غزوة تبوك
تاريخ الغزوة
1 رجب 9ﻫ، خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها ، وتُسمّى بغزوة العُسرة أي الشدّة.
سبب الغزوة
كان سبب الغزوة أنّ بعض التجّار قدموا من الشام إلى المدينة، فأشاعوا فيها، أنّ الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله(صلى الله عليه وآله) في عسكرٍ عظيم، وأنّ هرقل قد سار في جمع جنوده، وجلب معهم غسان وجذام وبهراء وعاملة، وقد قدم عساكره البلقاء ـ هي النصف الجنوبي لشرقي الأردن ـ، ونزل هو حمص.
فأرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحابه إلى تبوك وهي من بلاد البلقاء، وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكّة وإلى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة؛ فحثّهم على الجهاد والغزو.
وقد بيّن(صلى الله عليه وآله) للناس بُعد السفر وشدّة الحر وكثرة العدو؛ ليتأهّبوا، وأمر أصحاب الأموال أن يعينوا من لا قوّة به، ومن كان عنده شيء أخرجه، فتحملّوا صدقات كثيرة، وكان ذلك في زمن عسرة من الناس وشدّة، فسُمّي ذلك الجيش بجيش العُسرة.
وضرب رسول الله(صلى الله عليه وآله) عسكره فوق ثنية الوداع بمن تبعه من المهاجرين وقبائل العرب وبني كنانة وأهل تهامة ومزينة وجهينة وطي وتميم.
واستعمل الزبير على راية المهاجرين، وطلحة بن عبيد الله على الميمنة، وعبد الرحمن بن عوف على الميسرة.
وسار رسول الله(صلى الله عليه وآله)حتّى نزل الجرف ـ تبعد ميل أو فرسخ من المدينة ـ، فلمّا انتهى إلى الجرف لحقه الإمام علي(عليه السلام)، وأخبره بما قاله المنافقون في حقّه.
استخلاف الإمام علي(عليه السلام)
لمّا أراد النبي(صلى الله عليه وآله) الخروج إلى غزوة تبوك، استخلف الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في أهله وولده وأزواجه ومهاجره.
فقال له: «يا علي إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك»(1)، فحسده أهل النفاق، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروج النبي(صلى الله عليه وآله)، وعلموا أنّها تتحرّس به، ولا يكون للعدو فيها مطمع، فساءهم ذلك؛ لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاف عند خروج النبي(صلى الله عليه وآله) عن المدينة، فأرجفوا به(عليه السلام) وقالوا: لم يستخلفه رسول الله إكراماً له ولا إجلالاً ومودة، وإنّما استخلفه استثقالاً له.
فلمّا بلغ الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وفضيحتهم، فلحق بالنبي(صلى الله عليه وآله) فقال: «يا رسول الله، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلّفتني استثقالاً ومقتاً»، فقال رسول الله: «ارجع يا أخي إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي، ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي» فرجع إلى المدينة(2).
وقيل: إنّما لم يستصحبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) معه لما أخبره الله تعالى بأنّه لا يلقى حرباً، فكان بقاؤه(عليه السلام) في المدينة أهمّ؛ للخوف عليها من المنافقين والعرب الموتورين، وهذا أمر واضح جلي.
خطبة رسول الله(صلى الله عليه وآله)
لمّا تهيّأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) للخروج إلى تبوك قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: «أيّها الناس، إنّ أصدق الحديث كتاب الله، وأولى القول كلمة التقوى، وخير الملل ملّة إبراهيم، وخير السنن سنّة محمّد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأُمور عزائمها، وشرّ الأُمور محدثاتها، وأحسن الهدى هدى الأنبياء، وأشرف القتلى الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتُّبع، وشرّ العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى، وشرّ المعذرة محضر الموت، وشرّ الندامة يوم القيامة.
ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلّا نزراً، ومنهم من لا يذكر الله إلّا هجراً، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما أُلقي في القلب اليقين، والارتياب من الكفر، والتباعد من عمل الجاهلية، والغلول من قيح جهنّم، والسكر جمر النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع الإثمّ، والنساء حبائل إبليس، والشباب شعبة من الجنون.
وشرّ المكاسب كسب الربا، وشرّ الأكل أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقيّ من شقي في بطن أُمّه، وإنّما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع، والأمر إلى آخره، وملاك الأمر خواتيمه، وأربى الربا الكذب، وكلّ ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه.
ومن توكّل على الله كفاه، ومن صبر ظفر، ومن يعف يعف الله عنه، ومن كظم الغيظ آجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوّضه الله، ومن تبع السمعة يسمع الله به، ومن يصم يضاعف الله له، ومن يعص الله يعذّبه، اللّهمّ اغفر لي ولأُمتي، اللّهمّ اغفر لي ولأُمتي، استغفر الله لي ولكم»(3).
عدد المسلمين
أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) كلّ بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتّخذوا لواء أو راية، وخرج(صلى الله عليه وآله) في ثلاثين ألفاً من الناس، وعشرة آلاف فرس حتّى قدم تبوك.
المصالحة في تبوك
لمّا انتهى(صلى الله عليه وآله) إلى تبوك، أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة، فصالح رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأعطاه الجزية، وجاءه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية.
وأقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) بتبوك أيّاماً، ثمّ رجع إلى المدينة المنوّرة من دون حرب وقتال.
ـــــــــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد 1/155.
2ـ اُنظر: مسند سعد بن أبي وقّاص: 139.
3ـ الاختصاص: 342.
بقلم : محمد أمين نجف
مركز آل البيت العالمي للمعلومات
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً