دعاء (٢٤): دعاء العبرات المروية عن الصادق عليه السلام المؤيد من الناحية المقدسة (*) (١)
قال آية الله العلامة الحلي رحمه الله في آخر منهاج الصلاح في دعاء العبرات الدعاء المعروف وهو مروي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وله من جهة السيد السعيد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد الآوي قدس الله روحه حكاية معروفة بخط بعض الفضلاء في هامش ذلك الموضع.
روى المولى السعيد فخر الدين محمد بن الشيخ الأجل جمال الدين، عن والده، عن جده الفقيه يوسف، عن السيد الرضي المذكور أنه كان مأخوذا عند أمير من امراء السلطان جرماغون، مدة طويلة، مع شدة وضيق فرأى في نومه الخلف الصالح المنتظر، فبكى وقال: يا مولاي اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة. فقال عليه السلام: ادع بدعاء العبرات، فقال: ما دعاء العبرات ؟ فقال عليه السلام: إنه في مصباحك، فقال: يا مولاي ما في مصباحي ؟ فقال عليه السلام: أنظره تجده فانتبه من منامه وصلى الصبح، وفتح المصباح، فلقي ورقة مكتوبة فيها هذا الدعاء بين أوراق الكتاب، فدعا أربعين مرة. وكان لهذا الأمير امرأتان إحداهما عاقلة مدبرة في أموره، وهو كثير الاعتماد عليها. فجاء الأمير في نوبتها، فقالت له: أخذت أحدا من أولاد أمير المؤمنين علي عليه السلام ؟ فقال لها: لم تسألين عن ذلك ؟ فقالت: رأيت شخصا وكأن نور الشمس يتلألأ من وجهه، فأخذ بحلقي بين أصبعيه، ثم قال: أرى بعلك أخذ ولدي، ويضيق عليه من المطعم والمشرب. فقلت له: يا سيدي من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، قولي له: إن لم يخل عنه لأخربن بيته. فشاع هذا النوم للسلطان فقال: ما أعلم ذلك، وطلب نوابه، فقال: من عندكم مأخوذ ؟ فقالوا: الشيخ العلوي أمرت بأخذه، فقال: خلوا سبيله، وأعطوه فرسا يركبها ودلوه على الطريق فمضى إلى بيته انتهى. وقال السيد الأجل علي بن طاوس في آخر مهج الدعوات: ومن ذلك ما حدثني به صديقي والمواخي لي محمد بن محمد القاضي الآوي ضاعف الله جل جلاله سعادته، وشرف خاتمته، وذكر له حديثا عجيبا وسببا غريبا، وهو أنه كان قد حدث له حادثة فوجد هذا الدعاء في أوراق لم يجعله فيها بين كتبه، فنسخ منه نسخة فلما نسخه فقد الأصل الذي كان قد وجده إلى أن ذكر الدعاء وذكر له نسخة أخرى من طريق آخر تخالفه. ونحن نذكر النسخة الأولى تيمنا بلفظ السيد، فان بين ما ذكره ونقل العلامة أيضا اختلافا شديدا وهي: بسم الله الرحمان الرحيم اللهم إني أسألك يا راحم العبرات، ويا كاشف الكربات أنت الذي تقشع سحائب المحن، وقد أمست ثقالا، وتجلو ضباب الأحن وقد سحبت أذيالا، وتجعل زرعتها هشيما، وعظامها رميما، وترد المغلوب غالبا والمطلوب طالبا إلهي فكم من عبد ناداك ” إني مغلوب فانتصر ” ففتحت له من نصرك أبواب السماء بماء منهمر، وفجرت له من عونك عيونا فالتقى ماء فرجه على أمر قد قدر، وحملته من كفايتك على ذات ألواح ودسر. يا رب إني مغلوب فانتصر، يا رب إني مغلوب فانتصر، يا رب إني مغلوب فانتصر، فصل على محمد وآل محمد وافتح لي من نصرك أبواب السماء بماء منهمر، وفجر لي من عونك عيونا ليلتقي ماء فرجي على أمر قد قدر، واحملني يا رب من كفايتك على ذات ألواح ودسر. يا من إذا ولج العبد في ليل من حيرته يهيم، فلم يجد له صريخا يصرخه من ولي ولا حميم، صل على محمد وآل محمد، وجد يا رب من معونتك صريخا معينا ووليا يطلبه حثيثا، ينجيه من ضيق أمره وحرجه، ويظهر له المهم من أعلام فرجه. اللهم فيا من قدرته قاهرة، وآياته باهرة، ونقماته قاصمة، لكل جبار دامغة لكل كفور ختار، صل يا رب على محمد وآل محمد وانظر إلي يا رب نظرة من نظراتك رحيمة، تجلو بها عني ظلمة واقفة مقيمة، من عاهة جفت منها الضروع وقلفت منها الزروع، واشتمل بها على القلوب اليأس، وجرت بسببها الأنفاس. اللهم صل على محمد وآل محمد، وحفظا حفظا لغرائس غرستها يد الرحمان وشربها من ماء الحيوان، أن تكون بيد الشيطان تجز، وبفأسه تقطع وتحز. إلهي من أولى منك أن يكون عن حماك حارسا ومانعا إلهي إن الأمر قد هال فهونه، وخشن فألنه، وإن القلوب كاعت فطنها والنفوس ارتاعت فسكنها إلهي تدارك أقداما قد زلت، وأفهاما في مهامه الحيرة ضلت، أجحف الضر بالمضرور، في داعية الويل والثبور، فهل يحسن من فضلك أن تجعله فريسة للبلاء وهو لك راج؟ أم هل يحمل من عدلك أن يخوض لجة الغماء، وهو إليك لاج. مولاي لئن كنت لا أشق على نفسي في التقى، ولا أبلغ في حمل أعباء الطاعة مبلغ الرضا، ولا أنتظم في سلك قوم رفضوا الدنيا، فهم خمص البطون عمش العيون من البكاء، بل أتيتك يا رب بضعف من العمل، وظهر ثقيل بالخطأ والزلل، ونفس للراحة معتادة، ولدواعي التسويف منقادة، أما يكفيك يا رب وسيلة إليك وذريعة لديك أني لأوليائك موال، وفي محبتك مغال، أما يكفيني أن أروح فيهم مظلوما، وأغدو مكظوما، وأقضي بعد هموم هموما، وبعد رجوم رجوما ؟. أما عندك يا رب بهذه حرمة لا تضيع، وذمة بأدناها يقتنع، فلم لا يمنعني يا رب وها أنا ذا غريق، وتدعني بنار عدوك حريق، أتجعل أولياءك لأعدائك مصائد، وتقلدهم من خسفهم قلائد، وأنت مالك نفوسهم، لو قبضتها جمدوا، وفي قبضتك مواد أنفاسهم، لو قطعتها خمدوا. وما يمنعك يا رب أن تكف بأسهم، وتنزع عنهم من حفظك لباسهم، وتعريهم من سلامة بها في أرضك يسرحون، وفي ميدان البغي على عبادك يمرحون. اللهم صل على محمد وآل محمد، وأدركني ولما يدركني الغرق، وتداركني ولما غيب شمسي للشفق. إلهي كم من خائف التجأ إلى سلطان فآب عنه محفوفا بأمن وأمان، أفأقصد يا رب بأعظم من سلطانك سلطانا ؟ أم أوسع من إحسانك إحسانا ؟ أم أكثر من اقتدارك اقتدارا ؟ أم أكرم من انتصارك انتصارا. اللهم أين كفايتك التي هي نصرة المستغيثين من الأنام، وأين عنايتك التي هي جنة المستهدفين لجور الأيام، إلي إلي بها، يا رب ! نجني من القوم الظالمين إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. مولاي ترى تحيري في أمري، وتقلبي في ضري، وانطوائي على حرقة قلبي وحرارة صدري، فصل يا رب على محمد وآل محمد، وجد لي يا رب بما أنت أهله فرجا ومخرجا، ويسر لي يا رب نحو اليسرى منهجا، واجعل لي يا رب من نصب حبالا لي ليصرعني بها صريع ما مكره، ومن حفر لي البئر ليوقعني فيها واقعا فيما حفره، واصرف اللهم عني شره ومكره، وفساده وضره، ما تصرفه عمن قاد نفسه لدين الديان، ومناد ينادي للايمان. إلهي عبدك عبدك، أجب دعوته، وضعيفك ضعيفك فرج غمته، فقد انقطع كل حبل إلا حبلك، وتقلص كل ظل إلا ظلك. مولاي دعوتي هذه إن رددتها أين تصادف موضع الإجابة، ويجعلني إن كذبتها أين تلاقي موضع الإجابة، فلا ترد عن بابك من لا يعرف غيره بابا، ولا يمتنع دون جنابك من لا يعرف سواه جنابا. ويسجد ويقول: إلهي إن وجها إليك برغبته توجه، فالراغب خليق بأن تجيبه، وإن جبينا لك بابتهاله سجد، حقيق أن يبلغ ما قصد، وإن خدا إليك بمسألته يعفر، جدير بأن يفوز بمراده ويظفر، وها أنا ذا يا إلهي قد ترى تعفير خدي، وابتهالي واجتهادي في مسألتك وجدي، فتلق يا رب رغباتي برأفتك قبولا وسهل إلي طلباتي برأفتك وصولا، وذلل لي قطوف ثمرات إجابتك تذليلا. إلهي لا ركن أشد منك فآوي إلى ركن شديد، وقد أويت إليك وعولت في قضاء حوائجي عليك، ولا قول أسد من دعائك، فأستظهر بقول سديد، وقد دعوتك كما أمرت، فاستجب لي بفضلك كما وعدت، فهل بقي يا رب إلا أن تجيب، وترحم مني البكاء والنحيب، يا من لا إله سواه، ويا من يجيب المضطر إذا دعاه. رب انصرني على القوم الظالمين، وافتح لي وأنت خير الفاتحين، والطف بي يا رب وبجميع المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) بحار الأنوار ص ٢٢١ ج ٥٣ الحكاية الرابعة…..
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً