فضل البكاء على الإمام الحسين ( عليه السلام )
إن مكانة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لا ينكرها إلا معاند ، فشأنه ( عليه السلام ) عند الله تعالى يتجلَّى بما ورد إلينا من الرويات في العلامات التي ظهرت في الكون ، وعَبَّرَت عن الغضب الإلهي بعد قتلته ( عليه السلام ) ، مِنْ أنَّ الله تعالى قد أوحى إلى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بأنه عزَّ وجلَّ إذا كان قد انتقم لِدَم يحيى ( عليه السلام ) بقتل سبعين ألف ، فَسَوف ينتقم لدم الإمام الحسين ( عليه السلام ) بسبعين ألف وسبعين ألف .
وقد أجاب الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بما دَلَّ من القرآن على استمرار حُزن يعقوب عند رَدِّه على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه ، كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) في ( حلية الأولياء 3 / 162 ) ، عن كثرة بكاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) فقال ( عليه السلام ) : ( لا تلوموني ، فإنَّ يعقوب فَقَدَ سِبطاً مِن ولده ، فبكى حَتَّى ابيضَّتْ عيناه ، ولم يَعلَم أنه مات ، وقد نظرتُ إلى أربعة عشر رجلاً من أهـل بيتي في غزاة واحدة ، أفَتَرَون حزنهم يذهب مِن قَلبي ؟ ) .
وسئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أجر النائحة ، فقال : ( لا بأس ، قَد نيح على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) .
وفي حديث آخر : ( لا بأس بِكَسب النائحة إذا قالتْ صِدقاً ) .
وروى أبو حمزة عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : مات ابن المغيرة ، فسألَتَ أمُّ سلمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يأذن لها في المُضِيِّ إلى مناحته .
فأذن ( صلى الله عليه وآله ) لها ، وكان ابن عمها – ثم رثته بأبيات – .
وفي تمام الحديث : فما عاب عليها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذلك ، ولا قال شيئاً .
البكاء على الميت مُستحب عند العامَّة :
هذا وقد ورد في مصادر العامة ما يدلُّ على أنَّ البكاء على الميت سُنََّة سَنَّها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده 2 / 599 / ح 1174 ، قال : عن عائشة قالت : مَرَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين انصرف على بني الأشهل ، فإذا نسائهم يَبْكِين على قتلاهم ، وكان استمرَّ القتل فيهم يومئذ .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لكِنَّ حَمزة لا بواكي له ) .
فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة ، فَجَعلت عائشة تَبكي مَعَهُنَّ .
فنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاستيقظ عند المغرب ، فَصلَّى المغرب ، ثم نام ، ونحن نبكي .
فاستيقظ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعشاء الآخرة ، فصلى العشاء ، ثم نام ، ونحن نبكي .
فاستيقظ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن نبكي ، فقال : ( ألا أراهُنَّ يبكيْنَ حتى الآن ، مُرُوهُنَّ فَلْيَرجِعْنَ ) .
ثم دعا ( صلى الله عليه وآله ) لَهُنَّ ، ولأزواجِهِنَّ ، ولأولادِهِنَّ .
ولعلك تلاحظ في هذه الرواية ، أنها لا تدل على جواز البكاء على الميت وندبه فحسب ، بل إنها تدل على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة ، ولقرون طويلة .
البكاء على الإمام الحسين ( عليه السلام ) سُنَّة سَنَّها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
فقد كان ( صلى الله عليه وآله ) أوَّل من أخبر بواقعة شهادة الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
فروى ابن حبان في صحيحه 6 / 203 ، عن أنس بن مالك قال : استأذَنَ مَلَك القطر رَبَّه أن يزور النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأذن له ، فكان في يوم أم سلمة ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( اِحفظي علينا الباب ، لا يَدخل علينا أحد ) .
فبينا هي على الباب ، إذ جاء الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، فظفر ، فاقتحم ، ففتح الباب ، فدخل ، فجعل يتوَثَّب على ظهر النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وجعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتلثمه ويقبله ، فقال له المَلَك : أتحبه ؟
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( نعم ) .
قال : أمَا إنَّ أمَّتك ستقتله ، إن شئت أريتُكَ المكان الذي يُقتل فيه ؟ .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( نعم ) .
فقبض قبضة من المكان الذي يُقتل ( عليه السلام ) فيه ، فأراه إياه ، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذَتْهُ أمُّ سلمة ، فجعلَتْهُ في ثوبها .
وأما بكاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه ، فقد روى أحمد في مسنده 2 / 78 ، عن نجي أنه سار مع علي ( عليه السلام ) ، وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي ( عليه السلام ) : ( اِصبرْ أبا عبدِ الله ، اِصبرْ أبا عبدِ الله بشط الفرات ) .
قلت : وماذا ؟
قال ( عليه السلام ) : ( دخلتُ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم وعيناه تفيضان ، قال : بل قام من عندي جبريل قبل ، فَحدَّثَني أن الحسين يُقتَل بشط الفرات ، هل لك إلى أنْ أُشِمَّك من تربته ؟
قلت : نعم .
فمدَّ ( صلى الله عليه وآله ) يده ، فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فَاضَتَا ) .
وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3 / 176 ، عن أم الفضل بنت الحارث ، أنها دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : يا رسول الله ، إني رأيت حلماً مُنكَراً الليلة .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَا هُوَ ) .
قالت : إنه شديد .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما هو ) .
قالت : رأيت كأَنَّ قطعة من جسدك قطعت ، وَوُضِعت في حِجْري .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( رَأيتِ خَيراً ، تَلِد فاطمة إن شاء الله غُلاماً ، فيكونُ في حِجرك ) .
فَوَلدت فاطمة ( عليها السلام ) الإمام الحُسين ( عليه السلام ) ، فكان في حجري كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فدخلتُ يوماً إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فوضعتُهُ في حِجره ، ثم حانَتْ مِنِّي التِفَاتَة ، فإذا عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تهريقان من الدموع .
فقلت : يا نبي الله ، بأبي وأمي ، ما لَكَ ؟
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( أتاني جِبريل عليه الصلاة والسلام ، فأخبرَني أنَّ أُمَّتي ستقتُل ابني هذا ) .
فقلت : هذا !! .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( نعم ) .
وأتاني ( صلى الله عليه وآله ) بتربة من تربته ( عليه السلام ) حمراء .
ونقول : هذه روايات صريحة في أنَّ البكاء على الإمام الحسين هي سُنَّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وليست بِدْعَة .
والشيعة يتبعون في ذلك سُنَّة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في البكاء على سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
——————
مركز آل البيت العالمي للمعلومات
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً