ومن خطبة له عليه السلام
[ وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا ] منك؟ [ معنى جور الزمان ]
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا في دَهْرٍ عَنُودٍ (1) وَزَمَنٍ كَنُودٍ (2) يُعَدُّ فِيهِ الُمحْسِنُ مُسِيئاً، وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً، لاَ نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا، وَلاَ نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا، وَلاَ نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً (3) حَتَّى تَحُلَّ بِنَا..
[أصناف المسيئين] فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ: مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَمْنَعُهُ الفَسَادَ في الاََْرْضِ إِلاَّ مَهَانَةُ نَفْسِهِ، وَكَلاَلَةُ حَدِّهِ (4) وَنَضِيضُ وَفْرِهِ (5) وَمِنْهُمُ المُصْلِتُ لِسَيْفِهِ، وَالمُعْلِنُ بِشَرِّهِ، وَالُمجْلِبُ بِخَيْلِهِ (6)وَرَجِلِهِ (7) قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ (8)وَأَوْبَقَ دِينَهُ (9) لِحُطَامٍ (10) يَنْتَهِزُهُ (11) أَوْ مِقْنَبٍ (12) يَقُودُهُ،أَوْ مِنْبَرٍيَفْرَعُهُ (13) وَلَبِئْسَ المَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً، وَمِمَّا لَكَ عِنْدَاللهِ عِوَضاً! وَمِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الاَْخِرَةِ، وَلاَ يَطْلُبُ الاَْخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا، قَدْ طَامَنَ (14) مِنْ شَخْصِهِ، وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ، وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلاََْمَانَةِ، وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللهِ ذَرِيعَةً (15) إِلَى المَعْصِيَةِ..
وَمِنْهُمْ مَنْ أقْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ المُلْكِ ضُؤولَةُ نَفْسِهِ (16) وَانقِطاعُ سَبَبِهِ، فَقَصَرَتْهُ الحالُ عَلَى حَالِهِ، فَتَحَلَّى بِاسْمِ القَنَاعَةِ، وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ، وَلَيْسَ مِنْ ذلِكَ في مَرَاحٍ (17) وَلاَ مَغْدىً (18) [الراغبون في الله] وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْـمَحْشَرِ، فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ
(19) وَخَائِفٍ مَقْمُوعٍ (20) وَسَاكِتٍ مَكْعُومٍ (21) وَدَاعٍ مُخْلِصٍ، وَثَكْلاَنَ
(22) مُوجَعٍ، قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ (23) التَّقِيَّةُ (24) وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ، فَهُمْ في بَحْرٍ أُجَاجٍ (25) أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ(26) وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ (27) قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا (28) وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا..
[التزهيد في الدنيا] فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا أَصْغَرَ في أَعْيُنِكُمْ مِنْ حُثَالَةِ (29) الْقَرَظِ (30) وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ (31)وَاتّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ؛ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا قَد رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا (32) مِنْكُمْ..
وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له بها إلى معاوية، وهي من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه، وأين الذهب من الرّغام (33) والعذب من الاَجاج! وقد دلّ على ذلك الدليل الخِرِّيِت (34)ونقده الناقد البصير عمروبنبحرٍ الجاحظ؛ فإنه ذكر هذهالخطبة فيكتابه «البيان والتبيين» وذكر من نسبها إلى معاوية، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها، جملته أنه قال: وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام أشبه، وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الاِخبار عماهم عليه من القهر والاِذلال ومن التقية والخوف أليق. قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الاَحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد، ومذاهب العُبّاد!
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً