ذَكَرَ المحدِّثون لوالدة الإمام ثمانية أسماء: نَرْجِس وقيل سَوْسَن، صَقْيل، حديثة، حكيمة، مَليكة، ريحانه، وخَمْط.
وإنَّ تعدُّد الأسماء لا يَدلُّ على تعدُّد المُسَمّى فإن السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت لها أسماء عديدة لأسباب ومناسبات متنوَّعة، وهكذا الكلام هنا، ونَرْجس: إسم لبعض الأزهار العَطِرة، والخَمْط: نوع من شجر الأراك له حمل وثَمَرٌ يُؤْكَل قال تعالى ((ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ)) وسَوْسَن: أيضاً من أنواع الأزاهير ذات الرائحة الطيِّبة والفوائد الكثيرة المذكورة في كُتُب الطب، والصقيل: هو الشيء الأمْلس، فلا مانع مِن أنْ يسمى الشخص بأسماء متعدِّدة لمناسبات مختلفة وقد تقدّم في تعدد أسماء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ذلك أي ان تعدد الأسماء يدلّ على تعدد جهات العظمة عند المسمى ولعل هنا يعود تعدد الأسماء عند والدة الإمام (عج) إلى بعض الأسباب منها:
لصلة الحب والرحمة من قبل زوجها. فهو يناديها بافضل الأسماء لديه واجملها في ذوقه. ولذا كان جملة منها من أسماء الأزهار. لكن لا على أن يكون ذلك اسمها الحقيقي.. بل على أساس ان يحتفظ بالاسم الحقيقي في نفسه ويناديها بأي اسم جميل وذي دلالة حسنة.. توددا واستلطافا.
ومن الأسباب: الحكمة الالهية حيث أنها رضوان الله عليها عاشت تخطيطاً خاصاً، في تبديل اسمها بين آونة وأخرى منذ دخلت العائلة الكريمة، لأنها ستصبح أماً للإمام للمهدي (عليه السلام) وسترى المطاردة والاضطهاد من قبل السلطات وستعيش في السجن مدة من الزمن.. اذاً فيجب القيام بهذا المخطط تجاهها إمعاناً في الحذر وزيادة في التوقي عليها وعلى ابنها، ولأجل أن يختلط في ذهن السلطات ان صاحبة أي من هذه الاسماء هي المسجونة وأي منها هي الحامل وأي منها هي الوالدة وهكذا… حيث يكون المفهوم لدى السلطات كون الأسماء لنساء كثيرات، ويغفلون عن احتمال تعددها في شخص امرأة واحدة.
وهذا الاحتمال هو الاحتمال الراجح في تعدد أسماء أم الامام المهدي (عليه السلام). رُويَ عن بِسْرِ بن سليمان النَحّاس، وهو مِن وُلْد أبي أيوب الأنصاري، وأحد مُوالي أبي الحسن ــ الهادي ــ وأبي محمد العسكري وجارُهما بِسُرَّ مَنْ رأى، قال: كان مولانا أبو الحسن الهادي عليه السلام فَقَّهَني في عِلْم الرَقيق فكنتُ لا أبتاع ولا أبيع إلاّ بإذْنه، فاْجْتَنَبْتُ بذلك مواردَ الشبهات حتى كَمُلَتْ مَعرفَتي فيه، وأحْسَنْتُ الفَرقَ بين الحلال والحرام، فبينما أنا ذات ليلة في مَنزلي بسُرَّ من رأى، وقد مضى هَويٌّ (أي: ساعة) مِن الليل إذْ قَرَعَ البابَ قارِعٌ، فإذا أنا بكافور الخادم، رسول مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد عليهم السلام يدعوني إليه فلَبسْتُ ثيابي ودخَلْتُ عليه، فرأيتهُ يُحدِّث إبنَه أبا محمد وأُخته حكيمة مِن وراء السِتر، فلما جلستُ قال: يا بِشْر: إنَّك مِن وُلْد الأنصار، وهذه الموالاة لم تَزَلْ فيكم، يَرثُها خَلَفٌ عن سَلَف، وأنتم ثِقاتنا أهل البيت، وإني مُزَكِّيك ومُشرِّفك بفضيلةٍ تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها: بِسِرٍّ أُطْلِعُكَ عليه، وأُنفّذك في ابتياع أَمَة.
فكتَبَ كتاباً مُلْصقاً بخَطٍ رومي ولُغةٍ روميَّة، وطَبَع عَليه بخاتمه، وأخْرَجَ شنتقةً ( أي صُرّةً فيها نقود) صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خُذْها وتوجَّهْ بها إلى بغداد، وأْحْضَر مَعْبَرَ الصُراة ضَحْوَة يوم كذا، فإذا وَصَلَت إلى جانبك زوارِق السبايا، وبَرَزْنَ الجواري منها، فَسَتُحدِقُ بهنَّ طوائف المبتاعين مِن وكلاء قوّاد بَني العباس، وشَراذِم من فيتان العراق، فإذا رأيتَ ذلك فأَشْرِفْ مِن البُعْد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامَّةَ نَهارِك إلى أنْ تَبْرز للمبتاعين جارية صِفَتُها كذا وكذا، لابسة حريرتين صَفِيقَتَين تَمتَنع مِن السفور ولمسِ المعتَرِض والانقيادِ لمنْ يُحاول لَمْسها، ويَشْغَل نَظَرَه بتأمُّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق. فيضْربها النخّاس، فَتصْرَخ صَرْخَةً روميَّة، فاعلَم أنَّها تقول: واهَتْكَ سِتْراه. فيقول بعض المبتاعِين: عليَّ بثلاثمئة دينار، فقد زادَني العفافُ فيها رَغْبةً. فتقول له ــ بالعربية ــ : لو بَرَزْت في زيِّ سليمان بن داود وعلى مِثْل سَرير مُلْكه ما بَدَتْ لي فيك رَغْبة، فأشْفِقْ على مالِك.
فيقول النَخّاس: فما الحِيلَة؟ ولابدَّ مِن بيعكِ؟
فتقول الجارية: وما العَجَلَة؟ ولا بدَّ مِن إختيار مُبْتاع يسكن قلبي إليه والى وفائه وأمانته.
فعند ذلك.. قُمْ إلى عمر بن يزيد النَخّاس وقُل ْ له: إنَّ معي كتاباً مُلْصَقاً لبعض الأشراف، كَتَبَه بِلُغَةٍ روميَّة وخَطٍ رومي ووَصَفَ فيه كَرَمه ووَفاءَه ونُبْلَه وسخاءه، فناوِلْها لتَتأَمَّل مِنه أخلاقَ صاحبِه، فإنْ مالتْ إليه ورَضِيتَهْ فأنا وكيلُه في ابتياعِها منك.
قال بِشْر: فاْمتَثَلْتُ جميعَ ما حَدَّه لي مولاي أبو الحسن عليه السلام في أمْر الجاية. فلما نَظَرَتْ في الكتاب بكَتْ بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد: بَعْني من صاحب هذا الكتاب. وحَلَفَتْ بالمُحْرِجة المغلَّظَة أنَّه متى إمتَنَعَ مِن بيعها منه قَتَلَتْ نفسَها.
فما زِلْتُ أُشاحُّه في ثمنها حتى استقَرَّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصْحَبَنيه مولاي عليه السلام من الدنيانير في الشنتقة (أي الصُرَّة) الصفراء، فاستوفاه مِنّي وتسلَّمتُ منه الجارية ضاحِكةً مستَبْشِرَةً، وأنصرَفْتُ بها إلى حُجْرتي التي كنتُ آوي اليها ببغداد.
فما أخَذَها القرار حتى أخْرجَتْ كتاب مولانا عليه السلام مِن جَيْبها وهي تَلْثِمُه وتَضَعُه على خَدَّها، وتُطْبقُه على جَفْنها، وتمسحه على بَدَنها. فقلتُ ــ تعجُّباً مِنها ــ أتَلْثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟
فقالت: أيّها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلِّ أولاد الأنبياء! أعِرْني سَمْعَكَ وفرِّغْ لي قلبَكَ: أنا مَليكة بنت يشوعا بن قَيْصَر مَلِك الروم، وأُمِّي مِن وُلْد الحواريِّين تنتسب إلى وصيِّ المسيح: شَمعون.
أُنَبِّئُكَ العجَبَ العجيب: إنَّ جدِّي قَيْصَر أراد أنْ يُزَوِّجَني مِن إبن أخيه، وأنا مِن بنات ثلاث عشرة سنة، فجَمَعَ في قَصْره مِن نَسْل الحواريين ومن القسِّسين والرُهْبان ثلاثمئة رجل، ومِن ذوي الأخطار سبعمئة رجل، وجَمَعَ من أُمَراء الأجْناد وقوّاد العساكر ونُقَباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبْرَزَ مِن بهو مُلْكه عَرْشاً مصنوعاً من أصناف الجواهر إلى صَحْن القصْر، فرَفَعه فوق أربعين مِرْقاة.
فلما صَعَدَ إبنُ أخيه وأحْدَقَتْ به الصلبان وقامت الأساقفة عُكَّفاً، ونُشِرَتْ أسفارُ الإنجيل تساقطت الصلبان من الأعالي فلَصقتْ بالأرض، وتقوَّضتِ الأعمدة فاْنهارتْ إلى القرار، وخَرَّ الصاعِد من العرش مَغشِيَّاً عليه فتغيَّرتْ ألوانُ الأساقفة وارْتَعَدَتْ فرائصُهم، فقال كبيرُهم ــ لجَدِّي: أيها المِلك أعفِنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني.
فَتَطيَّرَ جدِّي من ذلك تطيُّراً شديداً وقال للأساقِفَة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعو الصلبان وأحْضِروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جَدّه لأُزَوِّج منه هذه الصَبيَّة فيدفع نحوسَه عنكم بِسُعوده.
فلما فَعَلوا ذلك حَدَثَ على الثاني ما حدَثَ على الأول، وتفرَّق الناس، وقال جدّي قيصر مُغْتّماً، ودَخَل قَصره، وأُرخِيَتْ الستور.
فأُرِيتُ في تلك الليلة كأنَّ المسيح وشمعون وعِدَّة مِن الحواريِّين قد اجتمعوا في قصر جدِّي، ونَصَبُوا فيه منبراً يُباري السماء عُلوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدِّي نصَبَ فيه عرشَه، فدخَلَ عليهم محمد (ص) مع فِتْيَةٍ وعِدَّةٍ مِن بَنيه، فتقدَّم المسيحُ إليه فاعتنقه، فقال له محمد(ص): يا روحَ الله إني جئتك خاطباً مِن وصيِّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، ــ وأومأ بيده إلى أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشَرَف، فَصِلْ رَحِمَك بِرَحِم رسول الله (ص) قال: قد فعَلْتُ. فصعد ذلك المنبر وخطب محمد(ص) وزَوَّجَني مِن إبنه وشَهِدَ المسيح(ع) وشَهدَ أبناء محمد(ص) والحواريّون.
فلما اْستيقظْتُ من نومي أشفقت أن أقصَّ هذه الرؤْيا على أبي وجدِّي مخافَة القتل.
وضُرِبَ صدري بمحبة أبي محمد حتى اْمتنعتُ من الطعام والشراب، وضعفتْ نفسي، ودقَّ شخصي، ومَرِضْتُ مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحْضَرَه جدِّي وسأله عن دوائي، فلمّا برح به اليأس قال: يا قُرَّة عيني هل تشتهين شيئاً؟
فقلتُ: يا جدِّي أرى أبواب الفَرَج عليَّ مُغلَقة، فلو كشَفْتَ العذاب عمَّن في سِجنك من أسارى المسلمين، وفككْتَ عنهم الأغلال، وتصدَّقت عليهم، ومنَنْتَ عليهم بالخلاص، لَرَجَوْتُ أنْ يهب المسيح وأُمُّه لي عافية فلما فعَلَ ذلك جدِّي تجلَّدْتُ في إظهار الصحة في بدني، وتناولتُ يسيراً من الطعام، فسَرَّ بذلك جدِّي، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.
فرأيتُ أيضاً ــ بعد أربع ليالٍ ــ: كأنَّ سيِّدة النساء قد زارتْني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة مِن وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين، وأمُّ زوجِك أبي محمد. فتعلقت بها وبكيت وشكوت إليها امتناعَ أبي محمد مِن زيارتي.
فقالتْ لي سيِّدةُ النساء: إنَّ إبني لا يزوركِ وأنتِ مُشْرِكة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله مِن دِيْنِك، فإنْ مِلْتِ إلى رضا الله عزّ وجل ورضا المسيح ومريم عنكِ وزيارة أبي محمد إياكِ فقولي: أشْهدُ أنْ لا إله إلاّ الله وأنَّ أبي محمداً رسول الله.
فلما تكلَّمت ُ بهذه الكلمة ضَمَّتْني سيدةُ النساء إلى صدرها، فطيّبت لي نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمد إياك فإنِّي منفِّذته إليكِ.
فاْنتبهتُ وأنا أقول: واشوقاه إلى لقاء أبي محمد. فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد عليه السلام في منامي، فرأيتهُ كأنِّي أقول له: جَفوْتَني يا حبيبي بعد أنْ شغلتَ قلبي بجوامع حُبِّك؟ فقال: ما كان تأْخيري عنك إلاّ لِشِرْكِكِ، وإذْ قد أسْلَمتِ فإني زائرك في كل ليلة إلى أنْ يَجمعَ الله شَمْلَنا في العيان. فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.
قال بِشْر: فقلت لها: وكيف وقَعْتِ في الأسْر؟
فقالت: أخبرَني أبو محمد ليلةً من الليالي أنَّ جدَّكِ سَيُسَيِّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثمّ يتبعهم، فعليكِ باللحاق بهم مُتَنَكِّرَةً في زَيِّ الخَدَم مع عِدَّة من الوصائف من طريق كذا.
ففعلتُ، فوقعتْ علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري، ما رأيتَ وشاهدت، وما شَعُر أحَدٌ بي بأني إبنة مَلِك الروم إلى هذه الغاية ــ سواك، وذلك بإطلاعي إياك عليه.
ولقد سألني الشيخ ــ الذي رقعتُ إليه في سَهْمِ الغَنيمة ــ عن إسمي، فأنْكَرْتُه وقلتُ: نَرْجِسْ. فقال: اسم الجواري.
فقلتُ: العجب انّك روميّة ولسانك عربي.
قالت: بَلَغَ مِن ولوع جدِّي وحملِه إيّاي على تعلّم الآداب أنْ أوْغَرَ إلى إمرأة ترجمانة في الإختلاف إليّ، فكانتْ تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتى اْستمرَّ عليها لساني واْستقام.
قال بِشر: فلما انكَفَأتُ بها إلى (سُرّ مَنْ رأى) دخلتُ على مولانا أبي الحسن العسكري(ع) فقال لها: كيف أراكِ الله عِزَّ الإسلام وذلَّ النصرانية وشرف أهل بيت محمد(ص)؟
قالت كيف أصِفُ لك ــ ياْ بن رسول الله ــ ما أنتَ أعْلَم به مِنِّي؟
قال: فإني أُريدُ أنْ أُكرمَكِ، فأيّما أحب إليك، : عشرة آلاف درهم؟ أم بُشْرى لكِ بشرف الأبد؟
قالتْ: بل البُشْرى.
قال (ع) فأبشري بِوَلَدٍ يملك الدنيا شَرْفاً وغَرْباً، ويملأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظُلماً وجوْراً.
قالت: ممَّنْ؟ قال(ع) ممَّنْ خطبك رسولُ الله(ص) له، ليلة كذا مِن شهر كذا، مِن سنة كذا بالروميَّة.
قالت: مِن المسيح ووصيَّه؟
قال: ممّن زَوَّجّكِ المسيحُ ووصيُّه؟
قالت: مِن ابنك أبي محمد؟
فقالك هل تعرفيه؟
قالت: وهل خَلَتْ ليلة لم يرنِ فيها منذ الليلة التي أسْلَمتُ على يد سيدة النساء أُمِّه؟
فقال أبو الحسن الهادي (ع) : يا كافور أُدعُ لي أُختي حكيمة، فلما دَخَلَتْ عليه قال لها: ها هي. فاْعتنقتْها طويلاً، وسَرَّتْ بها كثيراً، فقال لها أبو الحسن(ع): يا بنت رسول الله خذيها إلى منزلِكِ، وعَلِّميها الفرائض والسُنَن، فإنَّها زوجة أبي محمد وأُمَ القائم(عج).
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً