لا عَتَب على اليراع لو وقف عند تحديد شخصية كريمة معنوية ، خصَّها الله تعالى بمواهب وفضائل .
وكفى في ذلك ما رواه طارق بن شهاب في قوله : كنت عند عبد الله بن عباس ، فجاء أناس من أبناء المهاجرين ، فقالوا له : يا ابن عباس ، أي رجل كان علي بن أبي طالب ؟
قال : مُلئ جوفه حِكَماً وعلماً ، وبأساً ونجدة ، وقرابة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وروى عكرمة عن ابن عباس قال : ما نزل في القرآن : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ) ، إلا وعلي ( عليه السلام ) رأسها وأميرها .
ولقد عاتب الله أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) في غير مكان ، وما ذكر عليّاً إلا بخير .
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي .
وقال ابن عباس : نزلت في علي أكثر من ثلاثمِائة آية في مدحه .
ونكتفي في ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) بكلمتين عن تلميذيه اللذين كانان معه سِرّاً وجَهراً :
الأولى : قال ابن عباس عندما سئل عن الإمام علي ( عليه السلام ) : رحمةُ الله على أبي الحسن ، كانَ – والله – عَلَم الهدى ، و كَهف التُّقَى ، وطود النُّهى ، ومحلُّ الحِجى ، وغَيث النَّدى ، ومنتهى العلم للورى ، ونوراً أسفر في الدُّجى ، وداعياً إلى المَحِجَّة العظمى ، ومستمسكاً بالعُروة الوُثقى .
أتْقى مَن تقمَّص وارتدى ، وأكرمَ من شَهد النَّجوى بعد محمد المصطفى ، وصاحِبُ القِبلتين ، وأبو السبطين ، وزوجتُه خَيرُ النِّساء ، فما يفوقُه أحد ، لم تر عينايَ مِثلَه ، ولم أسمَعُ بمِثلِه .
فَعَلى من أبغضه لَعنَةُ الله ولَعنَةُ العِبادِ إلى يَومِ التَّنَادِ .
الثانية : إن معاوية سأل ضرار بن حمزة بعد موت الإمام عليٍّ ( عليه السلام ) عنه ، فقال : صِفْ لي عليّاً .
فقال : أوَ تعفيني ؟
قال : صِفْهُ .
قال : أو تعفيني ؟
قال : لا أعفِيك .
قال : أمَّا إذا لا بُدَّ فأقول ما أعلَمُه منه : والله كَانَ بَعيدُ المَدى ، شَديدُ القِوى ، يقولُ فَصْلاً ، ويحكُمُ عَدلاً ، يتفجَّر العلم من جَوانِبه ، وتنطُقُ الحِكمة من نواحيه ، يستوحِشُ من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس باللَّيلِ وظُلمَتِه .
كانَ واللهِ غزير الدَّمعة ، طَويلُ الفكرة ، يُقلِّبُ كفَّيه ، ويخاطِبُ نفسه ، يُعجِبه من اللِّبَاس ما خَشنَ ، ومِن الطَّعَامِ مَا جَشبَ .
كان والله كأحَدِنا ، يُجيبُنا إذا سألناه ، ويَبتَدِئُنا إذا أتيناه ، ويأتِينَا إذا دَعَونَاه ، ونحنُ والله مَع تَقريبِه لَنا ، وقُربِه مِنَّا ، لا نكلِّمُه هَيبة ، ولا نبتدِئُه عَظَمة .
إنْ تبسَّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظِّم أهل الدين ، ويحبُّ المساكين ، لا يطمع القويُّ في باطله ، ولا يَيْأس الضعيف من عدله .
فأشهَدُ بالله ، لقد رأيته في بَعضِ مواقفه وقد أرخى اللَّيلُ سُدولَه ، وغارَتْ نُجومَه ، وقد مَثُل في مِحرابِه ، قابضاً على لِحيَته ، يتمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّليم ، ويبكي بُكاءَ الحزين .
وكأنِّي أسمَعُه وهو يقول : ( يَا دُنْيَا أبِي تَعرَّضْتِ ؟ ، أمْ إليَّ تَشوَّقتِ ؟ ، هَيْهات هَيْهات ، غُرِّي غَيري ، قَدْ بَايَنْتُكِ ثلاثاً لا رَجْعة لي فِيكِ ، فَعُمرُكِ قصيرٌ ، وعَيشُكِ حَقيرٌ ، وخَطَرُك كثيرٌ ، آهٍ مِن قِلَّة الزَّاد ، وبُعدِ السَّفر ، وَوَحْشَة الطَّريق ) .
فذُرِفَت دموع معاوية على لِحيَته ، فما يملكها وهو ينشِّفها بكمِّه ، وقد اختنق القوم بالبكاء .
فقال معاوية : رَحِم الله أبا الحسن ، كان والله كذلك ، فكيفَ حُزنك عليه يا ضرار ؟
قال : حزن من ذُبح ولدها في حجرها ، فلا ترقأ عبرتُها ، ولا يسكُن حزنُها .
مركز آل البيت العالمي للمعلومات
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً