هل استشهاد المعصوم ينافي علمه بالغيب
الشبهة بنص عبارات المستشكل :
يذكر الكليني في كتاب الكافي، كتاب الحجة ج1 ص 227،260 وكتاب الفصول المهمة للحر العاملي ص155 : (( أن الإمام يعلم بما كان وما يكون وانه لا يخفى عليه شيء )) ثم يذكر الكليني في أصول الكافي كتاب العلم باب اختلاف الحديث ح1ص65 حديثاً يقول : (( لم يكن إمام إلا مات مقتولاً أو مسموماً )) إذا كان الإمام يعلم الغيب كما ذكر الكليني والحر العاملي ، فسيعلم أولاً ما يقدم له من طعام وشراب ، فلو كان مسموماً لعلم ما فيه من سم وتجنبه ، ولو لم يتجنبه لمات منتحراً لأنه يعلم أن هذا السم سيقتله ، فيطبق عليه حكم قاتل نفسه.
الجواب :الجواب على هذه الشبهة من عدة جوه :
أولاً : هنالك خلاف بين علمائنا حول علم الامام هل هو فعلي أو شأني (( بمعنى أن الامام متى ما أراد أن يعلم علمه الله )) كما أن هناك خلاف حول أن الذي يعلم بكل شيء هل هو حقيقة الإمام في عالم المادة أو حقيقته الملكوتية التي تشرق على حقيقته المادية .هذا مضافاً الى أن علمائنا مع التزامهم بسعة علم الامام التزموا ـ ايضاً ـ بأن الامام لا يعلم بما يقع فيه البداء ولعل الموارد التي في السؤال من تلك الموارد التي لم يطلب الامام العلم بها او علمها بحقيقته الخارجة عن عالم التكليف وبذلك لا يكون مكلف بها ، او علمها لكنها من الموارد التي يمكن ان يقع فيها البداء .
وعليه قد يقال : بأن الاشكال غير تام الا في صورة واحدة وهو ان يكون الامام عالم بالفعل بأن في الطعام سما مثلاً ويعلم انه ان أكل سوف يموت حتماً وكان مكلف بهذا العلم .
ثانيا : حتى لو قلنا بأن علم الامام في الموارد المذكورة في السؤال فعلي ـ وهو الحق عندنا ـ لا يرد الاشكال المطروح في السؤال إذ لا منافاة بين أن يقدم الانسان المعصوم على الموت و بين العصمة وطاعة الله في الاقدام :
ـ إما لأن العصمة كاشفة عن الجواز فإن فعل المعصوم حجة عندنا .
ـ وإما لأن التكليف في تنجزه منوط بالعلم العادي ، ومن علمه لدني فإن له تكليفه الخاص كما في قصة صاحب موسى عليهما السلام . خصوصا اذا التفتنا الى أن في الاقدام على الموت مصالح نحن قد لا ندركها . فهل نستطيع إدراك مصالح فعل المُعلم بعلم الله الخاص في الوقت الذي لم يتمكن فيه النبي موسى عليه السلام من ادراك مصالح افعال صاحبه (( الخضر )) التي ظاهرها مخالفة الشريعة وبطنها رضا الله !
قال عز وجل:
(( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا (75) قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82) )) صدق الله العلي العظيم .
ـ وإما لأنه يعلم بحتمية الموت فمحاولة التخلص منه تحدي لقدرة الله ، وتحدي لإيرادته التكوينية ، وعصمته تمنعه من الاقدام على ذلك ، فهو قابل بما قبل الله له ، خصوصا وأن الأهم في موته لأن موته إما امتحان له و زيادة في أجره ورفعا لدرجته ، وإما كشف لزيغ مضل وإما تعجيل لنهاية ظلم ظالم ، حيث ان اقدام الظالم على قتل امام زمانه من معجلات فنائه .
وفي هذا المعنى بعض الاخبار كما في الكافي ج1ص320 ((باب ان الائمة يعلمون علم ما كان وما يكون . . . )) .
ثالثا : لعل الله خير المعصوم بين الموت وبين الحياة كما خير الرسول واختار الموت مع علمه به كما اختار الرسول (( راجع السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص 305 )) وليس في ذلك قتلا للنفس كما هو واضح .
أقول : لا بأس بذكر عبارات بعض العلماء الذين تصدوا للجواب على هذا السؤال :
قال العلامة الطبا طبائي ج18 ص 196 من تفسيره : تظافرت الأخبار من طرق أئمة أهل البيت أن الله سبحانه علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة (عليهم السلام) علم كل شيء، و فسر ذلك في بعضها أن علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من طريق الوحي و أن علم الأئمة (عليهم السلام) ينتهي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). و أورد عليه أن المأثور من سيرتهم أنهم كانوا يعيشون مدى حياتهم عيشة سائر الناس فيقصدون مقاصدهم ساعين إليها على ما يرشد إليه الأسباب الظاهرية و يهدي إليه السبل العادية فربما أصابوا مقاصدهم و ربما أخطأ بهم الطريق فلم يصيبوا، و لو علموا الغيب لم يخيبوا في سعيهم أبدا فالعاقل لا يترك سبيلا يعلم يقينا أنه مصيب فيه و لا يسلك سبيلا يعلم يقينا أنه مخطىء فيه.و قد أصيبوا بمصائب ليس من الجائز أن يلقي الإنسان نفسه في مهلكتها لو علم بواقع الأمر كما أصيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد بما أصيب، و أصيب علي (عليه السلام) في مسجد الكوفة حين فتك به المرادي لعنه الله، و أصيب الحسين (عليه السلام) فقتل في كربلاء، و أصيب سائر الأئمة بالسم، فلو كانوا يعلمون ما سيجري عليهم كان ذلك من إلقاء النفس في التهلكة و هو محرم، و الإشكال كما ترى مأخوذ من الآيتين: « و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير» « و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم ».
و يرده أنه مغالطة بالخلط بين العلوم العادية و غير العادية فالعلم غير العادي بحقائق الأمور لا أثر له في تغيير مجرى الحوادث الخارجية.توضيح ذلك أن أفعالنا الاختيارية كما تتعلق بإرادتنا كذلك تتعلق بعلل و شرائط أخرى مادية زمانية و مكانية إذا اجتمعت عليها تلك العلل و الشرائط و تمت بالإرادة تحققت العلة التامة و كان تحقق الفعل عند ذلك واجبا ضروريا إذ من المستحيل تخلف المعلول عن علته التامة. فنسبة الفعل و هو معلول إلى علته التامة نسبة الوجوب و الضرورة كنسبة جميع الحوادث إلى عللها التامة، و نسبته إلى إرادتنا و هي جزء علته نسبة الجواز و الإمكان. فتبين أن جميع الحوادث الخارجية و منها أفعالنا الاختيارية واجبة الحصول في الخارج واقعة فيها على صفة الضرورة و لا ينافي ذلك كون أفعالنا الاختيارية ممكنة بالنسبة إلينا مع وجوبها على ما تقدم.فإذا كان كل حادث و منها أفعالنا الاختيارية بصفة الاختيار معلولا له علة تامة يستحيل معها تخلفه عنها كانت الحوادث سلسلة منتظمة يستوعبها الوجوب لا يتعدى حلقة من حلقاتها موضعها و لا تتبدل من غيرها و كان الجميع واجبا من أول يوم سواء في ذلك ما وقع في الماضي و ما لم يقع بعد، فلو فرض حصول علم بحقائق الحوادث على ما هي عليها في متن الواقع لم يؤثر ذلك في إخراج حادث منها و إن كان اختياريا عن ساحة الوجوب إلى حد الإمكان.
فإن قلت: بل يقع هذا العلم اليقيني في مجرى أسباب الأفعال الاختيارية كالعلم الحاصل من الطرق العادية فيستفاد منه فيما إذا خالف العلم الحاصل من الطرق العادية فيصير سببا للفعل أو الترك حيث يبطل معه العلم العادي. قلت: كلا فإن المفروض تحقق العلة التامة للعلم العادي مع سائر أسباب الفعل الاختياري فمثله كمثل أهل الجحود و العناد من الكفار يستيقنون بأن مصيرهم مع الجحود إلى النار و مع ذلك يصرون على جحودهم لحكم هواهم بوجوب الجحود و هذا منهم هو العلم العادي بوجوب الفعل، قال تعالى في قصة آل فرعون: « و جحدوا بها و استيقنتها أنفسهم »: النمل: 14.
و بهذا يندفع ما يمكن أن يقال: لا يتصور علم يقيني بالخلاف مع عدم تأثيره في الإرادة فليكشف عدم تأثيره في الإرادة عن عدم تحقق علم على هذا الوصف.
وجه الاندفاع: أن مجرد تحقق العلم بالخلاف لا يستوجب تحقق الإرادة مستندة إليه و إنما هو العلم الذي يتعلق بوجوب الفعل مع التزام النفس به كما مر في جحود أهل الجحود و إنكارهم الحق مع يقينهم به و مثله الفعل بالعناية فإن سقوط الواقف على جذع عال، منه على الأرض بمجرد تصور السقوط لا يمنع عنه علمه بأن في السقوط هلاكه القطعي. و قد أجاب بعضهم عن أصل الإشكال بأن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة (عليهم السلام) تكاليف خاصة بكل واحد منهم فعليهم أن يقتحموا هذه المهالك و إن كان ذلك منا إلقاء النفس في التهلكة و هو حرام، و إليه إشارة في بعض الأخبار. و أجاب بعضهم عنه بأن الذي ينجز التكاليف من العلم هو العلم من الطرق العادية و أما غيره فليس بمنجز، و يمكن توجيه الوجهين بما يرجع إلى ما تقدم.
وقال السيد عبد الله شبر في مصابيح الأنوار ج1ص 368: وحاصل السؤال أنه ان كان لهم العلم بجميع الأمور فلم اقدموا على مافيه هلاكهم مما ذكر ؟ وحاصل الجواب : أنه كان لهم عليهم السلام علم بذلك وأقدموا عليه لكونه مرضيا له تعالى ليبلغوا درجة الشهادة ومحل الكرامة منه تعالى والاخبار بهذا المضمون كثيرة .
علم أمير المؤمنين بالمغيبات
ملاحظة : لقد ذكر علماء العامة ما يدل على سعة علم أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد ذكروا إخباره عليه السلام عن مجموعة من المغيبات منها :
1ـ اخباره بقتل ذي الثدية وعدم عبور الخوارج النهر بعد ان قيل له قد عبروا . راجع الكامل في التاريخ ج3 ص 174 / 175 و شرح النهج ج1ص 203/205 وتجد ذلك في مروج الذهب ج2ص405.
2ـ اخباره عن قتل نفسه راجع لسان الميزان جص439 واسد الغاب ج4 ص 35 و منتخب كنز العمال ج5ص 59 ومسند احمد ج1ص156.
3ـ اخباره بافعال الحجاج التي صدرت عنه راجع منتخب كنز العمال ج5ص454 والبداية والنهاية ج6 ص237 .
4ـ واخباره بمقتل ولده في كربلاء وذلك لما اجتاز بكربلاء في وقعة صفين بكى وقال (( هذا والله مناخ ركابهم وموضع قتلهم واشار الى ولده واصحابه )) راجع ينابيع المودة ص216 و دلائل النبوة 509 و ذخائر العقبى ص97 ونور الابصار ص117 .
5ـ اخباره بعدم موت خالد بن عفرطة وانه أي خالد سوف يقود جيش ضلالة وكان ذلك في زمان الحسين راجع مقاتل الطالبيين ص71.
6ـ اخباره بملك بني العباس و اخذ المغول الملك منهم . راجع تهذيب التهذيب ج7ص358 .
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً