|
“إن الدين رؤية كونية تبتني على:
(أولاً): وجود خالق لهذا الكون وكائناته معنيّ بها عامة وبالإنسان خاصة؛ من خلال رسالة بعثها إليه.
(ثانياً): إن الإنسان ليس كائناً مادياً يفنى بالممات ـ على حد سائر الكائنات الحية الأخرى ـ، بل هو كائن حيّ
خالد، وما الممات إلا مرحلة من مراحل وجوده تنفصل فيها روحه عن بدنه لتعود إليه في موعد لاحق، وإن
سعادته وشقاءه حينذاك ترتبط بأعماله في الحياة الدنيا؛ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرّاً يَرَهُ.”
“لقد اصطفى الله تعالى لتبليغ رسالته إلى خلقه أشخاصاً من الناس أنفسهم ممّن اتصف بسلامة العقل
والإدراك والاعتدال في التصرفات وصفاء الفطرة ومحبة الحقيقة والفضيلة والثبات على التحديات والرأفة بالناس،
ولم يعهد منهم ما يخدش السلامة النفسية ولا الطموح الاجتماعي ولا الدهاء والمكر والحيلة والتلبيس..
فأوحى إليهم وحياً بيّناً لا يشبه في خصائصه وصفاته ـ في كمّه وكيفه – بما يمكن أن يتخيّله الإنسان على
سبيل الهلاوس العابرة، أو من جهة عدم السلامة النفسية.
ثم دعّمه تعالى بخوارق تقتضي – في كمّها وكيفها – قدرات فوق بشرية، لم يعهد الإنسان مثلها في التصرفات
التي رآها الناس من السحرة والكهان وأمثالهم، فهي تتفاوت عن ذلك كله تفاوتاً نوعياً.
على أن من اختارهم للرسالة كانوا أشخاصاً معروفين في المجتمع، علم الناس سلوكيّاتهم وقدراتهم
واتجاهاتهم، وقد لبثوا بين ظهرانيّهم دهراً فلم يشهد عليهم أثر التوجه إلى الادعاءات الشاذة والتصرفات
النادرة.
وقد ظهرت حجتهم في مجتمعات عرفت أهل الادعاءات الباطلة فلم يكن لتنطلي عليهم ما يكون من قبيلها؛
وذلك لكي تقوم الحجة البالغة على الخلق بصدق مدعي الرسالة.
وإذا انقضت فترة توجب انطماس وضوح الرسالة تدريجاً بعث الله سبحانه رسولاً آخر لإقامة الحجة ورفع اللبس
والشبهة، فكان آخر رسله النبي محمد (ص) الذي يسّر سبحانه حفظ رسالته في كتابه الكريم ـ الذي أنزله
من خلاله رسالة لجميع خلقه ـ، حفظاً تاريخياً بيّناً لا لبس فيه.”
”إن الرؤية المعرفية الدينية تعتمد على دعامتين: التعقّل والتعبّد..
أما التعقّل فيكون في مساحة الإدراك العقلي الواضح، وأما التعبّد فهو فيما وراء المدركات الواضحة؛ من القضايا
التي تقع في المساحة الرمادية غير الواضحة عند العقل الإنساني.
فمن توسّع في التعقل في غير المساحة التي يكون من شأن العقل إدراكها وقع في الوهم والاشتباه، ومن
توسع في التعبد إلى المساحة التي من شأن العقل إدراكها وقع في الخرافة، ومن أخذ بكلٍ في موضعه وأحلّه
محلّه فقد أصاب.
وليس في الاعتماد على التعبد في مجالاته تنقيص من شأن الإدراك الإنساني، بل هو تعامل واقعي يُنبِّه
الإنسان على جهات القصور في أدواته الإدراكية.“
منهج التثبت في شأن الدين – الحلقة الثانية.
شكرا لكم ولجهودكم ..جزاكم الله خيرا .