|
المدة: | 01:12:44 |
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
صدق الله العلي العظيم
الآية المباركة اعتبرت من صفات المتقين الإيمان بالغيب، وهنا نطرح عدة أسئلة لنجيب عليها: ما هو الغيب؟ وما هو البرهان على وجود عالم اسمه الغيب؟ وما هو البرهان على وجود حاجة لمدد الغيب؟ وما هي الحاجات التي يشعر الإنسان أنه يستمدها من عالم الغيب؟
السؤال الأول: ما هو الغيب؟
القرآن الكريم عندما يتعرّض لعنوان الغيب يجعل مقابلة بين الغيب والشهادة، يقول: ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، إذن الغيب يقابل الشهادة، فما هو عالم الشهادة كي نتعرف على عالم الغيب؟ عالم الشهادة هو عالم المادة، لأن عالم المادة هو الذي يمكن أن يناله الإنسان بإحساسه، بالسمع، بالبصر، بالشم، بالذوق، باللمس، بأي حاسة من الحواس، كل مادي يمكن أن يناله الإنسان بحواسه، فعالم المادة هو عالم الشهادة، وما سواه هو عالم الغيب، ما سوى الشهادة غيب، إذن ما سوى عالم المادة فهو من عالم الغيب.
عالم المجردات، الأشياء الموجودة وجودًا مجردًا لا وجودًا ماديًا، هناك ما يكون وجوده وجودًا ماديًا، له طول، عرض، عمق، زمن، يعني له كتلة، ما له هذه الأبعاد الأربعة فهو مادي، ويمكن أن يصل إليه الإنسان بالإحساس، هذا من عالم الشهادة، أما ما ليس له هذه الأبعاد، ليس كتلة، ليس له طول وعرض وعمق وزمن، الذي ليس كتلة لكن ليس له هذه الأبعاد الأربعة، هذا يسمى وجودًا مجردًا، هذا يسمى بعالم الغيب، الوجود المجرد.
القرآن الكريم يقول: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾، ما معنى مفاتح الغيب؟ مفاتح جمع مَفْتَح، والمفتح يعني الخزانة، ما هو معنى خزائن الغيب؟ كل إنسان – بل كل موجود – قبل أن ينزل إلى عالم المادة أين كان؟ هذا الإنسان قبل أن يهبط إلى عالم المادة أين كان؟ عندما هبط إلى عالم المادة صار له وجود تفصيلي، نسب، مكان، زمان، طول، عرض، عمق، زمن، قبل أن ينزل إلى عالم المادة – عالم التفصيل – أين كان؟ كان موجودًا بشكل إجمالي في خزائن الغيب، كل موجود في عالم المادة هو وجود مفصل، هذا الوجود المفصل كان له وجود مجمل في عالم يسمى خزائن الغيب.
القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾، أنت كنت في خزائن الغيب، لم تنزل إلى هذا العالم إلا بعد أن وضعت لك حدود وتقديرات، عمره كذا، نسبه كذا، أموره كذا، ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، يعني بحدود وتقديرات معينة. إذن، عالم الغيب يعني عالم ما وراء المادة، عالم المجردات عن المادة، مقابل عالم الشهادة.
السؤال الثاني: ما هو البرهان على وجود عالم غيب؟
يمكن للإنسان أن يقول: لا يوجد شيء اسمه عالم غيب، نحن نؤمن بوجود الله، بوجود الخالق البارئ، تكلمنا البارحة عن وجود الله عز وجل، واحد يقول لك: أنا أؤمن بوجود الله، لكن لا أؤمن بوجود عالمين: عالم شهادة وعالم غيب، عالم مادة وعالم مجردات عن المادة، أنا لا أؤمن بعالمين، ما هو الدليل والبرهان على وجود عالم آخر يسمى عالم المجردات، عالم الغيب؟
هذا البحث يقودنا إلى بحث آخر، وهو: هل النفس البشرية شيء مادي أم شيء مجرد عن المادة؟ إذا أثبتنا أن النفس البشرية شيء مجرد عن المادة، إذن أثبتنا أن هناك مجردات، نحن الآن نبحث: هل وراء عالم المادة عالم آخر نسميه بعالم الغيب أم لا؟ نرجع إلى النفس البشرية، هل النفس البشرية شيء مادي، أم النفس البشرية شيء مجرد عن المادة؟ إذا النفس البشرية شيء مادي لا نستطيع أن نعتبر هذا دليلًا على وجود عالم الغيب، إذا النفس البشرية شيء مجرد عن المادة، إذن النفس البشرية وجود مجرد، فهناك عالم آخر غير عالم المادة يسمى بعالم المجردات، عالم الغيب، نريد أن نبحث في هذه النقطة. حتى نبحث في هذه النقطة، نذكر أمرين:
الأمر الأول: تجرد النفس البشرية.
هل النفس البشرية وجود مادي أم وجود مجرد منفصل عن المادة؟ هنا رأي كلامي ورأي فلسفي، الرأي الكلامي يقول: النفس شيء مادي كالبدن؛ لأن ظواهر القرآن الكريم تشير إلى أن النفس شيء مادي.
مثلًا: قوله عز وجل: ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾، إذا بلغت النفس التراق أثناء الاحتضار، أثناء الموت، تصعد، تبلغ الترقوة، تبلغ الحلق، ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾، من القائل؟ الملائكة، لأن الملائكة تشهد النفس وهي تصعد إلى العالم الأعلى، هذا الإنسان يموت، تصعد روحه إلى عالم الملكوت، الملائكة تشهد هذه الروح، فتتساءل: من هذا الإنسان الذي يرقى؟﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ من هو الذي يرقى؟ ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾، أنا انتقلت إلى عالم آخر، ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾، بلغت التراق يعني أنها شيء مادي يمشي في الجسد حتى يبلغ التراق.
كذلك قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، إذا احتف الأهل بالمحتضر، هذا إنسان يحتضر، وأهله إلى جانبه، وهو يحتضر، يودّع، الآية تشير إلى هذا المنظر المفزع، الإنسان يحتضر وحوله أهله، تقول: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾ بلغت روحه الحلقوم ﴿وَأَنْتُمْ﴾ يا أهله وأحبته ﴿حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ ونحن موجودون معكم، بل نحن أقرب منكم ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ إذا كانت عندكم قوة فأرجعوا الروح مرة أخرى، نحن نستلها الآن، فإذا كنتم يا أهله وأحبته تريدون أن ترجعوها فأرجعوها إن كنتم قادرين على ذلك، هذا تحدٍ من القرآن، ﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، فالآية تقول: الروح تبلغ الحلقوم.
إذن ظواهر القرآن أن النفس شيء مادي، يصعد، يصل إلى التراق، يصل إلى الحلقوم، ثم يفارق البدن، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.
لكن الرأي الفلسفي يقول: لا، النفس ليست شيئًا ماديًا، بل النفس جوهر مجرد محرك للبدن، كما تحرك سيارة أو جهازًا معينًا بالروموت وأنت جالس في مكانك، علاقة النفس بالبدن علاقتك بهذه الآلة الميكانيكية، تحرك الأشياء التي بين يديك، النفس تحرك البدن، وإلا النفس ليست في البدن، البدن جوهر مجرد وليس ماديًا، البدن شيء مادي، دور النفس تحريك البدن وحث شعاع الحياة في البدن، هذا دور النفس، وإلا النفس ليست شيئًا ماديًا، هذا هو الرأي الفلسفي، فما هو الدليل على هذا الرأي؟ كل شيء مادي يتمتع بصفتين، ما دام هو ماديًا إذن يتمتع بصفتين: التغير والانقسام.
الصفة الأولى: صفة التغير.
ما دام ماديًا فهو متغير، كل مادي خاضع لقانون التغير، لا يوجد شيء في هذا الكون لا يتغير، كل شيء خاضع للتغير، كل شيء خاضع للحركة، وبعبارة أخرى: كل موجود متحرك، وحركته تقتضي تغيره من حال إلى حال، إذن المادي متغير، هل النفس متغيرة؟ كل مادي متغير، هل النفس متغيرة حتى نعتبر النفس شيئًا ماديًا أم لا؟
التغير في الصفات يختلف عن التغير في الهوية، أنا قبل عشرين سنة، لما كنت في المرحلة الابتدائية، الآن أنا في مرحلة الجامعة، أنا قبل عشرين سنة هل أنا بعد عشرين سنة أم تغيرت؟ الصفة تتغير، كان جاهلًا صار عالمًا، كان أعزب صار متزوجًا، كان قليل التجربة صار ناضج التجربة، هذا تغير في الصفات، وإنما كلامنا في التغير في الهوية، هل هويتي تغيرت من قبل عشرين سنة إلى الآن؟! لا.
قبل عشرين سنة عندما كنت أسأل: من أنا؟ أنا روح تلقب بفلان ابن فلان، بعد عشرين سنة أسأل: من أنا؟ أنا روح تلقب بفلان ابن فلان، بعد عشرين سنة أيضًا الجواب هو الجواب، ما يعبر عنه بكلمة «أنا» – وهو النفس – لا يتغير، رغم أن البدن يتغير، رغم أن كل مادي يتغير إلا هذا الشيء الذي نعبر عنه بكلمة «أنا» ثابت لا يتغير، هويتي هي هويتي، قبل عشرين سنة، قبل ثلاثين سنة، بعد ثلاثين سنة، هويتي هي هويتي، النفس من حيث الهوية لم تتغير، وإن تغيرت صفاتها، لكن الهوية الإنسانية لم تتغير، هذا منذ عشرين سنة هوية واحدة. إذن، بما أن المادي يتغير، والهوية النفسية لا تتغير، إذن النفس ليست شيئًا ماديًا، وإلا لخضعت لقانون التغير.
الصفة الثانية: صفة الانقسام.
كل مادي يقبل الانقسام، حتى لو كان جزيئًا، جزيئات ما تحت الذرة، إذا هو مادي فإنك تستطيع أن تقسمه بعقلك وإن لم تستطع أن تقسمه بالآلة، كل مادي يقبل الانقسام، يمين، يسار، فوق، تحت، ما دام ماديًا تستطيع أن تقسمه بخيالك إلى أقسام وإلى أجزاء.
هل النفس يقبل الانقسام؟ لا أقصد البدن، البدن يقبل الانقسام، أقصد ما نعبر عنه بكلمة «أنا»، عندما يقال لك: من أنت؟ تقول: «أنا» فلان، ما نعبر عنه بكلمة «أنا» هل ينقسم إلى فوق وتحت ويمين وشمال، ما نعبر عنه بكلمة «أنا» وجود لا يقبل الانقسام، بينما المادي يقبل الانقسام، هذا دليل على أن النفس ليست شيئًا ماديًا.
إذن، خلاصة ما نقوله.. طبعًا هذا محرر في كتب الفلسفة بشكل مفصل، نحن نعرضه بشكل مختصر. كل مادي يقبل التغير ويقبل الانقسام، وأما النفس المشار إليها بكلمة «أنا» لا تقبل التغير ولا تقبل الانقسام، إذن النفس ليست شيئًا ماديًا. النفس موجودة، لكنها ليس موجودًا ماديًا، فثبت بذلك أن هناك وجودًا مجردًا عن المادة، لا طول له، لو سألك شخص: ما هو طول نفسك؟ لو سألك عن البدن لاستطعت أن تقول: بدني له طول وعرض وعمق وزمن، أما لو سألك عن روحك، روحك ما هو طولها؟ تقول له: روحي ليست شيئًا ماديًا حتى يقبل هذه الحدود، طول وعرض وعمق وزمن، البدن يقبل الحدود، أما النفس لا تقبل هذه الحدود، إذن النفس ليست شيئًا ماديًا.
الأمر الثاني: التأثير والتأثر في عالم المجردات.
بما أن هناك عالمًا يسمى عالم المجردات، لأن النفس وجود مجرد، إذن النفس الموجود المجرد له عالم يعيش فيه، فذلك العالم هو عالم المجردات وراء المادة، ذلك العالم له تأثير وتأثر، كما أن عالم المادة فيه تأثير وتأثر، عالم المجردات أيضًا فيه تأثير وتأثر، في عالم المادة يضربك شخص فتتأثر، تسمع كلمة سيئة فتتأثر، عالم المجردات أيضًا فيه تأثير وتأثر، ما هو الدليل الوجداني على أن هناك تأثرًا وتأثيرًا في عالم المجردات المسمى بعالم النفوس، المسمى بعالم الغيب؟
الرؤيا الصادقة، الإمام الصادق في صحيحة سعد بن أبي خلف – رواية صحيحة معتبرة – يقول: ”الرؤيا ثلاثة أقسام: بشارة للمؤمن، وتحذيرٌ من الشيطان، وأضغاث أحلام“، الرؤيا التي يراها الإنسان في المنام لها أقسام ثلاثة: قسم بشارة، ترى رؤيا تبشرك بمستقبل طيب، القسم الثاني: تحذير، ترى رؤيا تحذر من مستقبل مخيف، قسم ثالث أضغاث أحلام لا معنى له.
القرآن الكريم ينص على الرؤيا الصادقة: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾، ويقول على لسان النبي يوسف : ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا﴾، إلى أن حصلت الرؤيا، ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾.
الرؤيا الصادقة لا أحد يستطيع أن ينكرها، أيستطيع شخص أن ينكر أن بعض الرؤى صادقة؟! هذا شكل متواتر، فلا تجعل أحدًا يتفلسف في دماغك! الرؤيا الصادقة أمر ثابت بالوجدان، كل إنسان مرت عليه في حياته رؤى صادقة، هذا أمر ثابت بالتواتر القطعي الذي لا مجال للكلام فيه، كل إنسان رأى في حياته رؤى صادقة، يعني رأى رؤى ثم تحققت في المستقبل، تحقق المستقبل كما رآه في عالم الرؤيا، اذكر لنا تفسيرًا ماديًا للرؤيا الصادقة، أتحداك أنا! إذا لم تؤمن بعالم آخر غير عالم المادة أتحداك أن تأتي بتفسير مادي للرؤيا الصادقة.
لا إشكال أن هناك رؤى صادقة، لا أحد يستطيع إنكار ذلك، لا المؤمن ولا الملحد، هناك رؤى صادقة، رأى رؤيا، بعد شهر، شهرين، سنة، تحققت، ما هو تفسير الرؤيا الصادقة؟ مع أن الشيء لم يتحقق بعد، فكيف رأته النفس؟ لو كان العالم ماديًا فقط، ولا يوجد عالم آخر اسمه عالم الغيب، ولا يوجد عالم آخر اسمه عالم المجردات، ليس عندنا إلا عالم المادة، ما الذي رأته النفس وهو بعد لم يتحقق؟! شيء لم يتحقق بعد، كيف رأته النفس؟
الرؤيا الصادقة استشراف من النفس للمستقبل، كيف يحصل هذا الاستشراف والشيء لم يتحقق؟ هذا دليل على أن هناك عالمًا تنتقش فيه صور الأشياء قبل أن تحدث، هناك عالم ترتسم فيه صور الأحداث، صور القضايا، قبل أن تتحقق، فإذا اتصلت النفس بذلك العالم، وقرأت صور الأشياء، رأتها في عالم المنام، ثم يأتي عالم التحقق فترى ما رأته في عالم المنام، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾، أيضًا التي لم تمت الله يتوفاها، يعني يستوفيها، ينقلها إلى عالم آخر، إذا انتقلت إلى العالم الآخر شاهدت الصور، صور ما سيجري في المستقبل، سواء كان طيبًا أو سيئًا، تقرأ الصور فتراها في المنام، ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.
إذن، عندنا رؤيا صادقة، والرؤيا الصادقة دليل على وجود عالم غير عالم المادة تتصل به النفس وتقرؤه، فهذا دليل على أن العالم الذي نعيش فيه لا ينحصر بعالم المادة، بل هناك عالم آخر اسمه عالم الغيب، عالم المجردات، تتصل به النفس، وتقرأ ما فيه، وبين عالمنا وذلك العالم تأثر وتأثير.
السؤال الثالث: ما هو البرهان على حاجتنا لمدد الغيب؟
هناك عالم غيب، سلمنا، هناك عالم مادة وهناك عالم غيب، ما هو الدليل على أن عالم المادة يحتاج إلى مدد من عالم الغيب، إسعاف من عالم الغيب؟ ما هو الدليل على ذلك؟ كل موجود خلق له حاجات، بما أن كل موجود خلق وله حاجات، لا بد من إشباع تلك الحاجات، من مصدر يكون مسانخًا في الهوية لتلك الحاجات، أشرح لك هذا المعنى: هناك قانونان عقليان:
القانون الأول: لا بد من إشباع الحاجات لكل موجود، وإلا لكان خلق الحاجات لغوًا، ولا بد أن يكون المصدر المشبع لهذه الحاجات مسانخًا في الهوية لتلك الحاجات، إذن عندنا قانونان أشرحهما لك بالمثال. عندنا عالم مادة له حاجات، الجسد شيء مادي، له حاجات مادية، الجسد يحتاج إلى الصحة، والصحة حاجة مادية، فلا بد أن يوفر الله مصدرًا لإشباع هذه الحاجة، إذ لو لم يفر مصدرًا لإشباع هذه الحاجة لكان وجود الحاجة لغوًا، واللغو والعبث قبيح، والقبيح لا يصدر من الحكيم، ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾، لا يوجد لعب، لا يوجد لغو، لا يوجد عبث. خلق الجسم محتاجًا إلى الصحة، إذن لا بد من مصدر يعطيك الصحة، وإلا لكانت حاجتك إلى الصحة لغوًا وعبثَا.
القانون الثاني: الصحة شيء مادي، لا بد أن يكون مصدرها أيضًا شيئًا ماديًا، لا بد أن يكون مصدرها مسانخًا لها، طعام سليم، بيئة سليمة، طريقة في الحياة سليمة، ما دامت الحاجة مادية لا بد أن يكون مصدرها أيضًا ماديًا، لماذا؟ قاعدة فلسفية: المعلول مسانخ للعلة، لا يمكن أن تكون العلة من نوع والمعلول من نوع، هل الفأر ينجب تفاحة؟! لا يمكن، التفاحة تنجب نارًا! النار تنجب ماء! الماء ينجب ورقًا! لا يمكن، لا بد من سنخية بين المعلول والعلة، لأن المعلول وجود مشتق من العلة، المعلول وجود مترشح من العلة، الحرارة تترشح من النار، إذن هناك مسانخة بين النار والحرارة، لا بد لكل علة من معلول يسانخها، ولا بد لكل معلول من علة تسانخه، لأن المعلول وجود مترشح من العلة.
لذلك، بما أن البدن يحتاج إلى الصحة، إذن لا بد من مصدر يوفر له الصحة، وإلا لكان وجود الحاجة لغوًا، ولا بد أن يكون هذا المصدر ماديًا، لأن الصحة مادية بمقتضى قاعدة السنخية بين العلة والمعلول. نأتي إلى الطفل، الطفل يحتاج إلى الحنان والاستقرار، هذه الحاجة ليست مادية، بل هي معنوية، فلا يمكن أن يكون مصدرها مصدرًا ماديًا، الطفل يحتاج للحنان، فلا بد من مصدر يشبع حاجته، وإلا لكان وجود الحاجة لغوًا، ولا بد أن يكون المصدر من سنخ الحاجة، بما أن الحاجة معنوية، إذن لا بد أن يكون المصدر معنويًا. حاجة الطفل إلى الحنان لا تشبعها إلا حنان أمه وعطفها، وحنان أمه شيء غير مادي، شيء معنوي، وإلا إذا جاءت أي امرأة وعانقت هذا الطفل مليون مرة بدون حنان لا تشبع حاجته للحنان، حاجته معنوية فمصدرها أيضًا لا بد أن يكون معنويًا.
نرجع إلى النفس الإنسانية، نحن أثبتنا في المحور السابق أن النفس الإنسانية وجود غير مادي، إذن حاجات النفس حاجات غير مادية، بما أن حاجات النفس غير حاجات البدن، البدن هو الذي يحتاج إلى الصحة، ويحتاج إلى الراحة، ويحتاج إلى الشبع، نحن نتكلم عن النفس، النفس غير مادية، حاجاتها غير مادية، لا بد من مصدر غير مادي حتى يتكفل إشباع حاجات النفس.
أضرب لك مثالًا واضحًا: النفس تحتاج إلى الإلهام، قد يقول قائل: في الثقافة الغربية لا توجد حاجة للإلهام! لا، حتى في الثقافة الغربية، لكسيس كارل في كتابه «الإنسان ذلك المجهول» يقول: إن جميع النوابغ – نوابغ العالم – مضافًا لامتلاكهم القدرة غير العادية على القراءة، يمتلكون الإشراق والتصور الخلاق، ما معنى الإشراق؟ يعني الإلهام، المخترع أديسون، أو المكتشف نيوتن، أو أمثالهما من النوابغ، وصل إلى ما وصل بقوة الإلهام، عنده إلهام.
هذا من حاجات النفس غير المادية، النفس بعد القراءة.. هذا إنسان نابغة، قرأ في الفيزياء، قرأ في الكيمياء، قرأ في الفلسفة، بعد قراءته في الفلسفة حتى يصل إلى اكتشاف نادر، حتى يصل إلى اختراع نادر، يحتاج إلى لمسة، يحتاج إلى لمحة، تلك اللمحة تسمى بالإلهام، الإشراق والتصور الخلاق. جوك هادمر – الرياضي الفرنسي – يقول: إن الإنسان يجد لديه إلهامات مفاجئة، وهذا ما يشعر به كل عالم محقق.
وصلنا إلى النتيجة: النفس تحتاج إلى الإلهام حتى تصل إلى مخترع نادر، حتى تصل إلى اكتشاف نادر، النفس تحتاج إلى الإلهام، الإلهام حاجة غير مادية، فلا بد لها من مصدر غير مادي يقوم بإشباعها بمقتضى السنخية بين العلة والمعلول، إذن ثبت بذلك أن هناك عالمًا غير مادي يشبع الحاجات غير المادية التي تحتاجها النفس، وثبت بذلك أن في ذلك العالم غير المادي تأثرًا وتأثيرًا.
السؤال الرابع: ما هي الحاجة للإيمان بعالم الغيب؟
يأتيك شخص ويقول لك: دع هذه الخرافات، الحياة قائمة، فما هي الجدوى في الإيمان بعالم الغيب؟ لماذا لا بد من أن نؤمن بعالم الغيب؟ من يأكل طعامًا ملوثًا يمرض آمن بعالم الغيب أو لم يؤمن، من يشرب سمًا يموت آمن بعالم الغيب أو لم يؤمن، من يضرب نفسه بسكين ينجرح آمن بعالم الغيب أو لم يؤمن، ما هو أثر عالم الغيب؟ أين أثره؟ آمنا بعالم الغيب أو لم نؤمن، ما هو أثر ذلك على سلوكنا، على حياتنا، على تصرفاتنا؟ أي فرق بيني وبين جاري؟
أنا مسلم، أؤمن بعالم الغيب، جاري غير مسلم ولا يؤمن بعالم الغيب، أنا أمرض وهو يمرض، لا يوجد فرق بيننا، أنا لو شربت شرابًا ملوثًا أمرض، هو لو شرب شرابًا ملوثًا يمرض، ما هو الفرق؟! أنا آمنت بعالم الغيب، لكن هو قال: أنا لا أؤمن بعالم الغيب؟ أي فرق بيني وبينه؟ لا يوجد فرق، فلماذا هذه الضجة على عالم الغيب؟! ما هي جدوى الإيمان بعالم الغيب؟! ما هو أثر الإيمان بعالم الغيب؟ نحن لا نرى فرقًا بين المادي وغير المادي، الملحد والمؤمن، هم سواء في الأمراض، في الأتعاب، في المشاكل، فأي فرق آمن بعالم الغيب أو لم يؤمن؟
الجواب: ذكرنا في الليلة السابقة أن حاجة الإنسان لما وراء المادة، للخالق تبارك وتعالى، حاجة ذاتية، في كل آن هو يحتاج إلى المدد، لأن كل عالم الوجود متحرك، لا يوجد شيء ثابت لا يتحرك أبدًا، هذا حتى علميًا، كل شيء متحرك، كل شيء يسير في حركة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم:﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾، كل موجود متحرك، لا يوجد شيء ثابت لا يتحرك، بما أن كل موجود متحرك، والحركة تعني الانتقال من وجود إلى وجود، من مرحلة إلى مرحلة، من شكل إلى شكل آخر.
هذا الجسد الذي أنت تلبسه في كل لحظة تموت منه مئات الخلايا وتحيا منه مئات الخلايا، حتى هذا الجسد، في دقيقة واحدة أنت تعيش موتًا وحياة، موتًا وحياة، موتًا وحياة، كل دقيقة تمر على الإنسان هو يعيش بين الموت والحياة، تموت مئات الحياة، تحيا مئات الحياة، إذن الإنسان دائمًا في حركة، دائمًا في انتقال من حال إلى حال، من وجود إلى وجود، بما أن كل الوجود في حركة وفي انتقال من حال إلى حال، فهو يحتاج إلى مصدر المدد الذي يواكب حركته ويمده في كل لحظة بالعطاء، بالوجود، بالحياة، بالمدد، لذلك كانت حاجة الإنسان إلى الله حاجة ذاتية متجددة في كل آن وفي كل لحظة، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾. نأتي لنبين الحاجات إلى عالم الغيب، الحاجات إلى المدد، الحاجة إلى الإيمان بالغيب.
الحاجة الأولى: حاجة الإنسان إلى الأمن النفسي.
ماسلو – من علماء الإدارة – يقول: هناك ثلاث حاجات أساسية للإنسان: حاجته للانتماء، حاجته للتقدير، حاجته للأمن، لا يستطيع الإنسان أن ينتج، لا يستطيع الإنسان أن يعطي، لا يستطيع الإنسان أن يبدع، إلا إذا كان آمنًا مطمئنًا، حاجة الإنسان إلى الأمن، لا أقصد الأمن الاجتماعي، بل الأمن النفسي، حاجة الإنسان إلى الأمن النفسي حاجة ذاتية.
وهذه الحاجة يوفرها الإيمان بعالم الغيب، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، الإيمان بالغيب، الإيمان بما وراء المادة يكسبك حالة من الاطمئنان، حالة من الهدوء، حالة من الاستقرار.
الإنسان المادي الذي لا يؤمن بغيب، بمجرد أن يصيبه مرض أو خوف أو أصابته مشكلة أو أصابه ظرف مستعصٍ تراه يعيش حالة من القلق، من التوتر، من الانهزام، من التراجع، من الإحباط، لكن من يمتلك إيمانًا تجده مستقرًا مطمئنًا، لأنه يؤمن بأن هناك غيبًا يمده بالحركة والنشاط، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا﴾، هذا كلام المؤمن بعالم الغيب، أما الذي لا يؤمن يقول: عندي مشاكل وقضايا فكيف تريدني لا أقلق؟! ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
الحاجة الثانية: هل للسنن التشريعية تأثير على السنن الكونية؟
تعبير السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر «قدس سره»، هل للسنن التشريعية تأثير على السنن الكونية أم لا؟ هنا يختلف المادي والمؤمن بعالم الغيب، الفرق بين المؤمن وبين الإنسان المادي هنا، الإنسان العادي يقول: ليس له تأثير، أنا إن مرضت لا شفاء لي إلا بالدواء، تصدقت أو لم أتصدق، هذه هدرة! لأنه مادي لا يؤمن، لا أثر للسنن التشريعية على السنن الكونية، بما أني مريض لا شفاء لي إلا بالدواء، بما أنني أصبت بحادث معين إذن عمري مقيد محدود بأجل معين، لا تأثير للصدقة ولا للدعاء ولا للنافلة ولا لدعاء الوالدين ولا ولا ولا، لا تأثير في عالم المادة إلا للعوامل المادية، هذا كلام من لا يؤمن بعالم الغيب.
أما المؤمن بعالم الغيب فيقول: عمري، رزقي، راحتي، صحتي، كما تتأثر بالعوامل المادية تتأثر بالسنن التشريعية، وقد ورد في الحديث: ”الصدقة تدفع البلاء وقد أبرم إبرامًا“، وورد في الحديث الشريف عن النبي محمد : ”صلة الرحم تزكي الأموال، وتعمر الديار، وتنسئ الآجال“، يعني تطيل العمر.
إذن الفرق بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن.. كيف تقول لا توجد جدوى للإيمان بعالم الغيب؟! الجدوى للإيمان بعالم الغيب أن الإيمان بعالم الغيب يحفزك على هذه الأمور، الصدقة، الدعاء، النافلة، بر الوالدين، صلة الرحم، الإيمان بعالم الغيب عنصر محفز على هذه الأمور المعنوية، لأن لها تأثيرًا على حياتك وتوفيقك ورزقك وصحتك وعمرك.
الحاجة الثالثة: هل سيأتي يوم ستنتصر فيه الفضيلة؟
إذا كنا لا نؤمن بعالم الغيب، لا يوجد إلا عالم المادة، لا توجد إلا أسباب مادية، لن نؤمن بانتصار الفضيلة أبدًا، إذا تواجه معسكران، الآن في حياتنا، في زماننا، المواجهة بين الحق والباطل واضحة، إذا تقابل معسكر الحق ومعسكر الباطل، كيف يقرأ المادي المعركة وكيف يقرأ المؤمن المعركة؟ المادي لا يمكن أن تنتصر فئة على فئة إلا بالأسلحة المادية، ومن يقول لك: ستنتصر الفضيلة يومًا من الأيام، سينتصر الحق، سينتصر الإيمان، هذا كله كلام فارغ في نظر الإنسان المادي، لأنه لا يرى إلا الأسباب المادية، فما لم يكن كل فئة تمتلك الأسلحة الكافية للانتصار فلن تنتصر.
أما المؤمن بعالم الغيب فهو يؤمن بأن هناك نصرًا للفضيلة، ﴿كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾، القرآن الكريم يقول: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، ويقول القرآن الكريم: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾، ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
إذن من يؤمن بالغيب يؤمن بأن الفضيلة ستنتصر حتمًا يومًا من الأيام، وأن الحق سينتصر حتمًا يومًا من الأيام، صحيح يحتاج الانتصار إلى إعداد مادي، هذا لا ينكر، يحتاج الانتصار إلى أسباب مادية، لكن الأسباب المادية وحدها ليست هي العامل الحاسم للمعركة، العامل الحاسم في المعركة يحتاج إلى مدد غيبي، ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً﴾.
إذن، الإيمان بالغيب يعني الإيمان أن الفضيلة تنتصر، أن الحق ينتصر، أن المبادئ تنتصر، كل شعب يعيش معركة ضد الباطل فهو سينتصر يومًا من الأيام ما دام هناك إيمان بعالم الغيب ومدد الغيب. لأجل ذلك، تبين لنا ما هي الحاجة للإيمان بالغيب، وما هو جدوى الإيمان بالغيب على نظراتنا وسلوكنا وتصرفاتنا، ولأجل الإيمان بالغيب بادر الحسين بن علي، وإلا فليس عنده سوى 72 شخصًا وأمامه جيش ساحق، لولا إيمان الحسين بأنه سينتصر، وبأن دمه سينتصر، وبأن قضيته ستنتصر لما خاض المعركة.
—————————————-
موقع سماحة السيد منير الخباز
اترك تعليقاً