لمّا بويع بالمدينة
[ وفيها يخبر الناس بعلمه بما تؤول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم إلى أقسا م ]
ذِمَّتي (1) بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ (2) وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (3) إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ العِبَرُ (4) عَمَّا بَيدَيْهِ مِنَ المَثُلاتِ (5) حَجَزَهُ (6) التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ (7) أَلاَ وَإِنَّ
بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا (8) يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله ، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ (9) بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً
(10) وَلَتُسَاطُنَّ (11) سَوْطَ القِدْرِ (12) حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا.
وَاللهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً (13) وَلا كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذا المَقامِ وَهذَااليَوْمِ.
أَلاَ وَإِنَّ الخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ (14) حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُها، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا (15) فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ في النَّارِ (16) أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ (17) حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا،
وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الجَنَّةَ.
حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ البَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ، وَلَئِنْ قَلَّ الحقُّ لَرُبَّما وَلَعَلَّ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيءٌ فَأَقْبَلَ! وأقول: إنّ في هذا الكلام الاَدنى من مواقع
الاِحسان ملا تبلغه مواقع الاستحسان، وإنّ حظ العجب منه أكثر من حظ العُجب به، وفيه ـ مع الحال التي وصفنا ـ زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، ولا
يَطَّلع فَجها (18) إنسان، ولا يعرف ما أقوله إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحق، وجرى فيها على عرق (19) (وَمَا يَعْقِلُهَا إلاّ العَالمِونَ) .
ومن هذه الخطبة [وفيها يقسّم الناس إلى ثلاثة أصناف] شُغِلَ مَنِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ! سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا، وَطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا، وَمُقَصِّرٌ في النَّارِ هَوَى.
الَيمِينُ وَالشِّمالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الوُسْطَى هِيَ الجَادَّةُ (20) عَلَيْهَا بَاقي الكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ، وَإلَيْهَا مَصِيرُ العَاقِبَةِ.
هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى، مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ،
وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ، لاَيَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ (21) أَصْلٍ، وَلاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ.
فَاسْتَتِرُوا بِبُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ.
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً