اللقاء (٢٨): الشيخ القصّار (*) (١)
حَدَّثَنِي السَّيَّدُ الأجَلُّ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعُرَيْضِيُّ الْعَلَويُّ الْحُسَيْنيُّ، عَنْ عَلِيَّ بْن عَلِيَّ بْن نَمَا، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيَّ بْن حَمْزَةَ الأقْسَاسِيُّ فِي دَار الشَّريفِ عَلِيَّ بْن جَعْفَر بْن عليًّ الْمَدَائِنيَّ الْعَلَويَّ، قَالَ: كَانَ بِالْكُوفَةِ شَيْخٌ قَصَّارٌ، وَكَانَ مَوْسُوماً بِالزُّهْدِ مُنْخَرطاً فِي سِلْكِ السَّيَاحَةِ مُتَبَتّلاً لِلْعِبَادَةِ مُقْتَضِياً لِلآثَار الصَّالِحَةِ، فَاتَّفَقَ يَوْماً أنَّنِي كُنْتُ بِمَجْلِس وَالِدِي، وَكَانَ هَذَا الشَّيْخُ يُحَدَّثُهُ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ.
قَالَ: كُنْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَسْجِدِ جُعْفِيّ وَهُوَ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ فِي ظَاهِر الْكُوفَةِ وَقَدِ انْتَصَفَ اللَّيْلُ وَأنَا بِمُفْرَدِي فِيهِ لِلْخَلْوَةِ وَالْعِبَادَةِ إِذَا أقْبَلَ عَلَيَّ ثَلاَثَةُ أشْخَاصٍ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ فَلَمَّا تَوَسَّطُوا صَرْحَتَهُ جَلَسَ أحَدُهُمْ، ثُمَّ مَسَحَ الأرْضَ بِيَدِهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَخُضْخِضَ الْمَاءُ، وَنَبَعَ فَأسْبَغَ الْوُضُوءَ مِنْهُ، ثُمَّ أشَارَ إِلَى الشَّخْصَيْن الآخَرَيْن بِإسْبَاغ الْوُضُوءِ فَتَوَضَّئَا ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِهِمَا إِمَاماً فَصَلَّيْتُ مَعَهُمْ مُؤْتَمّاً بِهِ.
فَلَمَّا سَلَّمَ وَقَضَى صَلاَتَهُ بَهَرَني حَالُهُ، وَاسْتَعْظَمْتُ فِعْلَهُ مِنْ إِنْبَاع الْمَاءِ فَسَألْتُ الشَّخْصَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمَا عَلَى يَمِينِي عَن الرَّجُل، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لِي: هَذَا صَاحِبُ الأمْر وَلَدُ الْحَسَن، فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَقَبَّلْتُ يَدَيْهِ، وَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ مَا تَقُولُ فِي الشَّريفِ عُمَرَ بْن حَمْزَةَ هَلْ هُوَ عَلَى الْحَقَّ؟ فَقَالَ: «لاَ، وَرُبَّمَا اهْتَدَى إِلاَّ أنَّهُ لاَ يَمُوتُ حَتَّى يَرَانِي»، فَاسْتَطْرَفْنَا هَذَا الْحَدِيثَ.
فَمَضَتْ بُرْهَةٌ طَويلَةٌ فَتُوُفّيَ الشَّريفُ عُمَرُ وَلَمْ يُسْمَعْ أنَّهُ لَقِيَهُ، فَلَمَّا اجْتَمَعْتُ بِالشَّيْخ الزَّاهِدِ ابْن بَادِيَةَ أذْكَرْتُهُ بِالْحِكَايَةِ الَّتِي كَانَ ذَكَرَهَا، وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الرَّادَّ عَلَيْهِ: ألَيْسَ كُنْتَ ذَكَرْتَ أنَّ هَذَا الشَّريفَ لاَ يَمُوتُ حَتَّى يَرَى صَاحِبَ الأمْر الَّذِي أشَرْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ لِي: وَمِنْ أيْنَ عَلِمْتَ أنَّهُ لَمْ يَرَهُ؟
ثُمَّ إِنَّنِي اجْتَمَعْتُ فِيمَا بَعْدُ بِالشَّريفِ أبِي الْمَنَاقِبِ وَلَدِ الشَّريفِ عُمَرَ بْن حَمْزَةَ وَتَفَاوَضْنَا أحَادِيثَ وَالِدِهِ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي آخِر اللَّيْل عِنْدَ وَالِدِي وَهُوَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَدْ سَقَطَتْ قُوَّتُهُ وَخَفَّتْ صَوْتُهُ وَالأبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ عَلَيْنَا إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا شَخْصٌ هِبْنَاهُ، وَاسْتَطْرَفْنَا دُخُولَهُ، وَذَهَلْنَا عَنْ سُؤَالِهِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ وَالِدِي وَجَعَلَ يُحَدَّثُهُ مَلِيّاً وَوَالِدِي يَبْكِي ثُمَّ نَهَضَ.
فَلَمَّا غَابَ عَنْ أعْيُننَا تَحَامَلَ وَالِدِي وَقَالَ: أجْلِسُوني، فَأجْلَسْنَاهُ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: أيْنَ الشَّخْصُ الَّذِي كَانَ عِنْدِي؟ فَقُلْنَا: خَرَجَ مِنْ حَيْثُ أتَى، فَقَالَ: اطْلُبُوهُ، فَذَهَبْنَا فِي أثَرهِ فَوَجَدْنَا الأبْوَابَ مُغَلَّقَةً وَلَمْ نَجِدْ لَهُ أثَراً فَعُدْنَا إِلَيْهِ فَأخْبَرْنَاهُ بِحَالِهِ وَأنَّا لَمْ نَجِدْهُ، وَسَألْنَاهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُ الأمْر، ثُمَّ عَادَ إِلَى ثِقَلِهِ فِي الْمَرَض وَاُغْمِيَ عَلَيْهِ.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) مجموعة ورام ص ٣٠٣ ج ٢ باب ذكر جمل من مناهي رسول الله صلى الله عليه وآله…
بحار الأنوار ص ٥٥ ج ٥٢ باب ١٨_ ذكر من رآه صلوات الله عليه.
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً