السلام عليكم سماحة السيد منير الخباز، وزاد الله في توفيقكم..
سمعنا مقطعاً من محاضرة لكم تتحدثون عن حكم أكل اللحم المُشترى من المطاعم في بلادنا، وذكرتم فيها أنّ الوظيفة هي السؤال من الثقة قبل الأكل، مع أنّ لدينا استفتاءً من مكتب السيد السيستاني – حفظه الله – في قم المشرّفة، ينصّ على جواز الأكل من دون سؤال، اعتماداً على سوق المسلمين، وأنّها طريقٌ شرعيٌّ يجوز الاعتماد عليه، حتى وإن علم المكلف بوجود لحوم مُحرّمة في السوق، وإليكم نص الاستفتاء:
سماحة الإمام السيد علي السيستاني دام ظله العالي، وبعد:
مسألة: نحن نعيش في بلد إسلامي معروف وتقوم الدولة فيه باستيراد اللحوم من الخارج كالبرازيل وغيرها وفي السوق توجد لحوم بلدية مذكية ولحوم مستوردة ولعلها الأكثر وعليه:
الجواب: بسمه تعالى شأنه، يجوز الأكل.
الجواب: نعم يجوز أيضاً.
الجواب: فرض غير متصور عادة.
الجواب: لا تأثير للحلال.
29/ج2 /1436هـ
الختم
مكتب آية الله العظمى السيستاني، قم.
رابط الاستفتاء الخطي لمكتب قم المشرّفة: https://goo.gl/BZOTOv
فما هو تعليقكم؟
بسم الله والصلاة على المصطفى وآله الطاهرين، وبعد:
هنا أمور:
1 – لا إشكال في أنّ الشرع المقدس وضع طرقاً لتمييز اللحم الحلال من الحرام عند الشك في حلية اللحم، ومنها:
- سوق المسلمين: أي السوق التي يباع فيها اللحم في بلاد المسلمين، والغالب على البائعين أنهم من صنف المسلمين.
- ومنها يد المسلم: كما لو وجدنا لحماً تحت يد المسلم يتصرف فيه تصرّفاً يتوقف على التذكية، كالأكل، والإطعام.
فإنّه يجوز الاعتماد على هذه الطرق لإثبات حلية اللحم، وجواز تناوله.
ولكن ما هي الحالات المستثناة من هذا الحكم؟
«تستبين مما يأتي»
2 – يُنقل استفتاء لسيدنا الخوئي «قده» في صراط النجاة، ومحصله أنّه إذا علم المكلف بكثرة الميتة في السوق، فإنّه ليس له أن يعتمد على طريق سوق المسلمين، بل لا بد له من السؤال من الثقة، وهذا يعني أنّه لو علم بوجود لحم مشكوك التذكية، أو علم بوجود ميتة، فإنه لا يمنع من جواز الاعتماد على السوق، وإنما الذي يمنع هو العلم بكثرة الميتة.
وهذا نصّ السؤال:
3 – أنّ السيد السيستاني – دام ظله – زاد بعض القيود على ما ذكره سيدنا الخوئي «قده»، فإنّه مضافاً لما ذكره السيد الخوئي «ره» من اشتراط كون المعلوم هو اللحم الميتة، أي اللحم المعلوم كونه غير مذكى، سواءً علم به وجداناً، أو قامت حجة على عدم تذكيته، ولا يكفي في عدم التعويل على سوق المسلمين العلم بوجود مشكوك التذكية، مع ذلك لم يكتفِ السيد السيستاني – حفظه الله – بالعلم بوجود الميتة، ولا بكثرتها في السوق أو في المطاعم، بل وضع شروطاً أخرى:
1 – أن تكون الميتة المعلومة – سواءً كانت كثيرةً أو قليلةً – ضمن شبهةٍ محصورةٍ؛ بمعنى أن يكون احتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كلِّ طرفٍ احتمالاً عقلائياً، لا احتمالاً موهوماً، فمثلاً لو علم بأنَّ أحد المطاعم العشرة في بلده لا يقدم إلاّ اللحم الميتة – أيّ غير المذكى -، وإن كان لا يميزه من بين المطاعم العشرة، كان احتمال انطباق اللحم الميتة على ما يقدمه كلّ مطعمٍ منها واحداً من عشرة، وهو احتمالٌ عقلائيٌّ، بخلاف ما لو كان احتمال الانطباق احتمالاً موهوماً لا يعتني به العقلاء، كما لو علم بوجود مطعم كلّ لحمه لحم ميتة ضمن ألف مطعمٍ وسوقٍ، أو ضمن مطاعم المنطقة الشرقية كلّها، فإنّ احتمال انطباقه على ما يقدمه كلّ مطعم واحدٌ بالألف، وهو احتمالٌ ضئيلٌ غير مُعتنى به.
2 – أن تكون الأطراف محل الابتلاء؛ بأن تكون مورداً لتعامله، فمثلاً لو علم بأنَّ أحد المطاعم التي يتعامل معها هذا الأسبوع لحمه لحم ميتة، فهذه المطاعم كلّها محلّ ابتلائه، أمّا لو علم بوجود لحم الميتة في أحد مطاعم البلد، لكنّه لا يتعامل مع جميعها، فليست كلّها داخلةً في محلّ ابتلائه.
وبالتالي؛ فإنّ العلم الإجمالي الذي يمنع من الاعتماد على سوق المسلمين ليس مجرد العلم بوجود الميتة ضمن أحد المطاعم، ولا العلم بكثرة وجود الميتة في مطاعم البلد، بل العلم الإجمالي الجامع للشروط السابقة، ويتضح ذلك بمراجعة الاستفتاء المرفق ضمن هذا الجواب، وقد أمضى هذا الاستفتاء الصادر من مكتب النجف الاشرف سماحة الفقيه السيد محمد رضا نجل السيد السيستاني – دام ظله -.
وهذا نصّه:
”إلى مكتب سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف“
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد…
بسمه تعالى
إذا كانت الميتة المعلومة الكثرة بحيث يكون احتمالها في كلّ طرفٍ من الأطراف احتمالاً معتدّاً به: وجب الاجتناب عنه، إلاّ أن يخرج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، فلا يجب الاجتناب عمّا هو محل الابتلاء أيضاً. وأمّا إن كان احتمالها احتمالاً موهوماً: فلا يجب الاجتناب عنه.
ظهر حكمه مما تقدم.
الختم:
مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف
أجوبة المسائل الشرعيّة
7 /صفر/1435هـ
رابط استفتاء مكتب النجف الأشرف الخطي: https://goo.gl/HYz2ZQ
4 – إنّ الاستفتاء المنقول عن مكتب قم المشرّفة صحيحٌ، لكنه لم يُجِب عن فرض وجود العلم الإجمالي المُنَجَّز، بل قال إنَّه فرضٌ غير متصوَّر عادةً، مع أنَّه فرضٌ قد يحصل لكثيرٍ من النّاس في هذه الأيّام، ولو أجاب بالنحو المذكور في جواب مكتب النّجف لكان أفضل.
5 – ينبغي للمؤمن التحرّز والتثبّت، والعمل بالاحتياط في هذه الأيام، في التحفظ على جوفه وبطون عياله عن تناول اللحوم من مطاعم البلد التي تعتمد في كثير من وجباتها على اللحوم المستوردة، لكثرة الأمراض المستندة لتلك اللحوم، ونقل الثقات عن وجود اللحم الحرام فيها بكثرة، فالاحتياط سبيل النجاة، بل الاسترسال في أكل اللحوم المنتشرة قد يؤدي للوقوع في أكل الحرام، الذي يترتب عليه في الجملة آثار روحيّة وخيمة، مثل قساوة القلب – والعياذ بالله -.
وما ذكرته في المحاضرة المشار إليها لم يكن إلغاءً لطريق سوق المسلمين، كما أوضحته في نهاية المحاضرة لمن سمعها بتمامها، وإنَّما كان إرشاداً وتنبيهاً على حسن الاحتياط في الشبهات، وأهمية التحرّز والتثبّت في غذاء المؤمن الذي يُسأل عنه في حشره ونشره، هذا إذا كان المورد شبهةً، وأمّا إذا علم بكثرة الميتة في السوق؛ فإنَّه يحرم عليه تناول اللحم بحسب فتوى السيد الخوئي، أو علم بوجود الميتة بنحو الشبهة المحصورة في أطراف داخلة في محلّ الابتلاء، فإنَّ وظيفته الاجتناب عن اللّحم على ضوء الاستفتاء الصادر من مكتب السيد السيستاني – حفظه الله -، ما لم يعتمد على حجّةٍ شرعيةٍ في حلية اللّحم، مثل السؤال من الثقة.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق لمرضات الله، وحفظ أنفسنا وأهلينا من التلوث بخبث المحرمات، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة على النبيّ وآله الطاهرين،،،
——————————–
شبكة المنير
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً