بركة المعصومين ( عليهم السلام ) و الإجراءات الاحتراز من فيروس كورونا (COVID-19):
سماحة الشيخ حيدر السندي .
السؤال : عندما ضرب الامام علي ابن ابي طالب عليه
السلام في المحراب أخذه الحسن والحسين( عليهما السلام) إلى بيته ، ولم يبقياه في المسجد (بیت الله ) ليتبرك بشفائه بل استعانوا بالطبيب ( المسيحي) اثير بن عمرو بن هانئ السكوني ولم يقولوا كافر ..
لم يطلب الامام علي من ولديه المسح على رأسه للشفاء والتبرك بهم فهم حفيدي رسول الله (صل الله عليه واله ) ولم يأخذ عباءة فاطمة ( عليها السلام ) لمسح رأسه والتبرك بها بل تماشى مع العلم والطب …
الخلاصة : لا تجعلوا من الدين وال البيت خرافة
وبدعة واستغلال عواطف الناس البسطاء .
الجواب : لا أعرف قائل هذا الكلام و لكن أقول تعليقًا عليه : إن أصل وجود أسباب للبركة والخير ، ودفع الضر و إزالة المرض غير الأسباب المتعارفة ، كتأثير العمل الصالح في طول العمر وزيادة الرزق ، و أثر الصدقة في رفع البلاء ، و تأثير أولياء الله في الظفر بالمأمول والمطلوب مما ثبت بالقطع واليقين ، ولا يمكن التشكيك في ذلك ، و إلا ماذا يصنع الكاتب المعترض في السؤال مع قوله تعالى : ( ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِى هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) سورة يوسف آية ٩٣.
وكذلك ماذا يصنع مع الحديث المعتبر عند الفريقين : عن سهل بن سعد أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله) قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبحوا غدوا على رسول الله ( صلى الله عليه و آله) كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه. فأرسلوا إليه فأتي به، فبصق في عينيه؛ ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. يدوكون أي: يخوضون.
ومثل هذا روايات كثيرة يعلم قطعاً بصحة مضمونها ، وليس المجال صالحاً لتفصيل الكلام فيها.
و من المعلوم في ديننا أن التوسل والاستغاثة بالأولياء لا تعني ترتب الأثر جزماً ، فالله تعالى يفعل الأصلح ، وقد يكون في عدم تحقيق ما طلب العبد بطريق غير متعارف ، كما إن التوسل والاستغاثة ليسا مع المنع عن الأخذ بالأسباب الطبيعية ، خصوصاً مع الالتفات إلى أن الولي المتوسل به قد لا يشفع أو يُعمل ولايته لأسباب هو أعلم بها منا.
فالولي إذا كان ذا رتبة وجودية سعية ويملك القدرة على التأثير في عالمنا ، و خوله الله تعالى أو أذن له من الأسباب المؤثرة جزماً ، وطلب الشفاء منه توسلاً به لحصول فيض الله تعالى لا ينافي العقل والطريقة العقلائية مع إخبار الله تعالى و إخبار المعصوم ، ولكن هذا لا يعني أن الدين يرفض التوسل بالأسباب الطبيعية ، ولك أن تقرب هذا المعنى بقوله تعالى في الآية ١١٤ من سورة المائدة : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، فهل كان عقلًا من الواجب على نبي الله عيسى ( على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) أن يقول للناس :عليكم بالطرق المتعارفة في الرزق ، فاكسبوا الأموال ثم اشتروا الطعام ثم أعدوه واصنعوا المائدة ، و لكنه ( عليه السلام) سلك طريق الخرافة والبدعة – كما يتصور من ورد كلامه في السؤال- و سلك الطريق غير المتعارف ، والله تعالى أيد نهجه الخرافي، فأنزل مائدة من السماء مع أن الحداثة اليوم وروادها لم يتفق لهم أن شاهدوا موائد تنزل من السماء في يوم ما ؟!
و المعصومون من أهل البيت (عليهم السلام) من أعظم أسباب البركة ، ولكن هذا لا يعني أنهم يعملون قدرتهم و وجاهتهم في كل وقت لأنفسهم أولغيرهم ، ففعلهم خاضع لضوابط ومصالح ، فقد يفعلون وقد لا يفعلون ، ففي مورد ابتلائهم قد يصبرون ويحتسبون عند البلاء و لا يسلكون طريق خرق العادة ، خصوصاً مع العلم بحتمية الامتحان و إرادة الله تعالى ابتلاءهم ، ولعل هذا هو سبب عدم إعمال أحد من المعصومين ( عليهم السلام) ولايته التكوينية عند ضرب أمير المؤمنين ( عليه السلام).
وقد تسال لماذا إذن طُلب الطبيب ؟
والجواب : لعله ليخبر الناس بعظم مصاب الإمام (عليه السلام).
و أما قوله : ( بل استعانوا بالطبيب ( المسيحي) اثير بن عمرو بن هانئ السكوني ولم يقولوا كافر).
فغريب جداً ، لأن الرجوع إلى الحاذق في ديننا لا ُيشترط في جوازه إسلام الحاذق ، وكون أثير بن عمرو حاذقاً في الجراحة لا يجعله مسلماً ما دام لا يقر بنبوة النبي ( صلى الله عليه و آله) ، فهل في آية أو رواية ما يدل على أن النصراني أو اليهودي أو البوذي إذا تعالم الطب وصار خبيراً فيه يكون مسلماً ؟!
والحاصل : إن الدين لا يلغي الطريق المتعارف في تحقيق مقاصد الناس في جلب المصالح ودفع المضار ، ولكنه يضيف إلى ذلك وجود طريق آخر قد تتحقق شروطه وقد لا تتحقق ، قد تقتضي المصلحة نفعه وقد تكون في عدم ترتب أثر عليه و ادخار العوض إلى يوم القيامة ، ومن الطريق الآخر كل ما يقرب إلى إفاضة الله تعالى مباشرة أو بأحد أسبابه التكوينية ، فمن الأول الدعاء في مظان إجابته مكاناً كالمسجد أو زماناً كيوم الجمعة ، ومن الثاني الذوات المباركة التي جعلها الله مجرى لفيوضاته ، وكل ما يرتبط بها ويعد مضافاً إليها ،كلباس المعصوم ( عليه السلام) وريقه وشعره وقبره.
و بهذا يتضح وجه احتياط المتدينين في إجراءات الوقاية من فيروس كورونا (COVID-19) ، والتي شملت إغلاق مراقد المعصومين (عليهم السلام ) والمساجد أو القيام بالتعقيم و تحديد نشاط الزوار فيها ، فليس هذا كما يتصور البعض – أو يحاول أن يصور – سببه اتضاح عدم وجود البركة في هذه المشاهد للمتدينين، أو انكشاف أن طريقة جعل هذه المواضع بدلاً عن الطرق المتعارفة كانت طريقة خاطئة، و أن التراث الروائي عند الشيعة هو السبب وراء هذه النظرة المتخلفة التي كشف فيروس كورونا (COVID-19) زيفها.
فكل هذا لا أساس له أصلاً ، وهو وهم مبني على وهم ، فإن المتدينين كانوا ولا يزالون يعتقدون بأن هذه المشاهد من أسباب البركة ، ومن أعظم مقربات فيض الله تعالى على عباده ، ولكن في الوقت نفسه يعتقدون أن أصحاب هذه المشاهد قد يعطون من فضل الله تعالى ويزيدون بلطفه ، وقد لا يعطون إما لعدم توفر شروط الإعطاء ، أو لأن الله يريد الابتلاء أو لأي سبب آخر ، وعليه لا يكون عندهم يقين تام بعدم تلوث هذه الأماكن ، وعدم تحقق العدوى فيها ، و لا يتحقق عندهم جزم لا يداخله شك بالسلامة والحفظ و تحقق المطلوب بمجرد التوسل والاستغاثة فيها، ولهذا يسلكون الطريقة المتعارفة عند العقلاء مع إيمانهم التام ببركة المشاهد المقدسة في نفسها .
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً