اللقاء (٣٠): ابن هشام (*) (١)
رُويَ عَنْ أبِي الْقَاسِم جَعْفَر بْن مُحَمَّدِ بْن قُولَوَيْهِ، قَالَ: لَمَّا وَصَلْتُ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سَبْع وَثَلاَثِينَ لِلْحَجَّ وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي رَدَّ الْقَرَامِطَةُ فِيهَا الْحَجَرَ إِلَى مَكَانِهِ مِنَ الْبَيْتِ، كَانَ أكْبَرُ هَمَّي مَنْ يَنْصِبُ الْحَجَرَ؟ لأنَّهُ مَضَى فِي أثْنَاءِ الْكُتُبِ قِصَّةُ أخْذِهِ وَ(أنَّهُ) إِنَّمَا يَنْصِبُهُ فِي مَكَانِهِ الْحُجَّةُ فِي الزَّمَان كَمَا فِي زَمَان الْحَجَّاج وَضَعَهُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ فِي مَكَانِهِ وَاسْتَقَرَّ، فَاعْتَلَلْتُ عِلَّةً صَعْبَةً خِفْتُ مِنْهَا عَلَى نَفْسِي وَلَمْ يَتَهَيَّأ لِي مَا قَصَدْتُهُ فَاسْتَنَبْتُ الْمَعْرُوفَ بِابْن هِشَام وَأعْطَيْتُهُ رُقْعَةً مَخْتُومَةً أسْألُ فِيهَا عَنْ مُدَّةِ عُمُري وَهَلْ يَكُونُ الْمَوْتَةُ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ أمْ لاَ؟، وَقُلْتُ: هَمَّي إِيصَالُ هَذِهِ الرُّقْعَةِ إِلَى وَاضِع الْحَجَر فِي مَكَانِهِ وَأخْذُ جَوَابِهِ وَإِنَّمَا أنْدُبُكَ لِهَذَا، قَالَ: فَقَالَ الْمَعْرُوفُ بِابْن هِشَام: لَمَّا حَصَلْتُ بِمَكَّةَ وَعُزمَ عَلَى إِعَادَةِ الْحَجَر بَذَلْتُ لِسَدَنَةِ الْبَيْتِ جُمْلَةً تَمَكَّنْتُ مَعَهَا مِنَ الْكَوْن بِحَيْثُ أرَى وَاضِعَ الْحَجَر فِي مَكَانِهِ فَأقَمْتُ مَعِي مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ عَنّي ازْدِحَامَ النَّاس فَكُلَّمَا عَمَدَ إِنْسَانٌ لِوَضْعِهِ اضْطَرَبَ وَلَمْ يَسْتَقِمْ، فَأقْبَلَ غُلاَمٌ أسْمَرُ اللَّوْن حَسَنُ الْوَجْهِ فَتَنَاوَلَهُ وَوَضَعَهُ فِي مَكَانِهِ فَاسْتَقَامَ كَأنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، وَعَلَتْ لِذَلِكَ الأصْوَاتُ فَانْصَرَفَ خَارجاً مِنَ الْبَابِ، فَنَهَضْتُ مِنْ مَكَانِي أتْبَعُهُ وَأدْفَعُ النَّاسَ عَنّي يَمِيناً وَشِمَالاً حَتَّى ظُنَّ بِيَ الِاخْتِلاَطُ فِي الْعَقْل، وَالنَّاسُ يَفْرجُونَ لِي وَعَيْني لاَ تُفَارقُهُ حَتَّى انْقَطَعَ عَن النَّاس فَكُنْتُ اُسْرعُ الشَّدَّ خَلْفَهُ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى تُؤَدَةِ السَّيْر وَلاَ اُدْركُهُ.
فَلَمَّا حَصَلَ بِحَيْثُ لاَ أحَدٌ يَرَاهُ غَيْري وَقَفَ وَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «هَاتِ مَا مَعَكَ»، فَنَاوَلْتُهُ الرُّقْعَةَ فَقَالَ مِنْ غَيْر أنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا: «قُلْ لَهُ: لاَ خَوْفَ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ وَيَكُونُ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ بَعْدَ ثَلاَثِينَ سَنَةً»، قَالَ: فَوَقَعَ عَلَيَّ الدَّمْعُ حَتَّى لَمْ اُطِقْ حَرَاكاً وَتَرَكَنِي وَانْصَرَفَ.
قَالَ أبُو الْقَاسِم: فَأعْلَمَنِي بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَلَمَّا كَانَ سَنَةُ سَبْع وَسِتّينَ اعْتَلَّ أبُو الْقَاسِم وَأخَذَ يَنْظُرُ فِي أمْرهِ وَتَحْصِيل جَهَازهِ إِلَى قَبْرهِ، فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ وَاسْتَعْمَلَ الْجِدَّ فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا الْخَوْفُ؟ وَنَرْجُو أنْ يَتَفَضَّلَ اللهُ بِالسَّلاَمَةِ فَمَا عَلَيْكَ بِمَخُوفَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ السَّنَةُ الَّتِي خُوَّفْتُ فِيهَا فَمَاتَ فِي عِلَّتِهِ.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) الخرائج والجرائح ص ٤٧٢ ج ١ الباب الثالث عشر في معجزات الإمام.
بحار الأنوار ص ٥٨ ج ٥٢ باب ١٨_ ذكر من رآه صلوات الله عليه.
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً