|
المكان: | مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف |
المدة: | 00:28:36 |
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [1]
صدق الله العليّ العظيم
الآية المباركة تحث على التفقه في الدّين، التفقه هو طلب الفهم، التفقه في الدّين بمعنى أن يطلب الإنسان فهمَ معارف الدّين وأحكامه وتشريعاته، الصّادق عليه السّلام ورد عنه أنّه قال: ”تفقهوا في الدّين وإلا فأنتم أعراب“ وورد عنه عليه السّلام أنّه قال: ”وددتُ لو أنّي ضربتُ أصحابي بالسّياط حتى يتفقهوا في الدّين“ وورد عنه عليه السّلام أنّه قال: ”من لم يتفقه في دينه ارتطم في الرّدى ثم ارتطم“، التفقه في الدّين مطلوبٌ من كلّ شخص يعتقد بالدّين ويعتقد بأنّ له قانونًا سماويًا عليه أن يطبّقه في حياته وأعماله وحركاته، المشكلة الموجودة في مجتمعاتنا كيفية التعامل مع الحكم الشّرعي، كيفية التعامل مع مسألة التفقه في الدّين، التعامل مع المسألة الشّرعيّة أو التعامل مع التفقه في الدّين بين نظرتين:
1 – بين النظرة الحرفيّة.
2 – وبين النظرة التهميشيّة.
يعني: المجتمع يتأرجح في تعامله مع الحكم الشّرعي بين هاتين النظرتين: بين النظرة الحرفيّة للحكم الشّرعي، وبين النظرة التهميشيّة للحكم الشّرعي، وكلا النظرتين خاطئتان، أوضّح ذلك.
1 – النظرة الحرفيّة للحكم الشّرعي:
بعضهم عندما يتلقى الحكم الشّرعي يفصل الحكمَ الشّرعي عن روحه وهدفه، يعني: يتعامل مع الحكم الشّرعي معاملة حرفيّة، لا يتعامل مع الحكم الشّرعي من خلال روح الحكم ومن خلال هدف الحكم، الأحكام الشّرعيّة ليست مجرّد قوانين مرسومة في لوح التّشريع، القوانين الشّرعيّة وراءها أهداف سامية، وراءها ملاكات سامية قصد المشرّعُ الحكيمُ تبارك وتعالى الوصولَ إلى تلك الأهداف السّامية من خلال هذه التّشريعات، التّعامل مع الحكم الشّرعي منفصلاً عن روحه وعن أهداف تعاملٌ خطيرٌ يؤدّي بالنتيجة إلى تعطيل الأهداف الإلهيّة وإلى تعطيل الأهداف السّماويّة، مثلاً أضرب أمثلة من مجتمعاتنا موجودة:
1/ الحكم الشّرعي مثلاً عندما يقول: يجب عليك النهي عن المنكر إذا احتملتَ التأثير، يعني: لو وجدتَ صديقك أو أخاك يعمل منكرًا من المنكرات، يستمع الأغنية مثلاً، يعقّ والديه مثلاً، إذا رأيته يعمل منكرًا، إذا احتملت أنّ كلامك يؤثر فيه ولو بالتدريج يجب عليك نهيه، إذا أنت قاطعٌ متيقنٌ أنّ كلامك لا يؤثر شيئًا لا بالفعل ولا بالتدريج، كلامك لا يؤثر شيئًا في هذا الإنسان، هو مصرٌ على ارتكابه للمنكر، لا يجب عليك نهيه عن المنكر، هذه هي المسألة الشّرعيّة، لكن كيف نتعامل معها؟
ربّما شخصٌ يأتي ويقول: أنا وجدتُ هذا صديقي مصرًا على المنكر فأنا لا أحتمل أنّ كلامي يؤثر فيه إذن لا يجب عليّ نهيه عن المنكر! هذا تعاملٌ حرفيٌ مع المسألة الشّرعيّة، يعني: هذه نظرة حرفيّة للحكم الشّرعي، أمّا لو نظرنا للحكم الشّرعي نظرة روحيّة، يعني: حاولنا التعامل مع الحكم من خلال روحه ومن خلال هدفه، الشّارع الحكيم لماذا شرّع النهيَ عن المنكر؟ لماذا جعل من قوانينه النهي عن المنكر؟ لماذا؟ لسدّ المنكرات، لإشاعة التديّن والإيمان، ولسدّ أبواب المنكر والمحرّمات في جميع أنحاء المجتمع، هذا هو الهدف، طيّب إذا أنا درست الاحتمالَ من زاويةٍ شخصيّةٍ: بما أنّني لا أحتمل التأثير إذن فلا يجب عليّ النهي، لو درستُ هذا الاحتمالَ من زوايا أخرى: أنا قد لا أؤثر لكنني لو كلمتُ أخاه ربّما يؤثر عليه، لكنني لو كلمتُ صديقه الآخر ربّما يؤثر عليه، ربّما لا أؤثر ولا يؤثر أخوه لكنّ القول الجماعي – أنا وأخوه وصديقه وأبوه – ربّما نؤثر عليه، إذن ندرس احتمالَ التأثير من عدّة زوايا، لا أنّنا نحصر دراسة احتمال التأثير من الزاوية الشّخصيّة: بما أنني لا أحتمل التأثير إذن لا يجب عليّ النهي عن المنكر، احتمال التأثير إذا قرأناه بهذه القراءة الحرفيّة فسوف يتعطل هذا الحكم الشّرعي؛ لأنّ كثيرًا من الحالات لا نحتمل التأثيرَ فيها، خصوصًا في وقت الإصرار على المنكر وفي وقت ممارسة المنكر قد يكون هذا عنده قطعٌ وإصرارٌ على ألا يتنازل ولا يتراجع عن المنكر.
إذن النظرة الرّوحيّة للحكم الشّرعي: بما أنّ النهي عن المنكر له روحٌ، ليس جسدًا بلا روح، ليس شكلاً بلا مضمون، ليس لوحة بلا معنى، الحكم الشّرعي له روحٌ، له هدفٌ، هدف هذا الحكم سدّ باب المنكرات، إذن فبالنتيجة: لابدّ أن ندرس احتمالَ التأثير من عدّة زوايا، أنا لا أؤثر، الآخر يؤثر، الفرد لا يؤثر، المجتمع يؤثر، إذا كانت الدّراسة الشّخصيّة لا تؤثر فالدّراسة الجّمعيّة والنّفسيّة تؤثر، ربّما هذا الشّخص من أوّل مرّة أنا أراه مصرًا على المنكر كلامي لا يؤثر فيه، لكنني لو درستُ حالته النفسيّة: لماذا مارس المنكرَ؟ لماذا هو يصرّ على المنكر؟ ما هي دوافعه؟.. المنكر مرضٌ كسائر الأمراض، كما أنّ الطبيب يدرس المرضَ أيضًا نحن ندرس المنكرَ، هذا المريض عندما يأتي للطبيب ويعرض عليه مرضه ويسأله الطبيبُ عن عوارض هذا المرض ثم يشخّص الطبيبُ حالته نتيجة دراسة مرضه، المنكر مرضٌ، هذا الذي يفعل المنكر مريضٌ، المريض يُعَالَج، علاجه بعد الدّراسة: لماذا فعل المنكر؟ ما هي الدّوافع؟ ما هو دوافع بيئته لِأنْ يصنع المنكرَ ولِأنْ يفعل المنكر؟ هل هناك دوافع أسريّة؟ هل هناك دوافع مزاجيّة؟ هل هناك دوافع نفسيّة؟.. ربّما لو درستُ الحالة لتوصّلتُ إلى احتمال التأثير.
إذن قراءة الحكمَ الشّرعي قراءة حرفيّة مع قطع النظر عن قراءة الحكم الشّرعي من خلال روحه ومن خلال هدفه ربّما يعطل الحكمَ الشّرعي عن التطبيق ويُبْقِي الحكمَ الشّرعي مجرّد قانون مرسوم في لوح التّشريع من دون أن يكون له فاعليّة ومن دون أن يكون له محركيّة في وسط المجتمع وفي عمل الفرد نفسه.
2/ مثلاً مثال آخر: كثيرٌ منا مثلاً يُتْعِبُ ويُجْهِدُ نفسه في إتقان صلاته، كيف أصلي صلاة متقنة؟ يُجْهِدُ نفسه مثلاً في أن يُخْرِجَ الحرفَ من مخرجه﴿ولا الضالين﴾ مثلاً، يُجْهِدُ نفسه مثلاً في أن يُفْصِحَ الحروفَ إفصاحًا مُبِينًا مثلاً، ﴿إنا أنزلناه﴾ مثلاً ﴿في ليلة القدر﴾ مثلاً هكذا، يُتْعِبُ نفسه في أن تكون قراءته قراءة متقنة، في أن تكون الحروف واضحة في صلاته، هذا شيءٌ جيّدٌ، الحكم الشّرعي يقول: يجب أن تكون القراءة قراءة صحيحة لا أن تكون القراءة قراءة ملحونة، هذا شكلٌ جيّدٌ، هذا اهتمامٌ جيّدٌ، لكنّ هذا الاهتمام الذي أنا أعطيه لقراءة الفاتحة أو أعطيه لقراءة السّورة هل أعطي بعضَ هذا الاهتمام للتفاعل مع روح الصّلاة ومع هدف الصّلاة؟! الصّلاة ليست قراءة فقط، الصّلاة ليست ذكرًا فقط، ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [2] أنا عندما أتعامل مع الحكم الشّرعي معاملة حرفيّة من أجل أن أؤدّي عملاً صحيحًا يُسْقِط عني العقاب، سوف أصلي صلاة متقنة من حيث الرّكوع، من حيث السّجود، من حيث القراءة، المهم أن أؤدّي صلاة صحيحة تُسْقِط عني العقوبة.
لكن عندما أتعامل مع الحكم الشّرعي معاملة روحيّة: الصّلاة لماذا شرّعت؟ ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ هذه القراءة التي أقرؤها في صلاتي بشكل متقن ويقول لي الحكم الفقهي: اقرأها قراءة متقنة، لماذا؟ لأنني إذا قرأتها قراءة متقنة نفس القراءة المتقنة توجب تفاعلي مع مضامين القراءة وتوجب تفاعلي مع آفاق القراءة وآفاق القرآن، أنا عندما أنظر للقراءة نظرة حرفيّة سوف تبقى صلاتي شكلاً لطيفًا وثوبًا جميلاً، أمّا هل وراء هذا الثوب الجميل وهذا الشكل البديع مضمونٌ – روحٌ تتحرك في جوانحي وجوارحي – أم لا؟!
إذن عليّ كما أتقن القراءة فلأتفاعل مع أجواء الصّلاة، فلأتفاعل مع أجواء الدّعاء، فلأتفاعل مع الذكر الذي أقرؤه وأقوله، فلأستشعر عظمة الله ورهبانيّته والخوف منه من خلال قراءتي ومن خلال الحروف التي أقرؤها على لساني، فلأتعامل مع الحكم الشّرعي معاملة روحيّة لا معاملة حرفيّة فقط.
3/ الآن مثلاً: يستحبّ في القنوط، يستحبّ لك في القنوط أن تمدّ يديك بشكل السّائل الذي يمدّ يديه، هذا السّائل الذي يطلب المساعدة من الآخرين كيف يمدّ يديه إلى الآخرين؟ أنت يستحب لك إذا أردت أن تقنط أن تمدّ يديك كالسّائل، قد الإنسان يأتي ويركّز على الحكم الشّرعي فقط: كيف أمدّ يدي كالسّائل؟! تعالوا علموني كيف يد السّائل تصير؟! كيف يضمّ أصابعه؟! كيف يجعل هذه إلى جنب هذه؟! كيف يحني رقبته؟!… هذا تعلمٌ شكليٌ، هذه قراءة حرفيّة للحكم الشّرعي، اقرأ الحكم الشّرعي من خلال روحه ومن خلال هدفه، أنت تمدّ يديك في الصّلاة كما يمدّ السّائل يديه، يعني: استشعر وأنت في قنوطك أنّك سائلٌ ضعيفٌ واقفٌ أمام البارئ العظيم تبارك وتعالى، هذا الشكل الذي أنا أصنعه في الصّلاة ليكن مضمونًا يتحرّك في داخلي، هذا اللون الذي أنا أصنعه في الصّلاة ليكن مشاعر مختلجة في نفسي وليس مجرّد شكل.
إذن التعامل مع الحكم الشّرعي معاملة حرفيّة من دون محاولة الاستفادة والاستنارة من روح الحكم الشّرعي وهدف الحكم الشّرعي سوف يبقي الأحكام الشّرعيّة بلا معنى وبلا هدف وبلا روح، سوف يجعلنا متديّنين تديّنًا شكليًا لا تديّنًا واقعيًا «لا تديّنًا حقيقيًا»، هذه هي النظرة الأولى، أنا لا أريد أن أسهب في الكلام ولكن بمقدار التنبيه أنبّه.
النظرة الأخرى هي: النظرة التهميشيّة.
كثيرٌ من الإخوة يصرّ على العمل «العمل، المهم أن نعمل للمجتمع، المهم أن نؤسّس مشاريع تخدم المجتمع، المهم أن نعمل ونوجِدَ ما ينفع المجتمع، لا نجلس قاعدين، لا نصر متقاعسين، لا نكن متراجعين، المهمّ هو العمل المثمِر، المهمّ هو العمل الذي يخدم المجتمع»، هذا شيءٌ جيّدٌ، أطروحة جيّدة، ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [3] ، العمل الذي يخدم المجتمع مطلوبٌ ”أنفع الناس من نفع الناس“ الذي ينفع الناس ويخدم الناس يكون قد عَمِلَ عملاً جيّدًا، ولكنّ العمل في إطاره الفقهي، لا يصحّ الاسترسال في العمل من دون إطار فقهي، هذه النظرة التهميشيّة للحكم الشّرعي كأنّ الحكم الشّرعي متقوقعٌ في المحراب ومتقوقعٌ في السّبحة التي أمدّها بين أصابعي! لا، الحكم الشّرعي في كلّ حقل وفي كلّ مجال، الحكم الشّرعي معك في وظيفتك، في البنك الذي تتعامل معه، في مسيرتك، في أسرتك، الحكم الشّرعي معك أينما كنت، ليس المهمّ هو الاسترسال والانسياب وراء العمل الاجتماعي مع عدم المبالاة بقيود الأحكام الشّرعيّة، مع عدم تأطير هذا العمل من خلال الإطار الفقهي الذي يضبط العمل ويحكمه إحكامًا شرعيًا.
مثلاً أضرب لكم مثالاً «أنا لا أريد إثارة شيءٍ لكنّه مجرّد مثال»: الجمعيّة الخيريّة مثلاً، مؤسسة اجتماعيّة نافعة ومثمرة، هذا العمل كيف نصبّه في الإطار الفقهي؟ هذا العمل لا يخرج عن الإطار الفقهي، ليس عملاً منفصلاً عن الإطار الفقهي، يجب أن يكون بحدود الحكم الشّرعي وليس خارجًا عن حدود الحكم الشّرعي، الآن أنا أبيّن المسألة الفقهيّة وأنتم تنبّهوا لها: فقهاؤنا يقولون:
1. يوجد شخصٌ حقيقيٌ.
2. يوجد شخصٌ حقوقيٌ.
شخصٌ حقيقيٌ مثلي أنا، مثلك أنت، تملك، تبيع وتشتري، تبيع مثلاً ثوبًا، تشتري مثلاً تلفزيونًا، تشتري بيتًا، هذا ملكٌ يرجع إلى شخص معيّن فلان بن فلان.
ويوجد شخصٌ حقوقي، الشّخص الحقوقي هو العنوان، عنوان المسجد، هذا عنوان، عنوان الحسينيّة، هذا عنوان، عنوان الجمعيّة الخيريّة، الجمعيّة الخيريّة ليست شخصًا، بل عنوان، عنوان البنك، هذا عنوان، عنوان مثلاً الحملة «حملة الحجّ»، هذا عنوان، هذه ليست أشخاصًا، بل عناوين، كيف العنوان يملك؟ أنا الشخص أستطيع أن أملك بالبيع والشراء والهبة والإجارة وما أشبه ذلك من المعاملات، أمّا العنوان كيف يملك؟ عنوان الجمعيّة كيف يملك؟ عنوان مثلاً المسجد كيف يملك؟ عنوان الحسينيّة مثلاً كيف يملك؟ كيف يملك العنوان؟
العنوان نفسه على قسمين:
1» عنوانٌ له ممثلٌ حسيٌ.
2» وعنوانٌ ليس له ممثلٌ حسّيٌ.
مثلاً: عنوان المسجد له ممثلٌ حسّيٌ هو هذا المجسّد، هذه الهيأة، يأتي شخصٌ، يقف الأرض مسجدًا، يقول: وقفتُ هذه الأرض مسجدًا، ثم يُبْنَى المكان، هذا ممثلٌ حسيٌ ومصداقٌ حسيٌ لعنوان المسجد، طبعًا هذا الممثل الحسّي له وليٌ شرعيٌ، الشّخص الذي يكون وليًا على المسجد شرعًا، أيّ شيءٍ يقبضه الوليّ الشّرعي على هذا العنوان يُعْتَبَرُ ملكًا للعنوان، مثلاً: عندما أنا أجيء وأعطي الوليّ الشّرعي مئة ريال، أقول له: هذه المئة ريال للمسجد، عندما يقبضها الوليُ الشّرعيُ يعتبر العنوان قبض، فصار العنوان مالكًا لهذه المئة نتيجة القبض قبض الولي ولي هذا العنوان.
أمّا إذا افترضنا عنوان ليس له مصداقٌ حسيٌ، مثل ماذا؟ مثل عنوان الجمعيّة الخيريّة، أو لجنة عنوان لجنة كافل اليتيم، أين مصداقه الحسّي؟ أين؟! أين مصداقه الحسّي؟ المسجد هذا مصداقه، الحسينيّة هذا مصداقها، لجنة كافل اليتيم أين مصداقها الحسّي؟ هم جماعة فقط، جماعة مجتمعون في مكان يقولون: نحن أعضاء لجنة كافل اليتيم، نحن أعضاء الجمعيّة، نحن أعضاء الحملة مثلاً، هؤلاء الأعضاء ليسوا هم المصداق للعنوان، الأعضاء يتبدّلون، يذهب هؤلاء الأعضاء فينتخب غيرهم، مثلاً يعتذر هؤلاء الأعضاء فيأتي مكانهم غيرهم، إذن هؤلاء الأعضاء ليسوا المصداق لهذا العنوان «عنوان لجنة كافل اليتيم أو عنوان المسجد»، طيّب إذا لم يكن هؤلاء مصداقًا حسّيًا للعنوان كيف يملك هذا العنوان؟ بأيّ طريق؟
أنا على نحوين:
1/ تارة آتي للجمعيّة الخيريّة، أقول: خذوا هذه المئة ريال وسلّموها للفقير، أو آتي مثلاً للجنة كافل اليتيم، بشكل أوضح: آتي للجنة كافل اليتيم وأقول: خذوا هذه المئة ريال مني وسلموها لليتيم.
1 – تارة هؤلاء الأعضاء عندهم وكالة شرعيّة عن اليتيم، يعني: هؤلاء الأعضاء ذهبوا إلى وليّ اليتيم، مثلاً: الوصيّ عليه، أو جدّه لأبيه مثلاً، أو الحاكم الشّرعي إذا لم يكن عنده وليٌ، الأم ليست وليًا، الأم لا تكون وليًا، إمّا الوصيّ على اليتيم أو جدّه لأبيه أو عمّه لأبيه أو الحاكم الشّرعي، افترض أنا ذهبت إلى وليّ اليتيم وأخذتُ منه وكالة، قلتُ: أنا أقبض عنكم، أيّ مال يرد إليكم فوكلوني في القبض عنكم، هذا صحيحٌ، أنت عندما تأتي إلى لجنة كافل اليتيم وتدفع مئة ريال أنا أقبض المئة ريال بوكالتي عن وليّ اليتيم فيُعْتَبَرُ قبضي قبضًا لليتيم، دخل المالُ في ملك اليتيم أوتوماتيكيًا بقبضي أنا، انتهى الإشكال.
2 – أمّا إذا أنت الذي قاعد في لجنة كافل اليتيم ليس عندك وكالة عن اليتيم، ليس عندك وكالة عن الأيتام، أنت الآن استلمت المالَ، استلمت المالَ بأيّ عنوان؟ أنا الآن عندما أعطيتك مئة ريال وقلت لك: اصرفها على اليتيم، استلمتها بأيّ عنوان؟ طبعًا بعنوان أنّك وكيلٌ عني، أنت وكيلٌ عني أنْ تصرف هذه الأموال على الأيتام، لو لم تصرفها فإنّ المال لا يزال على ملكي أنا، لا يخرج، ما لم يتصرف الوكيلُ فالمال باقٍ على ملك الموكِل، مازال المالُ على ملكي أنا، لم يخرج من عندي، حتى لو كان موجودًا في البنك، حتى لو كان موجودًا في صندوق لجنة كافل اليتيم، مازال المالُ على مِلك المتبرِع، ما خرج عن ملكه، افترض هذا المتبرّع مات، مات في أثناء السّنة، هذا المال يرجع للورثة، لابدّ للجنة كافل اليتيم أن تستأذن ورثته لأنّ هذا المال ملكٌ لهم، لم يخرج عن ملكه، بمجرّد إعطائه للجمعيّة، بمجرّد إعطائه للجنة كافل اليتيم ما خرج المال عن ملكه، مازال المالُ باقيًا على ملكه بحيث لو جاءت سنته الخمسيّة لوجب عليه تخميس هذا المال الذي أعطاه للجنة كافل اليتيم، لو مات كان هذا المال ملكًا لورثته، يجب أن يُدْفَعَ للورثة أو تُسْتَأذن الورثة، المال ما خرج عن ملكه.
2/ أمّا يأتي شخصٌ يقول: لا، – النحو الثاني – أنا أعطي هذا المال للجنة، أعطي هذا المال لا بالوكالة، أنا لا أعتبركم وكلاء عني، لا، أنا أملّك هذا المال لعنوان لجنة كافل اليتيم، أو أملّك هذا المال لعنوان الجمعيّة الخيريّة، مثلما أملّك المال لعنوان المسجد أنا أملّك المالَ أيضًا لعنوان الجمعيّة الخيريّة، لعنوان لجنة كافل اليتيم، نقول: ملك العنوان، متى يملك العنوان؟ إذا قبض المالَ وليُ العنوان، من هو الولي على هذا العنوان؟! العنوان لا يملك بالهواء، العنوان يملك إذا قبض هذا المالَ الوليُ على هذا العنوان، عنوان الجمعيّة، عنوان اللجنة، عنوان الحملة، أيّ عنوان آخر، عنوان الصّندوق الخيري، أيّ عنوان آخر، إذا قبضه الوليُ على هذا العنوان مثل وليّ المسجد يدخل المالُ في ملك العنوان، فإذن احتاجت المسألة إلى ولايةٍ شرعيّةٍ على العنوان، لا يكون هكذا مجرّد أنّي مدير منتخب أو أمين صندوق منتخب بمجرّد أن أقبض هذا المال يُعْتَبَرُ العنوان قبض وصار المال ملكًا للعنوان أوتوماتيكيًا! لا، هذا ليس هو الإطار الفقهي.
وأنا لا أريد أن أحكم المسألة، لا، موجود مراجع، اسألوهم، كلّ شخص يسأل مرجعه الذي يرجع إليه في التقليد في هذه المسألة: كيف نملّك العنوان؟ يعني: الآن مثلاً الجمعيّة الخيريّة في بعض الموارد، في بعض الأحيان هذه الأموال تصرفها على غير الفقراء، صح لو لا؟! عندهم اجتماع، عندهم يريدوا أن يشتروا مثلاً أجهزة، عندهم مثلاً يريدوا أن يشتروا أشياء وأغراض، يصرفونها من بعض هذه الأموال، هذه الأموال إذا لم يملكها العنوانُ، إذا لم تدخل تحت ملك العنوان كيف يجوز لهم التصرّف فيها؟! لازالت هذه الأموال على ملك أصحابها، كيف يصحّ التصرّف فيها في شراء هذه الأمور؟!
إذن فلابدّ أن تكون – أردتُ التنبيهَ على هذا – لابدّ أن تكون أعمالنا الخيريّة الاجتماعيّة تحت الإطار الفقهي، تعاملنا مع البنك، الآن كثير معاملات مع البنك، أنواع وأشكال وألوان من المعاملات البنكيّة، يوميًا تُسْتَحْدَثُ معاملات وتستجدّ معاملات، هل أنا أسأل عن هذه المعاملات؟! داخلة تحت الإطار الفقهي أم لا؟! داخلة تحت الحكم الشّرعي أم لا؟!
إذن لا يجب أن نتعامل مع الحكم الشّرعي إمّا معاملة حرفيّة كما هم أصحاب النظرة الأولى أو معاملة تهميشيّة كما هم أصحاب النظرة الثانية، لا، يجب أن يكون للحكم الشّرعي دورٌ في حياتنا ودورٌ في أعمالنا ودورٌ في تصرفاتنا مع ملاحظة روح الحكم الشّرعي في بعض الموارد، طبعًا ليس كلّ حكم شرعي نفهم روحه، إنسان مثلاً: يجب عليك أن تصلي المغربَ ثلاث ركعات، لماذا؟! ما أدرانا نحن لماذا؟! يجب أن تصلي الفجر ركعتين، لماذا ركعتين؟! لماذا ليس أربع؟! هذا حكمٌ شرعيٌ لم تتضح لنا روحه وهدفه، نقصد الأحكام الشرعيّة التي وصلت إلينا أهدافها عن طريق الرّوايات، عن طريق إخبار الشّرع نفسه، الحكم الشّرعي الذي استنطقنا روحه وهدفه لا يحسن منا أن نتعامل معه منفصلاً عن روحه وهدفه، كما لا ننسى أن نؤطر أعمالنا تحت إطار الحكم الشّرعي وتحت إطار الموقف الفقهي، وفقنا الله وإياكم لمرضاته، وجنّبنا معاصيه، وجعلنا من المتقيّدين بالأحكام الشّرعيّة، وثبّتنا الله على ولاية أئمتنا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمالنا يوم نلقاك، وارزقنا حسن العاقبة، وارحم علماءنا الماضين خصوصًا شيخنا المقدّس الشّيخ منصور قدّس الله نفسه الزكية، اللهم ارحمهم رحمة الأبرار، وأسكنهم مع محمّدٍ وآله الأطهار، وإلى أرواحهم وأرواح أموات المؤمنين والمؤمنات الفاتحة تسبقها الصّلوات.
اللهم صلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ
[2] العنكبوت: 45.
[3] التوبة: 105.
اترك تعليقاً