حكم محاذاة المرأة للرجل حال الصلاة
(آية الله الشيخ محمد الهاجري)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.
يقول الحقير المذنب والمسكين العاصي محمد بن سليمان الهاجري: أنه لما ذكرت القول في الصلاة أمام قبر الإمام والمختار ناسب الموضوع أن نتكلم في مقامات ثلاثة(1 ):-
المقام الأول:-
في حكم صلاة الرجل والمرأة مع المحاذاة، وتقدم المرأة عليه مع عدم الفاصل والحائل، فالأقوال في ذلك أربعة: الأول: البطلان مطلقًا مع عدم حصول أحد الأمرين المذكورين.
الثاني: الكراهة مطلقًا كذلك.
الثالث: التفصيل بين الفصل بينهما بشبر أقله، فالكراهة إلى منتهى الفصل بالعشرة الأذرع، وعدمه فالبطلان.
الرابع: التفصيل في المكان، فالجواز إن كان بمكة، والمنع في غيرها.
وحكي عن المقنع قولاً يكون خامسًا: وهو التفصيل في الموقف الجواز مع المحاذاة والبطلان مع تقدم المرأة، لكن حكي المناقشة عن الفاضل الهندي فيما نسب إلى المقنعة.
الأقوال في المسألة
وكيف كان محل الكلام والمهم ذكر الأدلة لا ذكر الأقوال فقط.
أما القول الأول: فهو المنسوب إلى أكثر القدماء أو العلماء، بل هو المشهور كما هو عن الجواهر(2 ) بل ادعى الإجماع عليه، وبدل عليه مضافًا إلى ما ذكر صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل، يصليان جميعًا؟ فقال: (لا، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة)( 3).
وصحيح ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ فقال: (لا، إلا أن تتقدم هي أو أنت، ولا بأس أن تصلي وهي بحذاك جالسة أو قائمة) ( 4).
والظاهر من قوله عليه السلام: (إلا أن تتقدم هي أو أنت)التقدم في فعل الصلاة لا التقدم المكاني.
وصحيح القمي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنبه، فقال: (إن كانت قاعدة فلا يضرك، وإن كانت تصلي فلا) ( 5).
وخبر عبدالرحمن قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يصلي والمرأة بحذاه عن يمينه، أو يساره، فقال: لا بأس به إذا كانت لا تصلي(6 ) .
ويدل عليه أيضًا صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن المرأة تصلي عند الرجل فقال : لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره (7 ).
وموثق عمار الساباطي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال: لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع( 8). إلى غير ذلك من الأخبار. وأما القول الثاني: وهو الجواز مطلقًا مع الكراهة منسوب إلى السيد من القدماء ولأكثر المتأخرين بل هو المشهور بين المتأخرين كما قيل( 9) . ويستدل له بأنه مقتضى الجمع بين ما دل على المنع من الأخبار السابقة وما يدل على الجواز كصحيح جميل عن الصادق عليه السلام: (لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد)( 10).
وصحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما سميت مكة بكة لأنه يبك فيها الرجال والنساء، والمرأة تصلى بين يديك وعن يمينك وعن شمالك (وعن يسارك) ومعك ولا بأس بذلك، وإنما يكره في سائر البلدان ( 11). ومورد نفي البأس وإن كان بمكة ولكن لعدم القول بالفصل يتم المطلوب ونفي البأس نص في الجواز فتكون الكراهة في غير مكة بالمعنى المصطلح.
وخبر الحسن بن علي بن فضال عمن أخبره عن جميل عن أبي عبدالله عليه السلام: الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه، قال: لا بأس(12 ).
وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهم السلام قال: سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى قال: لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما شبر أجزأه( 13).
يعني إذا كان الرجل متقدمًا للمرأة بشبر؛ فإن (لا ينبغي) ظاهر في الكراهة فليتأمل.
وهذه الأخبار الأخيرة نص في الجواز والأخبار المانعة ظاهرة فيه ومقتضى الصناعة أن تحمل الأخبار المانعة على الكراهة، ويؤيد هذا القول اختلاف الأخبار في تحديد الفصل قلة وكثرة وتوسطًا كالشبر والذراع وما لا يتخطى، فإن اختلاف التقدير دليل على الجواز بالمعنى الأعم، وأن لم يكن فاصل مطلقًا، فكما أن التقديرات بالنزح في البئر عند حصول ملاقاة النجاسة لها فاختلاف التقديرات قلة وكثرة دليل على عدم الانفعال كذلك ما نحن فيه.
وقد يخدش فيما ذكر من أدلة الجواز أن صحيح جميل بمقتضى التعليل يحتمل التصحيف فيه إذ الاستدلال وتعليل من الإمام بأن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض لا يناسب صدر الحديث فلعل كلمة أن تصلي المرأة مضطجعة (تضطجع) لكي يناسب التعليل.
وفيه: أن هذا الاحتمال خلاف الأصول العقلائية وقوله عليه السلام فإن النبي صلى الله عليه وآله (إلى أخر) يحتمل إرادة الاستدلال على الجواز حال الصلاة بطريقة الأولوية أو بطريق عدم التفصيل بين المسلمين أو بغير ذلك فليتأمل.
وأما خبر ابن فضال فهو مرسل لا يصلح للحجية ودعوى انجباره بالعمل والشهرة وأن الراوي من أصحاب الإجماع وأنه داخل تحت قول الإمام العسكري عليه السلام (خذوا ما رووا)(14 ) مدفوعة بعدم إحراز أن القول المذكور مستند إليه مع أن الشهرة العملية على القول بها كما هو الأظهر إنما تجبر الخبر إذا كانت الشهرة العملية بالخبر من القدماء وما نحن فيه لم يكن كذلك ولعل عمل المشهور استنادًا إلى الصحيحتين اللتان لجميل وفضيل وقد عرفت الخدشة في الأولى وستعرفها في الثانية.
وأن الشهرة على تقدير تسليم الاستناد إلى المرسل المذكور لا يثبت حجية لكونها من المتأخرين وكون ابن فضال من أصحاب الإجماع لا يثبت أكثر من وثاقته وتتبثه، فلا يثبت بحجية ما أخبر به مطلقًا وإن كان مرسلاً أو عن ضعيف.
وقول الإمام العسكري عليه السلام (خذوا ما رووا) لا يدل على حجية كل ما رووا بل في بيان أنهم ـ وإن كانوا فطحية ـ فلا بأس بما رووا وأن كتبهم المروية عن الصادقين عليهم السلام يعتمد عليها وليست كغيرها من كتب الضلال.
ولو قلنا بحجية المرسل المذكور فهو مطلق قابل للتقييد، فيقيد بالأخبار الدالة على وجوب الفصل، وأما الاستدلال على الجواز بصحيح الفضيل فظاهره الجواز في مكة فقط وحمل قوله عليه السلام ( إنما يكره في سائر البلدان) على الكراهة المصطلحة لظهور (يكره) فيها غير معلوم في ألسنة الأخبار حتى يتم الاستدلال بالصحيح المذكور على المدعى، ودعوى عدم القول بالفصل غير متحقق بل تحقق القول به كما عن (الحدائق) مع أن الصحيح المذكور ظاهر ومورده في القول بالفصل فلا يمكن الاستدلال به على عدم القول بالفصل.
وأما صحيح ابن مسلم مع أنه أخص بالمدعى فهو دليل بالقول الثالث ودعوى اشتماله على “لا ينبغي” الظاهر في الكراهة بدون الفصل بشبر ممنوعة فإن (لا ينبغي) ليس له ظهور فيها، ففي ذيله ما هو على العكس.
وأما الاختلاف في التقدير بالفصل فلا يدل على الجواز مع عدم الفصل مطلقًا بل غايته الدلالة على اختلاف مراتب الكراهة شدة وخفة مع حصول الفصل لا مع عدمه، وفي البئر إنما قلنا عدم الانفعال فليس من جهة اختلاف التقديرات بل من جهة الدليل الدال على عدم انفعال البئر بمجرد ملاقاة النجاسة فاختلاف التحديد في الفصل بين الرجل والمرأة ليس فيها تأييد لعدم الجواز مع وضوح الفرق بين المقامين.
وعلى تقدير تمامية الاستدلال بما ذكر من الأخبار المجوزة مطلقا بمعنى ظهورها في الجواز مطلقًا تعارضها الأخبار المانعة إلا مع الفصل كخبر أبي بصير المرادي قال سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاء، قال: (لا إلا أن يكون بينهما شبرا أو ذراع)(15 )، وقريب منه خبره الأخر( 16).
وصحيح ابن وهب عن أبي عبدالله عليه السلام عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد قال: (إذا كان بينهما قدر شبر حملت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس)(17 ).
وصحيح زرارة عن أبي جعفر قال: قلت له المرأة والرجل يصلي كل واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: (نعم إذا كان بينهما قدر موضع رحل)( 18).
وصحيحه الآخر قال: قلت له المرأة تصلي حيال زوجها، قال: (تصلي بإزاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع) ( 19).
إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على جوب الفصل وإن اختلفت في تحديده قلة وكثرة، فتحمل ما دل على الكثرة على خفة الكراهة إلى أن يبلغ الفصل بما يرفع الكراهة كالعشرة الأذرع.
فإذا نظرنا إلى الطائفة الأولى التي ظاهرها المنع، وإلى الطائفة الثانية التي ظاهرها الجواز مطلقًا، وجمعنا بينهما بحمل الطائفة الأولى على الكراهة من باب حمل الظاهر على الأظهر يعارض الطائفة الثانية التي ظاهرها الجواز مطلقًا الإخبار الأخيرة الدالة على وجوب الفصل فيقيد إطلاقها بها؛ لأنه مقتضى الجمع بين المطلق والمقيد وان جعلنا الأخبار الدالة على الفصل في عرض الطائفتين تعين الجمع بين الطوائف الثلاث بتقييد كل من الطائفتين الدالة على عدم الجواز، والطائفة الدالة على الجواز مطلقًا بالأخبار الدالة على وجوب الفصل، هذا على تقدير ظهور الطائفة الثانية في الجواز وأما على تقدير قصورها في الدلالة أو الحجية فيقع التعارض بين الطائفة الأولى الدالة على المنع وبين ما دل على الجواز مع حصول الفصل بشبر أو ذراع فيقيد أو يخصص إطلاق الطائفة المانعة بما دل على الجواز مع حصول الفصل بما ذكر فيرتفع التنافي، فيتعين القول الثالث المنسوب إلى الجحفي ودليله ما ذكرنا من أنه مقتضى الجمع بين الأخبار الشريفة.
وما ذكره صاحب (المستمسك) وأورده على هذا القول من أنه يلزم من هذا القول العمل ببعض النصوص وطرح بعض( 20) غير وارد بل ما أورده يرد على القول بالجواز مطلقًا الذي هو اختاره( 21) فليتأمل جيدًا.
فتلخص مما ذكرنا أن الأقرب بالنسبة إلى التأمل في الأخبار والجمع بينها أنه لا تجوز الصلاة لمحاذي المرأة أو المتأخر عنها من الرجال حال صلاة المرأة إلا مع وجود فصل بينهما أقله شبر أو ذراع لكن مع الكراهة، وخفتها مع الذراع وشبهه، وترتفع الكراهة مع الفصل بعشرة أذرع، نعم يمكن أن يقال أن وجوب الفصل بالشبر الذي هو الأقل خاص في غير مسجد الحرام، وأما في المسجد فلا يشترط الفصل لصحيح الفضيل المتقدم ومورده وإن كان مكة لكن لمناسبة الحكم للموضوع يختص الحكم بالمسجد ويحتمل عموم مكة بقرينة الاستثناء والله أعلم.
وأما القول الرابع: الذي هو التفصيل بين مكة وغيرها فيجوز فيها، ولا يجوز في غيرها كما يظهر من (الحدائق) فإنه قال فيها بعد أن ذكر صحيح الفضيل: (وفي هذا الخبر ما يدل على استثناء مكة شرفها الله تعالى عن هذا الحكم وربما أشعر ظاهر بتعلق الحكم بالبلد مطلقًا إلا أنه لا يبعد إرادة المسجد من هذا اللفظ باعتبار كونها مجمعًا للرجال والنساء لا سيما في حال الطواف)(22 ) انتهى كلامه رفع مقامه ودليل هذا القول الصحيح المشار إليه فليتأمل.
فرع: هل المدار في الحكم المذكور من البطلان أو الكراهة على كون الصلاة صدرت عن عمد والتفات إلى الحكم والموضوع فلا يشمل الجاهل والناسي لهما أو لأحدهما أو يشمل مقتضى القاعدة الأولية؟.
المستفاد من أخبار الباب عدم الفرق لكون المتبادر من النواهي والأوامر المتعلقة بكيفية الأعمال من العبادات وشبهها الإرشاد إلى المانعية أو الشرطية أو الجزئية فالنهي عن الصلاة للرجل بحذاء المرأة إرشاديٍ إلى المانعية لكن ببركات قوله عليه السلام: (لا تعاد الصلاة إلا من خمس)( 23) يختص الحكم بالعامد الملتفت لحكومته على الإطلاقات المذكورة، نعم لو قيل باختصاصه بالناس كان حكم الجاهل كالعامد لكن الأظهر عمومه لهما.
تنبيه: المدار فيما ذكر من الحكم ببطلان أو الكراهة على الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة للأعم لا لما قيل من دعوة الانصراف إلى الصحيحة بل لأن النواهي والأوامر في ما نحن فيه إرشاد إلى المانعية أو الشرطية أو الجزائية لا تكليفية فما عن (جامع المقاصد) و (الروضة) و(الإيضاح) على ما حكي عنها( 24) من احتمال العموم الباطلة لصدق الصلاة على الفاسدة لا وجه له وإن قلنا بأن الصلاة اسم للأعم.
مسائل:
المسألة الأولى:
لا أشكال في رفع المنع أو الكراهة على القولين بحصول الحائل في الجملة، أما لو كان الحائل ساترًا عن المشاهدة فهو من أوضح مصاديق الحيلولة، وأما لو كان الحائل في الجملة كحائط وشبهه وإن لم يمنع المشاهد فهو من مصاديقها أيضًا ويرتفع به المحذور ويدل على ذلك خبر علي بن جعفر المروي في (قرب الإسناد) عن الإمام الكاظم قال:سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي وهو يراها وتراه قال: (إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس)( 25).
وكذلك لو كان بينهما ستر، ويدل على ذلك خبر الحلبي قال سألته -يعني أبا عبدالله عليه السلام- عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى، قال: (لا ينبغي ذلك إلا أن يكون بينهما ستر فإن كان بينهما سترًا أجزأه)(26 ).
وأما صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة تصلي عند الرجل، قال: (إذا كان بينهما حاجز فلا بأس)( 27)، فالاستدلال به على ما نحن فيه لا يخلو من مناقشة لعدم تعرضه لكون الرجل يصلي فليتأمل،نعم يدل على ذلك صحيح علي بن جعفر عليه السلام، قال: وسألته عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه، قال: (لا بأس)( 28). والكوى جمع كوة بمد وبقصر، والكوة: الخرق في الحائط راجع (القاموس) ( 29) و(مجمع البحرين)(30 ). نعم لو كان الحائل كالزجاج أو الشباك الذي لا يمنعان المشاهدة ( 31) فهل يرتفع بهما المحذور كما يرتفع بالساتر وبالحائط الذي لا يمنعان المشاهدة( 32) في الجملة مقتضى خبر الحلبي لا يكفي وصحيح ابن جعفر وخبره موردهم الحائط الذي يتحقق به الستر في الجملة بخلاف الزجاج والشباك فليتأمل،نعم صحيح ابن مسلم لو استظهر منه انه مما نحن فيه يدل على الموضوع( 33).
المسألة الثانية:
لو حصل التقدم في فعل الصلاة من أحدهما ودخل الأخر في الصلاة قبل فراغ الأول منها فهل يختص البطلان أو الكراهة بالمتأخر أو يعم كلا الصلاتين كالاقتران، أو التفصيل بين القول بالحرمة فيعمم والكراهة فلأقوال ثلاثة:-
الأول: ما ينسب إلى (المدارك)، و(كشف اللثام) ( 34)، وغيرهما وصرح به صاحب (العروة) (35 )هو الاختصاص بالمتأخر ويستدل بأمور:
الأول: صحيح علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن إمام كان في الظهر وكان امرأة بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال:(لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة)(36 ).
الثاني: صحيح أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (لا يقطع الصلاة شيء لا كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشيء…) ( 37). وقريب منه غيره(38 )ووجه الاستدلال بما ذكر أن شيئًا نكرة وقعت في حيز النفي وذلك يفيد العموم فإن الصلاة لا يقطعها شيء بعد انعقادها صحيحة إلا ما قام الدليل عليه، وما نحن فيه لم يقم دليل عليه.
الثالث: يستبعد بطلان الصلاة إن عقدت صحيحة بفعل الغير.
الرابع: أن النهي مختص بالمتأخرة فتفسد لاقتضاء النهي الفساد، فلا تنعقد فليست بصلاة فكيف تبطل صلاة انعقدت صحيحة وليس كذلك الاقتران لعدم إحراز انعقاد أحدهما لعدم الأولوية وفي جميع الأمور المذكورة نظر وخدشة.
أما الصحيح الأول فغير واضح [منه] أن وجه تخصيص المرأة بالإعادة لخصوص كونها متأخرة بالدخول في الصلاة بعدهم حتى يتم المدعى بل من المحتمل ان وجه الإعادة عدم تأخرها عن الإمام الذي هو شرط في الإتمام بالنسبة إلى النساء بالرجال أو لعدم جواز الاقتداء في العصر بظهر الإمام كما حكي المنع عن ذلك لوالد الصدوق( 39)، ويحتمل أن وجه الإعادة عليها أنها نوت الصلاة التي نواها الإمام على نحو المقيدية فبان الخلاف.
وقال في (الوسائل) بعد ذكر هذه الصحيحة في (باب جواز اقتداء المفترض بمثله وإن اختلف الفرضان) وحملها على بعض الوجوه المذكورة (أن الحديث موافق للتقية بل لأشهر مذاهب العامة)( 40)، فهذه الصحيحة بجملة لا يمكن الاستدلال بها على المدعى. وأما صحيح أبي بصير فهو خارج عما نحن فيه والعموم المستفاد منه إضافي بالنسبة إلى المرور بين يدي المصلي كما [هو]واضح، لاسيما إذا نظر إلى ذيله.
وأما دعوى استبعاد بطلان عمل بفعل الغير فهو استبعاد محض فلا يثبت به حكم شرعي ولا يوجب منع ما يدل عليه من الدليل الشرعي.
وأما الدليل الرابع: فقد قواه الفقيه الهمداني وحكم بصحة السابقة وبطلان اللاحقة بعد أن قال أن الصلاة اللاحقة(كصلاة المحدث صورة صلاة، لا صلاة حقيقة فلا يتنجز بواسطتها النهي في حق الرجل) إلى أن قال:(لأنه فرع تحقق موضوعه)، ثم ذكر ما يمكن أن يقال قال في توجيه صحة النهي وتعلق بالمتأخرة والمتقدمة قال: (لا يقال أن الفساد الناشئ من قبل هذا الحكم لا يصلح أن يكون مانعًا عن تحقق موضوعه فالمراد بالصلاة في الرواية الناهية عن أن يصلي الرجل وبحياله امرأة تصلي هو العمل الذي يكون صلاة لولا الشرطية المستفادة من هذا النهي نظير نهي الحائض عن الصلاة فإنه يراد به النهي عن العمل الذي هو صلاة لولا الحيض وكيف لا وإلا لا تنقض بصورة الاقتران) فإن شيئًا منهما ليس بصلاة مع أن كلا منهما مانع عن صحة الأخرى(41 )، ثم أجاب عن هذا التوهم [بـ]ما ملخصه بأن هذا تأويل لا يصار إليه إلا بالقرينة العقلية المرشدة إليه كما في صلاة الحائض والاقتران.
وأما ما نحن فيه لا داعي إلى [ارتكاب] خلاف الظاهر وارتكاب التكلف ولا مانع عقلا فيما نحن فيه أن يكون شرط صحة صلاة الرجل أن لا تكون امرأة بحذائه تصلي وفي المرأة بالعكس وفيما ذكر من الدليل والدفع نظر ومناقشة.
أما دعوى اختصاص النهي بالمتأخرة فهو مصادرة مع إطلاق الدليل وشموله للاقتران والترتيب.
وأما التفكيك بين صورة الاقتران والترتيب[ففيه] مع كون الدليل مطلقًا بالنسبة إليهما كقوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم (يصليان جميعًا، قال: لا)، فحمل هذا الصحيح وما يقربه منه على أن يكون النهي في حالة الاقتران لا داعي إليه وكونه خلاف الظاهر مع أن الاقتران نادر جدًا فكما يكون النهي عن الصلاة مع الاقتران بأن لا يصلي كل من الرجل والمرأة الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة يكون في حالة الترتيب كذلك لإطلاق الأخبار، كخبر أبي بصير المضمر قال:سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال: لا…) ( 42) الخبر، ونحوه خبره الأخر.
وصحيح ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ قال:(لا إلا أن تتقدم هي أو أنت، ولا بأس أن تصلي وهي بحذاك جالسة أو قائمة)( 43)، إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة فمن( 44) البعيد أن يكون وجه سؤال السائل في الأخبار المشار إليها في حالة الاقتران فقط مع عدم ذكره في السؤال وندرته في الوجود فتأمل جيدًا. تفريع: على القول بالاختصاص بالمتأخرة وبطلانها فقط لو دخل المصلي في الصلاة غافلًا ثم علم بوجود امرأة تصلي معه، فإن علم سبقه عليها مضى في صلاته، وإن علم تأخره صح ما مضى من صلاته وتباعد عنها بما يرفع المنع إن أمكن ولم يحصل مناف، وإلا قطع الصلاة.
أما وجه البناء على ما مضى من صلاته [فهو] لحديث (لا تعاد الصلاة)، وأما وجه قطع الصلاة إن لم يمكن إتمامها على وجه يرفع المنع فلتوجه النهي إليه بعد الالتفات المقتضي للفساد.
القول الثاني: عموم الحكم مطلقًا للأعم من الاقتران والترتيب ويستدل له بالإطلاقات المذكورة من الأخبار السابقة وعدم وجود ما يصلح لتقييدها فيعم الحكم لكل من الحالتين لتحقق المحاذاة المنهي عنها، وهذا القول منسوب إلى الأكثر بل إلى المشهور، وهذا القول هو الأظهر لموثق عمار عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال:(إن كانت تصلي خلفه فلا بأس، وإن كانت تصيب ثوبه)( 45).
القول الثالث: هو التفصيل بين البطلان فيعم، أو الكراهة فلا يعم ووجهه أنه لا يمكن التخلص من الكراهة بعد فرض تلبس المصلي بالصلاة والحال انه يحرم عليه قطعها فلا يصح تكليفه بخلاف ما لو قلنا بالبطلان.
وفيه: أن عدم جواز قطع الصلاة لا ينافي الكراهة التي بمعنى أقل ثواب ومثل ذلك موجود في خصوص الصلاة فضلًا عن غيرها كمرور المار بين يدي المصلي فإنه يحصل به الكراهة وإن كان يحرم عليه قطع الصلاة وعدم كونه اختياريًا للمصلي مثل ما نحن فيه.
المسألة الثالثة:
لا خلاف ولا إشكال في ارتفاع الكراهة أو البطلان بتأخر جسد المرأة في حال الصلاة عن الرجل بحيث يكون مسجدها خلفه، بل ولو كان مسجدها محاذيًا لقدمه يرتفع المنع خاصة لصدق التأخر، والخلف وكونه قدامها كما هو مؤدى صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: تصلي المرأة خلف زوجها الفريضة والتطوع، وتأتم به في الصلاة)( 46).
وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المرأة تصلي عند الرجل، فقال:( لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو لصدره) (47 ).
وأصرح منهما خبر الفضيل الآخر قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: أصلي المكتوبة بأم علي؟ قال: نعم، تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك) (48 ).
لكن نسب إلى المشهور عدم ارتفاع المنع إلا بتأخر المرأة عن الرجل بجميع جسدها للموثق عن عمار الساباطي المتقدم الدال على التحديد بمنتهى الفرد الخفي، وهو قوله عليه السلام: (وإن كانت تصيب ثوبه). وفيه: أنه يمكن أن قوله عليه السلام وإن كانت تصيب ثوبه للمبالغة في عدم اعتبار البعد بينهما في صورة التأخر لا للتحديد، ولو سلم ظهوره فيما ذكر لكان مقتضى الجمع بينه وبين ما تقدم وهو صحيح زرارة الحمل على الكراهة فيما دون ذلك فلا يتم ما نسب إلى المشهور من المنع بل ظاهر صحيح زرارة أنه يرتفع المنع بتقدم الرجل وإن لم يبلغ هذا المقدار بل يكفي تقدمه بنحو يكون موضع سجودها محاذيًا لركبته كما هو صريح صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام -في حديث- قال:( الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه)( 49)، وعلى هذا يكون معنى قوله عليه السلام يكون قدامها ولو بصدره هو في بعض الأخبار كفاية التقدم بشبر كما يظهر من صحيح محمد بن مسلم على رواية الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى، قال: ( لا ينبغي ذلك فإن كان بينهما شبر أجزأه)( 50)، يعني إذا كان الرجل متقدما للمرأة بشبر.
واحتمال (يعني) التفسيرية من الراوي، أو من الشيخ لا يضر في الاستدلال إذ لابد أن يحمل بينهما شبر في التقدم لكون مورد السؤال ان الرجل في زاوية الحجرة والمرأة في الزاوية الأخرى والفصل بينهما في المحاذاة بأكثر من شبر متحقق وهو محل السؤال ويحمل ما في مرسلة ابن بكير ومرسلة ابن فضال عن جميل عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يصلي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه، قال: ( إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس)(51 ).
ويتلخص: مما ذكرنا بمقتضى الصناعة أن يرتفع المنع على القول به بتقدم الرجل على المرأة بشبر لكن مع الكراهة وتخف بتقدمه عليه بمدار يكون موضع سجودها محاذيا لركبتيه، وتخف الكراهة أزيد إذا كان سجودها محاذيًا لقدمه وترتفع إذا كان مسجدها خلفه.
وأما على القول بأن المحاذاة مكروهة فتخف بالنسبة إلى التقدم بالشبر وهكذا إلى أن ترتفع إذا كان مسجدها خلف الرجل وأما ما عن صاحب (العروة) من الارتفاع بمجرد صدق تأخر المرأة( 52) ففيه مالا يخفى لما عرفت فتأمل جيدًا؛ لأن غاية ما يمكن أن يستدل له بأن مورد النصوص الدالة على المحذور أما المحاذاة أو تقدم المرأة فعلى كلا الحالين حالة تقدم الرجل مطلقًا يكون خارجًا عن موضع النصوص وما في بعض النصوص من إطلاق كون المرأة خلف الرجل كصحيح فضيل المتقدم وغيره فيدفع المتأمل هذا القول بأن مطلق التأخر قد لا يخرج عن المحاذاة كما لو كان التأخر قليلًا وعلى تقدير الصدق فيحدد بما في النصوص المتقدمة كصحيح زرارة وغيره ويقيد بها إطلاقات غيرها.
المسألة الرابعة:
قد عرفت أن المختار وجوب الفصل بين الرجل والمرأة في حالة الصلاة مع المحاذاة أو الحائل وأنه يكفي في الفصل بينهما بمقدار أقله شبر، والكراهة ثابتة إلى عشرة أذرع فترتفع؛ لأنه مقتضى الجمع بين النصوص كما تقدم وما عن (الحدائق) حيث قرب الجمع بين النصوص بحمل ما دل على الفصل بأقل من عشرة أذرع على صورة تقدم الرجل لا المحاذاة، ففيه: أن هذا الحمل مع أنه جمع بلا شاهد [ أنه ] لا يمكن في بعض الأخبار كصحيح حريز عن أبي عبدالله عليه السلام في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبًا منه فقال: (إذا كان بينهما موضع رجل فلا بأس)(53 ).
وخبر أبي بصير قال: سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذاه، قال: ( لا إلا أن يكون بينهما شبر أو ذراع)(54 )، ونحوه خبر الآخر كذلك فليتأمل.
المسألة الخامسة:
الحكم المذكور من بطلان الصلاة أو كراهتها عند محاذاة الرجل والمرأة لا يفرق فيه بين المحارم وغيرهم ولا بين الزوجة وغيرها بلا خلاف ظاهر كما قيل، ويدل عليه إطلاق النصوص وخصوص صحيح ابن مسلم المتقدم وخبر الحلبي المتقدم ولا فرق في الصلاة [ بين ]كونها واجبة أو مستحبة أو مختلفة للإطلاق.
المسألة السادسة:
الحكم المقرر يختص بالبالغين أو يعم غيرهم؟ نسب إلى المشهور الأول، ويستدل لهم باختصاص الأخبار بالرجل والمرأة وهما لا يشملان غير البالغين ولفظة البنت كما في صحيح ابن مسلم وخبر الحلبي ليس فيهما إطلاق يشمل غير البالغة.
وقيل بشمول الحكم لغير البالغ أيضًا كما صرح به بعض الأعلام( 55) ومال إليه صاحب (الجواهر) (56 ) وكذا عن حواشي الشهيد من أن الصبي والصبية يقرب حكمهما من الرجل والمرأة( 57).
وما ينبغي أن يقال في هذا الموضوع أن مقتضى إطلاق دليل تشريع عبادة الصبي والصبية مع عدم ما يدل على بيان كيفية عبادتهما أنها هي مثل عبادة المكلف في الشروط والأجزاء والموانع إلا إذا دل دليل على خلاف ذلك كعدم وجوب ستر الرأس للصبية مثلاً وما نحن فيه حيث لم يقم دليل على الخلاف يلزم البناء على العموم بمعنى أن كل ما يشترط في صلاة البالغ ويمنع يجب كذلك في غير البالغ هذا إذا استفدنا عبادية الصبي والصبية بالأدلة الخاصة كما هو غير بعيد في الصلاة والصوم.
وأما إذا قلنا باستفادة مشروعية غير البالغ من الأدلة العامة مثل:{ أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } وشبهة الشاملة للمكلفين وغيرهم غاية ما هنالك خرج غير المكلف من الإلزام لقيام الدليل كحديث رفع القلم فلا إطلاق في المقام لا لفظي ولا مقامي فأدلة النهي عن محاذاة الرجل للمرأة حال الصلاة خاصة بالبالغين فمقتضى الأصل على هذا المبنى عدم المانعية بالنسبة إلى غير البالغ، لكن الأظهر أن استفادة عبادية الصلاة الصوم لغير البالغين بالأدلة الخاصة كمثل موثق إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: ( إذا أتى على الصبي ست سنين وجب عليه الصلاة، وإذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام)(58 ).
وصحيح الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام عن أبيه قال: ( إنا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين)( 59)، وغيرهما فعلى هذا إن كل ما يكون مانعا بالنسبة إلى الصلاة مع المرأة يكون كذلك بين الرجل والصبية وبين الصبي والمرأة، ولكن هذا بالنسبة إلى صلاة الصبي مع المرأة يختص الحكم بالصبي لما عرفت.
وأما صلاة المرأة فلا محذور لعدم ما يدل على المحذور بالنسبة إلى صلاتها وكذلك الصبية مع الرجل يختص الحكم بالصبية دون الرجل، وكذا لا يشمل الحكم لصلاة الصبي مع الصبية، فلا قدح في صلاة كل منهما مع الآخر لعدم ما يدل على القدح والنقص لصلاة كل منهما مع الأخر وعدم شمول الدليل الدال على المحذور لهما فليتأمل جيدًا.
المسألة السابعة:
الحكم المذكور لا يجري في الخنثى المشكل سواء قلنا بأنها طبيعة ثالثة أو لم نقل؛ لأن مورد النصوص الرجل مع المرأة والخنثى المشكل لم يعلم حالها، فأصالة عدم المانعية في مورد المشكوك جارية، نعم لو قيل بأن الفصل بين الرجل والمرأة أو التقدم شرط لا أن المحاذاة مانع لزم الاحتياط ولكن فيه مالا يخفى.
المسألة الثامنة:
الحكم المذكور مختص بحال الاختيار والسعة لا مع ضيق الوقت أو التفصيل بين القول بالكراهة فيعم، والبطلان فله قولان: المنسوب إلى الأكثر ارتفاع المنع والكراهة في صورة الاضطرار أو ضيق الوقت ويستدل بأمور:
الأول: قاعدة الميسور.
الثاني: أهمية الوقت على سائر الأجزاء والموانع كما كان في المكان الغصبي.
الثالث: الإشعار المستفاد من صحيح الفضيل الوارد في تسمية مكة بكة المتقدم.
الرابع: انصراف أدلة المنع عن مثل المقام وفي بعض ما ذكر من الأدلة نظر.
[القول] الثاني: ارتفاع المنع خاصة لتقييد أدلة المنع بما ذكر وأما الكراهة فلا ترتفع لعدم ما يدل عليه فحالة الضيق والسعة والاضطرار والاختيار بالنسبة إلى القول بالكراهة سواء، وقد حكي عن (جامع المقاصد) الإشكال في رفع المنع أيضًا حالة الاضطرار قال:( ويشكل بأن التحاذي إن كان مانعًا من الصحة منع مطلقًا لعدم الدليل على اختصاص الإبطال بموضع دون آخر)( 60).
ويندفع بما ذكرتم ما أردت ذكره في هذا الموضوع ويتلوه المقام الثاني في حكم النافلة لمن كان عليه فريضة فائته.
المقام الثاني: في حكم من كان عليه فريضة فائتة, هل يشرع له التنفل أو لا؟
والمراد من النافلة هنا ما هو أعم من ذات السبب أولا ؟ مؤقتة أو غير مؤقتة والمراد من الفريضة هي الواجبة بالأصل لا بالعارض وقد وقع الخلاف بين الأعلام في جواز التنفل لمن كان عليه فريضة وعدمه .
فذهب بعض إلى المنع , منهم المحقق, والعلامة, وجماعة, وحكيت الشهرة عليه وقيل أنه المشهور بين المتأخرين بل قيل أنه المشهور بدون قيد ويستدل له بالمرسل المروي عن (المبسوط) و(الخلاف) (لا صلاة لمن عليه صلاة)(61)، وبصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها فقال : (يقضيها إذا ذكرها ) إلى أن قال: (لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة)(62)، وبصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس , فقال:(يصلي حين يستيقظ) قلت: يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال:(بل يبدأ بالفريضة)(63)، ويستدل أيضا بصحيح زرارة الآخر على ما في (الروض) و(المدارك) عن أبي جعفر عليه السلام قلت لأبي جعفر عليه السلام: أصلي النافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة ؟ قال عليه السلام:(لا؛ أنه لا يصلى نافلة في وقت فريضة, أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوع حتى تقضيه؟) قال: قلت: لا, قال: (فكذلك الصلاة) (64).
وذهب بعض الأعلام إلى الجواز منهم الصدوق والاسكافي والشهيدان وغيرهم لقصور ما يدل على المنع مما استدل به أما المرسل المتقدم ففيه مع كونه مرسلاً ولم يحرز أن استناد القائلين بالمنع إليه حتى يتم ويجبر بالعمل غير ظاهر الدلالة على محل الكلام فليس له ظهور في منع التنفل فليتأمل.
وهذا المرسل رواه أيضا الشيخ المفيد في الرسالة السهوية وذيله بقوله يريد أن لا نافلة لمن عليه فريضة , وأما صحيح زرارة الأول وصحيح ابن شعيب و إن كان الأول منهما ظاهراً في المنع والآخر ظاهرا في وجوب البدئة بالفريضة قبل النافلة إلا أنه يعارضهما ما دل على جواز التنفل لمن كان عليه فريضة كصحيح زرارة المروي عن غياث سلطان الورى عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيها فخاف أن يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك؟ قال: (يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك)(65) و موثق أبي بصير , عن أبي عبد الله عليه السلام , قال : سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ قال:( يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة) (66) فإن هذين الخبرين نص في الجواز و الرخصة و الخبران اللذان استدل بهما على المنع ظاهران في المنع فمقتضى الصناعة العرفية أن يجمع بينهما برجحان و استحباب تقديم الفريضة حملاً للظاهر على الأظهر وتقديماً للنص على الظاهر .
وقد استدل لجواز التنفل لمن عليه فريضة بما رواه في (الذكرى) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله عرَّس في بعض أسفاره وقال 🙁 من يكلؤنا فقال بلال : أنا , فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس فقال: (يا بلال: ما أرقدك؟) فقال : يا رسول الله, أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفسكم, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ( قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة وقال: (يا بلال, أذن) فأذن, فصلى رسول الله صلى الله عليه و آله ركعتي الفجر و أمر أصحابه , فصلوا ركعتي الفجر, ثم قام فصلى بهم الصبح .. الحديث)(67).
وقريب منه خبر سعيد الأعرج, قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:( إن الله أنام رسوله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى الفجر.. الحديث ) (68).
ففيه مع أن ذلك منافٍ لمرتبة النبوة والعصمة وأنه صلى الله عليه وآله من خواصه أنه تنام عينه ولا ينام قلبه ينافي ما رواه في بصائر الدرجات بسند معتبر عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن الحسين بن المختار عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله يقول:( طلب أبو ذر رحمه الله رسول الله صلى الله عليه وآله قيل له إنه في حائط كذا وكذا وتوجه في طلبه فوجده نائماً فأعظمه أن ينبهه فأراد أن يستبرئ نومه فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله فرفع رأسه فقال: يا أبا ذر أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي كما أراكم في يقظتي أن عيني تنام وقلبي لا ينام)(69), فإن من يرى الأعمال في النوم كما يراها في اليقظة كيف لا يرى طلوع الشمس, فإن قلت بذلك , يلزمك إما أن تقول لا يصدر من النبي قضاء لصلاة فأتِ وقتها لاستلزامه إما العلم بالوقت و إدراكه له من أوله إلى آخره , فيلزم ترك الصلاة عن التفات وهو مناف للنبوة والعصمة أو عدم العلم بالوقت لغلبة النوم وهو منافٍ لظاهر الخبر المنقول عن بصائر الدرجات وغير ذلك من الأخبار و الاعتبار .
فعلى هذا إن أمكن حمل خبر زرارة وخبر سعيد الأعرج على محمل صحيح فهو وإلا فيردان إلى أهلهما فليتأمل في خبر سعيد الأعرج فلعله يحصل بالتأمل فيه ما يمكن الاستدلال [ به ] بلا منافاة وقد روى سماعة بن مهران وغيره ما يقرب من رواية زرارة .
وأما صحيح زرارة الأخير الذي أستدل به على المنع ففيه مع أنه لم يعثر عليه في كتب الحديث ويحتمل أنه هو الصحيح المروي في (الاستبصار) و(التهذيب) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر وبعد الفجر فقال: ( قبل الفجر , إنهما من صلاة الليل ثلاث عشر ركعة صلاة الليل, أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة)(70).
لم يكن فيه دلالة على المدعى لأن مورد السؤال وإن كان تضمن شيئين أحدهما الصلاة لمن عليه فريضة والثاني في وقت الفريضة ويكون الأول مما نحن فيه لكن الجواب الذي هو الدليل لم يكن فيه تعرض لحكم من كان [ عليه ] فريضة فائتة بل تعرض لجواب من كان في وقت فريضة لا يصلي نافلة فيكون مورده ومورد الصحيح المروي في التهذيب واحد ويكون معنى قوله عليه السلام: (أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوع حتى تقضيه أن المراد من القضاء الفعل في وقته بقرينة ما قبله وهو قوله عليه السلام : (لا يصلِ نافلة في وقت فريضة و المراد من قوله عليه السلام لو كان عليك من شهر رمضان ..) التكليف في وقت شهر رمضان لا بعده وعلى تقدير عدم الظهور فيما قلنا ليس فيه ظهور في مدعى الخصم لما عرفت فيكون مجملاً , لكن الإنصاف أن ما دل على جواز التنفل لمن عليه فريضة , أخص من المدعى , ويجمع بينه وبين ما دل على المنع بالتخصيص فيختص الجواز بالنوافل المؤقتة والمنع في غيرها لمقتضي الجمع بين الدليلين بالعموم والخصوص المطلق فليتأمل, والأحوط عدم التعدي عن مورد الصحيح والموثق وإن كان الأقوى الجواز في مطلق المؤقتة اليومية . والله أعلم .
_____________
الهوامش *شبكة يامهدي الإسلامية (شبكة تعنى بتراث آية الله العظمى الشيخ محمد سلمان الهاجري قدس سره الثقافي والاسلامي ).
*(-) للإطلاع على سيرة الشيخ الهاجري من هنا
تقدم مشكورًا العلامة الشيخ عبدالأمير الخرس (دامت بركاته) بإعداد بعض أبحاث أستاذه كالرسالة الأولى والثانية والثالثة .
- المقامان الثاني والثالث سنفرد لهما بحث مستقل عن المقام الأول، لاتحادهما في الموضوع، واختلاف المقام الأول عنهما.
- جواهر الكلام للشيخ النجفي: ج8، ص303.
- وسائل الشيعة: ج3، ص237 (الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح2.
- وسائل الشيعة: ج3، ص428 (الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح5.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 425 ( الباب 4 من أبواب مكان المصلي) ح1
- وسائل الشيعة: ج3، ص 425 ( الباب 4 من أبواب مكان المصلي) ح2 .
- وسائل الشيعة: ج3، ص 425 ( الباب 4 من أبواب مكان المصلي) ح1.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 430 ( الباب 6 من أبواب مكان المصلي) ح2.
- الحدائق الناضرة: ج7، ص177، المسألة (2).
- وسائل الشيعة: ج3، ص 426 ( الباب 4 من أبواب مكان المصلي) ح4.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 429 ( الباب 6 من أبواب مكان المصلي) ح10.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 428 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح6.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 427 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح1.
- من لا يحضره الفقيه: ج4، ص542.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 427 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح3.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 428 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح4.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 428 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح7.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 429 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح12.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 429 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح13.
- مستمسك العروة الوثقى: ج5، ص473 .
- صريح كلامه: هو الجواز مع الكراهة. قال قدس سره: >فإذا لا معدل عما هو المشهور من البناء على الكراهة<.
- الحدائق الناضرة للمحقق البحراني: ج7، ص191 – 192 (الفائدة العاشرة).
- وسائل الشيعة: ج3، ص 227 ( الباب 9 من أبواب القبلة) ح1.
- مستمسك العروة الوثقى: ج5، ص475.
- قرب الإسناد للشيخ الحميري: ص207، ح805.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 432 ( الباب 8 من أبواب مكان المصلي) ح3.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 431 ( الباب 8 من أبواب مكان المصلي) ح2.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 431 ( الباب 8 من أبواب مكان المصلي) ح1.
- القاموس المحيط للفيروزآبادي: ج2، ص384.
- مجمع البحرين للشيخ الطريحي: ج1، ص364.
- في الأصل: [ لم يمنعا ].
- في الأصل: [ لم يمنع ].
- العبارة في الأصل ناقصة ومشوشة، والسياق يقتضي أن تكون هكذا: [ لدلّ على كفاية ذلك وشبهه في رفع المنع ].
- نسب ذلك إليهما السيد الحكيم في (مستمسك العروة الوثقى ): ج5، ص475، وانظر: مدارك الأحكام: ج3، ص223، وكشف اللثام: ج3، ص279.
- العروة الوثقى: ج1، ص260.
- وسائل الشيعة: ج5، ص 453 ( الباب 53 من أبواب صلاة الجماعة) ح2.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 435 ( الباب 11 من أبواب مكان المصلي) ح10.
- راجع وسائل الشيعة: ج3، ص 433 – ص436 ( الباب 11 من أبواب مكان المصلي).
- في مستمسك العروة نسبة ذلك إلى الصدوق، انظر المستمسك: ج7، ص174 – 175 .
- انظر ما علق به بعد ذكره للحديث الثاني: وسائل الشيعة: ج5، ص 453 ( الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة) .
- مصباح الفقيه للهمداني: ج2، ص181، الطبعة الحجرية (زوال المنع مع الحائل).
- وسائل الشيعة: ج3، ص 427 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح3.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 428 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح5.
- هكذا في الأصل ولتحقيق الانسجام مع قوله سابقًا عند الشروع في بيان النظر الأول: >ففيه مع كونه< أن يكون هنا موضع الشروع في بيان النظر الثاني الذي تقتضيه المعية، فالمناسب التعبير بدلا عن لفظ [ فمن ] التعبير بلفظ [ أنه ] والله أعلم.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 430 ( الباب 6 من أبواب مكان المصلي) ح4.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 429 ( الباب 6 من أبواب مكان المصلي ) ح1.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 429 ( الباب 6 من أبواب مكان المصلي ) ح2.
- وسائل الشيعة: ج5، ص 405 ( الباب 19 من أبواب صلاة الجماعة ) ح2.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 428 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح9.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 427 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح1.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 430 ( الباب 7 من أبواب مكان المصلي) ح3.
- العروة الوثقى: ج1، ص260 (الشرط العاشر من شرائط مكان المصلي).
- وسائل الشيعة: ج3، ص 429 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح11.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 427 ( الباب 5 من أبواب مكان المصلي) ح3.
- منهم السيد الحكيم في منهاج الصالحين ولعله المقصود.
- جواهر الكلام: ج8، ص329.
- المصدر السابق.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 12 ( الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ) ح4.
- وسائل الشيعة: ج3، ص 12 ( الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ) ح5.
- جامع المقاصد: ج2، ص121.
- المبسوط : ج1- ص185 [19] فصل في حكم قضاء الصلوات وحكم تاركها , الخلاف : ج1 – ص386 – المسألة : 139 .
- وسائل الشيعة : ج5 – ص350 – باب2 من أبواب قضاء الصلاة – الحديث : 3 .
- وسائل الشيعة : ج3 – ص207 – باب : 61 من أبواب مواقيت الصلاة , الحديث : 4 .
- الروض : ص184 ( نقلاً عن الحدائق ) , المدارك : ج3 – ص88 (مواقيت الصلاة) , الحبل المتين : ص490- الفصل السابع ( في أوقات القضاء والتنفل في وقت الفريضة ).
- وسائل الشيعة : ج3 – ص208 – باب 61 من أبواب مواقيت الصلاة – الحديث : 2 .
- وسائل الشيعة : ج3 – ص206 – باب 61 من أبواب مواقيت الصلاة – الحديث : 2 .
- الذكرى : ج2 ص422 ورواه الوسائل : ج3 ص207 – باب 61 من أبواب مواقيت الصلاة – الحديث : 6 .
- وسائل الشيعة : ج5 – ص350 – باب 2 من أبواب قضاء الصلاة – الحديث : 2 .
- بصائر الدرجات : ج2 – ص310 – باب1 من الجزء 9 حسب تقسيم مؤلف الكتاب .
- التهذيب : ج2 – ص119 – باب كيفية الصلاة – الحديث : 513 , الاستبصار : ج1 – ص282 – باب وقت ركعتي الفجر – الحديث : 1031 , ورواه في الوسائل : ج3 – ص192 – باب 50 من أبواب المواقيت – الحديث : 3 .
-
جميع الحقوق محفوظة لشبكة يامهدي الاسلامية
www.yamahdi.us
- نسألكم الدعاء
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً