ لا يستقيمُ حتى مع كلامه هو في فتح الباري !
طيب ، من يكون مُتَّبعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله الاتباع التام .. أفيجوز في حقه أن يُسئَ للناس، و أَن يُسئ لمؤمن في أمرٍ من أمور الدنيا؟!
فهذه إجاباتٌ ملفقة لا تستحق أن نقف عندها!
فلنأت إلى كلام رجلٍ آخر ، من خرّيتي علم الحديث عند القوم ، ومن كُبرائهم وهو الذهبي ، المرجوع إليه في تصحيح الأحاديث وتضعيفها.
الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء ([11])يقول:
“وقد جمعتُ طُرق حَديثِ الطير في جزء” يعني أنّ أسانيد حديث الطير أسانيدٌ كثيرةٌ ، بحيث إنها تستحق أن يُفرد في جمعها كتابٌ مستقلٌ ، بسبب كثرة الناقلين لحديث الطير.
وحديث الطير سبّب أزمةً كبيرةً عندهم ، حتى إنَّ بعضهم من شدِّة ما أُوذي بسبب حديث الطير – والذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله (اللهم أئتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي من هذا الطير) فجاء عليٌ عليه السلام، وبوّاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنس كان من الأنصار ، وكان يتمنى أن يأتي أحدٌ من الأنصار ، فلمّا ذهب ليفتح الباب رأى علياً عليه السلام، فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وآله على حاجةٍ، يعني إذهب! فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله ثانياً (اللهم أئتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي من هذا الطير) وإذا الباب تطرق، وذهب أنس وإذا علي ، فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وآله على حاجةٍ، أي إذهب، فذهب عليٌ عليه السلام، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا (اللهم أئتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي من هذا الطير) وإذا الباب تطرق ويذهب أنس فيُسَلِّمُ عليٌ ويرفع به صوته فيسمع رسول الله صلّى الله عليه وآله فيقول أدخله فيدخل عليٌ فيأكل من الطير([12]).
هذا الحديث الشريف مع كثرة أسانيده – لم يروه راوٍ واحدٌ ، بل رواتهُ كثيرون، والذهبي يقول : أسانيد حديث الطير احتاجت الى كتابٍ لأجمعها فيه ، بسبب كثرة رواته، فهل مثل هذا الحديث يُرد؟!
ولكن هذا الحديث سبّب لهم أزمة ، حتى إن بعضهم قال : إن هذا الحديث باطلٌ ، ولو صح هذا الحديث لبطلت نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله!
لماذا؟! قال : لأنّ بوَّابه خائن ، والنبي لا يكونُ بوابهُ خائنا! ([13])
[الشيخ مُتهكماً] : هذا محبٌ لعلي؟!!
وكما إن الحُبَّ يُعمي ويُصمُّ ، فالبغضُ أيضاً يُعمي ويُصم!
بُغضه لعلي عليه السلام هو الّذي جرأَهُ على أن يقول هذه المقالة! وإلا أين هو من نبيين كانت عندهما ، ليست بوّابة ، بل زوجةٌ خائنة! ([14])
ماذا نصنع!؟
المشكلة ليست فينا .
وليست في عَقْلِهِ .
بل في قَلْبِه! البُغض وما يصنع!
على كُلٍّ ، هذا حديث الطير .. أسانيد حديث الطير إحتاجت كتاباً لتُجمع فيه بسبب كثرتها.
نرجع إلى كلام الذهبي، قال : “وقد جَمعتُ طُرق حَديثِ الطير في جزء، وطرق حديث : ” من كنت مولاه ” وهو أصحُّ(أفيشك في حديث عدد رواته بهذا العدد)
“وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال: إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه [وآله] وسلم- إلي : إنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق .
وهذا أشكل الثلاثة، فقد أحبه قوم لا خلاق لهم ، وأبغضه بجهل قوم من النواصب ، فالله أعلم .”
حديث الطير : “أحبُّ خلقك إليك” ماذا نصنع به؟!، أسانيده كثيرة إحتاجت إلى مجلدٍ لنجمعها فيه، ولا نستطيع أن نرده من حيث صدوره عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقلوب القوم لا تقبل معناه!
حديث الغدير: من كنت مولاه، يعني من كان عبداً لي فهو عبدٌ لعلي، قلوب القوم لا تقبله! فماذا يصنع؟!
يقول: وأشكل الثلاثة ([15]): حديث لا يبغضه إلا منافق؛ لأَنّهُ مِن الطَرفين يَقطع! يَقطع في ذهابه ومجيئة!
هناك (حديث الطير وحديث الغدير) ربّما تأولوا بطريقةٍ أو بأخرى ، وأمّا هذا الحديث فلا مجال للتأويل ، فقال : “وهذا أشَكلُ الثلاثة”.
فحديث (لا يحبني إلا مؤمن ولا يببغضني إلا مُنافق) حَديثٌ أَرَّقَ مَنْ في قَلبِهِ بُغضٌ لعلي عليه السلام.
وأمّا مَنْ في قَلبِهِ مَحبةُ علي عليه السلام فيقول : “وهذا أحب الثلاثة”.
([1]) صحيح مسلم- كتاب الإيمان- باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته.
([2]) أورد إبن الصلاح في كتابه مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح ص 161، تحقيق الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) طبعة دار المعارف، عن أبي علي النيسابوري أستاذِ الحاكم أبي عبدالله الحافظ ” أنّه قال:” ما تحت أديم السماء كتابٌ أصحَّ من كتابِ مسلم بن الحجاج”.
([3]) أخرج الحديث كذلك أحمد بن حنبل في مسنده برقم (642) قال: حدثنا إبن نمير وقال مُحقق المسند أحمد محمد شاكر: إسنادُه صحيح، وكذلك برقم (731) قال : حدثنا وكيع وقال المحقق أحمد محمد شاكر: إسنادُه صحيح وهو مكرر(642)، وكذلك برقم (1062) قال: حدثنا وكيع وقال المحقق أحمد محمد شاكر: إسنادُه صحيح وهو مكرر (731) بإسناده ولفظه، وإبن ماجه في سننه برقم (114) قال: حدثنا : علي بن محمد، حدثنا : وكيع وأبو معاوية وعبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، والترمذي برقم (3736) قال:حدثنا عيسى بن عثمان ابن أخي يحيى بن عيسى حدثنا يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش ثم عقب بالقول ” قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح “، والحميدي في مسنده برقم (58) قال: حَدَّثنا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، و النسائي برقم (5018) قال: أخبرنا يوسف بن عيسى قال أنبأنا الفضل بن موسى قال أنبأنا الأعمش عن عدي عن زر، والحافظ البزاز في البحر الزّخار برقم (560) قال: حدثنا محمد بن المثنى ، قال: نا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، عن زر ، عن علي، و رواهُ غيرهم أيضاً.
وقال الشيخ مقبل الوادعي في تحقيقه لكتاب الإلزامات للدارقطني ص 289: “وهذا أيضاً من الإلزامات لأنّ رجاله كلهم رجال الشيخين”، ومقصوده كان يلزم البخاري أن يُخرجه كما أخرجهُ مسلم لأنّ الدارقطني قال في مقدمته: “ذكرنا مما أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما من حديث بعض التابعين وتركا من حديثه شبيهاً به، ولم يخرجاه، أو من حديث نظير له من التابعين الثقات ما يلزم إخراجه على شرطهما ومذهبهما“.
وقال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في ص 290: “الحديث له شواهد منها ما في مجمع الزوائد ج 9 ص 132 عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أشهد لقد سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ” مَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ أَحَبَّنِي ، وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ أَبْغَضَ عَلِيًّا فَقَدْ أَبْغَضَنِي ، وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَقَدْ أَبْغَضَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ “رواه الطبراني بإسنادٍ حسن.اهـ. ومنها ما في صحيح البخاري ج 8 ص 67 مع الفتح ط س ومسند أحمد ج 5 ص 356 واللفظ للبخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبريدة: “يا بريدة أتبغض عليا؟ فقلت: نعم. قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك” قال الحافظ في الفتح: زاد في رواية عبد الجليل ” وإن كنت تحبه فازدد له حبا. اهـ”
([4]) أورد البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان – باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر قال: “قال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحدٌ يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل، ويذكر عن الحسن “ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق”.
([5]) قال إبن تيمية في كتابه منهاج السنة النبوية ج 7 ص 137 تحقيق د. محمد رشاد سالم مؤسسة قرطبة الطبعة الأولى 1406هـ: “إن الله قد اخبر انه سيجعل للذين آمنوا و عملوا الصالحات ودا و هذا وعد منه صادق و معلوم أن الله قد جعل للصحابة مودة في قلب كل مسلم لا سيما الخلفاء رضي الله عنهم لا سيما أبو بكر و عمر فان عأمةالصحابة و التابعين كانوا يودونهما و كانوا خير القرون، و لم يكن كذلك علي فان كثيرا من الصحابة و التابعين كانوا يبغضونه و يسبونه و يقاتلونه” وفي ص 147 قال “وقد عُلم قدح كثير من الصحابة في علي”.
([6]) لعلّ إيراد الشيخ الجزيري حفظه الله للفظة (أكتعون) والتي تعني (أجمعون) منطلقٌ مما رواهُ المخالفون عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] و سلم : “لتدخلن الجنة كلكم أجمعون أكتعون إلا من شرد على الله شراد البعير”.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي ج 10 ص 746 دار الفكر، بيروت – 1412 هـ
([7]) أورد المزي في كتابة تهذيب الكمال في أسماء الرجال ج 7 ص 568 وما بعدها، تحقيق د.بشار عواد معروف، الطبعة الأولى 1400هـ، مؤسسة الرسالة – بيروت تَرجمة حَريز ومن روى عنه من أئمة أهل الحديث فقال:
” قال البخاري : وَقَال أَبُو اليمان: كَانَ حريز يتناول من رجل ثم ترك يعني عليا رضي الله عَنْهُ.
وَقَال أَبُو أَحْمَد بْن عدي : حَدَّثَنَا ابن أَبي عصمة، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبي يَحْيَى قال: سمعت أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ يقول: حديث حريز نحو من ثلاث مئة، وهو صحيح الحديث، إلا أنه يحمل على علي.
وَقَال أَحْمَد بْن عَبد اللَّهِ العجلي: شامي، ثقة، وكَانَ يحمل على علي.
وَقَال عَمْرو بْن علي: كَانَ ينتقص عليا وينال منه، وكَانَ حافظا لحديثه، سمعت يَحْيَى يحدث عن ثور عنه.
وَقَال في موضع آخر : ثبت شديد التحامل على علي (وعقّب المُحقق في الهامش بالقول: قال العبد المسكين أبو محمد بشار عواد: والله لا أدري كيف يكون ثبتا من كان شديد التحامل على أمير المؤمنين علي بْن أَبي طالب، نعوذ بك اللهم من المجازفة.) .
وَقَال محمد بن عَبد الله بْن عمار الموصلي : يتهمونه أنه كَانَ ينتقص عليا، ويروون عنه، ويحتجون بحديثه وما يتركونه.
وَقَال أَبُو حاتم : حسن الحديث، ولم يصح عندي ما يقال في رأيه (وعقب المحقق في الهامش بالقول ولكن صحَّ عند غيرك يا أبا حاتم، وأقصى ما اعتذر عنه أنه تاب عن ذلك. ) ، ولا أعلم بالشام أثبتَ منه، هو أثبت من صفوان ابن عَمْرو، وأبي بكر بْن أَبي مريم، وهو ثقة متقن.
وَقَال أَحْمَد بْن سُلَيْمان الرهاوي : سمعت يزيد بْن هارون يقول: وقيل له: كَانَ حريز يقول: لا أحب عليا، قتل آبائي، قال: لم أسمع هذا منه، كَانَ يقول: لنا إمامنا ولكن إمامكم (وعلّق المحقق في الهامش بالقول: يريد: لنا معاوية، ولكن علي. قال بشار: ولكن”إمامه”كان باغيا، وقد اصاب علي في قتاله، وهذا أمر أجمع عليه فقهاء الحجاز والعراق من أهل الحديث والرأي منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والأَوزاعِيّ، والجمهور الاعظم من المتكلمين والمسلمين (انظر فيض القدير للمناوي: 6 / 366) .)
وَقَال الخلال أيضا: حَدَّثَنَا عِمْران بْن أبان، قال: سمعت حريز بْن عثمان يقول: لا أحبه، قتل آبائي يعني عليا.
وَقَال يعقوب بْن سفيان: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبد اللَّهِ، قال: سمعت بعض أصحابنا يذكر عن يزيد بْن هارون، قال: قال حريز بْن عثمان: لا أحب من قتل لي جدين.
وَقَال أَحْمَد بْن سَعِيد الدارمي، عن أَحْمَد بْن سُلَيْمان المروزي: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن عياش، قال: عادلت حريز بْن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه (وعلّق المحقق في الهامش: إسنادها جيد، الدارمي ثقة اتفق عليه البخاري ومسلم، وأحمد بن سُلَيْمان صدوق أخرج لَهُ الْبُخَارِيّ فِي الصحيح، وإسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، وهو حمصي.)
وَقَال مُحَمَّد بْن عَمْرو العقيلي : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أيوب بْن يَحْيَى بْن الضريس ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ المغيرة قال: ذكر جرير أن حريزا كَانَ يشتم عليا على المنابر.
وَقَال الحسن بْن عَلِيٍّ الخلال : قلت ليزيد بْن هارون: هل سمعت من حريز بْن عثمان شيئا تنكره عليه من هذا الباب؟ قال: إني سألته أن لا يذكر لي شيئا من هذا مخافة أن أسمع منه شيئا يضيق علي الرواية عنه، قال: وأشد شيء سمعته يقول: لنا أمير ولكم أمير يعني لنا معاوية ولكم علي فقلت ليزيد: فقد آثرنا على نفسه؟ قال: نعم.
وَقَال أَبُو بكر مُحَمَّد بْن الحسن بْن زياد النقاش المقرئ: حَدَّثَنَا مسيح بْن حاتم، قال: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن سافري الواسطي، قال: كنت في مجلس أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، فَقَالَ له رجل: يا أبا عَبد اللَّهِ، رأيت يزيد بْن هارون في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، ورحمني، وعاتبني، فقلت: غفر لك، ورحمك، عاتبك؟ قال: نعم، قال لي: يا يزيد بْن هارون، كتبت عن حريز بْن عثمان؟ فقلت: يا رب العزة، ما علمت إِلاَّ خَيْرًا، قال: إنه كَانَ يبغض أبا الحسن علي بْن أَبي طالب. وقد روي هذا المنام عن يزيد بْن هارون من غير وجه (وعلّق المحقق بالقول: على الرغم من أن المنامات لا قيمة لها في تقويم الرجال، ولكنها على أية حال تظهر ما كان سائدا في نفوس الناس تجاه من يرون له مناما، فلو لم يكن يزيد بن هارون معتقدا بموقف حريز السيئ من علي بْن أَبي طالب، ما تبادر له مثل هذا المنام.)
وَقَال أَبُو أَحْمَدَ بْن عدي : وحريز بْن عثمان من الأثبات في الشاميين، يحدث عنه الثقات مثل الوليد بْن مسلم، ومحمد ابن شعيب، وإسماعيل بْن عياش، ومبشر بْن إِسْمَاعِيلَ، وبقية، وعصام بْن خالد ويحيى الوحاظي، وحدث عنه من ثقات أهل العراق: يَحْيَى القطان وناهيك بِهِ ومعاذ بْن معاذ، ويزيد بْن هارون، وأحمد بْن حنبل، ويحيى بْن مَعِين، ودحيم، وإنما وضع منه ببغضه لعلي، وتكلموا فيه (وعلّق المحقق في الهامش بقوله: قد ضعفه الأزدي: وبالغ ابن حبان في الحط عليه فقال في كتاب”المجروحين: 1 / 268″: وكان يلعن علي بن أَبي طالب رضوان الله عليه بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي بالفؤوس. وكان داعية إلى مذهبه، وكان علي بن عياش يحكي رجوعه عنه، وليس ذلك بمحفوظ عنه”ثم روى منام يزيد بن هارون. قال بشار: هذا تحامل من ابن حبان، وهو لم يذكر سند روايته، ولم يصح عنه ذلك البتة، وقد نقل هذا الكلام غير واحد، منهم السمعاني وابن الاثير، وكان عليهما أن يتثبتا منه. وَقَال الذهبي في “الميزان”: كان متقنا ثبتا، لكنه مبتدع”، وَقَال في “الكاشف”: ثقة..وهو ناصبي“، وَقَال في “المغني”: ثبت لكنه ناصبي“، وَقَال في “الديوان”: ثقة لكنه ناصبي مبغض“
قال أفقر العباد أبو محمد بشار بن عواد محقق هذا الكتاب: لا نقبل هذا الكلام من شيخ النقاد أبي عَبد الله الذهبي، إذ كيف يكون الناصبي ثقة، وكيف يكون”المبغض”ثقة؟ فهل النصب وبغض أمير المؤمنين علي بن أَبي طالب بدعة صغرى أم كبرى؟ والذهبي نفسه يقول في “الميزان: 1 / 6″في وصف البدعة الكبرى: الرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعُمَر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة”أو ليس الحط على علي و”النصب”من هذا القبيل؟ وقد ثبت من نقل الثقات أن هذا الرجل كان يبغض عليا، وقد قيل: إنه رجع عن ذلك فإن صح رجوعه فما الذي يدرينا إنه ما حدث في حال بغضه وقبل توبته؟ وعندي أن حريز بن عثمان لا يحتج به ومثله مثل الذي يحط على الشيخين، والله أعلم.) . “
([8]) تهذيب التهذيب لإبن حجر ج 8 ص 458، الطبعة الأولى 1326هـ ، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند:
” وقد كنت استشكل توثيقهم الناصبي غاليا وتوهينهم الشيعة مطلقا ولا سيما أن عليا ورد في حقه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ثم ظهر لي في الجواب عن ذلك أن البغض ها هنا مقيد بسبب وهو كونه نصر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض والحب بعكسه وذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالبا والخبر في حب علي وبغضه ليس على العموم فقد أحبه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو أنه إله تعالى الله عن إفكهم والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق الأنصار وأجاب عنه العلماء أن بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه وبالعكس فكذا يقال في حق علي وأيضا فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة والتمسك بأمور الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب ولا يتورع في الإخبار والأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا رضي الله عنه قتل عثمان أو كان أعان عليه فكان بغضهم له ديانة بزعمهم ثم انضاف إلى ذلك أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي“.
([9]) أورد الذهبي ترجمة عمران بن حطان في سير أعلام النبلاء ج 5 ص 121 – 122، سنة الطبع 1427 هـ طبعة دار الحديث القاهرة فقال: “عمران بن حطان : ابن ظبيان، السدوسي البَصْرِيُّ. مِنْ أَعْيَانِ العُلَمَاءِ، لَكِنَّهُ مِنْ رُؤُوْسِ الخَوَارِجِ… قَالَ الأَصْمَعِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانَ كَانَ ضَيْفاً لِرَوْحِ بنِ زِنْبَاعٍ، فَذَكَرَهُ لِعَبْدِ المَلِكِ، فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيْهِ أن يأتينا. فهرب..وَمِنْ شِعْرِهِ فِي مَصْرَعِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا … إِلاَّ لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا
إِنِّي لأَذْكُرُهُ حِيْناً فأحسبه … أو فى البَرِيَّةِ عِنْدَ اللهِ مِيْزَانَا
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ بُطُوْنُ الطِّيْرِ قَبْرُهُمُ … لَمْ يَخْلِطُوا دِيْنَهُم بَغْياً وَعُدْوَانَا
فَبَلَغَ شِعْرُهُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ, فَأَدْرَكَتْهُ حمية لقرابته من علي -رضي اللهُ عَنْهُ- فَنَذَرَ دَمَهُ وَوَضَعَ عَلَيْهِ العُيُوْنَ. فَلَمْ تَحْمِلْهُ أَرْضٌ فَاسْتَجَارَ بِرَوْحِ بنِ زِنْبَاعٍ, فَأَقَامَ فِي ضِيَافَتِهِ, فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنَ الأَزْدِ. فَبَقِي عِنْدَهُ سَنَةً فَأَعْجَبَهُ, إِعْجَاباً شَدِيْداً فَسَمَرَ رَوْحٌ لَيْلَةً عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ فَتَذَاكَرَا شِعْرَ عِمْرَانَ هَذَا. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَوْحٌ, تَحَدَّثَ مَعَ عِمْرَانَ بِمَا جَرَى, فَأَنْشَدَهُ بَقِيَّةَ القَصِيْدِ فَلَمَّا عَادَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ قَالَ: إِنَّ فِي ضِيَافَتِي رَجُلاً مَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَدِيْثاً قَطُّ إلَّا وَحَدَّثَنِي بِهِ وَبِأَحْسَنَ مِنْهُ, وَلَقَدْ أَنْشَدَنِي تِلْكَ القَصِيْدَةَ كُلَّهَا. قَالَ: صِفْهُ لِي فَوَصَفَهُ لَهُ قَالَ: إِنَّكَ لَتَصِفُ عِمْرَانَ بنَ حِطَّانَ, اعْرِضْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْقَانِي قَالَ: فَهَرَبَ إِلَى الجَزِيْرَةِ ثُمَّ لَحِقَ بِعُمَانَ فَأَكْرَمُوْهُ”.
وقال إبن حجر في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج 10 ص 290، طبعة 1379 هــ، طبعة دار المعرفة- بيروت:
“قوله حدثنا محمد بن بشار هو بندار وعثمان هو بن عمر بن فارس والسند كله إلى عمران بن حطان بصريون وعمران هو السدوسي كان أحد الخوارج من العقدية بل هو رئيسهم وشاعرهم وهو الذي مدح بن ملجم قاتل علي بالأبيات المشهورة وأبوه حطان بكسر المهملة بعدها طاء مهملة ثقيلة وإنما أخرج له البخاري على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متدينا وقد قيل إن عمران تاب من بدعته وهو بعيد وقيل إن يحيى بن أبي كثير حمله عنه قبل أن يبتدع فإنه كان تزوج امرأة من أقاربه تعتقد رأي الخوارج لينقلها عن معتقدها فنقلته هي إلى معتقدها”.
([10] ) فتح الباري شرح صحيح البخاري لإبن حجر العسقلاني ج 7 ص 72 دار المعرفة – بيروت ، 1379:
“في الحديثين ان عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله أراد بذلك وجود حقيقة المحبة والا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة وفي الحديث تلميح بقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فكأنه أشار إلى ان عليا تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه [وآله] و سلم حتى اتصف بصفة محبة الله له ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي صلى الله عليه [وآله] و سلم أن لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق وله شاهد من حديث أم سلمة عند احمد ثالثها حديث سهل بن سعد أيضا”.
([11]) الذهبي: سيرأعلام النبلاء ج 17 ص 169 طبعة مؤسسة الرسالة:
“وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء ، وطرق حديث : ” من كنت مولاه ” وهو أصح ، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال : إنه لعهد النبي الأمي -صلى الله عليه [وآله] وسلم- إلي : إنه لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق وهذا أشكل الثلاثة”.
([12]) أخرج الحاكم في المستدرك ج 3 ص 152 طبعة 1417هـ، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع:
قال : حدثني أبو علي الحافظ ، أنبأ أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن أيوب الصفار وحميد بن يونس بن يعقوب الزيات قالا : ثنا محمد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة ، ثنا أبي ، ثنا يحيى بن حسان ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فقدم لرسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم فرخ مشوي فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير . قال: فقلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فجاء علي رضي الله عنه ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم على حاجة ، ثم جاء ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم على حاجة ، ثم جاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم : افتح ، فدخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم : ما حبسك علي ؟ فقال : إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس ، يزعم إنك على حاجة ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقلت : يا رسول الله ، سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال رسول الله : إن الرجل قد يحب قومه .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا ، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة ، وفي حديث ثابت البناني عن أنس زيادة ألفاظ.
([13]) أورد الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام ووفيات الأعيان والمشاهير ج 23 ص 517 تحقيق د.عمر تدمري، طبعة عام 1407هـ-1987م، دار الكتاب العربي-بيروت قائلاً:
“قال ابن عدي: سمعت علي بن عبد الله الداهري: سألت ابن أبي داود عن حديث الطير، فقال: إن صح حديث الطير فنبوة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم باطل، لأنه حكي عن حاجب النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم، يعني أنس، خيانة، وحاجب النبي لا يكون خائناً.
وفي تذكرة الحفاظ: “وقال أبو بكر بن أبي داود : لو صح حديث الطير لبطلت نبوة رسول الله لأن خادمه جاء به أو كلاما هذا معناه”.
([14]) إشارة إلى قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِفَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} الآية 10 من سورة التحريم
([15] ) للوقوف على إزدواجية المعايير والتعصّب والهوى لدى الذهبي، ما على القارئ إلا أن يُقارن بين إمتعاضه من الحديث الصحيح في مسلم وحكمه عليه بأنّه “أشكل الثلاثة” رغم أَنّهُ أصحُّ لديه من حديث الطير الوارد بأسانيد كثيرة وأصحُّ من حديث “من كنت مولاه ” المتواتر، وبين حديثٍ آخر مرفوع يرويه في كتاب سيير أعلام النبلاء ج 16 ص 216 طبعة مؤسسة الرسالة، في فضل أبي بكر وعمر وفي الحديث معلى وهو من إتفق النقاد على تكذيبه كما قال الحافظ في التقريب، ومع ذلك يقول بأنّ متنه حق حيث يقول:
“أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا الحسن بن صباح ، أخبرنا ابن رفاعة ، أخبرنا الخلعي ، أخبرنا أبو محمد بن النحاس ، حدثنا محمد بن جعفر بن دران ، حدثنا الحسن بن الطيب ، حدثنا قتيبة ، حدثنا معلى بن هلال ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر مرفوعا : ” لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ، ولا يحبهما منافق ” . معلى ترك ، ومتن الحديث حق ، لكنه ما صح مرفوعا.”
كذلك تجدُ أنّهُ في حين لا يرى بأساً في الرواية عن من يحطُّ من شأن الإمام علي عليه السلام، تراهُ يقول أنّ من يَحطُّ من شأن الشيخين لا يحتجُّ به، حيث يقول في كتاب ميزان الإعتدال في نقد الرجال ج 1 ص 5-6 تحقيق محمد علي البجاوي طبعة 1382هـ، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت-لبنان:
“البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق.
فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة. ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة”. (المُـــــــــــــقــــــــــــَرِّر)
اترك تعليقاً