🔆حديث السفينة 🔆
وإثبات صغرى إمامة أهل البيت (عليهم السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
روى الخاصة والعامة ومنهم ابن حجر في كتابه المطالب أن أبا ذر الغفاري (رضوان الله عليه) قال وهو آخر بحلقة باب الكعبة من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) . رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج ۱۲ ص ۹۱ ، رقم الحديث ٦٥۰۷ ، و رواه الحاكم في مستدرك الصحيحين : ج۱۳ ص ۱٥۱ ، وحكم بصحته ، وابن حجر في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية ج4 ص 75 ، وغيرهم.
في هذه المناسبة الكريمة والسعيد وهي مناسبة ميلاد الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) وأبارك لمراجعنا العظام وعلمائنا الكرام ولجميع المؤمنين والمؤمنات لا سيما من حضر هذا الحفل الكريم . وكل عام وأنتم بخير .
موضوعنا في هذه المناسبة وفي هذا الحفل الكريم سوف يكون بعنوان : (حديث السفينة)
كلامنا في هذا الموضوع سوف يكون ضمن نقاط ثلاث :
النقطة الأولى 1️⃣: في اعتبار سند هذا الحديث الشريف .
النقطة الثانية2️⃣ : في ما نستفيده من هذا الحديث الشريف ، خصوصاً بالصيغة المشهورة المروية عن أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) .
النقطة الثالثة 3️⃣: في دلالة هذا الحديث على إمام الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) الذي نجتمع من أجل الاحتفال بولده الشريف .
🔅اعتبار السند :🔅
ابن تنمية كعادة ـ وهي التشكك في الأحاديث الواردة في فضل أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليه) ـ شكك في اعتبار حديث السفينة فقال في منهاج سنته ما نصه: ( لا يُعرف له إسناد أصلاً صحيح ولا ضعيف وليس في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها ) ، منهاج السنة ج4ص105.
فهو أنكر أن يكون لهذا الحديث سند وأنكر أن يكون في كتاب معتبر يُعتمد عليه .
ولنا على كلامه هذا تعليقان :
التعليق الأول 1️⃣:
هو أن إنكار اعتبار حديث السفينة عجيب جداً من غير ابن تيمية ، أما من ابن تيمة فليس أمراً عجيباً ، كيف وهو ضعف حديث الغدير أكثر الأحاديث تواتراً عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله )!
فهذا الإنكار أمر عجيب في نفسه لا من مثله ؛ وذلك لأن هذا الحديث الشريف نقل عن ثمانية من الصحابة في مقدمتهم أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) ، أبو ذر ، ابن عباس ،و حتى ابن الزبير المعروف بخصومته لأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) كان من الصحابة الذين نقلوا هذا الحديث الشريف ، ورواه من التابعين جمع غفير ورواه الحفاظ وأخرجه كتبة الحديث في جميع القرون من قرن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى قرننا هذا هو ينقل عن الحفاظ كابر عن كابر يزيد عددهم عن 152 نفساً .
و ابن حجر المكي صاحب كتاب الصواعق المحرقة الذي كتبه للرد على الشيعة اعترف في ص 234 بأن مسلم صاحب الصحيح من رواة هذا الحديث الشريف ، و نحن لا نجد هذا الحديث في الكتاب الموجود الآن ، ولكن ابن حجر يقول من الذين وقعوا في أسانيد هذا الحديث الشريف مسلم ، ويقول لفظ مسلم (ومن تخلف عنها غرق) ، وهو نص على تعدد الطرق فقال: (وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً ) .
و من الحفاظ الحاكم النيسابوري أخرجه في المستدرك على الصحيحين وقال: (هو صحيح بشرط مسلم) المستدرك على الصحيحين ج2ص243، و أحمد كما في مشكاة المصابيح ص523، و الطبري في الجامع الصغير ج1ص 139 ، وكذلك ابن حجر العسقلاني في كتابه المطالب العالية، بعضهم نص على اعتبار سند هذا الحديث الشريف ، ومنهم محمد بن يوسف التونسي المعروف بالكافي نص على أن الحديث سنده حسن كما في كتاب الصارم اليماني المسلول ص 9 .
إذن كيف بعد هذا يقال عن هذا الحديث : ( لا يُعرف له إسناد صحيح ولا ضعيف وليس في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها) !
إن هذا الإنكار غريب وعجيب ، ولكن من غير ابن تيمية .
التعليق الثاني 2️⃣:
الحديث الذي لا يوجد له طريق معتبر يمكن أن يتطور ويكون طريقه معتبراً ، و الطريق الذي يفيد الظن يمكن أن يتقوى ويكون مفيداً للاطمئنان أو اليقين ، وذلك فيما إذا وجدت له شواهد بأن نقل مضمون الحديث في عدة روايات يعضد بعضها بعضاُ ، فتتراكم احتمالاته، ا فيتشكل يقين أو يتشكل اطمئنان ـ ما هو دون اليقين ولكنه معتبر عند العقلاء ـ أو إذا وجدت قرائن تعضد مضمون الحديث فإن الحديث يتقوى ويرقى من درجة الظن إلى درجة الاطمئنان أو من درجة الاطمئنان إلى درجة اليقين.
ويمكن أن نقرب هذا المعنى بمثال :
لو سمع شخص أن جاره قد توفي من رجل غير ثقة لا يحصل له الاطمئنان و لا اليقين بصدق الخبر ، ولكن إذا احتف هذا الخبر بسماع صوت النائحة والباكية من بيت الجار يحتف الخبر بقرينة ويفيد الاطمئنان ، فإذا وجد الناس يزدحمون عند بيت داره ترتفع القيمة من الاطمئنان إلى اليقين، فهذا الخبر تعضده الشواهد والقرائن و تدعمه فيكون معتبراً ببركة وجود الشواهد وببركة القرائن .
وحديث السفينة (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) من الأحاديث المنقولة بعدة طرق كما تقدم عن ابن حجر المكي حيث قال : (وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً ) ، وأيضاً هو محفوف بقرائن تفيد اليقين بصدوره عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فهذا الحديث موافق لمضمون حديث الثقلين: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وهذا الحديث حديث متواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، و من العلماء الذين نصوا على تواتر حديث الثقلين ابن حجر العسقلاني في كتابه المطالب العالية ، و قال ابن حجر الهيتمي المكي في كتابه الذي أسماه بالصّواعق المحرقة: ثم اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرةً وردت عن نيف وعشرين صحابياً، ومرّ له طرق مبسوطةُ في حادي عشر الشّبه، وفي بعض تلك الطّرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى: أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي اُخرى: أنه قال ذلك بغدير خم، وفي آخر أنه قال لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مر. ولا تنافي، إذْ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة. وفي رواية ـ عند الطبراني ـ عن ابن عمر: إنّ آخر ما تكلّم به النبي ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: أُخلفوني في أهل بيتي. وفي أخرى ـ عند الطبراني وأبي الشيخ ـ: إنّ لله عزّوجل ثلاث حرمات فمن حفظهنّ حفظ الله دينه ودنياه، ومن لم يحفظهنّ لم يحفظ الله دنياه ولا آخرته. قلت: ما هنّ؟ قال: حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي. الصواعق المحرقة: 89 ـ 90. .
و هو أيضاً ة موافق لمضمون حديث أخرجه مسلم ، وكتاب مسلم عند جماعة أصح الكتب بعد كتاب الله بل بعض علماء العامة يقول (ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم) ، و لعله يقصد أصح من كتاب الله تبارك وتعالى ، قال أبو عبدالله ابن منده في (شروط الأئمة) (ص71) : (سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري يقول : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج) ؛ وهذا الكلام رواه من طريق ابنِ منده الخطيبُ البغدادي في (تاريخ بغداد) (13/101) ، ثم رواه من طريق الخطيب بهِ ابنُ الصلاح في (صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط) فقال (ص68-69) : (أخبرني الشيخ المسنِد أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي بن المقرىء بقراءتي عليه بشاذْياخ نيسابور ، عن أبي منصور عبد الرحمن بن محمد الشيباني قال أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال حدثني أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني بأصبهان قال : سمعت محمد بن منده قال سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري يقول : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث ) .
و في صحيح مسلم رواية عن أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) (أنه لعهد النبي الأمي إلي لا يُحبني إلا مؤمن ولا يُبغضني إلا منافق) ، و هذا الحديث وحديث الثقلين يتفقان في المضمون مع حديث السفينة (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا) يدل على أن من ركب سفينة أهل البيت نجا (صلوات الله وسلامه عليهم) ومن تخلف عنها غرق وهوى .
كذلك إذا كان أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يتمركز الإيمان في محبته والنفاق في بغضه ، هو الفيصل وهو الميزان الذي به توزن الأعمال ، ليتحدد كون المرء من أهل الجنة أو من أهل النار ، فهذا يعني أنه السفينة التي (من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) .
إذن ، هذا الحديث ليس معتبراً من الناحية السندية و أخرجه الحفاظ واعتنى به كتبة الحديث فقط ، بل هو محفوف بقرائن تفيد القطع بصدوره عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
🔅ماذا نستفيد من حديث السفينة الذي رواه أبو ذر (رضوان الله عليه) ؟🔅
ينقل ابن الحجر في المطالب العالية : قال أبو ذر وهو آخذٌ بحلقة باب الكعبة من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) فماذا نستفيد من هذه الرواية بهذه الصيغة ؟
نستفيد عدة أمور ، ولكن رعاية للاختصار أذكر أمرين بنحو موجز :
الأمر الأول1️⃣ :
هو أن الجو في ذلك الزمان كان لا يقبل نقل الروايات الواردة في فضل أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) ، فليس الرفض في القرن السادس – وهو قرن ابن تيمية- فقد ، بل كان الناس لا يقبلون نقل الروايات الواردة في فضل أهل البيت (عليهم السلام) حتى في القرن الأول وعند الرعيل الأول والجيل الأول الذين هم صحابة رسوله (صلى الله عليه وآله).
لهذا احتاج أبو ذر أن يأتي إلى مكة وأن يلزمها ، وأن يأخذ بحلقة باب الكعبة ، ففي هذا الموقف وبهذه الهيئة تحدث عن حديث السفينة ، لكي يقول للناس أنا صادق ، ويوجد بيني وبين الكذب الخوف من الله تبارك وتعالى ؛ لأن الله تبارك وتعالى إن كان سيعاقب إنساناً على افترائه عليه فهو سيعاقبه في هذا المكان وفي الموضع وبهذه الهيئة ، أراد أن يقول لهم أنا صادق في نقل هذا الحديث لأني أتيت في هذا الموضوع بهذه الهيئة .
ولم يكتف بذلك بل ذكرهم بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه (من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر) أي الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر) ، أراد بهذا أن يقول لهم أنا الذي شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقه بهذه الشهادة .
بعد كل هذا قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) ، فلولا أن الجو يمنع نقل روايات أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) ولا تطيب نفسه بذكر أهل البيت بخير و لا يقبل أن تنقل الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شأن أهل بيته لما احتاج أبو ذر أن يفعل ذلك وأن يقول ذلك .
إذن الأمر الأول الذي نستفيده هو أن الجو في ذلك الزمان كان يرفض نقل هذه الروايات التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فضل أهل بيته ، وكم لهذا الجو تأثير في ضياع الكثير من رويات فضل أهل البيت (عليهم السلام).
الأمر الثاني2️⃣ :
الذي نستفيده مجموعة من المنازل والمقامات والفضائل لأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) ، ف هذا الحديث الشريف (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) ، ويدل أولاً على عصمة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) (من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) ، ويدل على أنهم ورثة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يهتدي أحد إلا بهم ، و إن ضل أحدٌ أو هلك فسبب الابتعاد عنهم ، فعندم هدي وعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأيضاً يدل هذا الحديث الشريف على أن أهل البيت هم أفضل الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما خاطب الناس وقال (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) إنما خاطب الصحابة والذين سوف يأتون بعد الصحابة ، يعني خاطب الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى يوم القيامة ، فقال اللأمة جمعاء : (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) فالأمة بأجمعها تابعة ، وهم (صلوات الله وسلامه عليهم) متبوعون ، و يجب أن يتبعوا لتحصيل الهداية ، ولا يجوز الابتعاد عن هديهم وعن أخذ أوامرهم ونواهيهم (صلوات الله وسلامه عليهم) وهذا يدل على أنهم أهدى الأمة وأفضل الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
إشكال الدهلوي :
الدهلوي صاحب كتاب التحفة الاثني عشرية ، عنده إشكال على دلالة هذا الحديث الشريف على تقديم أهل البيت وإمامتهم (صلوات الله وسلامه عليهم) حاصل هذا الإشكال :
هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما قال (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) قال أيضاً : (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) ومن المعلوم أن من يركب السفينة كما يحتاج إلى السفينة لكي ينجو من الغرق في البحر ، هو يحتاج إلى النجوم لكي يهتدي الطريق ، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يأمر بالتمسك بأهل البيت ، وإنما أمر بركوب سفينتهم وبالاحتذاء بصحابته من بعده .
هذا الكلام الإشكال فيه بيّن وواضح :
الإشكال الأول 1️⃣:
هو أن حديث (أصحابي كالنجوم) حديث ضعيف ، بل نص بعض حفاظ العامة على أنه حديث موضوع مكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
فقال الإمام أحمد : ” لا يصح هذا الحديث ” .”سلسلة الأحاديث الضعيفة” ، للشيخ الألباني (1 /145) . وَقَالَ الْحَافِظ أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار :” هَذَا الْكَلَام لم يَصح عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ” .”البدر المنير” (9 /587) .وقال ابن حزم :” باطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية ” .”الإحكام في أصول الأحكام ” (5 /61) . وقال ابن الملقن :” جميع طرقه ضعيفة ” . “البدر المنير” (9 /587) ، وقال ابن القيم :” روي من طرق ، ولا يثبت شيء منها ” .إعلام الموقعين [2 /242] وقال الشوكاني في”الفتح الرباني” (5/179) ” صرح أئمة الجرح والتعديل بأنه لا يصح منها شيء ، وأن هذا الحديث لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” .وقال الألباني في “السلسلة الضعيفة” (58) : ” موضوع ” .
فلا يوجد حديث (أصحابي كالنجوم) فهذا حديث موضوع ، ومضمونه يدل على أنه حديث مكذوب ، فإن من الصحابة عمار بن ياسر ومعاوية بن أبي سفيان ، وقد اقتتلا وقتل أحدهما الآخر وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) كيف يكون من يدعو إلى الجنة هادياً ومن يدعو إلى النار أيضاً هادياً ؟!
وقد تنبه ابن حزم إلى كذب مضمونه فقال : ” من المحال أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع كل قائل من الصحابة رضي الله عنهم ، وفيهم من يحلل الشيء وغيره منهم يحرمه ، ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا اقتداء بسمرة بن جندب ، ولكان أكل البرَد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة وحراما اقتداء بغيره منهم ، ولكان ترك الغسل من الإكسال واجبا اقتداء بعلي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأبي بن كعب ، وحراما اقتداء بعائشة وابن عمر ، ولكان بيع الثمر قبل ظهور الطيب فيها حلالا اقتداء بعمر ، حراما اقتداء بغيره منهم ، وكل هذا مروي عندنا بالأسانيد الصحيحة ” انتهى . “الإحكام” (6 /244) .
فمضمون هذا الحديث مضمون مكذوب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يوجد عندنا إلا حديث (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك)،فينبغي أن نلغيحديث (أصحابي كالنجوم) من الحساب .
الإشكال الثاني 2️⃣:
هو أن الدهلوي غفل عن أمر ما كان ينبغي أن يغفل عنه ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قال : (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) شبه أهل البيت (عليهم السلام) في الأمة بسفينة نوح ، وسفينة نوح ليست سفينة مجهولة لا نعرف وصفها ، فقد تحدث عنها القرآن ، فإن سفينة نوح يقودها نبي الله نوح وهو نبي من أولي العزم مسدد بوحي ، فهو لا يحتاج لكي يهتدي إلى النظر إلى النجوم ، وفوق أن يكون أحد من الصحبة هادياً له.
و أيضاً سفينة نوح صنعت بأمر الله تبارك وتعالى وتحت عنايته (فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا) ، فهي صنعت بتأييد من الله وبتسديد من الله وبأمر من الله تبارك وتعالى ، كما أن هذه السفينة تجري بعناية الله تبارك وتعالى (باسم الله مجرايها ومرساها) فهي باسم وعناية الله تبارك وتعالى (تجري بأعيننا) ، فهذا هو وصف سفينة نوح .
و الأمر كذلك في سفينة أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) ، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) صنعها ، فهذب أهل بيته و علمهم بأمر من الله تبارك وتعالى وبعناية من الله وبتسديد منه تبارك وتعالى ـ بأعين الله ووحيه ـ ، كما أن هذه السفينة باسم الله تبارك وتعالى تجري وتحت لطفه وعنايته تجوب أمواج الظلمة ، فربان هذه السفينة في كل زمان لا يحتاج إلى غيره ، و لا يحتاج إلى النجوم ؛ لأنه مؤيد ومسدد من قبل الله تبارك وتعالى .
🔅كيف نستفيد إثبات إمامة الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) وغيره من الأئمة (عليهم السلام) بحديث السفينة ؟🔅
توجد تقريبات متعددة أكتفي بذكر تقريبين:
التقريب الأول 1️⃣: يتكون من مقدمتين :
المقدمة الأولى : حديث السفينة يدل على وجود شخص من أهل البيت في كل زمان يجب أن يُتبع ، (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك) ، فنحن في هذا الزمان يوجد من هو من أهل البيت ويجب أن نركب في سفينته وإلا نهلك ؛ لأن خطاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان خطاباً عاماً لكل فرد من أفراد الأمة ، بما في ذلك هذا الزمان وبما في ذلك زمان الإمام العسكري (صلوات الله سلامه عليه).
المقدمة الثانية : من هو الشخصية العظيمة المتفوقة على جميع أفراد الأمة و الذي يشكل ربان هذه السفينة في زمن الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) ؟
الجواب : هو الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) لماذا ؟
لأنه كان أفضل بين هاشم في زمانه ، وهذا ما اعترف به البعيد والقريب ، مثلاً ابن الصباح المالكي يقول في وصف الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه) (مناقب سيدنا أبي محمد الحسن العسكري دالة على أنه السري ابن السري، فلا يشك في إمامته أحد، ولا يمتري، واعلم أنه إذا بيعت مكرمة فسواه بايعها والمشتري… واحد زمانه من غير مدافع، ونسيج وحده من غير منازع، سيد أهل عصره، وإمام أهل دهره، أقواله سديدة، وأفعاله حميدة، وإذا كانت أفاضل أهل زمانه قصيدة فهو بيت القصيدة، وإن انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة، فارس العلوم الذي لا يجارى، ومبين غوامضها فلا يجادل، كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر الدقائق بفكره الثاقب، المحدث في سره بالأمور الخفيات، الكريم الأصل والنفس والذات…).تذكرة الخواص 203.
إذن هو (صلوات الله وسلامه عليه) الأفضل في زمانه ، وإذا كان الأفضل سوف يكون هو الربان لهذه السفينة في زمانه .
التقريب الثاني2️⃣ : وهو قريب من التقريب الأول :
المقدمة الأولى : حديث السفينة يدل على وجود إمام من أهل البيت هو ربان هذه السفينة في زمن الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه ).
المقدمة الثانية : من هو الربان في زمن الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه)؟
الجواب: الإمام العسكري ، لماذا ؟ لوجود إجماع عند المسلمين على عدم عصمة غيره ، فغيره بالاتفاق ليس مصداقاً لحديث السفينة ، و حديث السفينة يدل على عصمة أهل البيت (من ركبها نجا من تخلف عنها هلك) فإذا كان لهذا الحديث مصداق في زمن الإمام العسكري ، فلابد أن يكون المصداق معصوماً ، و الأمة متفقة على أن غير الإمام العسكري في ذلك الزمان لم يكن معصوماً بعد ارتحال الإمام الهادي ، فلا يوجد معصوم غيره بالاتفاق، ، والعامة تسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لا تجتمع أمتي على خطأ) ، فعدم عصمة غيره في ذلك الزمان حسب مباني العامة حق ؛ لأنه مما قام عليه الإجماع ، والأمة لا تجتمع على خطأ ، فإن كان هنالك مصداق لحديث السفينة لابد أن يكون الإمام العسكري وإلا يلزم أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لا مصداق له و لا واقعية له في زمن الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليه).
أسأل الله وإياكم في معالم ديننا وأن يثبتنا على ولاية أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) وأن يجعلنا من المشمولين بشفاعة الإمام العسكري (صلوت الله وسلامه عليه) .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
محاضرة لسماحة الشيخ حيدرالسندي(حفظه الله)
✍🏻تقرير فضيلة الشيخ علي ياسين الحاجي(وفقه الله)
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً