غزوة حُنين أو غزوة هوازن
موقع حُنين
حُنين واد قرب الطائف، بينه وبين مكّة ثلاث ليال، أو بضعة عشر ميلاً.
تاريخ الغزوة
خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى حُنين لثلاث ليال خلون من شوال سنة ثمان من الهجرة، ووصل إليها لعشر ليال خلون من شوال.
سبب الغزوة
لمّا فتح الله تعالى على رسوله(صلى الله عليه وآله) مكّة، أطاعته قبائل العرب إلّا هوازن وثقيفاً، فإنّهم كانوا طغاة عتاة مردة، فلمّا سمعت هوازن بفتح مكّة على يد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، جمعها رئيسها مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلّها، وكانوا اجتمعوا حين بلغهم خروجه(صلى الله عليه وآله) من المدينة، فظنّوا أنّه إنّما يريدهم، فلمّا بلغهم أنّه أتى مكّة عمدوا لحربه بعد مقامه بمكّة نصف شهر.
فجاؤوا حتّى نزلوا بحُنين، وحطّ مالك معهم النساء والصبيان والأموال، وبلغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما أجمعت عليه هوازن من حربه، فتهيّأ لقتالهم(1).
عدد الجيش
خرج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) اثنا عشر ألفاً، عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح بهم مكّة، وألفان من مسلمة الفتح، وخرج جيش العدو بثلاثين ألفاً.
تعبئة الجيش
عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبّأهم في وادي حُنين، وكمنوا في شعاب الوادي بإشارة دريد بن الصمّة، فإنّه قال لمالك: اجعل لك كميناً، إن حمل عليك القوم جاءهم الكمين من خلفهم، وكَرَرتَ أنت بمن معك، وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد.
وعبّأ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحابه في السحر وصفّهم صفوفاً، ووضع الألوية والرايات في أهلها، مع المهاجرين لواء يحمله علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وراية يحملها سعد بن أبي وقّاص، ومع الأنصار لواء للأوس مع أسيد بن حضير، ولواء للخزرج مع سعد بن عبادة، ومع قبائل العرب ألوية ورايات، وانحدر رسول الله(صلى الله عليه وآله) في وادي حُنين على تعبئة، وركب بغلته البيضاء، ولبس درعين والمغفر.
وقوع الحرب وهزيمة الناس
لمّا وصل رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى وادي حُنين، وإذا بالعدو قد سبقهم إليه، فأحاطوا برسول الله(صلى الله عليه وآله) وجيشه وحملوا عليهم حملة رجل واحد، فانهزم الناس خوفاً منهم، أخذ ينادي(صلى الله عليه وآله): «أيّها الناس هلمّوا إليّ، أنا رسول الله محمّد بن عبد الله»، فلا يأتيه أحد!
ولمّا رأى(صلى الله عليه وآله) هزيمة القوم عنه قال للعباس ـ وكان صيّتاً جهوري الصوت: «ناد القوم وذكّرهم العهد»، فنادى بأعلى صوته: يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة! إلى أين تفرّون؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله)(2).
الذين ثبتوا ولم ينهزموا
إنّ الذين ثبتوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم حُنين بعد هزيمة الناس هم: علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والعباس بن عبد المطّلب، والفضل بن العباس بن عبد المطّلب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن بن عبيد، وهو ابن أُمّ أيمن مولاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحاضنته، وقد قُتل يوم حُنين.
وقال العباس بن عبد المطّلب في ذلك:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة ** وقد فرّ مَن قد فرّ منهم واقشعوا
وقولي إذا ما الفضل شدّ بسيفه ** على القوم أُخرى يا بُني ليرجعوا
وعاشرنا لاقى الحمام بسيفه ** بما مسّه في الله لا يتوجّع
يعني أيمن بن عبيد.
وقال الشيخ المفيد(قدس سره): «لم يبق مع النبي(صلى الله عليه وآله) إلّا عشرة نفر، تسعة من بني هاشم خاصّة، والعاشر أيمن ابن أُمّ أيمن»(3).
هزيمة العدو ونصرة المسلمين
قال الشيخ المفيد(قدس سره): «وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين اكبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه، وهو يرتجز ويقول:
أنا أبو جرول لا براح ** حتّى نبيح القوم أو نباح
فصمد له علي(عليه السلام) فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال:
قد علم القوم لدى الصباح ** إنّي في الهيجاء ذو نطاح
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول، ثمّ التأم الناس وصُفّوا للعدو، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اللّهمّ إنّك أذقت أوّل قريش نكالاً، فأذق آخرها نوالاً»، وتجالد المسلمون والمشركون، فلمّا رآهم النبي(صلى الله عليه وآله) قام في ركابي سرجه حتّى أشرف على جماعتهم، وقال: «الآن حمي الوطيس»:
أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطّلب
فما كان بأسرع من أن ولّى القوم أدبارهم، وجيء بالأسرى إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) مكتّفين(4).
قال سلمة بن الأكوع: «ونزل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوههم وقال: “شاهت الوجوه”، فما خلق الله منهم إنساناً إلّا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم»(5).
ولمّا انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجّه بعضهم نحو نخلة.
ثمّ جُمعت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبايا حُنين وأموالها، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحُبست بها، وأخّر قسمتها حتّى رجع من حصار الطائف.
نزول آيات قرآنية
وحول ما حصل في حُنين من فرار الناس عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنزل الله تعالى قوله: )وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثمّ وَلّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثمّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لّمْ تَرَوْهَا((6).
قال الشيخ المفيد(قدس سره): «يعني بالمؤمنين علياً ومن ثبت معه من بني هاشم، أو عامّة المؤمنين الذين رجعوا بعد الهزيمة، وكان رجوعهم بثباته(عليه السلام) ومن معه، ومحاماته عن النبي(صلى الله عليه وآله)، وحفظه من القتل»(7).
غزوة أوطاس والطائف
قال الشيخ المفيد(قدس سره): «ولمّا فضّ الله جمع المشركين بحُنين، تفرّقوا فرقتين: فأخذت الأعراب ومن تبعهم إلى أوطاس، وأخذت ثقيف ومن تبعها إلى الطائف، فبعث النبي(صلى الله عليه وآله) أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة منهم أبو موسى الأشعري.
وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف، فأمّا أبو عامر فإنّه تقدّم بالراية، وقاتل حتّى قُتل، فقال المسلمون لأبي موسى: أنت ابن عمّ الأمير وقد قُتل، فخذ الراية حتّى تقاتل دونها، فأخذها أبو موسى فقاتل المسلمون حتّى فتح الله عليهم.
وأمّا أبو سفيان فإنّه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه، فانهزم ورجع إلى النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: بعثتني مع قوم لا يرقع بهم الدلاء من هذيل والأعراب، فما أغنوا عنّي شيئاً! فسكت النبي(صلى الله عليه وآله) عنه.
ثمّ سار بنفسه(صلى الله عليه وآله) إلى الطائف فحاصرهم أيّاماً، وأنفذ علياً(عليه السلام) في خيل وأمره أن يطأ ما وجده، ويكسر كلّ صنم وجده، فخرج حتّى لقيته خيل خثعم في جمع كثير، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب في غبش الصبح.
فقال: هل من مبارز؟ فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): “من له”؟ فلم يقم إليه أحد، فقام إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) فوثب أبو العاص بن الربيع، فقال: تكفاه أيّها الأمير، فقال: “لا، ولكن إن قُتلت فأنت على الناس”، فبرز إليه علي(عليه السلام) وهو يقول:
إنّ على كلّ رئيس حقّاً ** إن يروي الصعدة أو تدقّا
ثمّ ضربه وقتله، مضى في تلك الخيل حتّى كسر الأصنام، وعاد إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو محاصر لأهل الطائف، فلمّا رآه النبي(صلى الله عليه وآله) كبّر للفتح، وأخذ بيده فخلا به وناجاه طويلاً»(8).
خلوة النبي(صلى الله عليه وآله) بعلي(عليه السلام)
قال جابر بن عبد الله الأنصاري: «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لمّا خلا بعلي يوم الطائف، أتاه بعض المهاجرين فقال: أتناجيه دوننا، وتخلو به؟
فقال: “ما أنا انتجيته، بل الله انتجاه”، فأعرض وهو يقول: هذا كما قلت لنا قبل الحُديبية لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فلم ندخله، وصُددنا عنه، فناداه النبي(صلى الله عليه وآله): “لم أقل لكم أنّكم تدخلونه من ذلك العام”(9).
تقسيم الغنائم
رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الجعرانة بمن معه من الناس، وقسّم بها ما أصاب من الغنائم يوم حُنين، وهي: ستّة آلاف من الذراري والنساء، ومن البهائم ما لا يُحصى ولا يُدرى(10).
من السبايا
وقد كان فيما سُبي أُخته بنت حليمة السعدية، فلمّا قامت على رأسه قالت: يا محمّد أُختك شيماء بنت حليمة، فنزع رسول الله(صلى الله عليه وآله) برده فبسطه لها فأجلسها عليه، ثمّ أكبّ عليها يسألها، وهي التي كانت تحضنه إذ كانت أُمّها ترضعه(11).
ـــــــــــــــــــــــــــ
1. اُنظر: أعيان الشيعة 1/278.
2و3 المصدر السابق 1/279.
4. الإرشاد 1/142.
5. بحار الأنوار 21/167.
6. التوبة: 25 ـ 26.
7. أعيان الشيعة 1/279.
8. الإرشاد 1/151.
9. أعيان الشيعة 1/281.
10. اُنظر: تفسير مجمع البيان 5/36.
11. إعلام الورى بأعلام الهدى 1/239.
بقلم : محمد أمين نجف
مركز آل البيت العالمي للمعلومات
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً