ومن خطبة له عليه السلام
[ وفيها بيان صفات الحق جلّ جلاله ثمّ عظة الناس بالتقوى والمشورة ]
قَدْ عَلِمَ السَّرائِرَ، وَخَبَرَ الضَّمائِرَ، لَهُ الاِِْحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُوَّةُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ.
[عظة النّاس]
فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ، قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ (1) وَفِي فَرَاغِهِ قَبْلَ أَوَانِ شُغُلِهِ، وَفِي مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ (2) وَلْـيُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ وَقَدَمِهِ، وَلْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِ.
فَاللهَ اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، فِيَما اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً، وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ وَلاَ عَمىً، قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ (3) وَعَلِمَ أعْمَالَكُمْ، وَكَتَبَ آجَالَكُمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ (الْكِتَابَ تِبْيَاناً) ، وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ (4) أَزْمَاناً، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ ـ فِيَما أنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ ـ [دِينَهُ] الَّذِي رَضِيَ لِنفْسِهِ، وَأَنْهَى إِلَيْكُمْ ـ عَلَى لِسَانِهِ ـ مَحَابَّهُ (5) مِنَ الاََْعْمَالِ وَمَكَارِهَهُ، وَنَوَاهِيَهُ وَأَوَامِرَهُ، فَأَلقَى إِلَيْكُمُ الْمِعْذِرَةَ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَديدٍ.
فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ، وَاصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ (6) فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الاََْيَّامِ الَّتِى تَكُونُ مِنْكُم فِيهَاالْغَفْلَةُ وَالتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ؛ وَلاَ تُرَخِّصُوا لاََِنْفُسِكُمْ، فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الْظَّلَمَةِ (7) وَلاَ تُدَاهِنُوا(8) فَيَهْجُمَ بِكُمُ الاِِْدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ؛ وَالْمَغْبُونُ (9) مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، وَالْمَغْبُوطُ (10) مَنْ سَلِمِ لَهُ دِينُهُ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَإِ (11) شِرْكٌ، وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلاِِْيمَانِ (12) وَمَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ(13) جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلاِِْيمَانِ، الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وَكَرَامَةٍ، وَالْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ وَمَهَانَةٍ.
لاَ تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الاِِْيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَلاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ (14)وَاعْلَمُوا أَنَّ الاََْمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ، وَيُنْسِي الذِّكْرَ، فَأَكْذِبُوا الاََْمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً