الإسراء والمعراج
آية الإسراء
قال الله تعالى: )سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ((1).
تاريخ الإسراء المعراج
المشهور أنّ الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة بمدّة وجيزة؟ فبعضهم قال: ستّة أشهر، وبعضهم قال: في السنة الثانية عشرة للبعثة، أو في الحادية عشرة، أو في العاشرة، وقيل: بعد الهجرة.
وفي مقابل ذلك نجد البعض يقول: إنّه كان في السنة الثانية من البعثة، وقيل: في الخامسة، وقيل: في الثالثة، وهو الأرجح عندنا(2).
معنى الإسراء
الإسراء: هو السير بالليل، وقد سار النبي(صلى الله عليه وآله) ليلاً من المسجد الحرام في مكّة المكرّمة إلى المسجد الأقصى في فلسطين، وإنّما سُمّي بالأقصى؛ لكونه أبعد مسجد عن مكّة.
كيفية الإسراء
اختلفت الأقوال في كيفية الإسراء، فقيل: كان إسراؤه(صلى الله عليه وآله) بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثمّ ومنه إلى السماوات العلى، وعلى هذا القول الأكثرية.
وقيل: كان إسراؤه(صلى الله عليه وآله) بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثمّ بروحه دون جسده من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، وعلى هذا القول جماعة.
وقيل: كان إسراؤه(صلى الله عليه وآله) بروحه دون جسده، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهي الرؤيا الصادقة التي أراها الله نبيّه، ونُسب هذا القول إلى بعضهم.
ولكن المتأمّل في آية الإسراء الكريمة ينكشف له أنّ الله سبحانه أسرى بشخص الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وليس بروحه مجرّدة عن الجسد، فالآية صريحة في دلالتها أنّ الله أسرى بعبده وليس بروحه، كما أنّه إسراء وليست رؤيا صادقة كما يدّعي البعض.
سبب الإسراء والمعراج
السبب هو مشاهدة رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأسرار العظمة الإلهية في أرجاء عالم الدنيا والآخرة، لاسيّما العالم العلوي الذي يُشكّل مجموعة من براهين عظمته تعالى، وتتغذّى بهذه المشاهدة روحه(صلى الله عليه وآله) الكريمة، وتحصل على نظرة وإدراك جديدينِ لهداية البشرية وقيادتها.
ويتّضح هذا الهدف بشكلٍ صريح في الآية الأُولى من سورة الإسراء، والآية (18) من سورة النجم: )لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى(.
وهناك رواية عن الإمام الكاظم(عليه السلام) في جوابه على سبب المعراج، أنّه قال(عليه السلام): «إنّ الله لا يُوصف بمكان، ولا يجري عليه زمان، ولكنّه عزّ وجلّ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته، ويكرمهم بمشاهدته، ويُريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقوله المشبّهون، سبحان الله وتعالى عمّا يصفون»(3).
معجزة الإسراء
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «لمّا أُسري برسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى بيت المقدس، حمله جبرئيل على البراق فأتيا بيت المقدس، وعرض عليه محاريب الأنبياء، وصلّى بها وردّه، فمرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في رجوعه بعِير لقريش، وإذا لهم ماء في آنية، وقد أضلّوا بعيراً لهم وكانوا يطلبونه، فشرب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من ذلك الماء وأهرق باقيه، فلمّا أصبح رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال لقريش: إنّ الله جلّ جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس، وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم، وإنّي مررت بعِير لقريش في موضع كذا وكذا، وقد أضلّوا بعيراً لهم، فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك.
فقال أبو جهل: قد أمكنتكم الفرصة منه، فاسألوه كم الأساطين فيها والقناديل.
فقالوا: يا محمّد إنّ هاهنا مَن قد دخل بيت المقدس، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجعل يخبرهم بما يسألون عنه، فلمّا أخبرهم، قالوا: حتّى تجيء العِير ونسألهم عمّا قلت.
فقال لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله): تصديق ذلك أنّ العِير يطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق. فلمّا كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة، ويقولون: هذه الشمس تطلع الساعة، فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم العِير حين طلع القرص، يقدمها جمل أورق، فسألوهم عمّا قال رسول الله(صلى الله عليه وآله).
فقالوا: لقد كان هذا، فأضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا، ووضعنا ماء فأصبحنا وقد أهريق الماء، فلم يزدهم ذلك إلّا عتوّاً»(4).
معنى المعراج
المَعْرَج: المَصْعَد، والطريق الذي تصعد فيه الملائكة، وقد حدث المعراج في نفس الليلة التي حدث فيها الإسراء، من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، وهي معجزة كبيرة للنبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله)، فقد سخّر الله سبحانه وتعالى لنبيّه(صلى الله عليه وآله) البراق، فارتفع به ومعه جبرئيل؛ ليريه ملكوت السماوات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه تعالى، وقد تحدّثت سورة النجم عن هذه المعجزة الكبرى، قال تعالى:
)بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ * وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى((5).
أهداف الإسراء والمعراج
أوّلاً: إنّ حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها وإدراك أسرارها، ولعلّ إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن، بعد أن تعرّف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه.
ثانياً: يُلاحظ من قصّة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) بعض آثار عظمة الله تعالى في عملية تربوية رائعة، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه، وليعدّه لمواجهة التحدّيات الكبرى التي تنتظره، وتحمّل المشاق والمصاعب والأذايا التي لم يواجهها أحد قبله ولا بعده.
ثالثاً: لقد كان الإنسان ولاسيّما العربي آنئذٍ يعيش في نطاق ضيّق، وذهنية محدودة، ولا يستطيع أن يتصوّر أكثر من الأُمور الحسّية، أو القريبة من الحسّ التي كانت تحيط به، أو يلتمس آثارها عن قرب.
فكان والحالة هذه لابدّ من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الرحب، الذي استخلفه الله فيه؛ ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه، ويبعث الطموح فيه للتعرّف عليه، واستكشاف أسراره، وبعد ذلك إحياء الأمل وبثّ روح جديدة فيه، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجوّ الضيّق الذي يرى نفسه فيه، ومن ذلك الواقع المزري الذي يُعاني منه، وهذا بالطبع ينسحب على كلّ أُمّة وكلّ جيل وإلى الأبد.
رابعاً: والأهم من ذلك: أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه وعظيم قدرته، من أجل أن يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنّه بإيمانه بالله، إنّما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلّا الأصلح، ولا يريد له إلّا الخير، قادر على كلّ شيء، ومحيط بكلّ الموجودات.
خامساً: وأخيراً، إنّه يريد أن يتحدّى الأجيال الآتية، ويخبر عمّا سيؤول إليه البحث العلمي من التغلّب على المصاعب الكونية، وغزو الفضاء، فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالد هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً، وليطمئن المؤمنون وليربط الله على قلوبهم ويزيدهم إيماناً.
تعدد المعراج
إنّ الروايات المروية عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) تُصرّح بوقوع المعراج مرّتين، وهو المستفاد من آيات سورة النجم، حيث قال سبحانه: )وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى((6).
ــــــــــــــ
1ـ الإسراء: 1.
2ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم 3/8.
3ـ علل الشرائع 1/132.
4ـ الأمالي للصدوق: 533.
5ـ النجم: 1-18.
6ـ النجم: 13.
بقلم : محمد أمين نجف
مركز آل البيت العالمي للمعلومات
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً