|
المدة: | 01:31:37 |
https://www.youtube.com/watch?v=3Ums_byp3Kc
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾
صدق الله العلي العظيم
انطلاقًا من الآية المباركة نتحدث عن القضية المهدوية، ما هو منشأ القضية المهدوية، أي: الاعتقاد بالمهدي المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف»؟ هنالك فكرة تقول: إن العقيدة المهدوية فكرة اخترعها علماء الإمامية من أجل إضفاء الشرعية على تصرفاتهم الولائية، ومن أجل توضيح هذه الفكرة نقول: الفقيه المجتهد له منصبان: منصب الفتوى، ومنصب الولاية.
منصب الفتوى هو عبارة عن أن يبدي الفقيه نظره في المسائل الشرعية العامة، كأن يقول الفقيه: صلاة الجمعة واجبة، كأن يقول الفقيه: أهل الكتاب طاهرون، كأن يقول الفقيه: من شك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وأتى بركعة احتياط قائمًا، فنظر الفقيه في المسائل الشرعية الكلية يسمى بالفتوى.
والمنصب الثاني للفقيه: منصب الولاية، والمقصود بالولاية: أن للفقيه الولاية على الأنفس والأموال، مثلًا: للفقيه الولاية على الحقوق الشرعية، حيث يشترط إذنه في التصرف في الحقوق الشرعية، الفقيه له الولاية على قبض الزكوات وصرفها في مواردها، هذه ولاية على الأموال. ولاية على الأنفس: أن يكون للفقيه الولاية على أمر الناس بالخروج إلى القتال، أو أمر الناس بالتراجع عن القتال، هذا يسمى ولاية على الأنفس.
إذن، للفقيه منصبان: منصب الفتوى، وهو إبداء نظره في المسائل الشرعية، ومنصب الولاية، وهو نفوذ سلطته على الأموال وعلى النفوس، من جهة الفتوى هل فتوى الفقيه حجة أم لا؟ بالنسبة للمنصب الأول، وهو منصب الفتوى، هل أن فتوى الفقيه حجة للناس، بمعنى أن عمل الناس بهذه الفتوى معذر لهم أمام الله تبارك وتعالى أم لا؟ نعم، عمل الناس بفتوى الفقيه معذر لهم أمام الله، وهذا معنى أن فتوى الفقيه حجة، لماذا؟
لأن السيرة العقلائية قائمة على رجوع الجاهل لعالم، رجوع غير ذوي الاختصاص إلى ذوي الاختصاص، فكما يرجع الناس في أمراضهم الجسدية إلى رأي الطبيب، ويكون عملهم برأي الطبيب معذرًا لهم أمام العقلاء، وكما يكون رجوع الناس إلى المهندس في بناء بيوتهم، في تخطيط أمورهم، حجة، بمعنى أنه معذر لهم، إذن رجوع الناس غير ذوي الاختصاص في المجال الفقهي إلى ذوي الاختصاص – وهم الفقهاء – في هذا المجال، هذا الرجوع تحكمه السيرة العقلائية، أي أن السيرة بين العقلاء في أي مجتمع تقر وتمضي رجوع غير ذوي الاختصاص إلى ذوي الاختصاص، رجوع غير الخبير إلى الخبير.
وهذه السيرة أمضاها الإسلام بعدم الردع عنها، وبمقتضى قوله عز وجل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، وقال تبارك وتعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾. إذن، المنصب الأول واضح، فتوى الفقيه حجة، يعني العمل بها معذر، لأن السيرة العقلائية قامت على رجوع غير ذوي الاختصاص إلى ذوي الاختصاص، هذا واضح.
نأتي إلى المنصب الثاني: منصب الولاية، هل للفقيه سلطنة على نفوس الناس، بحيث إذا أمرهم بالقتال وجب عليهم ذلك؟ هل للفقيه سلطنة على أموال الناس، بحيث إذا أمرهم بدفع ضريبة معينة لزمهم ذلك، أم لا؟ من هنا جاءت الفكرة التي ذكرناها، قيل بأن الفقهاء حتى يثبتوا لأنفسهم الولاية، حتى يضفوا الشرعية على ولايتهم، اخترعوا فكرة المهدي المنتظر، لماذا؟ لأنه يقع السؤال: ما هو الدليل على شرعية ولاية الفقيه؟ لماذا يكون للفقيه السلطنة على النفوس وعلى الأموال؟ ما هو البرهان على شرعية ولايته؟
فيجيب الفقيه حتى يثبت أن له ولاية شرعية، يقول: أنا نائب عن الإمام، إذ لولا النيابة عن الإمام لما كانت للفقيه ولاية على النفوس والأموال، باعتبار أن الولاية هي للإمام المعصوم، ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، وقال رسول الله يوم غدير خم: ”فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله“، إذن المعصوم له الولاية على النفوس والأموال، كيف تمتد للفقيه؟ اضطر الفقيه حتى تثبت له الولاية وحتى يضفي الشرعية على ولايته، اضطر الفقيه لاختراع هذه الفكرة، فكرة النيابة عن الإمام المعصوم، فقال: الفقيه في عصر الغيبة له النيابة عن الإمام المعصوم، فكما أن للمعصوم ولاية فللفقيه ولاية، لأنه نائبه.
لماذا لا يقول: الفقيه نائب عن الأئمة الذين ماتوا؟ طبعًا النيابة تبطل بالموت، أنت إذا وكلت شخصًا في بيع دارك، ثم يموت الموكل، تبطل الوكالة، تنتهي، إذا مات الموكل بطلت الوكالة، فلو قالوا: نحن نواب عن الأئمة الموتى لقيل لهم بأن النيابة بطلت لأن الإمام قد مات، فهم مضطرون إلى أن يخترعوا وجود إمام حي، لذلك اخترع الفقهاء مسألة المهدي المنتظر، قالوا: هناك إمام حي، وهو المهدي المنتظر، ولا يقوم بالتصرفات بشكل مباشر، فالفقيه نائب عنه، فكما أن للإمام المعصوم ولاية، فللفقيه أيضًا ولاية بالنيابة.
إذن المسألة باختصار: فكرة المهدي المنتظر فكرة مخترعة من فقهاء الإمامية لإضفاء الشرعية على تصرفاتهم الولايتية، لإضفاء الشرعية على منصب الولاية الذي ادعوا ثبوته لهم، وإلا لا يوجد مهدي ولا يوجد إمام حي ولا يوجد شيء من ذلك ولا يوجد دليل على ذلك، المسألة مسألة مخترع من قبل علماء الشيعة لا أكثر من ذلك.
نحن نريد الآن أن نجيب عن هذه الفكرة، أن نسلط الضوء على هذه الفكرة، هل أن المسألة المهدوية فكرة مخترعة، أم عقيدة ثابتة؟ المسألة المهدوية دائرة بين الضرورة والخيال، نحن نريد أن نتحدث عن هذه الفكرة بشكل مفصل. إن القضية المهدوية ذات أبعاد مختلفة، ونحن نتكلم عن كل بعد من هذه الأبعاد.
البعد الأول: البعد الفلسفي.
هل أن اليوم الموعود، وهو يوم ظهور الحق، وهو يوم انتصار القيم والفضيلة، هل هو أمر يفرضه العقل، أم لا؟ هل العقل يفرض علينا أن نعتقد بيوم موعود، بيوم ينتصر فيه الحق على الباطل والفضيلة على الرذيلة، أم أن العقل لا يحكم بذلك؟ وبعبارة أخرى: هل مسيرة الحياة مسيرة هادفة أم غير هادفة؟
إذا قلنا: لا يوجد يوم موعود، الحياة هكذا تسير بشكل عشوائي، وربما تنتهي الحياة بانتصار الظلم على العدل، وربما تنتهي الحياة بانتصار الرذيلة على الفضيلة، وربما تنتهي الحياة بأن لا غالب ولا مغلوب، إذن الحياة لا هدف لها، تسير بشكل عشوائي لا يوصل ولا يبلغ إلى هدف معين، من ينكر القضية المهدوية هو بعبارة أخرى يقول: الحياة تسير بشكل عشوائي، هذا معناه، من ينكر أن هناك يومًا تنتصر فيه الفضيلة على الرذيلة، وينتصر فيه الحق على الباطل، هو بعبارة أخرى يقول لك: إن مسيرة الحياة مسيرة لا هدف لها، مسيرة عشوائية، ربما ينتصر الباطل، ربما ينتصر الحق، ربما لا غالب ولا مغلوب، المسيرة عشوائية وانتهى الموضوع.
القول بأن مسيرة الحياة مسيرة عشوائية لا هدف لها قولٌ يرفضه العقل الحكيم، فإن العقل الحكيم يقول: خلقت الحياة لكي تصل إلى هدف، ولو لم تصل إلى هدف لكان خلق الحياة عبثًا، لكان خلق الحياة لغوًا، واللغو قبيح، والقبيح لا يصدر من الحكيم تبارك وتعالى، مقتضى الحكمة أن يضع هدفًا للحياة، مقتضى أن الله حكيم أن يضع هدفًا للحياة، فلو لم يضع هدفًا للحياة، وتركها تسير بشكل عشوائي، لكان ذلك لغوًا وعبثًا لا ينسجم مع كونه تعالى حكيمًا.
لذلك جاءت الآيات القرآنية تؤكد على هذا البعد الفلسفي، أن للحياة هدفًا، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، لكي تصلوا إلى الكمال، إلى الأحسن، وقال تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾، كل هذه السماوات والأرض والدنيا تسير بشكل عشوائي؟! لا يوجد هدف! ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾، فالبعد الفلسفي يفترض أن للحياة هدفًا، وهو انتصار الفضيلة على الرذيلة، فاليوم الموعود يوم يفرضه العقل، يفرضه المنطق العقلائي.
البعد الثاني: البعد القرآني.
نحن كمسلمين، هل القرآن يفرض علينا أن نعتقد بيوم موعود؟ نعم، القرآن يفرض علينا ذلك، القرآن نفسه يقول: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ﴾، سيأتي يوم يتمكن الدين من الأرض كلها، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾، وقال في آية أخرى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، ليسوا الوارثين لبقعة معينة، الوارثين للعراق! بل الوارثين للأرض كلها. إذن، هذا منطق القرآن، وهل يخلف الله وعده؟! وهل يكذب الله مقاله؟! مقتضى البعد القرآني هو الإيمان باليوم الموعود.
البعد الثالث: البعد الإسلامي.
هل هناك في علماء المسلمين من ينكر القضية المهدوية؟ هل القضية المهدوية محل خلاف بين علماء المسلمين، بمعنى أن بعضهم يقول: سيأتي يوم يظهر فيه المهدي، وبعض يقول: لن يأتي هذا اليوم أبدًا؟ هل هناك خلاف في أصل القضية المهدوية؟ أنا أؤكد لك أنه لا خلاف.
حاول ابن خلدون في مقدمته أن ينكر القضية المهدوية، محتجًا بحديث موضوع في سنن ابن ماجة قال: ”لا مهدي إلا عيسى“، عيسى هو الذي سيأتي، غير النبي عيسى لن يأتي، هذا كلام ابن خلدون، من الذي رد عليه؟ أكثر من ثلاثين كتابًا من علماء المسلمين جاءت ردًا على كلام ابن خلدون، نحن نكتفي بما ذكره محمد بن المنتصر الكتاني مدير مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، هو الذي ردّ على ابن خلدون.
قال: وقام بالرد عليه – يعني على ابن خلدون – شيخنا ابن عبد المؤمن في كتاب مطبوع متداول في الشرق والمغرب منذ أكثر من ثلاثين سنة، ونص الحفاظ والمحدثون على أن أحاديث المهدي فيها الصحيح والحسن، ومجموعها متواتر مقطوع بتواتره وصحته، وأن الاعتقاد بخروج المهدي واجب، وأنه من عقائد أهل السنة والجماعة، ولا ينكره إلا جاهل بالسنة، ومبتدع في العقيدة، والله يهدي إلى الحق، ويهدي إلى سواء السبيل.
إذن هذا مدير المجمع، مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، يقول بأن الأحاديث الواردة في المهدي متواترة مقطوع بتواترها وصحتها، وأنه لا ينكر ذلك إلا جاهل أو مبتدع، فلا تضيع وقتك مع الجهال! هذا هو البعد الإسلامي.
البعد الرابع: البعد الإمامي.
الإمامية تختلف عن بقية المذاهب الإسلامية، الإمامية تعتقد أن المهدي وُلِد، وما زال موجودًا، ويظهر يومًا من الأيام متى شاء الله له ذلك، كما ورد عن النبي محمد : ”لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلًا من أهل بيتي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا“، البعد الإمامي يستند إلى ماذا؟
العقيدة بالإمامة تقتضي العقيدة بالمهدي، لا يوجد تفكيك، هناك ملازمة بين الاعتقاد بالإمامة والاعتقاد بالمهدي، من ينكر القضية المهدوية لا بد أن ينكر الإمامة، هناك ملازمة بينهما، لا يمكن أن تفكك بين العقيدتين، من يعتقد بمبدأ الإمامة، بأصل الإمامة، وأنه لا بد من وجود إمام، من يعتقد بمبدأ الإمامة لا بد أن يعتقد بوجود المهدي المنتظر، ومن ينكر وجود المهدي المنتظر لا يمكنه أن يبقى معتقدًا بمبدأ الإمامة، فهناك ملازمة بين العقيدتين، بين العقيدة بالإمامة والاعتقاد بوجود المهدي المنتظر، لذلك العقيدة المهدوية متفرعة على العقيدة بالإمامة، لماذا؟ حتى أشرح لك الموضوع أبين لك المعتقد بالإمامة، هنا أمران يبتني عليهما الفكر الإمامي في مجال عقيدة الإمامة.
الأمر الأول: وجوب اللطف.
اللطف على قسمين: حسن وواجب، فكل عمل يغطي حاجة كمالية فهو لطف حسن، وكل عمل يغطي حاجة ضرورية بنظر العقل فهو لطف واجب، فمثلًا: المجتمع البشري يحتاج إلى نظام تعليمي، هذا لا إشكال فيه، المجتمع البشري يحتاج إلى نظام تعليمي يؤهله إلى دراسات عليا، لكن هذه الحاجة حاجة كمالية، وليست حاجة ضرورية بنظر العقل، بما أنها حاجة كمالية هل يجب على الله أن ينزل من السماء نظامًا تعليميًا؟ لا يجب عليه ذلك، لو أنزل نظامًا تعليميًا لكان تفضلًا ونعمة منه، لكنه لو لم ينزل نظامًا تعليميًا من السماء فلم يظلم المجتمع البشري، إذن هذا اللطف – وهو إنزال نظام تعليمي – لطف حسن وليس لطفًا واجبًا.
القسم الثاني من اللطف: اللطف الواجب، اللطف الذي يعالج حاجة ضرورية لا حاجة كمالية، فمثلًا: المجتمع البشري يحتاج إلى نظام عادل، هذه حاجة ضرورية، المجتمع البشري يحتاج إلى نظام عادل، نظام يحقق العدالة، المجتمع البشري محتاج إلى هذا النظام، إذا كان المجتمع البشري محتاجًا إلى نظام عادل فإنزال هذا النظام من السماء على المجتمع البشري لطف، لكنه لطف واجب، لماذا هو لطف واجب؟
المجتمع البشري محتاج إلى نظام عادل، فلماذا لا ينزل الله عليهم هذا النظام؟ هل عدم إنزال النظام لجهل الله بحاجة المجتمع إليه؟! أم لعجز الله عن تلبية حاجة المجتمع البشري؟! أم لعبثه تعالى بحاجات المجتمع البشري؟! المجتمع البشري يحتاج إلى نظام عادل، إذن لا بد لله، هذا يسمى لطفًا واجبًا، بما أن المجتمع البشري يحتاج إلى نظام عادل، فلا بد من نزول النظام العادل من السماء تلبية لهذه الحاجة الضرورية، وهذا ما يسمى باللطف الواجب، لأن عدم إنزال هذا النظام إما لجهله تعالى بالحاجة، وهذا يتنافى مع كونه عالمًا بكل شيء، أو لعجزه عن تلبية الحاجة، وهذا يتنافى مع كونه قادرًا على كل شيء، أو لعبثه وعدم مبالاته بالحاجة، وهذا يتنافى مع كونه خالقًا حكيمًا.
إذن، مقتضى علمه وقدرته وحكمته أن ينزل النظام العادل على المجتمع البشري، وهذا معنى اللطف الواجب، هذا هو الذي أشارت إليه الآية المباركة، وهو قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، أي: لأجل النظام العادل، لذلك قال العلماء: بعث الأنبياء واجب على الله، لأن بعث الأنبياء لطف واجب، لأن بعث الأنبياء علاج لحاجة ضرورية، وهي حاجة المجتمع البشري للنظام العادل.
الأمر الثاني: ضرورة الإمامة في حفظ النظام.
كما يحتاج المجتمع البشري حاجة ضرورية للأنبياء بحيث يكون بعث الأنبياء واجبًا، يحتاج المجتمع البشري حاجة ضرورية لوجود الإمام، فنصب الإمام كبعث النبي لطف واجب، لماذا؟ هل من المعقول نزول نظام عادل من السماء لا بد منه، لكن حفظ هذا النظام لا بد منه أم لا؟ ينزل النظام ويتركه بدون حفظ؟! هذا نقض للغرض، إذا كان هدفه تعالى من إنزال النظام العادل تلبية حاجة المجتمع البشري، فلكي يحافظ على هدفه لا بد من قيامه بحفظ ذلك النظام، فلا يكفي نزول النظام من دون حفظه.
إذن، كما اقتضت حاجة المجتمع البشري نزول نظام عادل، اقتضت حاجة المجتمع البشري المحافظة على النظام العادل، حتى يحقق هدفه، فمن يحفظ النظام العادل؟ النبي وظيفته تبليغ النظام العادل، وهناك دور آخر لشخص آخر بعد النبي، وهو دور حفظ النظام العادل، فكما أن هناك حاجة ضرورية لنزول نظام عادل، لذلك صار بعث الأنبياء واجبًا، كذلك هناك حاجة ضرورية لحفظ النظام العادل، لذلك صار نصب الأئمة لطفًا واجبًا، فاللطف الواجب كما اقتضى النبوة اقتضى الإمامة، لماذا فقهاء الشيعة يقولون الإمامة أصل من أصول الدين؟ يعني الدليل الذي اقتضى ضرورة النبوة هو نفسه الدليل الذي اقتضى ضرورة الإمامة، الدليل واحد، وهو أن اللطف واجب، الدليل الذي جعل النبوة أصلًا هو الدليل الذي جعل الإمامة أصلًا.
إذن، بناء على ذلك، وسيأتي، سأذكر لك الروايات، كما أن النبوة لطف واجب على الله تبارك وتعالى، كذلك الإمامة لطف واجب على الله تبارك وتعالى. النبي محمد بلغ النظام العادل، وجاء دور الأئمة من ولده لحفظ النظام العادل، فلا بد من نصب أئمة من أجل القيام بهذا الدور، توفي الأئمة، مات الإمام الحسن العسكري، من وظيفته حفظ النظام العادل، بحيث لا يقع فيه تحريف ولا تزييف؟ طبعًا النظام العادل نقصد به الدين، الدين مكون من معتقدات، التوحيد والنبوة والعدل والإمامة والمعاد، ومن ضرورات، وجوب الصلاة والصيام والحج، ومن نظريات، يعني آراء فقهية مختلفة، صلاة الجمعة واجبة أم غير واجبة، الكتابي نجس أم غير نجس، هذه مسائل نظرية وليست ضرورية.
عندما نقول: يجب حفظ النظام العادل، يجب حفظ الدين، لا نقصد يجب حفظ النظريات من الدين التي هي محل خلاف بين الفقهاء، نقصد يجب حفظ الدين بأصوله وبضروراته، الدين المكون من أصول وضرورات هو الذي يمثل النظام العادل يجب حفظه في كل زمان، فمن هو المتكفل بحفظه؟ هو الإمام المنصوب من قبل الله تبارك وتعالى، لذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”بلى والله، لا بد لله من حجة، إما ظاهرًا مشهورًا، أو خائفًا مغمورًا“، أي: لا بد من وجود شخص وظيفته حفظ الدين عن التزييف والتحريف، وحيث إن الإمام العسكري قد مات إذن لا بد من وجود إمام في زماننا وفي كل زمان تكون وظيفته ودوره حفظ النظام العادل، حفظ الدين من التحريف والتزييف، وذلك لا ينطبق إلا على الاعتقاد بالمهدي المنتظر «صلوات الله عليه وعلى آبائه».
وإلا من يستطيع من المسلمين أن يقول: أنا الإمام؟! المسلمون كلهم بجميع مذاهبهم وبجميع علمائهم وبجميع مراجعهم، هل يستطيع أحد أن يدعي هذا المنصب؟! أنا الذي أقوم بهذه المسؤولية وبهذا المنصب، ألا وهو حفظ النظام العادل! لا يستطيع أن يدعي هذا المنصب أحد، الإمام المعصوم هو المتكفل بهذا الدور، وهو حفظ الدين عن التزييف والتحريف.
متى تعرض الدين لانتكاسة، متى تعرض الدين لغزو فكري، متى تعرض الدين لهزة، يتصدى الإمام وهو غائب لحفظ الدين من التزييف والتحريف عبر التقائه وإيصال رسائله إلى العلماء المؤثرين في الأمة من خلال كلماتهم وأقوالهم، هذا وظيفته، هذا دوره، الإمام يقوم بهذا الدور، وهو حفظ الدين من التزييف والتحريف، متى تعرض لهزة أو مواجهة، فيقوم بدوره بإيصال رسائله بشكل مباشر أو غير مباشر إلى العلماء المؤثرين في مسيرة الأمة وفي حفظ الدين الإسلامي.
إذن، هناك ملازمة بين الاعتقاد بالإمامة وبين الاعتقاد بالمهدي، من كان معتقدًا بمبدأ الإمامة فهو معتقد بوجود إمام حافظ للدين في كل زمان، فلا بد أن يعتقد بالمهدي المنتظر المتكفل بحفظ الدين في زماننا هذا وفي كل زمان إلى موعد ظهوره «عجل الله تعالى فرجه الشريف».
إذن، المسألة ليس لها ربط بولاية الفقيه، الدليل الذي اقتضى العقيدة المهدوية هو الدليل الذي اقتضى العقيدة بالإمامة، ليس له علاقة بولاية الفقيه، ولذلك العلماء الذين.. مسألة الولاية مختلف فيها بين العلماء، هناك من يرى أن للفقيه ولاية عامة، هناك من يرى أن للفقيه ولاية ضيقة، هناك من يرى أن الولاية للفقيه من باب القدر المتيقن، ليس هناك علاقة بين الاعتقاد بالولاية ومسألة الاعتقاد بالإمام المهدي.
لذلك حتى من يرى ثبوت الولاية للفقيه يرى الاعتقاد بالمهدي أمرًا لازمًا وواجبًا، لأنه مقتضى الاعتقاد بالإمامة، فلا ربط بين مسألة ثبوت الولاية للفقيه ومسألة الاعتقاد بالإمام المهدي، حتى تقول بأن الفقهاء اخترعوا مسألة الإمام المهدي حتى يبرروا شرعية ولايتهم! لأنه مسألة المهدي اقتضتها العقيدة بالإمامة، حتى ممن لا يرى ثبوت ولاية الفقيه، فلا يخلط بين المسألتين.
البعد الخامس: البعد العلمي.
وهذا هو الدليل المهم، ارجع إلى علم الرياضيات، أقوى دليل في إثبات الحقائق ما هو؟ دليل حساب الاحتمالات، دليل حساب الاحتمالات هو أقوى دليل في ثبوت الحقائق، بل ذهب جملة من المفكرين إلى أنه لا دليل إلا دليل حساب الاحتمالات، لا يوجد عندنا دليل لإثبات الحقائق غير دليل حساب الاحتمالات، دليل حساب الاحتمالات عبارة عن تراكم الاحتمالات في محور معين يوجب اليقين الرياضي بذلك المحور، هذا ملخص الدليل.
مثلًا: أنا كيف أعرف أنك أمامي أو لست أمامي؟ كيف أثبت أنك موجود أصلًا؟ بدليل حساب الاحتمالات، أقول: صورتك انتقشت في ذهني، وانتقاشها في ذهني أوجب احتمال وجودك بنسبة 30%، ثم سمعت صوتك، صوتك أوجب ترقي الاحتمال من 30% إلى 60%، ثم قمت وصافحتك وأحسست بيدك، تصاعد الاحتمال إلى 90%، تحدثت معك، وصل الاحتمال إلى 100%، دليل حساب الاحتمالات يعني إذا تراكمت القرائن في محور معين حصل اليقين الرياضي بذلك المحور، صورتك قرينة، صوتك قرينة، مصافحتك قرينة، الحديث معك قرينة، تراكمت القرائن في محور معين، وهو وجودك، حيث تراكمت القرائن في هذا المحور أحدثت لي يقينًا رياضيًا بأنك موجود، يسمى دليل حساب الاحتمالات، هذا أقوى دليل في علم الرياضيات لإثبات الحقائق.
مثال آخر: أنت تسمع خبرًا، هناك تفجير في منطقة من المناطق، حدث تفجير في المكان الفلاني، كيف نثبت هذه الحقيقة؟ تناقلت الإذاعات الخبر، 30%، رأيت صور التفجير على شاشة التلفزيون، 60%، اتصلت تلفونيًا بالمنطقة، سألتهم، قالوا نعم حدث التفجير ونحن شهود، ترقى الاحتمال إلى 90%، تلقيت من بعض المصابين أنه حصل ذلك، ترقى الاحتمال ووصل إلى 100%، تراكم القرائن في محور معين يوجب اليقين الرياضي بذلك المحور.
فلنطبق دليل حساب الاحتمالات على المهدي المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، نريد أن نطبق هذا الدليل الرياضي – وهو دليل حساب الاحتمالات – لإثبات هذه الحقيقة، وهي وجود المهدي المنتظر، نأتي ونتكلم عن القرائن المختلفة:
القرينة الأولى: ما دل على أن لكل جيل إمامًا.
عندنا أدلة تدل على أن كل جيل له إمام، قال تبارك وتعالى يخاطب نبيه: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، كل جيل لا بد له من هادٍ، يتكفل منصب الهداية، لا بد من وجود هادٍ، وقال تبارك وتعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، كل جيل لهم إمام، والإمام ينصرف إلى الإمام الحق، فمن هو إمام هذا الزمان؟ ومن هو إمام هذا الجيل الذي يتكفل حفظ الشريعة؟
لاحظوا ما ورد في مسند أحمد بن حنبل ومستدرك الحاكم وسنن النسائي والمعجم الأوسط للطبراني عن النبي محمد : ”إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض“. الحديث واضح الدلالة، لا يوجد زمن فيه القرآن إلا وفيه واحد من عترة أهل بيت النبي ، وهذا لا ينطبق إلا عن الاعتقاد بوجود المهدي المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف». هذه قرينة على وجود الإمام، فلنفترض أن هذه القرينة أحدثت 15% مثلًا.
القرينة الثانية: أحاديث الأئمة الاثني عشر.
قال في [صحيح مسلم، ج6، ص4] عن النبي : ”لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش“، من زمان النبي إلى يوم القيامة يمر على الأمة الإسلامية اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، من قبيلة النبي، من هم الاثنا عشر؟ طبقهم، هذا حديث صحيح عن النبي، من هو المصداق للاثني عشر خليفة؟ قال ابن كثير، وهو من علماء أهل السنة، [تفسير ابن كثير، ج2، ص34] بعد أن ذكر هذه الرواية قال: والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره، حيث ذُكِر أنه يواطئ اسمه اسم النبي محمد .
إذن وجود أئمة اثني عشر إلى يوم القيامة يعني أنه لا يمر زمان إلا وفيه واحد من هؤلاء الخلفاء الاثني عشر، فمن هو في زماننا هذا؟ هذا لا ينطبق إلا على نظرية المهدي المنتظر، فارتفع الاحتمال من 15% إلى 25% مثلًا، الاحتمال يترقى بالاعتقاد بوجود المهدي.
القرينة الثالثة: بشائر العهدين.
حتى في التوراة والإنجيل تبشير بالمهدي المنتظر، عندنا مجموعة من علماء المسلمين أتعبوا أنفسهم في ترجمة النسخ الصحيحة من الأناجيل للوصول إلى هذه الحقيقة، لاحظ كتاب البراهين الساباطية للقاضي الساباطي، كتاب المسيح الدجال للدكتور سعيد أيوب، كتاب أنيس الإسلام للشيخ محمد فخر الإسلام، هؤلاء ترجموا كتاب «إشعياء، من العهد القديم، من فصل سفر الرؤيا، من مكاشفات يوحنا اللاهوتي»، ما هذه المكاشفة الواردة في كتاب إشعياء من العهد القديم؟ باركلت شخصان يأتيان للناس، الأول يدعو الناس إلى المحبة ثم يموت، ثم تلد امرأة باركلت ثان الذي هو أيضًا اسمه محمد، يغيب عن الناس 1260 عامًا ثم يخرج فيملأ الأرض بالحب والرحمة. إذن، هذه القرينة الثالثة، أوجبت تصاعد الاحتمال بالاعتقاد بوجود المهدي المنتظر.
القرينة الرابعة: تأخر الطعن في العقيدة المهدوية.
ارجع إلى زمن الإمام المهدي نفسه، ولد سنة 255 للهجرة، غيبته كانت سنة 260 للهجرة، كانت له غيبة صغرى، كان يتصل بأناس معروفين، وانتهت الغيبة الصغرى سنة 329 هـ ، كان له سفراء أربعة، عثمان بن سعيد العمري، محمد بن عثمان، الحسين بن روح، علي بن محمد السمري، سفراء أربعة استمروا 69 سنة، في هذه الفترة فلنرجع إلى التاريخ، لا يوجد عالم من علماء المسلمين طعن في اعتقاد الشيعة بوجود المهدي في تلك الفترة، الطعن كله من المتأخرين.
مع أن الشيعة في ذلك الزمان كانوا يقولون بوجود الإمام المهدي وأنه غائب، وأن السفراء الأربعة يمثلونه، وكانوا يراجعون السفراء الأربعة ليوصلوا رسائلهم إلى المهدي المنتظر، ولم نجد أحدًا من المؤرخين أو العلماء من المذاهب الإسلامية من طعن في هذه العقيدة، فلو كانت هذه العقيدة خرافة لكان مجال الطعن مجالًا واضحًا، لو كانت هذه العقيدة خرافية لا أساس لها لكانت فرصة ثمينة للمؤرخين وللعلماء من بعض المذاهب أن يشكلوا على الشيعة بأنهم يعتقدون بخرافة، وأنه غائب، وأن له سفراء، والحال أن هذه الخرافة لا أصل لها، إذا راجعت تلك الفترة لم تجد أحدًا طعن في معتقد الإمامية بهذه العقيدة.
بل 69 سنة سفراء أربعة ينقلون للناس رسائل، كل الرسائل مخطوطة بخط واحد، هم أربعة سفراء، الحسين بن روح من قبيلة، علي بن محمد من قبيلة، 69 سنة تعاقب السفراء على الشيعة وكانوا يرسلون رسائل بخط واحد لا يختلف ولا يتخلف، فلو كان هناك مجال للطعن في وجود المهدي المنتظر وفي ولادته لسمعنا هذا الطعن منذ تلك الفترة، والحال أنه لا وجود له، فهذه قرينة رابعة على وجود المهدي المنتظر.
القرينة الخامسة: النص على ولادته.
تتعجب من بعض الشيعة، يقولون: لا توجد عندنا رواية صحيحة في ولادته! الروايات الصحيحة موجودة، هل هو تغافل أم غفلة؟! لا أدري. هذه الرواية عن الإمام الكاظم في كتاب [من لا يحضره الفقيه للصدوق، ج1، ص329، باب سجدة الشكر]، وأيضًا [الكافي، ج3، ص325]، لاحظ هذه الرواية عن الإمام الكاظم، رواية صحيحة عند جميع علماء الشيعة بلا استثناء، أسانيدها صحيحة، روى عبد الله بن جندب عن الإمام موسى بن جعفر : أقول في سجدة الشكر.. ما هي سجدة الشكر؟ السجدة التي بعد الفراغ من الصلاة، بعد أن يسلم الإنسان ويسبح تسبيح فاطمة الزهراء يستحب أن يسجد سجدة الشكر، ماذا يقول في سجدة الشكر؟ هذه الرواية صدرت زمن الإمام الكاظم، يعني قبل ولادة الإمام المهدي.
اقرأ الرواية: ”تقول في سجدة الشكر: اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك إنك أنت الله ربي، والإسلام ديني، ومحمدًا نبيي، وعليًا والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر“، إلى موسى بن جعفر واضح، ما بعد موسى؟ كيف يعلم الإمام بأسمائهم وأنهم حجج الله؟! ”وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة ابن الحسن بن علي أئمتي، بهم أتولى“، ثبت فؤادك على الولاية، ”بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ“، هذا من متى؟ من زمن الإمام الكاظم يبشر بالمهدي، بالحجة ابن الحسن بن علي «صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين». بعد هذه القرائن كلها إلى أين وصل الاحتمال؟! 70%، 80%، لم ننته.
القرينة السادسة: اعتراف علماء النسب.
كل علم له أهل اختصاص، لماذا تدخل نفسك في اختصاص لست من أهله؟! المسألة الفقهية ترجع إلى الفقهاء، المسألة الفلسفية ترجع للفلاسفة، المسألة الطبية ترجع للأطباء، المسألة التاريخية ترجع فيها إلى علماء النسب، علماء الأنساب ماذا يقول في الإمام المهدي؟ أبو نصر سهل بن عبد الله البخاري من أعلام القرن الرابع الهجري، القرن الذي غاب فيه المهدي المنتظر الغيبة الكبرى، هذا من أعلام ذلك القرن، من نسّابة ذلك القرن، في كتابه «سر السلسلة العلوية» قال: ومحمد المهدي ابن الحسن العسكري ابن علي الهادي.
والسيد العمري من أعلام القرن الخامس في كتابه «المجدي في أنساب الطالبيين»، والفخر الرازي الشافعي من أعلام القرن السابع في كتابه «الشجرة المباركة في أنساب الطالبية»، والمروزي الأزرقاني من أعلام القرن السابع في كتابه «الفجري في أنساب الطالبيين»، والسيد النسابة جمال الدين الحسيني المعروف بابن عنبة من أعلام القرن السابع في كتابه «عمدة الطالب في أنساب آل طالب».
هؤلاء كلهم من علماء أهل السنة والجماعة، علماء النسب من أهل السنة والجماعة نصوا على أن للحسن العسكري اسمه محمد المهدي، وهو الإمام الثاني عشر للشيعة حسب ما ذكر الشافعي في كتابه، والنسابة الزيدي السيد أبو الحسن اليماني الصنعاني من أعيان القرن الحادي عشر في كتابه «روضة الألباب في معرفة الأنساب»، ومحمد بن أمين السويدي من أعلام القرن الثالث عشر في كتابه «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب»، فإلى أي درجة وصل الاحتمال؟! الحسن العسكري له ولد اسمه محمد، وأن هذا هو الإمام الثاني عشر للشيعة، فماذا بقي أيضًا؟! ومع ذلك لم ننته.
القرينة السابعة: نص المؤرخين من علماء أهل السنة على ولادته وغيبته.
كما نص النسابة على ولادته، نص المؤرخون على ولادته، وغيبته أيضًا، منهم ابن الأثير من أعلام القرن السابع في كتابه «الكامل في التاريخ»، وابن خلكان من أعلام القرن السابع في كتابه «وفيات الأعيان»، والذهبي من أعلام القرن الثامن في ثلاثة من كتبه، وابن الوردي من أعلام القرن الثامن في كتابه «تاريخ ابن الوردي»، وأحمد بن حجر الهيثمي من أعلام القرن العاشر في كتابه «الصواعق المحرقة».
إذن، كل هذه القرائن التي ذكرناها تراكمت في محور معين، ألا وهو وجود المهدي المنتظر في زماننا، بحيث أدت إلى اليقين الرياضي بوجود الإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف». نحن قبل أن ندخل في المصيبة نقرأ الدعاء، نتوسل بإمامنا المهدي، كثير من الإخوة الشيعة يقرأ الدعاء – وهو دعاء الفرج ”اللهم كن لوليك“ – فقط، لكن الأفضل أن يقرأ مع الدعاء الآية: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ﴾، لأن الروايات قالت: المضطر هو المهدي من آل محمد، فأنت عندما تقرأ الآية تتحدث عن لسان الإمام نفسه، ولذلك نقرأ في دعاء الندبة: ”أين المضطر الذي يجاب إذا دعا“، هو المضطر «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، ولذلك نحن نقرأ الآية المباركة ثم نقرأ الدعاء؛ ليتطابق الذكران.
—————————–
موقع سماحة السيد منير الخباز
اترك تعليقاً