|
المكان: | مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف |
المدة: | 00:28:56 |
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [1]
صدق الله العليّ العظيم
انطلاقًا من الآية المباركة نتحدّث حول نقاطٍ ثلاثٍ:
- النقطة الأولى: في قيمة العمل بحسب المنظور الاقتصادي.
- والنقطة الثانية: في حقيقة العمل بحسب المنظور الفلسفي.
- والنقطة الثالثة: في بيان مفهوم الصّدقة.
كلامنا فعلاً في النقطة الأولى: قيمة العمل بحسب المنظور الاقتصادي.
في علم الاقتصاد يقال أنّ للشيء قيمتين:
1 – قيمة استعماليّة.
2 – وقيمة تبادليّة.
يعني مثلاً الآن هذا الكرسي الذي أجلس عليه، هذا الكرسي له منافع يُسْتَعْمَل فيها، يُسْتَعْمَل هذا الكرسي للجلوس، للاستراحة، منفعة هذا الكرسي تسمّى ب «القيمة الاستعماليّة» للكرسي، يعني: ما يُسْتَعْمَل فيه من المنافع، هذا الكرسي كم يقابِل في السوق؟ افترض هذا الكرسي يباع بمئة ريال، هذه المئة ريال تسمّى «القيمة التبادليّة»، يعني: ماليّة الكرسي عندما يُعْرَضُ للمبادلة ويُعْرَضُ للمعاوضة، ماليّة الكرسي تقدّر بمئة ريال، هذه تسمّى بالقيمة التبادليّة للكرسي.
1/ النظريّة الاشتراكيّة التي مازالت مطبّقة في بعض الدّول ترى أنّ القيمة التبادليّة للسّلعة أيّ سلعةٍ كانت القيمة التبادليّة لها بالعمل المبذول في صنع هذه السّلعة، كيف يعني؟
الآن أضرب لك مثالاً، مثلاً: أنا لو أسّستُ مشروعًا أو مؤسّسة إعادة تصنيع، افترض الآن مثلاً كثير من قطع الألومونيوم يستغني عنها الناسُ نتيجة لكثرة الاستعمال، هذه القطع من الألومونيوم تُرْمَى في القمامة أو تُرْمَى في الطرقات، أنا مثلاً أقوم بتأسيس مؤسّسة إعادة تصنيع، هذه القطع الألومونيوم تُلَمُ من القمامات، من المنازل، من المحلات التجاريّة، ويُعَاد تصنيعها من جديد، أنا عندما أعيد صنع هذه القطعة، أعيد صنع هذه القطعة بشكل يُسْتَفَاد منه، وأعرض هذه السلعة للبيع، قطعة ألومونيوم أعدتُ تصنيعها وعرضتُها للبيع، لنفترض أنّ هذه القطعة بعد أن أعيد تصنيعها وعرضتها للبيع صارت تسوى هذه القطعة مثلاً مئة ريال، بحسب النظريّة الاشتراكيّة: المئة ريال في الواقع قيمة العمل الذي صُنِعَ به السلعة، ليست قيمة للسلعة، محور القيمة التبادليّة هو العمل، يعني: هذه السّلعة كانت مادّة ملقاة في القمامة ليست لها قيمة، لكنّ هذه المادّة بُذِلت فيها طاقة، طاقة العمل التي بُذِلت لإعادة تشكيل هذه السّلعة، لإعادة تشكيل هذه القطعة، طاقة العمل التي بُذِلت قيمتها مئة ريال، فقيمة السّلعة بمئة ريال هي في الواقع قيمة الطاقة العمليّة التي بُذِلت لإعادة صنع هذه القطعة مرّة أخرى، لإعادة تشكيل هذه القطعة مرّة أخرى، إذن مركز القيمة التبادليّة ومحورها هو العمل المبذول، هو الطاقة المبذولة في الصنع وفي الإيجاد والإحساس، هذه النظريّة الاشتراكيّة، ويرتّبون عليها عدّة آثار.
2/ النظريّة الإسلاميّة أو الحقيقة الإسلاميّة في تحديد قيمة السّلعة تقول: لا، ليست كميّة العمل هي وحدها محور القيمة، لا، بل محور القيمة التبادليّة يخضع لعواملَ متعدّدةٍ:
1. نوعيّة المادّة.
2. كيفيّة العمل المبذول في صنع هذه المادّة.
3. العقليّة الإداريّة التي تكمن وراءَ صنع هذه المادّة.
يعني نأتي الآن مثلاً إلى:
العامل الأوّل: نوعيّة المادّة.
الآن مثلاً يأتي هذا الرسّام يصنع لنا لوحة فنيّة زيتيّة تباع في السّوق بآلاف الرّيالات، قيمة هذه اللوحة الفنيّة ليست فقط في العمل الذي بذله الرسّام، لا، حتى في مادّة الحبر، حتى في مادّة الصّبغ، المادّة، يعني: نوعيّة المادّة التي بُذِلت والتي وُضِعَت لأجل تشكيل هذه اللوحة، نوعيّة المادّة كلما كانت نوعيّة مرغوبة، كلما كانت نوعيّة نادرة كانت نوعيّة المادّة عاملاً مساهمًا في ازدياد قيمة السّلعة، هذا الكرسي من أيّ خشبٍ مصنوع؟ ليس المهمّ هو عمل الكرسي فقط، خشب الكرسي من أيّ مادّةٍ؟ من أيّ نوع من الخشب؟ نوعيّة الخشب دخيلة في قيمة الكرسي، في ازدياد قيمة الكرسي، إذن نوعيّة المادّة عاملٌ لابدّ من ملاحظته في قيمة السّلعة.
العامل الآخر: كيفيّة العمل.
لماذا نلحظ العمل بالمنظار الكمّي فقط؟! يعني الآن مثلاً النظريّة الاشتراكيّة تقول: أنا عندما أنتج سلعة، أنتج مثلاً لنفترض كرسيًا، أنا عندما تستغرق عمليّة الإنتاج ساعة غير عندما تستغرق عمليّة الإنتاج ثلاث ساعات، كلما زادت كميّة العمل المبذول زادت قيمة السّلعة، إذن كميّة العمل ملحوظة في تحديد القيمة، نحن نقول: مضافًا لملاحظة كميّة العمل لابدّ من ملاحظة كيفيّة العمل، كلما كان العمل أكثر فنيّة وأكثر مهارة وأكثر تقنيّة كان عاملاً مساهِمًا في ازدياد القيمة التبادليّة للسّلعة، الآن هذا عندما يأتي ويبذل طاقة، يبذل طاقة ويكتب لنا أو يرسم لنا لوحة زيتيّة، قد هذه اللوحة الزيتيّة التي صنعها الرسّامُ في ساعةٍ واحدةٍ تعادِل بحسب القيمة التبادليّة منزلاً كاملاً بُنِيَ في سنتين، كميّة العمل متفاوتة، هذا منزلٌ كاملٌ بُنِيَ خلال سنتين، هذه لوحة زيتيّة رُسِمَت خلال ساعة، مع أنّ كميّة العمل في اللوحة الزيتيّة أقلّ مدّة إلا أنّ الخبرة والمهارة والتقنيّة التي بُذِلت لأجل إبراز هذه اللوحة هي نوعيّة أجود وأرقى من الطاقات التي بُذِلت في بناء البيت، فنوعيّة العمل، تقنيّة العمل دخيلة في ازدياد قيمة السّلعة، هذا العامل الثاني.
العامل الثالث: العقليّة الإداريّة التي وراءَ هذا العمل.
يعني الآن مثلاً: أنا عندي مثلاً مصنع ألومونيوم أو مصنع إعادة الصّنعة، أنا إنسانٌ مالِكٌ وعندي عمّالٌ مُسْتَأجَرُون أعطيهم أجور العمل، كلما كان المالك – يعني: المدير المشرف على هذا المصنع – صاحب عقليّةٍ إداريّةٍ متطوّرةٍ كان تطوّر العقليّة الإداريّة للمالِك منعكسًا على منتوجات هذا المصنع، منعكسًا على سلع هذا المصنع، العقليّة الإداريّة كلما كانت قادرة على توظيف هذه الطاقات البشريّة وعلى صبّ هذه الطاقات البشريّة في عمل أكثر مهارة، في عمل أكثر تقنيّة، في عمل متنوّع متجدّد متطوّر انعكس ذلك على قيمة السّلعة.
إذن بالنتيجة: القيمة التبادليّة للسّلعة لا تنحصر فقط في كميّة العمل، هناك عوامل أخرى تساعِد على قيمة السّلعة، على ازدياد قيمة السّلعة.
الآن أنطلق أنا إلى التطبيقات:
عندنا الآن جمعيّة خيريّة، عندنا الآن لجنة كافل اليتيم، عندنا الآن مثلاً حملة خيريّة تعاونيّة، عندنا الآن نادٍ رياضي، عندنا الآن عمل مسجدي في المسجد، عندنا الآن عمل مأتمي في المأتم.. كلّ هذه الأعمال قيمة هذا العمل – بحسب المنظور الاقتصادي الآن أتكلم – قيمة هذا العمل الخيري، العمل في إطار الجمعيّة، العمل في إطار الحملة الخيريّة، العمل في إطار المسجد.. قيمة هذا العمل الخيري لا تخضع لكميّة العمل فقط، لا، «كم أشتغل؟»، لا، ليس هذا، ليس فقط «كم أشتغل؟»، ليس فقط «كم أنتج؟»، بل المهم «ماذا قدّمت؟» و«ماذا أنتجت؟»، المسألة تتدخل فيها عوامل أخرى، أنا من خلال الجمعيّة الخيريّة أنتج أعمالاً، من خلال النادي الرّياضي أنتج أعمالاً، يجب أن تحدّد قيمة هذا العمل ليس فقط «كم ساعة اشتغلت أنا؟» و«كم جهد بذلته حتى أخرجت هذا العمل وأبرزت هذا العمل؟»، لا، هناك عوامل أخرى:
العامل الأوّل هو نوعيّة العمل.
كلما كان هذا العمل أكثر ثمرة وأكثر خيرًا وأكثر عطاءً – يجب أن يُدْرَس نوعيّة العمل – كان هذا العمل مرباحًا ومثمرًا أكثر من غيره.
2/ الكيفيّة الممارسة أثناءَ العمل:
الآن أنا عندما أريد أن أرسم لوحة، تارة أرسم اللوحة بصفاءٍ ذهني، بشوق نفسي، بتركيز أثناءَ العمل، الصّفاء الذهني والإقبال النفسي والتركيز يجعلني أبدع في العمل، وتارة أمارس العملَ وأنا مشوّش الذهن، أو أمارس العملَ ممارسة وظيفيّة «أنا وظيفتي هذا! ماذا أفعل! يجب أن أمارسه!» لا بإقبال ولا بشوق، تارة مثلاً أمارس العملَ بدون تركيز، هنا العمل يقلّ إبداعه، يقلّ نتاجه، العمل الإبداعي يحتاج إلى صفاءٍ، يحتاج إلى تركيز، يحتاج إلى إقبال وشوق، إذن الكيفيّة الممارسة أثناءَ العمل لها دخلٌ في قيمة العمل.
3/ أيضًا العقليّة الإداريّة:
المشرف على هذه الجمعيّة، الأعضاء المشرفون على هذا النادي الرّياضي، العقليّة الإداريّة التي وراءَ العمل لها دخلٌ كبيرٌ في قيمة العمل وفي إعطاء العمل قيمة مرموقة واضحة.
إذن فبالنتيجة: لا يُلاحَظ في العمل فقط كميّته، والحمد لله الجمعيّة الخيريّة عندنا بالقطيف في هذه السّنوات الأخيرة تطوّرت تطوّرًا واضحًا في مجال الأعمال المنتجة والأعمال المثمرة وزاد تفكيرها في ملاحظة إنتاج عمل أفضل وإنتاج عمل أكثر خيريّة بملاحظة دراستها لنوعيّة الأعمال ولأهداف الأعمال ولكيفيّة ممارسة الأعمال ولحركة إدارة الأعمال والإشراف على الأعمال، صارت أعمالها – والحمد لله – والخيرات المنتجة على يدها – والحمد لله – خيرات واضحة ومنتجات مثمرة، نسأل الله أن تتقدّم أكثر فأكثر في هذا المضمار ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[2] .
النقطة الثانية: حقيقة العمل بحسب المنظور الفلسفي.
الفلاسفة يقولون: كلّ عمل
1» له علة صوريّة.
2» له علة فاعليّة.
يعني الآن مثلاً: أنا عندما آتي للصّلاة، أصلي، الصّلاة لها صورة: ركوع، سجود، قراءة.. ولها نوايا وراءَها تسمّى بالعلة الفاعليّة، دوافع الصّلاة، النوايا التي وراءَ الصّلاة، الأهداف الكامنة في القلب وراء هذه الصّلاة، الفلاسفة يقولون: حقيقة العمل بالجهة الأمريّة لا بالجهة الخلقيّة، ألم تقرأ قوله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [3] ما معنى الخلق وما معنى الأمر؟
1/ الخلق: ظاهر العمل.
2/ الأمر: باطن العمل.
كلّ شيءٍ له ظاهرٌ وباطنٌ، ظاهر العمل، العلة الصّوريّة للعمل، العلة الشكليّة للعمل، هذا عالم الخلق، بينما العلة الفاعليّة للعمل، يعني: الأهداف التي حرّكتني وراءَ هذا العمل، لماذا أنا أتصدّق؟ لماذا أنا أصلي؟ لماذا أنا أعمل مأتمًا؟ لماذا أنا أصنع جمعيّة خيريّة؟ الأهداف التي وراء العمل ماذا؟ هي الحقيقة الأمريّة، له الأمر، هذا عالم الأمر، الحقيقة الأمريّة للعمل، العلة الفاعليّة للعمل.
الفلاسفة يقولون: حقيقة العمل بماذا؟ حقيقة العمل بقصده لا بصورته، القرآن الكريم ماذا يقول؟ ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [4] ما هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر صورة الصّلاة أو الأهداف التي وراءَ الصّلاة؟ الأهداف التي وراء الصّلاة، ليس الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر العلة الشكليّة والعلة الصّوريّة للصّلاة، الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر الحالة النفسانيّة التي تخيّم على جوانحي وأنا أمارس الصّلاة، «الخشوع، الخضوع، الإقبال على الله، التضرّع بين يدي الله..» هذه الحالات النفسانيّة التي تهيمن عليّ وأنا أمارس الصّلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي حقيقة الصّلاة وهي واقع الصّلاة، واقع الصّلاة بالحقيقة الأمريّة وبالعلة الفاعليّة لا بالعلة الصّوريّة الشكليّة.
إذن كلّ عمل خيري – مسجدي، غير مسجدي – يحتاج إلى إخلاص، يحتاج إلى خشوع، يحتاج أن أؤدّي هذا العمل الخيري خالصًا صافيًا لوجهه تبارك وتعالى، الأعمال الخالصة الصّافية لوجهه تبارك وتعالى هي الأعمال الخيّرة، هي الأعمال المثمِرة، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ﴾ لاحظوا التعبير القرآني تعبير دقيق، لم يقل: أجر من عَمِلَ، قال: ﴿أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ﴾ إحسان العمل غير العمل، ليس المهم هو العمل، المهم تحسين العمل، ﴿أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ يعني: من أعطى عملاً حسنًا، والعمل الحسن بدوافعه، بالأهداف الإلهيّة التي وراء هذا العمل، والحمد لله في مجتمعنا شبابٌ مؤمنون خيّرون سواءً كانوا في الجمعيّة الخيريّة أو في لجنة كافل اليتيم أو في الحملات الخيريّة التعاونيّة أو في أيّ مجال آخر، الشّباب شباب الخير واقعًا، شباب الإخلاص واقعًا، يبذلون طاقاتٍ متنوّعة وكثيرة إخلاصًا لوجهه تبارك وتعالى وبنقاءٍ وصفاءٍ، وفقهم الله للخيرات، وزاد في أمثالهم من المؤمنين العاملين إن شاء الله.
النقطة الثالثة: مفهوم الصّدقة.
كثيرٌ منا إذا قيل له: الصّدقة تدفع البلاء، الصّدقة تطيل في العمر، الصّدقة تكثّر في الرّزق.. يظنّ يعني الصّدقة على الفقير! يعني: من يأتي ويعطي للفقير خمس ريال أو عشرة ريال هذه التي تدفع البلاء وتزيد في الرزق وتطيل في العمر فقط! لا، ليست الصّدقة هي خصوص الصّدقة على الفقير، الصّدقة على الفقير من مصاديق الصّدقة، من أنوع الصّدقة، لكن ليست هي الصّدقة فقط، كلّ الفقهاء يتفقون على هذا: الصّدقة التي تدفع البلاءَ وتطيل في العمر وتكثّر الرّزق كلّ عمل خيري قُصِدَ به وجه الله فهو صدقة، كلّ عمل خيري، الرّسول الأعظم محمّدٌ عندما يقول: ”إماطة الأذى عن الطريق صدقة“، أنا أرفع أشواك، أرفع قمامة من الطريق، أبْعِدُها حتى لا تنفّر الناسَ الذين يمرّون بهذا الطريق، هذا ليس صدقة على الفقير، مع ذلك يعتبره الرّسولُ صدقة، ”إماطة الأذى عن الطريق صدقة“ و”تعليم الجاهل صدقة“ هذا الإنسان الجاهل لا يعرف مسألة شرعيّة ابتلائيّة أنا أعلمه هذه المسألة الشّرعيّة الابتلائيّة، هذا صدقة إذا قُصِدَ به وجه الله تبارك وتعالى، كلّ عمل خيري فهو صدقة، كلّ عمل خيري سواءً كان مساعدة الفقراء، مساعدة الأيتام، خدمة المؤمنين، خدمة المصلين.. كلّ عمل خيري قصِدَ به وجه الله فهو صدقة يزيد في العمر، يكثّر الرّزق، يدفع البلاءَ، الصّدقة لا تنحصر في دفع المال للفقير أو لليتيم، الصّدقة هي العمل الصّادق، والعمل الصّادق هو العمل الخيري الذي قصِدَ به وجه الله تبارك وتعالى.
من هذا أنا أنطلق إلى الحديث الذي تحدّثتُ به قبل أسابيع في هذا المسجد، تحدّثتُ عن المال الذي يُعْطى للجمعيّة الخيريّة، وقلتُ بأنّ هذا المال الذي يُعْطى للجمعيّة الخيريّة هناك ملاحظة شرعيّة على هذا المال، بعض الإخوان ظنوا بأنني متحفظ من جهة الجمعيّة الخيريّة! أو أنّني مثلاً لا أبارك أعمالها! لا، بالعكس، أنا أشجّع الجمعيّة الخيريّة والعملَ الخيري سواءً كان في الجمعيّة الخيريّة أو في غيرها، وأي عاقل لا يشجّع عملَ الخير؟! يعني: هذا لا يختصّ بي أنا، لا يوجد عاقلٌ لا يشجّع ولا يحفز على عمل الخير وعلى إنتاج الخير ولا يوجد عاقلٌ لا في القطيف ولا في غيرها يتحفظ على أعمال الخير وعلى إنتاج الخير، هذا غير ممكن يعني، العمل الخيري مباركٌ، والعمل الخيري يُشَجّع له ويُحَفز عليه، هذه الجهة غير واردة إطلاقًا.
إنّما الغرض كان هو التنبيه على بعض النقاط الشرعيّة ليست إلا، والأحكام الشرعيّة لا تختصّ بالصّلاة والصّوم، يعني: إمّا أن ننبّه على أحكام الصّلاة أو أحكام الصّوم وإلا ما نبّهنا! الأحكام الشرعيّة موجودة في الصّلاة وفي الصّوم وفي البنك وفي الجمعيّة الخيريّة وفي البيت ومع الزوجة ومع الأولاد.. الإنسان يحتاج إلى الحكم الشّرعي الابتلائي في أكثر مجالاته وفي أكثر حركاته وسكناته، والمسجد وظيفته تنبيه الناس على الأحكام الشّرعيّة الابتلائيّة التي يتعرّضون لها غالبًا من خلال أعمالهم وفي أيّ مجال كانوا، هذه هي وظيفة المسجد، لذلك أنا نبّهتُ على بعض النقاط التي ترتبط بالحكم الشّرعي الابتلائي، ولا يختصّ هذا بالجمعيّة الخيريّة في القطيف، لماذا أنت ذهبتَ مباشرة إلى الجمعيّة الخيريّة في القطيف؟! توجد جمعيّات خيريّة كثيرة، كان الكلام حول الجمعيّات الخيريّة، والجمعيّة الخيريّة لا تختصّ بالجمعيّة الخيريّة بالقطيف، في جميع المناطق توجد جمعيّات خيريّة، في جميع المناطق توجد نوادٍ رياضيّة، في جميع المناطق مثلاً توجد حملات خيريّة، كلامي كان عامًا للجمعيّات، للحملات الخيريّة، للنوادي، للجان كافل اليتيم، في جميع الأماكن، كلامي لم يكن خاصًا بجمعيّةٍ خاصّةٍ ولا بنقطةٍ خاصّةٍ.
لذلك أقول: أنا عندما طرحتُ هذا الموضوع أثمر الطرحَ في أنّ كثيرًا من الجمعيات تنبّهوا إلى بعض النقاط الشرعيّة التي يجب ملاحظتها، وبعضهم سعى في تفادي بعض المحاذير الشرعيّة، كجمعيّة القطيف الخيريّة، جمعيّة القطيف الخيريّة سعت في أن تُدْرِجَ سائرَ أعمالها وأن تُدْرِجَ سائرَ حركاتها تحت الضّوابط الشرعيّة، سعت ووُفِقَت إلى ذلك، ولجنة كافل اليتيم أيضًا الموجودة في الجمعيّة الخيريّة سعت إلى أن تكون أعمالها تحت الضّوابط الشرعيّة، والحمد لله وفقت إلى ذلك، الآن الجمعيّة الخيريّة في القطيف ولجنة كافل اليتيم استطاعت أن تضبط أعمالها وخطواتها تحت الضوابط الشرعيّة خالية من الإشكال وخالية من المحذور، وأنا أهيب بالجمعيّات الخيريّة الأخرى في المناطق الأخرى أن تحذو حذوَ هذه الجمعيّة، ولعلها حذت وأنا لا أدري، لعله، أنا لا أستطيع أن أحكم بالغيب، لعلّ الجمعيّات الأخرى أيضًا أصّلت بعضَ الأمور تحت الضوابط الشرعيّة وتحت الإطار الشّرعي.
الذي نريد أن نقول: هذا المال الذي أنا أدفعه إلى الجمعيّة الخيريّة سواءً كان تبرعًا أو كان صدقة، أنا أريد أن أركّز على قضيّة الصّدقة، هذا المال الذي أدفعه للجمعيّة بعنوان التبرّع، المراجع الأعلام يقولون: لتقصد به أن يعودَ هذا المال على الجهات الخيريّة التي تديرها الجمعيّة، يعني: أنا عندما أعطي المالَ للجمعيّة أعطيه بقصد أن يعود للجهات الخيريّة «الفقراء، الأيتام، المقابر، مغتسلات الموتى..» كلّ جهات الخير التي تقوم الجمعيّة على الإشراف عليها والصّرف عليها، إذا قصدتُ بهذا المال الذي أعطيته للجمعيّة الخيريّة أن يعود للجهات الخيريّة، لم أخصّص عنوانًا، عنوان فقراء، أو عنوان أيتام أو عنوان مثلاً جهةٍ خاصّةٍ، لا، لجهات الخير، إذا قصدتُ به جهة الخير مطلقًا، جهة الخير التي تقوم الجمعيّة على الإشراف عليها، بمجرّد أن تقبض الجمعيّة هذا المالَ مني يخرج المالُ عن ملكي، فلا يجب عليّ تخميسه، لو مرّت السّنة لا يجب عليّ تخميسه، ولو مات المتبرّع لا يرجع المالُ إلى ورثته، لأنّ المال أخرجه من ملكه إلى الجهة الخيريّة العامّة التي تشمل هذه الأعمال كلها، والجمعيّة إذا قبضت منه هذا المال للجهة الخيريّة العامّة خرج عنه ملكه بهذا القبض، هذا بالنسبة للمال المتبرّع به واضحٌ.
نحن كان إشكالنا في مال الصّدقة، مال الصّدقة يعتمد على أنّ الناس ماذا تفهم الصّدقة، نحن للتو تكلمنا عن معنى الصّدقة، إذا هذا يفهم أنّ الصّدقة لشخص الفقير، يعني: أنا عندما أعطي الجمعيّة خمسين ريالاً أقصد وصولها لشخص الفقير، هنا تأتي المشكلة بالنسبة لي وبالنسبة للجمعيّة، إذا أنا أقصد أن يصل هذا المال لشخص الفقير فهذا المال لا يخرج عن ملكي إلا إذا قبضه الفقيرُ أو قبضه الوكيلُ عن الفقير، فالجمعيّة تضطر أن تأخذ وكالة عن الفقير حتى تقبض المالَ بالوكالة عن الفقير ويخرج المالُ عن ملكك بقبض الجمعيّة، وفعلاً الجمعيّة الخيريّة قامت بهذا «بأخذ الوكالة عن الفقراء في قبض الصّدقات عنهم».
بدل أن تدخل أنت في الإشكال الجمعيّة «تعطي مالاً للجمعيّة ويبقى على ملكك والجمعيّة تتورّط به ولابدّ أن تأخذ وكالة عن الفقير حتى يرتفع المحذور» أنت أعطي الصّدقة لا بقصد شخص الفقير بل بقصد جهة الخير، وهي صدقة على كلّ حال، الصّدقة لا تنحصر في إعطاء المال لشخص الفقير، كلّ مال تعطيه الجمعيّة بغرض أن يعود لجهات الخير فهو صدقة يدفع البلاءَ ويكثر في الرّزق ويطيل في العمر وما إلى ذلك، لماذا تصرّ على أن تقصد بهذا المال أن تعطيه حتى يصل إلى شخص الفقير فلا يخرج عن ملكك وتتورّط بخمسه والجمعيّة مضطرة إلى أن تأخذ الوكالة من شخص الفقير حتى تتصرّف في هذا المال؟! لا، أنت من البداية المال صدقة، اقصد بهذه الصّدقة التي تعطيها للجمعيّة أن يعود هذا المالُ لجهات الخير العامّة، فإذا قصدت ذلك فالمال صدقة، آثار الصّدقة تحصل، في نفس الوقت يخرج عن ملكك بمجرّد قبض الجمعيّة له، فلا تدخل أنت في محذور شرعي، ولا تدخل الجمعيّة في محذور شرعي آخر، وفقنا الله وإياكم للعمل الصّالح وللعمل الصّادق وجعلنا ممّن يحسن العملَ، اللهم وفقنا لمرضاتك، وجنبنا معاصيك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم ارحم علماءنا الماضين، خصوصًا شيخنا المقدّس الشّيخ منصور البيات، اللهم وارحم جميعَ العلماء الماضين واحفظ الباقين، ولأرواح من مضى نقرأ سورة الفاتحة قبلها الصّلوات.
اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ
[2] التوبة: 105.
[3] الأعراف: 54.
[4] العنكبوت: 45.
اترك تعليقاً