|
المدة: | 00:37:59 |
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾
صدق الله العلي العظيم
دخل ضرار على معاوية بن أبي سفيان، وكان ضرار من أقرب الناس إلى أمير المؤمنين علي ، فقال معاوية: يا ضرار صف لي عليًا، قال: اعفني من ذلك، قال: أبيت عليك إلا أن تصف لي عليًا، والله لا أدعه حتى تصفه لي. قال: إن كنت تريد ذلك فاسمع مني: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلًا، ويحكم عدلًا، لا يطمع القوي في ظلمه، ولا ييأس الضعيف من عدله، كان يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلّب كفيه على ما مضى، كان يعظّم أهل الدين، ويتحبّب إلى المساكين، يجيبنا إذا سألناه، ويدنينا منه إذا أتيناه، وكان مع دنوه منا وعطفه علينا لا نكلمه؛ هيبة له، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، ولقد رأيتُه ليلةً من لياليه، قابضًا على شيبته، قائمًا في محرابه، قائلًا: إليك يا دنيا! غرّي غيري؛ لقد بنتُك ثلاثًا.
في هذه الصفحة التي سجّلها ضرار تحدث ضرار عن أبعاد ثلاثة لشخصية أمير المؤمنين علي : البعد القيادي، والبعد الروحي، والبعد الاجتماعي.
البعد الأول: البعد القيادي.
حينما تحدث عن البعد القيادي: كيف كان علي قائدًا؟ ما هي مقومات الشخصية القيادية لعلي بن أبي طالب؟ هنا يتحدث ضرار ليبيّن لنا أسرارًا من أسرار الشخصية القيادية لعلي : ”كان والله بعيد المدى“ أي أنه يفكّر لأبعد مدى، صاحب بصيرة، كما قال القرآن عن النبي : ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾، صاحب البصيرة من يفكر في المستقبل، صاحب البصيرة من ينظر إلى أبعد مدى، صاحب المصيرة من ينظر إلى العواقب، ”كان والله بعيد المدى“ يفكر في مستقبل الأمة، يفكر في عواقب الأمور. ”شديد القوى“ القرآن الكريم يعبّر عن جبرئيل:﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾، ما المقصود بذلك؟
شدة القوة عبارة عن سيطرة العقل على كل فصائل وحركات وخواطر الإنسان، هل تستطيع أن تصلي خمس دقائق لا تلتفت إلا إلى الله؟! هذا امتحان لشدة القوى، إذا أردت أن تكون شديد القوى صل خمس دقائق لا تفكر إلا في الله، لا تنطق بكلمة إلا وتقصد بها الله، لا تقوم بفعل إلا وتقصد به الله، خمس دقائق احصر فكرك، واحصر نفسك، واحصر خواطرك، واحصر انفعالاتك في الله عز وجل، ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، هل تستطيع أن تقوم بهذا التدريب العملي؟ تصلي خمس دقائق، كل كلمة تنطقها تتأمل في معناها، كل فعل تقوم به تتأمل في مداليله ومضامينه، وتربط صلاتك أذكارها وأفعالها بالله عز وجل، هذه عبارة عن قوة العقل، سيطرة العقل على الفكر، على النفس، على الانفعالات، على الخواطر، سيطرة العقل على كل حياتك هي عبارة عن شدة القوة.
أمير المؤمنين علي العقل هو المسيطر على أفكاره وأعماله وأقواله وكل تفاصيل حياته، ولأنه شديد القوى، ذو إرادة حازمة، ذو عزم ثابت، لا يلين، ولا ينخذل، لأنه كذلك لذلك عقّبه بقوله: ”يقول فصلًا ويحكم عدلًا“، لأنه شديد القوى يقول فصلًا ويحكم عدلًا، لا يخرج من شفتيه إلا الحق، ولا يسير إلا على طبق الحق، وكما قال الرسول : ”علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار“، بل هو الحق ، يقول فصلًا ويحكم عدلًا، هو مظهر العدالة، هو العدالة التي تتجسّد على الأرض، لا يداري قريبًا، ولا يداري صديقًا ولا يخاف بعيدًا، يمشي على طريق الحق.
لقد جاءني أخي عقيل، واستماحني صاعًا من بركم، يريد صاعًا أكثر من المعتاد الذي أعطيه لبقية الناس، وهو أخي، ومعه صبيته، ولقد سوّدت وجوههم كأنما سوّدت بالعظلم من شدة الفقر، فأحميت له حديدةً وأدنيتها منه، ففزع منها، فقلتُ: ثكلتك الثواكل يا عقيل! أتئن من حديدةٍ أوقدها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نارٍ سجّرها جبّارها بغضبه؟!.. عليٌ مظهر العدالة، يقول فصلًا ويحكم عدلًا.
”لا يطمع القوي في ظلمه“ لا القوي يحتمل أن عليًا يحيد يومًا عن الحق، ”ولا ييأس الضعيف من عدله“، ما أعظم الإنسان الذي يمدحه الصديق والعدو، المحب والمبغض، ما أعظم الإنسان عندما تتفق كلمة أعدائه وكلمة محبيه، كلمة مبغضيه وكلمة المقربين منه، تتفق أنه إنسان أمين، أنه إنسان صادق، أنه إنسان لا يميل لا إلى اليمين ولا إلى الشمال، ”لا ييأس الضعيف من عدله، ولا يطمه القوي في ظلمه“، الجميع متفق على أن هذا لا يحيد عن الحق أبدًا.
السيد محسن الأمين «رحمه الله» قبل خمسين سنة أو أكثر، قبل ستين سنة، جاء إلى دمشق، وكانت دمشق أمويةً محضةً، وكان التشيع في دمشق يعني خطًا أحمر، يعني الخطر كله، فدخل السيد الأمين إلى دمشق، وأقام فيها دعائم للتشيع، مدارس، مساجد، حسينيات، وقام بتربية أجيال من المؤمنين على التشيع الفكري والروحي والسلوكي، وكان عطوفًا على أهل السنة والجماعة، قريبًا منهم، عطوفًا عليهم، يعاملهم معاملة أبوية، لا من باب التنازل عن عقيدته أو مبادئه أو دينه، بل من باب الامتثال والاحتذاء بأحاديث الأئمة الطاهرين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين»: ”كونوا زينًا لنا ولا تكونوا شينًا علينا“.
”إن الرجل إذا كان في القبيلة كان زينها، أصدق الناس، وأورع الصدق، إن الرجل منكم إذا صدق في حديثه، وورع في دينه، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري“، الجعفري صاحب الخلق، القريب والبعيد، الكافر والمسلم، يقول: هذا جعفري، جعفري يعني صاحب خلق حسن، صاحب أمانة في عمله، يؤدي وظيفته بإتقان، الجعفري من يحبه ويبغضه يمدحه أنه صاحب أمانة، يؤدي عمله بإتقان، ”قيل: هذا جعفري، وقيل: هذا أدب جعفر! فيسرني ذلك“.
السيد الأمين المتحبب العطوف، بعد هذا كله عاش سنين في دمشق، وأسّس قاعدةً للتشيع، وأسّس تواصلًا واضحًا بين أبناء المسلمين، ولما رحل السيد الأمين إلى ربه اتفقت الكلمة من مفتي الجمهورية آنذاك الذي صلى على جنازته إلى الراثين إلى المؤبنين إلى إلى إلى إلى… الجميع من عدو، من محب، من صديق، الجميع عبّر عنه أنه كان أمينًا، كان إنسانًا أمينًا، ما أعظم الإنسان أن يمدحه القريب والبعيد بأنه أمين. الجميع يمدح عليًا أنه كان عادلًا، الجميع يمدح عليًا أنه كان حاكمًا عادلًا، لا يلين، ولا يحيف، كان حاكمًا عادلًا، لا يطمع القوي في ظلمه، ولا ييأس الضعيف من عدله. هذا هو البعد القيادي لأمير المؤمنين علي .
البعد الثاني: البعد الروحي.
عليٌ شعلة من حب الله، عليٌ شعلة من الظمأ واللهفة والشوق إلى الله، عليٌ قطعةٌ من المناجاة والعبادة والقرب والخلوص إلى الله، عليٌ ما سمعت الإنسانية بمثله في المناجاة، بمثله في الدعاء، بمثله في الخشوع والخضوع إلى الله، وهنا يصف ضرار هذا البعد الروحي لعلي أمير المؤمنين فيقول: ”يحاسب نفسه إذا خلا“، متى ما خلا استطرد، استقرأ الماضي، ماذا فعلت؟ ماذا صنعت؟ ”يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلّب كفيه على ما مضى“، الفقرة الأولى تعني المحاسبة، والفقرة الثانية تعني المعاتبة، هناك – كما يقول علماء العرفان – خطوات ثلاث: محاسبة ومعاتبة ومحاربة.
عليٌ أراد أن يعلّم الأمة هذا المنهج الروحي العظيم، منهج محاسبة النفس، ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا“، ومنهج معاتبة النفس وتأنيبها، كما قال القرآن الكريم: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾، أنّب نفسك على ما تفعل. والمحاربة: كما كان يقول أمير المؤمنين علي : ”وإنما هي نفسي أروّضها بالتقوى“.
”يحاسب نفسه إذا خلا، ويقلب كفّيه على ما مضى، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته“، كيف يستوحب من الدنيا وزهرتها، والدنيا مليئة بالأعمال الصالحة، والدنيا مليئة بالمشاريع الخيرية، فلماذا علي يستوحش من الدنيا وزهرتها؟ عليٌ الذي ذم الدنيا مدحها أيضًا، هو قال في بعض أحاديثه: ”حب الدنيا رأس كل خطيئة“، وقال في أحاديث أخرى: ”الدنيا مسجد أحباء الله، مصلى أولياء الله، مهبط ملائكة الله“، فذم الدنيا ومدح الدنيا، ولمدحه ولذمه اجتماعٌ وتلاؤمٌ وتوافقٌ. الدنيا هل نتعامل معها على نحو الهدفية، أم نتعامل معها على نحو الوسيلة؟ هل الدنيا هدف أم الدنيا وسيلة؟
من تعامل مع الدنيا على أنها هدفٌ فهذا التعامل هو المذموم، هناك من يخطّط لأن يكون أكبر تاجر، لأن يكون أكبر ثري، لأن تكون عنده أكبر الأرقام، لأن تكون عنده أكبر الألقاب، لأن يكون مشهورًا، لأن يكون معروفًا، إن هذا يسعى وراء الدنيا، إن هذا قد جعل الدنيا هدفًا، وهذا ما يستوحش منه علي بن أبي طالب.
وإن هناك من اتخذ الدنيا وسيلة، الدنيا وسيلة لإعمار الآخرة، كيف تكون الدنيا وسيلة لإعمار الآخرة؟ الهدف ليس أن تصبح مشهورًا معروفًا في أي فن من الفنون ومجال من المجالات، الهدف أن ترسّخ عبادة الله في الأرض، هدفك أنت المسلم أن ترسّخ عبادة الله في الأرض، كيف ترسخ عبادة الله في الأرض؟ من خلال أسرتك، من خلال أحفادك، من خلال أهلك، عندما تكون مصرًا على إحياء العبادة، على ترسيخ العبادة، على ترسيخ الدين، عندما تكون عاملًا من عوامل ترسيخ الدين في الأرض، فأنت حقّقت هدف الدنيا وهدف الآخرة، ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾، استخلاف الله في الأرض يعني تمكين الدين وترسيخه، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾، ترسيخ الدين، نرسخ الدين من خلال أنفسنا، من خلال أبنائنا، من خلال أحفادنا، نصر على عبادة الله، نصر على ولاية أهل بيت محمد ، وهكذا كان علي بن أبي طالب.
هناك بعض الأشخاص يقول: أنا طبيب لا شغل لي بترسيخ الدين، هذه وظيفة العلماء، هذه وظيفة المساجد، ليست وظيفتي أنا أن أرسّخ الدين في الأرض! أنت الطبيب أيضًا مسؤول عن ترسيخ الدين في الأرض، إذا جاءك المريض عليك أن تلقّنه أن الشفاء بيد الله، أنت الطبيب مسؤول عن هذه الكلمة، مسؤول أن تقول للمريض: أيها المريض، الدواء، العلاج، وسيلة إعدادية ليست إلا، لا تتركها، لكنها وسيلة إعدادية، والوسيلة الحقيقية الدعاء، والوسيلة الحقيقية للشفاء التوسل بأهل بيت محمد، ﴿اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾، أنت أيها الطبيب مسؤول عن هذه الكلمة، مع كل مريض، مع كل من يراجعك.
ربما يقول الأستاذ في الرياضيات أو في الفيزياء: أي ربط لي أنا مع الدين؟! هذه وظيفة العلماء والخطباء والمساجد والحسينيات! لا، أنت كأستاذ رياضيات عليك أن تساهم في ترسيخ الدين، وفي ترسيخ العبادة، كيف تساهم في ذلك؟ من خلال الأمثلة، أنا عندما أكون أستاذًا في الفيزياء أو أستاذًا في الرياضيات، أضرب أمثلة على أي مسألة ترتبط بالكون، ترتبط بعالم الفضاء، ترتبط بعالم الذرة، ترتبط بهذا العالم المليء بعجائب قدرة الله، إذا استخدمت هذه الأمثلة الحيوية وربطتها بقدرة الله، وربطتها بعظمة الله، ساهمت في ترسيخ عبادة الله، ساهمت في ترسيخ دين الله «تبارك وتعالى» في الأرض. إذن، أنت مسؤول عن ذلك.
من هنا، من يعتبر الدنيا وسيلةً يرى أن الهدف ترسيخ عبادة الله ودين الله، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، فهو ممن استوحش الدنيا وزهرتها، ”ويأنس بالليل ووحشته“، الليل ليس وقتًا للنوم، هناك كثير يظن أن الليل فقط للنوم، القرآن قال: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا﴾! لكن القرآن قال:﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا﴾، هذا شهر رجب، هذا شهر شعبان، هذا شهر رمضان، هذه شهور التقرّب إلى الله، قم الليل، استغل الفرصة في إحياء ربع ساعة، نصف ساعة من الليل، وأنت بين يدي الله، ”يأنس بالليل ووحشته“ أي: يأنس بلذة المناجاة، يأنس بلذة الدعاء، يأنس بلذة القرب من الله «تبارك وتعالى».
البعد الثالث: البعد الاجتماعي.
كيف كان علي شخصية اجتماعية؟ هل كان شخصية منغلقة؟ هل كان شخصية منعزلة؟ هل كان شخصية غاضبة؟ هل كان شخصية متواضعة، منفتحة، أبوية؟ ضرار يصف لنا البعد الاجتماعي لعلي أنه كان شخصية أبوية، ”يعظّم أهل الدين، ويتحبّب إلى المساكين“، إذا جاء المتدين احترمه ولو كان فقيرًا، ولو كان إنسانًا رث الملابس، لكنه متدين، يعظم أهل الدين لدينهم، فتعظيم أهل الدين تعظيمٌ للدين نفسه، يعظم أهل الدين حتى لو كانوا فقراء، حتى لو كان عقلهم وإدارتهم للأمور بسيطة، عظّمهم تعظيمًا للدين.
”ويتحبب إلى المساكين“، يغدق عليهم رحمته وعطفه وحنوه، ”لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، أو يقودني شجعي إلى تخير الأطعمة، ولعل باليمامة أو الحجاز من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص، أأبيت مبطانًا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى؟! أأقنع من نفسي أن يقال لي: أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر؟!“.
وحسبك داءً أن تبيت ببطنةٍ | وحولك أكبادٌ تحنُّ إلى القدِّ |
يتحبب إلى المساكين، كان بنفسه يزور المساكين، يحمل الطعام على ظهره، يغسلهم، ينظفهم، كان بنفسه يداوي مرضاهم، يداري من كان مصابًا بمرض مزمن معدٍ، علي بنفسه يزورهم ويتفقد أحوالهم. ”يدنينا منه إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه“، خلق التواضع وخلق الرحمة، خلقا محمدٍ رسول الله ، فكان عليٌ مثالًا لرسول الله ، وهو الذي كان يقول: ”ولقد كان يرفع لي كل يوم علمًا من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به، وكنتُ أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، فما وجد لي كذبةً في قوله، ولا خطلة في فعلٍ“.
محمد النبي أخي وصهري وجعفر الذي يضحي ويمسي وبنت محمد سكني وعرسي وسبطا أحمدٍ ولدايَ منها سبقتكمُ إلى الإيمان طرًا وصليتُ الصلاة وكنتُ طفلًا وأوجب لي ولايته عليكم فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ |
وحمزة سيد الشهداء عمي يطير مع الملائكة ابن أمي منوطٌ لحمها بدمي ولحمي فمن منكم له سهمٌ كسهمي على ما كان من فهمي وعلمي صغيرًا ما بلغت أوان حلمي رسول الله يوم غدير خمِ لمن يرد القيامة وهو خصمي |
”يدنينا منه إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع دنوه منا، وحنوه علينا، لا نكلمه؛ هيبةً له، فإذا تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم“، ثم يحكي لنا ضرار صورةً حركيةً، صورةً حسيةً، إذا أردت أن تتحدث عن شخص فمن بديع البيان أن تصفه بصورة حركية حسية، يصف لنا ضرار صورة حسية عن علي كأننا نشاهده من خلال شاشة معينة: ”ولقد رأيتُه ليلةً من لياليه، ماثلًا في محرابه، قابضًا على شيبته، يتململ تململ السليم“ أي: يأن، يتوجّع، يتأوّه، ”وهو يقول: إليك يا دنيا! غرّي غيري، إليَّ تطلعتي، أم إليَّ تشوقتي؟! لقد بِنْتُكِ ثلاثًا لا رجعة لي بعدها؛ فعمركِ قصيرٌ“، مهما عشنا فالعمر قصير، ”وعيشكِ حقيرٌ، وخطركِ كبيرٌ، آهٍ من قلة الزاد!“.
عليٌ يربّينا على أن نقول هذه الكلمات: آهٍ من قلة الزاد! ماذا قدمنا لربنا أصلًا؟! ماذا قدمنا من عمل؟! ماذا قدمنا من عبادة؟! ماذا قدمنا من طاعة؟! ابن العشرين، ابن الثلاثين، ابن الأربعين، يمكن أن يقول: عندي فرصة، وأما من جاوز هذا السن فعليه أن يقول: ”آهٍ من قلة الزاد، وبُعْد الطريق“، طريق طويل، طريق مظلم، طريق مخيف ينتظرنا، علينا أن نتهيأ له، علينا أن نعد أنفسنا لاستقباله، ”ووحشة السفر“، سفر موحش، لا معين لنا، لا عضد لنا، لا من يقف إلى جانبنا، نحن وحدنا سننطلق في هذا السفر الطويل.
﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، سوف نسعى إليه فرادى، نسير إليه ليس علينا إلا سترة بيضاء، نتلقى وجهه بها، لنخاطبه: زادنا قليل، وعملنا قليل، ”يا من يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنّنًا منه ورحمة“، تحنّن علينا، واعطف علينا، أنت ربنا ومولانا، اعطف علينا بالتوبة، اعطف علينا بالعفو، اعطف علينا باللطف، اعطف علينا بالإنابة، عاملنا بعفوك، ولا تعاملنا بعدلك.
”آهٍ من قلة الزاد، وبُعْد الطريق، ووحشة الطريق“، إلا أن الذي يقرّبنا، إلا أن الذي يدنينا، إلا أن الذي يوصلنا به شيءٌ واحدٌ: ولاية علي بن أبي طالب، هذه الكلمة المحبوبة، ولاية علي، أن نكون مع علي في الدنيا ليكون معنا عليٌ في قبرنا، ليكون معنا عليٌ في آخرتنا، لنكون مع علي، مع العقيدة الراسخة، مع رضا علي، مع عبادة علي، مع نصائح علي، ”شيعتنا من اتقى“، ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، ليكون علي معنا، ليكون علي عضدًا لنا.
يا حار همدان من يمت يرني يعرفني طرفه وأعرفه وأنت يا حار إن تمت ترني أسيقك من بارد على ظمأ أقول للنار حين تعرض في الحشر ذريه لا تقربيه إن له |
من مؤمنٍ أو منافقٍ قبلا باسمه والكنى وما فعلا فلا تخف عثرةً ولا زللا تخاله في الحلاوة العسلا ذريه لا تقربي الرجلا حبلًا بحبل الوصي متصلا |
قلنا: ما أعظم الإنسان أن يمدحه القريب والبعيد، الكافر والمسلم. عليٌ اتفقت الإنسانية على مدحه، وأنه كان إنسانًا عادلًا، ما كان إنسانًا برجوماتيًا كمعاوية، ولا كان إنسانًا مخططًا للدنيا، كان عليٌ عادلًا، يقول بولس سلامة:
جلجل الحق في المسيحي لا تقل شيعةٌ هواة علي أنا من يعشق الفضيلة والإلهام فإذا لم يكن عليٌ نبيًا يا سماء اشهدي ويا أرضي قري |
حتى عُدَّ من فرط حبِّه علويًا إن في كل منصف شيعيًا والعدل والخلاق الرضية فلقد كان خلقه نبويًا واخشعي إنني ذكرت عليًا |
اترك تعليقاً