توقيع الناحية المقدسة الى أحمد بن إسحاق في تبيين منزلة الإمام وتكذيب عمه جعفر(١)(*)
جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي عن الأسدي عن سعد عن أحمد بن إسحاق رحمة الله عليه: أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرفه نفسه ، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه ، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه ، وغير ذلك من العلوم كلها . قال أحمد بن إسحاق : فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام وصيرت كتاب جعفر في درجه ، فخرج إلي الجواب في ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي أنفذت درجه ، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه ، وتكرر الخطأ فيه ، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا ، أبى الله عز وجل للحق إلا إتماما ، وللباطل إلا زهوقا ، وهو شاهد علي بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا اليوم الذي لا ريب فيه ، ويسألنا عما نحن فيه مختلفون . وأنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ، ولا طاعة ولا ذمة ، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله . يا هذا يرحمك الله ! إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ، ولا أهملهم سدى ، بل خلقهم بقدرته ، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبا ، ثم بعث النبيين عليهم السلام مبشرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ، ويعرفونه ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة ، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة . فمنهم : من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا ، ومنهم : من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ، ومنهم : من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علمه منطق الطير وأوتي من كل شئ . ثم بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين وتمم به نعمته ، وختم به أنبياءه : وأرسله إلى الناس كافة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبين آياته وعلاماته ما بين ، ثم قبضه صلى الله عليه وآله حميدا فقيدا سعيدا ، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد ، أحيى بهم دينه ، وأتم بهم نوره ، وجعل بينهم وبين أخوتهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بينا ، تعرف به الحجة من المحجوج ، والإمام من المأموم بأن : عصمهم من الذنوب ، وبرأهم من العيوب ، وطهرهم من الدنس ، ونزههم من اللبس ، وجعلهم خزان علمه ، ومستودع حكمته ، وموضع سره ، وأيدهم بالدلائل ولولا ذلك لكان الناس على سواء ، ولادعى أمر الله عز وجل كل أحد ، ولما عرف الحق من الباطل ، ولا العلم من الجهل . وقد ادعى هذا المبطل المدعي على الله الكذب بما ادعاه ، فلا أدري بأية حالة هي له ، رجا أن يتم دعواه بفقه في دين الله ؟ ! فوالله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب ، أم بعلم ؟ ! فما يعلم حقا من باطل ، ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها ، أم بورع ؟ ! فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض ( أربعين يوما ) يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعل خبره تأدى إليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة ، أم بآية ؟ ! فليأت بآية ، أم بحجة ؟ ! فليقمها ، أم بدلالة ؟ ! فليذكرها . قال الله عز وجل في كتابه: ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالأَْرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الأَْرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ)). فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك ، وامتحنه واسأله عن آية من كتاب الله يفسرها ، أو صلاة يبين حدودها وما يجب فيها ، لتعلم حاله ومقداره ، ويظهر لك عواره ونقصانه ، والله حسيبه . حفظ الله الحق على أهله ، وأقره في مستقره ، وأبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في الأخوين إلا في الحسن والحسين ، وإذ أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحل الباطل ، وانحسر عنكم . وإلى الله أرغب في الكفاية ، وجميل الصنع والولاية وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على محمد وآل محمد.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) الاحتجاج ص ٤٦٨ ج ٢ احتجاج الحجة القائم المنتظر المهدي.
بحار الأنوار ج ٥٣ ص ١٩٣، الغيبة للطوسي ص ٢٨٧.
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً