|
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ
📌 تتمة وهي استفسار لاحق للدرس الأول وأجاب عليه جناب الأستاذ حفظه الله في الدرس الثاني:
🔵 السؤال: إذا فسرت الرواياتُ على سبيل المثال قوله تعالى: {وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ }البقرة١٩٧ أو غيرَه، وصرفته عن ظاهره وكان المعنى الذي بيّنه المعصوم غير ما يظهر من اللفظ، يتبيّن أنه لا حجية للظواهر لأنَّ كل لفظ نحتمل أن له معنى آخرَ غير الظاهر يعني نحتمل أن فيه تفسيراً من الأئمة عليهم السلام – لكن لمْ يصلنا مثلاً – أو لم يبينوه أساساً لمصلحة حفظوها، فكيف قلتم بأن من الأصول في التفسير ظواهر القرآن الكريم؟
⚪ الجواب: نقول ثبتت لنا حجيةُ الظواهر بالأدلة القطعية فما لم نعلم أن الإمام المعصوم عليه السلام تصدى وبينه لنا فنبقى على حجية الظواهر، أما إذا تكرّم المعصوم عليه السلام ووصل لنا بيانه كما في تفسير الجدال أو غيره وبلغنا ذلك بدليل قطعي أو ظني معتبر فإننا نأخذه ونقدمه على الظواهر أما إذا لم يرد فبما أن حجية الظواهر ثبتت بدليل قطعي فالمعوّل يكون عليها.
🔶🔶🔶🔶
تقرير لدرس سماحة أستاذنا الشيخ علي الدهنين حفظه الله لشهر رمضان المبارك لعام ١٤٣٧ هـ في تفسير سورة الفاتحة …
(تفسير سورة الفاتحة)
الدرس ٢: في بيان فضل سورة الفاتحة.
بسم الله الرحمن الرحیم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم وارحمنا بهم والعن عدوهم.
نشرع بعون الله في تفسير سورة الفاتحة وفي الحقيقة نحن ننقل كلمات الأعلام العظام في تفسير هذه السورة العظيمة وهي سورة الفاتحة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(٧)
نقول وبالله تبارك وتعالى نستعين
هذه السورة المباركة أعظم سورة في القرآن وأفضل سورة فيه ويدلنا على عظمتها عدة أمور منها:
1- ما ذكره الله تبارك وتعالى في قوله:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}١ حيث ورد عن أهل البيت أن المراد من السبع المثاني سورة الفاتحة، فهذه الآية تدلنا على عظمة سورة الفاتحة حيث إن اللهَ تبارك وتعالى جعلها عِدلا للقرآن الكريم فالآية جعلتها في كفة والقرآن كله في كفة أخرى.
2- ما ورد في تسميتها فقد ورد أنها أم الكتاب وفاتحة الكتاب، وهنا يرد تساؤل وهو لماذا سميت الفاتحة بأم الكتاب؟
▫يراد من الأم الأصل، والقرآن الكريم آياته تنقسم إلى قسمين:
أ- محكمات.
ب- متشابهات.
ويراد من المحكم الأصول والقواعد العامة الواضحة، ويراد من المتشابه الأمور الجزئية في القرآن، فإذا أردنا معرفة الجزئيات أرجعناها إلى الأصل ليَبينَ معناها، فالفاتحة أم الكتاب فقد تعرّضت لأصول وقواعد عامة وهي من المحكمات.
➖ لماذا سميت بأم الكتاب؟
الروايات تقول والعلماء شرحوا ذلك فقالوا: لأنها اشتملت على أصول المعارف الإسلامية.
ما هي أصول المعارف الإسلامية؟
هي أصول الدين الخمسة التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد يوم القيامة.
⚪ أما اشتمالها على التوحيد فذلك في قوله تعالى: {الحمدُلله} فقد دلت هذه الآية على أن الحمدَ – جميع الحمد لأن (ال) للاستغراق – يستحقه ربُّ العالمينَ، ولم تقلْ الآية الحمد للخالق أو الحمد للسميع بل قالت الحمد لله، لفظ الجلالة كما سوف يأتي في الليلة الآتية بأنه اسم الله تبارك وتعالى الذي يدل على الذات الكاملة المستجمعة لجميع صفات الكمال والجلال والجمال فدلت هذه الفقرة من الفاتحة على توحيد الذات، لأنه قد مر سابقاً أن التوحيد له مراتب: التوحيد في مقام الذات، والتوحيد في مقام الأفعال، والتوحيد في مقام العبادة، وسورة الفاتحة دلت على التوحيد بلحاظ المراتب الثلاث، فدلت الفاتحة على المرتبة الأولى بقوله تبارك وتعالى:{الحمدلله}، وسيأتي شرحٌ مفصل لها لاحقاً إن شاء الله أما الآن فبصورة مجملة هنا نبيّن فضل هذه السورة ولماذا استحقت أن يقال عنها إنها أم الكتاب أي جامعة لمعارف الكتاب، نريد أن نشرح ما معنى كون الفاتحة جامعة لأصل الكتاب.
دلت كذلك على التوحيد الأفعالي (الأفعال) في قوله: {ربِّ العالمين} فحصرت الربوبية فيه والربوبية بمعنى التدبير فهو المدبر الوحيد لجميع العوالم عالم الإنسان والحيوان والنبات وغيرها، فانحصر الكمال فيه في قول {الحمدلله} وهذا هو التوحيد الذاتي وانحصر التدبير فيه بنحو الاستقلال في {رب العالمين} وهذا هو التوحيد الأفعالي، ودلت على توحيد العبادة في قوله تبارك وتعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} حيث قُدمَ المفعولُ به فيها، والمفعول به حينما يتقدم فهذا يدل على الانحصار، فالعبادة منحصرة في الله وهذه المراتب الثلاث في التوحيد مترتبة لأن الذات المقدسة إذا كانت جامعة لكل صفات الكمال والجمال والجلال بنحو مطلق بلا قيد فهي ذات واحدة نوحدها في ذاتها ومَن كان كذلك في ذاته كان كذلك في فعله وهذا التوحيد الأفعالي ومن كان كذلك في ذاته وفي أفعاله انحصر استحقاق العبادة فيه، إذن دلت سورةُ الفاتحة على الأصل الأول وهو التوحيد.
⚪ أما الأصل الثاني وهو العدل فهذه السورة المباركة العظيمة التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وآله:((إن الله منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنة))٢ وقال صلى الله عليه وآله:((إن الله من عليّ بفاتحة الكتاب من كنز العرش))٣ وورد عنه صلى الله عليه وآله أنه لم يُعط مثلها، يعني أنها متميزة.
فنقول كيف دلت سورة الفاتحة على العدل؟
حينما قال الله تبارك وتعالى: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم}
دلت على أن العباد ينقسمون إلى قسمين:
1- عباد قد أنعم الله عليهم.
2- عباد قد غضب الله عليهم.
ولا شك أن من أنعم الله عليهم أو من غضب الله عليهم يشكلون مظهرا للعدل الإلهي لأن غضبه إذا غضب لا يكون جزافا، كذلك حينما أنعم الله على من أنعم لم يكن إنعامه عليهم جزافا فبعد التأمل الدقيق في هذه السورة نقول إنها حينما تعرضت للقسمين دل ذلك على أن هذا التقسيم مظهر من مظاهر عدله تبارك وتعالى كما سوف نشرح بشكل أوضح لاحقا وبعض المفسرين لما مروا على هذه الجزئية نبهوا على نقطة فقالوا:
ما أعطاه اللهُ لأنبيائه وأوليائه كان عطاءً في محله وبهذا ندفع شبهة من الشبه لأن بعضهم يقول لماذا جعل الله النبي صلى الله عليه وآله نبيا لمَ لمْ يجعلني نبيا؟ لماذا جعل أمير المؤمنين إماما لمَ لمْ يجعل عقيلا أخاه مثلا؟
بعبارة أخرى هل أن الله تبارك وتعالى حينما أعطى الأنبياء النبوة والأئمة الإمامة كان لزاماً أن نفهم الحكمة والوجه في هذا العطاء الذي في محله قطعا أو أنّ هذا أمر تعبدي محض ولا نفهم منه شيئا؟
قال بعضهم بأن القضية تعبدية تماما، قال تبارك وتعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون}٤.
لكن البعض الآخر وتؤيدهم الروايات قالوا: يمكن الفهم كما قال الإمام عليه السلام في دعاء الندبة:((بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي زَخَارِفِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ زِبْرِجِهَا، فَشَرَطُوا لَكَ ذَلِكَ، وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وَ قَرَّبْتَهُمْ)).٥
فكذلك يقولون إن الله تبارك وتعالى علمَ أن هذه الذات الطاهرة المقدسة وهي ذات نبينا محمد صلى الله عليه وآله حتى لو لم يُعطَ النبوة فهو في ذاته يتميز بميزة خاصة، وهناك رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام في هذا المعنى مضمونها:((لما سأله أحد أصحابه لماذا جعلك الله إماما؟ قال: لأن الله علم بنا في سابق علمه الأزلي أننا نختار طاعته)). فهذه الذوات الطاهرة المتميزة أعطاها الله النبوة أو الإمامة أو العصمة.
⚪ أما الأصل الثالث وهو النبوة فهو في قوله تبارك وتعالى: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، الذين أنعم الله عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء وحسن أولئك رفيقا، منهم (النبيون) إذاً الآية المباركة أشارت إلى الأنبياء فتكون أشارت لأصل النبوة.
وكيف أشارت إلى الإمامة؟
الكلام هو الكلام، فالذين أنعم الله عليهم بعد النبيين هم الصديقون والشهداء، وفي القرآن الكريم حينما يُطلق لفظ الشهداء لا يراد من لفظ الشهيد من قُْتل في المعركة نعم هو يعتبر شهيدا وأطلقت عليه الروايات أنه شهيد والآيات بـأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، لكن لفظ الشهداء حينما يرد في القرآن الكريم يراد بهم الشهداء على الأعمال، والشهداء الذين يشهدون على الأعمال هم الأئمة الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وسيأتي في الليالي الآتية أن الصراط المستقيم هو رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده هم أهل البيت عليهم السلام أي أن المراد من الصراط المستقيم محمد وآل محمد عليهم السلام، فالمجسِد للصراط المستقيم في زماننا هذا هو سيدنا وإمامنا الحجة المنتظر عجل الله فرجه.
⚪ أما دلالة هذه السورة على الأصل الخامس وهو المعاد واضحة في قوله: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.
إذن هذه إشارة مذكورة في الروايات وكلمات علمائنا الأعلام يشرحون فيها سبب تسمية الفاتحة بأم الكتاب لأن المراد من الأم الأصل، وهكذا ورد في فضل هذه السورة روايات كثيرة وأنها شفاء من كل داء وأنها لو قرئت على ميت سبعين مرة فأحياه الله تبارك وتعالى ما كان ذلك عجبا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:((أُوتِیتُ السَّبْعَ الطِّوَالَ مَکَانَ التَّوْرَاةِ وَ الْمِئِینَ مَکَانَ الْإِنْجِیلِ وَ الْمَثَانِیَ مَکَانَ الزَّبُورِ وَ فَضَّلَنِی رَبِّی بِالْمُفَصَّلِ))٦. والشرح المختصر لهذا الحديث: السبع الطوال يعني السور الطويلة (البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال)، وأما المئين أيْ السور المباركة التي عدد آياتها مئة وأكثر مثل سورة يونس ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل والإسراء والكهف ومريم، وأما المثاني فهي السور التي عدد آياتها أقل من المئة، وقوله صلى الله عليه وآله أعطيت المفصل فهي سبع وستون سورة ويدخل في المفصل سورة الفاتحة، والمفصل لفظ يطلق على السور من سورة (محمد) صلى الله عليه وآله إلى آخر المصحف.
وهناك نقطة أثارها الأعلام المفسرون وهي أنه ماذا يراد من المثاني {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيم}٧؟
المراد من السبع المثاني الفاتحة، فالسبع لأن عدد آياتها سبع آيات قطعا، لكنّ كلمة المثاني هل هي مخصوصة بالفاتحة كما هو رأيٌ لكثيرين أم يشمل كل آيات القرآن؟
هناك رأيان:
الرأي الأول يقول: إن المراد من المثاني سورة الفاتحة فقط وسبب تسميتها بالمثاني إما لأنها نزلت مرتين لعظمتها فمرة في مكة المكرمة وأخرى في المدينة المنورة، أو لأن الله تبارك وتعالى أوجب قراءتها في الصلاة مرتين ففي الركعة الأولى نقرأ الفاتحة وسورة وفي الثانية نقرأ الفاتحة وسورة، كما قال الحديث الشريف المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب))٨.
الرأي الثاني: وهو لكثير من الأعلام يقول إن المقصود من المثاني جميع آيات القرآن بما فيها الفاتحة لأن المراد من المثاني التي مفردها مَثنيّةٌ من الانثناء والانعطاف والتمايل فكأنّ كل آية تميل إلى الأخرى لتضيء ولتبين شيئا من معانيها كأنما معنى كون الآيات من المثاني أنها آيات متشابهات لا مشتبهات ووجه الشبه بينها في اللغة والأسلوب والعظمة، كذلك فالقرآن ينطق بعضه ببعض ويفسر بعضه بعضا فالقرآن كله له وحدة جامعة له وهذه الوحدة تجعل آياته العظيمة متعاطفة متشابهة ينثني بعضها على بعض ويشهد بعضها على بعض.
فهذا هو كلامنا هذه الليلة عن فضل هذه السورة المباركة بشكل مختصر، والليلة الآتية ندخل في تفسير البسملة إن شاء الله وهي قوله تعالى: {بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
}.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمدلله رب العالمين.
————–
[١] سورة الحجر آية ٨٧.
[٢] تفسير العياشي ج١ ص٢٢.
[٣] تفسير البرهان ج١ ص١١٥.
[٤] سورة اﻷنبياء آية ٢٣.
[٥] دعاء الندبة – المزار الكبير لابن المشهدي ص٥٧٤.
[٦] البحار ج١٦ ص٣٣٥.
[٧] سورة الحجر آية ٨٧.
[٨] جامع أحاديث الشيعة ج٥ ص١٠٧. باختلاف يسير في صحيح البخاري ج١ ص١٨٤.
———————-
يوم الأربعاء (ليلة الخميس)
٢’٩’١٤٣٧هـ
✏ محمد القرقوش.
🔶🔶🔶🔶
اترك تعليقاً