ومن سجاياه: الزهد، والتقوى، والتواضع، والبساطة في العيش، والأُنس بالقرآن، والورع وكثرة العبادة.
وهو مصداق بارز للحديث الشريف: «ومن يذكّركم الله رؤيته، ويزيدكم في العلم منطقه».
ينقل أحد تلامذته أنّه من شدّة ورعه كان يرفض الحقوق الشرعية؛ مع أنّه يستحقّها.
تميز فقيدنا الراحل بمجموعة من الصفات الحميدة لعل من أبرزها ما يلي:
- 1ـ تواضع الشيخ:
التواضع هو خلق الأنبياء، وخلة الأئمة (عليهم السلام)، ولقد دعوا إليها بأقوالهم، وتجسدت في أفعالهم، ولم يقتصر تواضعهم مع شخصياتٍ دون غيرها، أو في فتراتٍ زمانيةٍ دون سواها، وإنما كانت تلك الصفة سلوكاً يتعاملون به، ويجسدونه في أرض الواقع أينما كانوا، ومهما اختلفت الأمكنة أو الأزمنة أو الأفراد.
وقد أمر الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله) في كتابه المجيد التحلي بحلية التواضع في التعامل مع أفراد البشرية، قال تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين}[1]. كما تناولت الروايات الواردة عن أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) أهمية اكتساء من يحمل على عاتقه إنقاذ المجتمع من الظلام إلى النور بهذه الحلية الطيبة، فلا يمكن لمن يكون رسالياً حريصاً على استجابة الناس لدعوته، إلا أن يتصف بهذه الصفة الحميدة. فالمتواضع محبوب عند الناس، مؤثرٌ فيهم، مجاب الدعوة. وقد أعدّ الله للمتواضعين المنزلة الرفيعة في الجنة، كما ورد عن رسول البشرية محمد (صلى الله عليه وآله): (إنّ التواضع يزيد صاحبه رفعةً، فتواضعوا يرفعكم الله)[2].
وقد عرف عن علمائنا العظام التحلي بتلك الأخلاق العالية وجسدوها في تعاملهم مع الناس، فمن أبرز صفاتهم تواضعهم البين فلا ترى منهم شعوراً بالرفعة والعملقة أمام أفراد المجتمع وإنما ذابوا في خدمة البشرية وأعطوا الآخرين حقوقهم بل وتنازلوا عن حقوقهم مما جعل مشاريعهم الإلهية سهلة التحقق.
وشيخنا الهاجري كان من ضمن صفاته البارزة التواضع، إذ كان لا يرى في نفسه تميزاً على غيره، ومن شواهد ذلك: ما نقله الأستاذ معتوق بن محمد البقشي[3] الذي أحضر لوحة من مصر مكتوباً عليها العلامة الشيخ محمد الهاجري كي توضع على باب منزله، فرفض شيخنا الجليل ذلك وقال: أنا العلامة؟! إنّ هذا اللقب اختصّ به الشيخ الحلي[4]، ولم يوافق على تثبيتها على باب المنزل إلاّ بعد حذف كلمة العلامة.
ومن ضمن ذلك ما نقله الشيخ عبد الكريم الدهنين، أن الشيخ الهاجري كان إذا حضر حفل تكريم طلبة الحوزة العلمية بالأحساء، كان يطلب منه في وقت تناول الوجبة أن يتصدر المجلس، فكان يرفض ويترك ذلك للحجة العلامة السيد علي الناصر (حفظه الله). ولكن ذلك الموقع يبقى فارغاً من الشخصيتين.
ومن ذلك أيضاً أنه حينما يزور رفيق دربه، الشيخ عبد الوهاب الغريري (رحمه الله) يعمد الشيخ عبد الوهاب أن يترك موقع مجلسه ليجلس فيه أستاذه، ولكن الشيخ الهاجري كان يرفض الجلوس في ذلك الموقع المخصص للشيخ الغريري تقديراً وتواضعاً منه.
كذلك من الشواهد الدالة على تواضعه أنه إذا دُعي على وليمةٍ مع بعض طلبة العلوم الدينية، كان يطلب من الطلبة التقدم قبله، وبالأخص السادة، فلقد رأيت مثل هذا عندما طلب من السيد محمد رضا بن آية الله السيد طاهر السلمان التقدم عليه، ولكن السيد محمد رضا رفض ذلك.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أنه ذهب لقرية الطرف للمشاركة في حفل تأبين أربعينية الشيخ عبدالله بو مرة، فبمجرد أن دخل الحسينية اتجه إلى وسط المجلس وجلس، وكانت الكلمة في حينه للعلامة الحجة السيد علي الناصر، فلم يعجب المؤمنون جلوس الشيخ في هذا المكان، فسرعان ما تم تهيئة مكان يتناسب مع شخصه.
- 2ـ الشيخ والبكاء:
لقد عُرف أولياء الله بكثرة البكاء والتباكي في مختلف مواقف حياتهم، فربما يبكون لاتهام أنفسهم بالتقصير في حقّ خالقهم، أو ربما على ضياع فرصة لخدمة البشرية، أو تألماً وتأثراً لما حل بالمجتمع، من انحطاطٍ وانحرافٍ عن الخط المستقيم، أو عندما يقرؤون القرآن والأدعية الشريفة، أو يكون بكاؤهم لما صنع في أهل بيت الرحمة من الظلم والجور، وبالأخص لسفينة النجاة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكذلك لمصائب الدنيا العظيمة، من فقد قريبٍ، أو انتشار مرضٍ، أو اعتداءٍ على حقوق الآخرين وغيرها.
وقد وردت آيات قرآنية تصف حال المؤمنين عندما يستمعون آيات القرآن الكريم، منها قال تعالى: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}[5] وروي عن رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (كل عينٍ باكيةٍ يوم القيامة إلا ثلاثةّ أعين: عينٍ بكت من خشية الله، وعينٍ غضت عن محارم الله، وعينٍ باتت ساهرة في سبيل الله)[6].
وقد عرف عن شيخنا الهاجري أنه سريع العبرة وغزير الدمعة، يستشعر ذلك من وقف لأداء الصلاة معه جماعة، فكان شخينا في معظم أجزاء الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام يسترسل في البكاء أو التباكي عندما يقرأ هذا الدعاء: (يا محسن قد أتاك عبدك المسيء، وأنت المحسن وأنا المسيء، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، فتجاوز عما تعلم من سيئات عملي) ثم يقول: أستغفر الله ربي من كل ذنبٍ عظيمٍ وأتوب إليه، استغفر الله ربي وأتوب إليه، كذلك في أثناء قراءة مقاطع سورة الفاتحة، وهذا حاله في القنوت في ركوعه وسجوده، وبالأخص سجدة الشكر، كان شيخنا مداوماً في صلاة المغرب على قراءة سورة النصر بعد الفاتحة في الركعة الأولى، وقراءة سورة التوحيد في الركعة الثانية، وفي صلاة العشاء كان يقرأ سورة القدر في الركعة الأولى، وسورة التوحيد في الركعة الثانية، وفي صلاة الصباح كان يقرأ سورة القدر في الركعة الأولى، وسورة التوحيد في الركعة الثانية، وفي صلاة الظهر كان يقرأ سورة النصر بعد الفاتحة في الركعة الأولى وفي يوم الجمعة كان يقرأ سورة القدر في الركعة الأولى، وسورة التوحيد في الركعة الثانية، وفي صلاة العصر كان يقرأ التوحيد في الركعتين الأولى والثانية، كما كان مداوماً على هذا الدعاء في قنوته في صلاة الظهر والمغرب: (اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير)، والدعاء بهذا في صلاة العصر والعشاء: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السموات السبع، ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم)، كما كان في الركوع يجمع التسبيحات الصغرى ثلاث مرات، مع التسبيحة الكبرى مرة واحدة، وكذلك في السجود.
نقل الشيخ حسن البقشي أن الشيخ الهاجري كان يؤدي الصلاة بخشوع، قليل السهو فيها، وكان خاشعاً في الصلاة بحيث تشعر في فصول الإقامة أو قراءة الفاتحة إنه يبكي، وكذا في الدعاء والقنوت، وعُرف بأنه يطيل الصلاة من شدة خشوعه كأنه يريد أن يستشعر فلسفة الصلاة، ومعاني الصلاة، وكان لا يتأثر وإن قل عدد المأمومين، كان لا يبحث عمن يصلي خلفه، بل كان يبحث عن كمال الصلاة وقبولها، وكان يصلي نوافل المغرب في شهر رمضان، ولم يتوقف عن أدائها بين الفرضين، إلا في السنوات الأخيرة، لكبر سنه وحرصاً منه على أداء صلاة الجماعة.
وذكر الشيخ عبد الكريم الدهنين، أنه دخل الشيخ الهاجري إلى المسجد ظهراً يوم أربعاء، وكان عدد الحاضرين عشرة أشخاص، وكنا متفرقين، ودخل ونزع الغترة، ولبس العمامة، وأذن وهو جالس، ثم أقام ولم يعط اعتباراً لقلة من يُصلي خلفه، أو لعدم تصدي من يؤذن.
يقول الشيخ سألته يوماً لو اغتاب إمام الجماعة مؤمناً أتسقط عدالته؟ قال: نعم، وبدأ يبكي.
نقل الأستاذ عبدالله الجبارة، وكذلك صادق المعيلي، أن الشيخ الهاجري كان يكرر بسم الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (7 مرات) بعد صلاة المغرب والصبح وهذا الذكر من التعقيبات العامة بعد الفرائض، وبعد كل فريضة يقول: أعيذ نور بصري بنور ربي الذي لا يطفأ، وبعد صلاة الفجر كان يضع يده اليمنى على صدره ويقول يا فتاح (70 مرة)، وكان يمسح يده على التربة ثم يجر يده اليمنى على وجهه من جانب أسفل خده الأيسر وكان يضع يده اليمنى على صدره ويقول بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم اذهب عني الهم والحزن ثلاث مرات بعد كل فريضة، وكان يواظب على قراءة سورة القدر (7 مرات) بعد صلاة العشائين، وكان يقول في سجدة الشكر يا وهاب (14 مرة) ويسأل حاجته، وكان يقرأ آية الكرسي في سجدة الشكر. يقول كذلك الأستاذ حسن الشمس أن الشيخ الهاجري كان يقول في ركوعه بعد الذكر الواجب في صلاة الصبح: سبحانك يا عظيم اغفر لنا الذنب العظيم.
كما ذكر الشيخ حسن البقشي أن الشيخ كان كثير الذكر لله في المجالس، ولسانه دائماً رطباً بذكر لله تعالى.
وقال أبنه شاكر: كان أبي يكثر من التسبيح، والصلاة على محمد وآل محمدٍ، وكان كثير القيام لصلاة الليل.
ويقول علي الممتن في حقه: كان الشيخ الهاجري يهتم اهتماما كبيراً بالتعقيبات بعد الصلاة وخاصة تسبيح الزهراء (عليها السلام) ويتضايق عندما يقطع عليه أحد التسبيح، كما كان يطيل الذكر والدعاء له وللمؤمنين أثناء سجدة الشكر، وكان يقبل على السائل ويصغي إليه ولا ينشغل بغيره، وكانت الدموع تترقرق في عينه عندما يتلفظ بصيغة الطلاق، وكذلك عندما يستمع لقراءة القرآن أو الدعاء ويذكر فيها أهوال جهنم كان يبكي.
وكان ينبسط فقيدنا من قراءة الدعاء لعلي محمد الممتن، والذي عُرف عنه مواظبته لأداء الصلاة خلفه وسلامة وجودة قراءته، وكذلك عباس محمد الممتن، والمهندس أحمد طاهر الحمد.
ولعل من أروع المواقف الدالة على ذلك ما نقله السيد محمد رضا بن السيد عبدالله السلمان عندما ألقى كلمة في جامع الإمام الحسن (عليه السلام) يوم جمعة، فكان يتكلم عن خطايا الإنسان، وأنها بعين الله، واستشهد بسورة الزلزلة إلى أن وصل هذه الآية: {يومئذ تحدث أخبارها} فقال أين نحن من مكان القرب للإمام علي (عليه السلام) في قوله: (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله وفيه وبعده) يقول السيد من بداية قراءة السورة والشيخ الهاجري كان يبكي بغزارة، حتى أصبح كالسعفة التي هزها الريح من مكانه والدموع تنساب على خديه.
- 3 ـ تعلق الشيخ بأهل البيت (عليهم السلام)
ومن ضمن تلك المواقف بكائه على مصائب أهل البيت وبالأخص مصيبتي السيدة الزهراء (عليها السلام)، ومصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) ومن ذلك ما نقله الشيخ محمد الشهاب في مرضه الأخير عندما خرج من مستشفى الملك فهد وذهب لعيادته في منزله، فقال للشيخ الشهاب: أريد منك تقرأ لي أبيات على الزهراء (عليها السلام) وعندما بدأ في القراءة بكى شيخنا بحرارة وغزارة.
كذلك ما نقله المهندس حسين بن الشيخ علي الخير الله يقول: كنا مدعوين مع الوالد والشيخ الهاجري فقال الشيخ الهاجري: تقرأ مقدماً للوالد فقلت نعم فقال أقرأ فلما قرأت بكى الشيخ.
وقد ذكر الشيخ حسن البقشي: كان الشيخ محباً للحسين ومجالس الحسين، وكان يحضر لأقل الخطباء، ولم يترفع في مجالس الإمام الحسين، وكان بمجرد أن يبدأ الخطيب في القصيدة كان يجهش بالبكاء وكان يكثر البكاء كالأب المفجوع بولده.
كذلك ما نقله السيد أحمد الهاشم: كان الشيخ محباً للزهراء (عليها السلام) لا يحضر مصائبها فقط وإنما كان يحرص على حضور أفراحها.
ذكر الأستاذ عبد المجيد البقشي كان الشيخ يحضر المجالس الحسينية في المناسبات، وكانت تعجبه مجالس الشيخ حبيب الهديبي، والشيخ محمد الشهاب.
يقول في حقه ملا عبدالله بن صالح الغدير: كان فقيدنا يبكي بغزارة عند سماع مصائب أهل البيت (عليهم السلام) والدموع تنحدر كالزلال فلقد رأيت ذلك بنفسي عندما قرأت بمحضره بعض المجالس الحسينية.
ومن شواهد ذلك تفاعله مع مصائب الدنيا: فكان يبكي على كل ما يسمعه من أحداث محزنة، أو وقائع تصيب الأمة الإسلامية، أو كوارث بشرية، أو فقد عزيز وغيره.
فقد بكى كثيراً على فقد محبيه منها بكاءه على آية الله العظمى السيد الخوئي (قدس سره)، بحسب ما نقله الشيخ محمد الشهاب وذلك لما جاء وفد الحوزة إلى الهفوف في حسينية بوخمسين خرج إلى الطريق يستقبلهم وهم ينشدون شعراً حزيناً مؤبنين السيد الخوئي، وفي مقدمتهم العلامة الحجة السيد محمد علي العلي، والشيخ الهاجري خرج مستقبلاً لهم وقد ارتفع صوته بالبكاء وكذلك بكى على فراق خليله الشيخ عبدالوهاب الغريري (رحمه الله)، وفراق الشيخ أحمد آل أبي علي، وغيرهم من المؤمنين.
- 4 ـ الشيخ وقوة الحافظة:
تميز فقيدنا الراحل بملكةٍ قويةٍ للحفظ، مع ذكاءٍ مميزٍ، فكان يُشار له بالبنان في سرعة البديهة في الاستشهاد بالآيات القرآنية، وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، وقصائد الشعر والأمثلة وغيرها، فبمجرد أن يبدأ المتحدث ببداية الآية أو الرواية أو القصيدة في مدح أو رثاء أهل البيت (عليهم السلام) إلا ويواصل فقيدنا إكمالها.
ولعل من الشواهد الدالة على قوة هذه الملكة لشيخنا الراحل ما نقله تلميذه الشيخ أحمد الخرس عنه، أنه سأله شخص عن حافظته، وقال له: هل صحيح أنك تحفظ كل شيءٍ في الكتاب المكنون والروايات الكثيرة من المتون وما بين السطور والكثير من الشواهد فقال شيخنا الهاجري: حافظتي الآن ضعفت، ففي شبابي قرأ عليّ شاعر قصيدة وأعدت إنشادها له، وقال الشاعر لي قد تكون حافظها من قبل، ثم قرأ قصيدة أصعب من الأولى، وأعدت إنشادها له وثالثة أصعب منهما ثم أعدت إنشادها له، فقال ذلك الشاعر: أنت حافظ كل ذلك؟ سوف أقرأ عليك قصيدةً غزليةً وأنت غير متوجه لذلك ثم أنشدتها. فقال ذلك الشاعر: هل عندك يا شيخ قوة إلهية أو عندك الاسم الأعظم؟!.
وكذلك ما نقله الشيخ توفيق العامر أنه سمع مباشرة من سماحة آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قدس سره) وسمع مباشرةً قريباً من هذا الكلام من آية الله السيد محمد تقي المدرسي ما يلي: كان الشيخ محمد الهاجري على علم واطلاع واسع بكتاب وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للحر العاملي وكان من شدة علمه واطلاعه بالكتاب أنه كان يعرف رواياته رواية رواية والأكثر من ذلك أنه في نهاية كل باب يقول صاحب الكتاب أقول وقد تقدم ما يدل على ذلك ويأتي الشيخ ما يدل عليه فكان يعرف أين ذكرت أمثال هذه الروايات وأين سيذكر مثلها فكان كثير من الفضلاء يرجعون إليه عندما تعوزهم الحيلة للوصول للروايات[7].
كذلك ما نقله السيد أحمد الهاشم أن أحد فضلاء القطيف ذكر للشيخ في مجلسه أنه لم يطلع على روايةٍ في أحد مواضيع بحثه، فكان من جملة ما قاله: لقد راجعت مصادر التشريع والبحار وغيرها من كتب الأحاديث ولم أطلع على الرواية، فقال الشيخ: موجودة رواية تثبت ذلك المبحث فقام وأحضر كتاب قديماً، وأطلعه على تلك الرواية.
ونقل الشيخ حسن الصفار في ختام فاتحة الشيخ الهاجري: أن أحد زملائه الذين حضروا معه بحث الشيخ يوسف الخراساني في كربلاء، أن عدداً من زملائه الطلاب كانوا يعتمدون على ذاكرة الشيخ الهاجري واستيعابه للبحث إذا فاتتهم بعض المطالب والنقاط، فيتحلقون حوله ليعيد عليهم ما كان طرحه الأستاذ الشيخ يوسف الخراساني، ثم يضيف هو بعض الإشكالات ويجيب عليها، فكأنه يقرر لهم بحثاً آخر.
- 5ـ الشيخ والشدة في الله:
من الخصال التي تميز القريبين من الله الشجاعة والجرأة والشدة في الله. وهم لم يصلوا لتلك المرحلة إلاّ لتلبسهم بأهم الصفات التي ينبغي أن تتوفر في المؤمن القوي، وهي قول كلمة الحق، وعدم المداهنة في الدين، فرضا الله سبحانه هو الغاية في تحركهم إتجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يهمهم رضا الناس، أو شراء خواطرهم، إذا تعارض ذلك مع الأمر الإلهي.
فهم يتعاملون مع المخطئ بدءاً باستخدام اللين والحكمة والرفق، فإذا لم يؤثر ذلك وتجاوز الشخص حده استخدموا معه القوة والشدة، ومعاملته بما يوقفه عن سلوكه السيئ، فهم يعرفون متى يكون مناسباً استخدام اللين أو الشدة في تصحيح سلوك الآخرين.
فمشاريعهم نابعة من قراءة شاملة للساحة، كما أن قرار صمتهم إذا شخصوا ذلك يكون لحكمةٍ قد لا تنكشف إلا لصاحب البصيرة، فقد يستلزم الأمر الصمت وذلك لأمورٍ، منها مستوى نضوج المجتمع وتقبله، وغياب الآلية المناسبة للعلاج، والأولويات التي يلزم التحرك لها.
ولا شك أن قراءة الحدث ودراسته دراسةً شاملة قبل الصدع به يساهم في تحقيق النتائج المرجوة بعد مراعاة جملة من الشرائط من أهمها: احتمال التأثير، عدم الضرر، اختيار الوقت المناسب، والطريقة المناسبة في توصيل الفكرة، كل هذا سوف يعطي النتيجة المطلوبة.
وكان مما عرف عن شخينا الجليل أنه يتمتع بالشدة في الله، فلم تكن تأخذه في الله لومة لائمٍ، فكان لا يحب المجاملة في الدين، ولم يتحرك من أجل الأخذ بالثأر لنفسه، وإنما كان تحركه لله، ولأجل الصدع بكلمة الحقّ.
نقل تلميذه الشيخ حبيب الهديبي: كان الشيخ لا يثأر لنفسه، وإذا أخطأ عليه أحد يسكت، ولكنه يغضب إذا كان الخطأ للدين، فكان يتضايق من رفض أحد المؤمنين الأخذ بحكم الإمام الصادق (عليه السلام) والرغبة في التحول لجهة أُخرى، وأخذ الحكم منها، وكذلك هنا كلمة رائعة لتلميذه الشيخ مسلم الحرز يقول فيها: إن الشيخ على مستوى عالٍ من المدارة في الوسط الاجتماعي.
ومن جملة ما وصفه به الميرزا صالح السليمي: أنه لا يؤمن بالمجاملات الظاهرية، وكان يتميز بالصراحة وقول الحق.
وكذلك ما نقله تلميذه الشيخ محمد الشهاب: أن شخصاً يعرفه الشيخ أتم المعرفة، جاء له بهدف الوساطة لولايةٍ على وقفٍ يريدها لشخصٍ، فقال له الشيخ الهاجري: اجعل الشخص يحضر مع اثنين يزكيانه، وأنت لا تحضر معهما.
ونقل الشيخ محمد الشهاب كذلك: أنه جاءه رجل وطلب منه ولاية على وقف، فقال: أحضر شهوداً ثقاة يشهدون بصلاحيتك، فقال الرجل عندي شهود، ومنهم شخص يعرفه، فقال الشيخ: أقول لك ثقاة وتقول فلان. وكذلك رأى الشيخ الهاجري اسم شخص في شهادةٍ على وصيةٍ ومعه شاهد آخر، فقال الشيخ لمن أعطاه الوصية هذه الوصية لا يوجد فيها شهادة إلا شخص واحد، فقال بل اثنين، فقال الشيخ أنا أعرف ما أقول.
كذلك ما نقله الشيخ عقيل الشبعان: أن طالب علمٍ في المسجد التقى بالشيخ، وكان يدعي أنه في مرحلة علميةٍ متقدمة في البحث الخارج: فسأله الشيخ مسألةٍ في علم النحو، فلم يجب عليها، ثم طرح الشيخ مسألة أخرى، ومن ثم نزل الشيخ إلى مستوى أقل: فلم يجب فالتفت إليه الشيخ الهاجري وهو يرتعد، وقال له: ألا تتقي الله! هذه أمانة، فكيف ترتدي هذا الزي، وتدّعي بأنك بهذا المستوى العلمي، وأنت لا تجيد شيئاً منه.
وكذلك ما نقله الأستاذ عبدالمجيد البقشي: أن أحد المقربين للشيخ تصرف تصرفاً غير صحيحٍ، فقال له الشيخ: اتق الله في نفسك.
وكذلك ما نقله الأستاذ خضر البقشي: أنه حضر في أحد الأيام مجلساً حسينياً، فكان الخطيب يذكر طرق المسح على الرأس بالنسبة للنساء، فوجد اختلافاً بين كلامه وكلام الشيخ في هذه المسألة، فقال للشيخ الهاجري: ما حدّث به الخطيب فقال اذهب إليه، وقل له: فليتق الله، فقال له ذلك فقال الخطيب لعل ذلك على رأيه، وبعد شهر قال لي الخطيب: كلام الشيخ صحيح.
يقول في حقه الأستاذ محمد الغزال: لقد فقدت الطائفة علماً من أعلامها البارزين، لم يمنعهم الصدع بالحق لومة لائم.
وقد عُرِفَ عن الشيخ أنه بمجرد أن يسمع أن محاضراً ألقى شبهة، أو أثار فتنة، أو تحدث في شيءٍ ليس من اختصاصه، أو انفرد برأيٍ خالف فيه الجمهور، كان يستدعيه ويناقشه في فكرته.
- 6ـ الشيخ والفكاهة:
تشكل الدعابة وإدخال السرور على المؤمنين ركناً أساسياً في كسب القلوب، وتعميق أوصال الارتباط بين أفراد المجتمع الواحد.
وعادةً ما كان يمازح الشيخ الهاجري رفيق دربه الشيخ عبدالوهاب الغريري (رحمه الله)، فهناك شعور متبادل من الشيخ الغريري تجاه شيخنا الفقيد، والذي عُرِفَ عنه كذلك بأنه كثير المزح مع أستاذه.
كان هناك علاقة قوية بين الشيخ الهاجري والشيخ عبدالوهاب، وكان الشيخ الهاجري يتأثر إذا غاب الشيخ الغريري عن مجلسه، ولا يهدأ له بال حتى يرسل إليه من يحضره، وكان يصفه بأنه زاهد عابد لغيره من العلماء، وقبل وفاة الشيخ الغريري جعل الشيخ الهاجري وصياً له، وكان المسؤول الأول عن الفاتحة، وشارك في الحفل التأبيني بكلمة ألقاها نيابة عنه الشيخ طاهر الأحمد في اليوم السابع، وفي اليوم الأربعين ألقاها الشيخ حبيب الهديبي.
ومن ضمن المواقف الطريفة ما نقله الشيخ محمد الشهاب: أن الشيخ عبدالوهاب كان يذكر للشيخ الشهاب فوائد البصل، وأنه مفيد لمرض السكر في مجلس الشيخ الهاجري، فقال الشيخ الهاجري البصل، البصل ما عليك منه، فقال الشيخ عبدالوهاب: هذا ليس شغلك أنت متخصص فقط في الفقه والأصول، ثم التفت للشيخ الشهاب قائلاً له: عليك بالعسل، فقال الشيخ الهاجري: صحيح فقد أشار القرآن إلى ذلك، وفي اليوم الثاني كانت قضية طلاق عند الشيخ الهاجري، وإذا به يتلفظ بصعوبة، فالتفت إلى الشيخ عبدالوهاب قائلاً: الله يهديك، هذا تأثير البصل الذي أكثرت من مدحه، فاستجبنا لنصحك فأكلناه.
وكذلك نقل الشيخ محمد الشهاب: أن الشيخ الهاجري قال للشيخ عبدالوهاب الغريري: عندنا لك زوجة ليس عندها إلا ابن واحد، فقال الشيخ محمد الشهاب كم عمره؟ فقال: ستون، وفي اليوم الثاني سألته: هل وافق الشيخ على الزواج من أم المحروس، فضحك الشيخ الهاجري بقوةٍ.
وكذلك ما نقله تلميذه الشيخ عبدالعزيز القضيب: كان الشيخ محمد الهاجري يمازح الشيخ عبدالوهاب قائلاً له:
أهنيك يا شيخنا القدسيا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
بزوجةٍ منها الخد ملويا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال الشيخ الغريري هذه لا أريدها، هذه عجوز، فأكمل الشيخ الهاجري قائلاً:
أهنيك يا شيخنا الجليل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
بزوجةٍ في مشيها تميل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ |
فقال الشيخ الغريري هذه أريدها أنها شابة.
وكذلك ما نقله تلميذه الشيخ عبدالمحسن الهودار، كان الشيخ الهاجري إذا أراد إجراء إيقاع الطلاق، كان يبحث عن الشيخ عبدالوهاب الغريري، فإذا طلّق المرة الأولى يلتفت للشيخ عبدالوهاب فيقول له: هل وقع الطلاق يا شيخ فيقول له: أعد، وهكذا يعيد الشيخ الهاجري ثلاث أو أربع مرات، وفي كل مرةٍ يقول له الشيخ عبدالوهاب أعد، فيتضايق الشيخ الهاجري من ذلك. وأحياناً يقول له الشيخ عبدالوهاب لقد وقع الطلاق من المرة الأولى ولكني أريد أن أُرهقك.
كذلك ما نقله تلميذه الشيخ عبدالعزيز القضيب يقول: كنا ندرس عند الشيخ الهاجري الشرائع كتاب النكاح، وبعدما انتهينا من ذلك الباب قال شيخنا الراحل الآن سندرسكم باب الطلاق، سنجعلكم تطلقون!! فقال أحد التلاميذ: بسرعة في ساعات نتزوج ونطلق.
وذكر الأخ عبدالمجيد السليمان: وقع خلاف بين شخصٍ له زوجتان وإحدى زوجتيه، فحضرا إلى الشيخ الهاجري في المحكمة، وعلم إصرارهما على الطلاق، فسأل الزوج عن الليلة القادمة لهذه الزوجة أم للزوجة الأولى، فأجاب أنها للزوجة الأولى، فقال الشيخ: اجعل هذه الليلة لهذه الزوجة الثانية، فَسُرّتْ الزوجة، وسكت الزوج، وذهبا وهما متفقان على ذلك ولم يتم الطلاق بينهما.
- 7ــ الشيخ في الساحة الاجتماعية:
سنتحدث في هذا الجانب عن أنشطة شيخنا الراحل في العديد من جوانب حياته من ضمنها:
عرف عن شيخنا الهاجري أنه كان يسعى بنفسه لتوفير احتياجات الأسرة، ويشرف على شؤون منزله، وكان حريصاً على عدم تكليف أحدٍ من أفراد أسرته بكل ما يعتقده أنهم لا يطيقونه.
وقد كان أبناؤه على أتم الاستعداد لمتابعة وشراء المتطلبات المنزلية، وكانوا حريصين على راحة والدهم، بعدم تكليفه بأعباءٍ إضافيةٍ لمسؤولياته الدينية والاجتماعية، ولكنه لا يقبل ذلك، وكان دائماً يستشهد لهم أنّ علي ابن أبي طالب كان ينزل السوق ويشتري حاجات المنزل، ويماكس لكي يحصل على أقل ثمنٍ.
نقل نجله شاكر، أن أباه إذا علم أن طفلاً من الأسرة مريضاً كان يتصل باستمرار لمعرفة تحسن صحته، كما كان يقبل من الوالدة أقل القليل ولم يكلفها بما لا تطيقه.
ونقل نجله محمد باقر أيضاً عندما كان أبوه في المستشفى في مرضه الأخير كان يتصل عليهم يومياً ويطلب مجيئهم، وكان يقول سوف أرحل عن الدنيا، وإني أرغب أن أودعكم، وقد أراد أبي أن يخفف عن أبنائه فلم يوص بدفنه في منطقةٍ معينةٍ، مع العلم أنه كان يتمنى أن يدفن بجوار الإمام الحسين (عليه السلام) وكان يستشهد بالأجر العظيم الذي يحصل عليه المؤمن إذا دُفن بجوار الأئمة (عليهم السلام).
وقد عُرِفَ عن فقيدنا أنه يتعامل مع جميع أفراد أسرته بخلقٍ رفيعٍ، ورأفةٍ ورحمةٍ.
يقول ابنه شاكر عنه: كان أبي قبل أن يأمر والدتي بحاجةٍ معينةٍ يدعو لها، ويقدم النصيحة مستشهداً بالآيات القرآنية، وروايات أهل البيت (عليهم السلام).
وكما عُرِفَ عنه حبه الشديد للأطفال، وكان من اهتمامه بهم أن يُطعمهم بنفسه، ويجالسهم ويسأل عن أحوالهم.
وكان حفيده مرافقاً له في المستشفى قبل وفاته بخمسة أيام، فعلى الرغم من شدة مرضه، وصعوبة قدرته على الكلام، إلاّ أنه كان يحرص على السؤال عما سيأكل حفيده، وأين سينام، وكان يحرص على توفير الراحة له.
- 2ـ الشيخ في السفر:
ورد على لسان أحد الحكماء: (الناس صناديق مغلقة تنفتح في السفر)، فمخابر الناس ومعرفة طبائعهم تنكشف في السفر، فما كان يضبط ويكتم في الحضر من صفات حميدةٍ وقبيحةٍ، يظهر جلياً أمام الآخرين في السفر.
وكان فقيدنا الشيخ الهاجري كثير السفر، وبالأخص إلى الديار المقدسة بالعراق، والتشرف بزيارة الإمام الحسين وأهل بيته الطيبين (عليهم السلام). وعُرِفَ عنه أنه كان يتصف بصفات طيبةٍ في تعامله مع رفقائه في السفر، من ذلك ما نقله أحد المقربين إليه الأستاذ عبدالأمير الرمل، يقول: كانت هناك مزايا يتمتع بها شيخنا الهاجري، من جملتها كان يصلي النوافل في السيارة حفاظاً على راحة المسافرين، وكان بنفسه ينهي إجراءات التذاكر، وكذلك نقل أبرز رفقائه في السفر الأستاذ طاهر الأحمد، أن من أبرز صفات فقيدنا في السفر مرحه مع الصغير والكبير، كان يعطف على الصغير ويقدّر الكبير، والابتسامة لا تفارق وجهه، ويعتمد على نفسه في قضاء حوائجه، دائم الاتصال مع الله بالتسبيح والذكر والصلاة على محمدٍ وآله، ودائماً إذا سكتنا يردد صلوا على محمدٍ وآله، واذكروا الله.
وكان يسافر باستمرار إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ومن أولويات برنامجه في كربلاء زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) مرتين في اليوم في الظهر وفي الليل وللعباس مرة او مرتين في الأسبوع.
يقول الشيخ حسين العلوي سافرنا معه، وكل منا مشغول بنفسه، ولكن الشيخ كان يهمه السؤال عنا ومتابعة أحوالنا.
ويقول واصل الخضير: سافرتُ مع الشيخ إحدى السفرات، فكان الشيخ طوال الوقت لا يفتر عن ذكر الله ويسبح له وعندما وصلنا الأردن توضأ قبل الصلاة بخمس ساعات، وجلس على المصلى مكثراً من الصلاة على محمدٍ وآل محمد.
وقد كان مرشداً لعديد من الحملات:
1ـ الحاج أحمد بن محمد العيسى عام 1391هـ .
2ـ الحاج حبيب بن موسى القرين عام 1394هـ .
3ـ الحاج حسين بن الشيخ إبراهيم الخرس عام 1395هـ .
4 ـ الحاج محمد بن الشيخ إبراهيم الخرس عام 1397هـ .
5 ـ الحاج موسى الدباب عام 1398هـ .
4ـ الشيخ ورعاية الفقراء:
لقد أعطى فقيدنا الراحل جزءاً من حياته للاهتمام بالفقراء والمساكين، فكان يقف معهم، ويقدم ما يستطيع من دعمٍ لهم، ويُخفف من حجم معاناتهم، من ذلك ما نقله سلمان بن حجي الناصر يقول: كنا في مجلس الشيخ الهاجري يوم الجمعة وهو اليوم الرسمي لاستقبال المؤمنين، ورأيناه أخرج مبلغاً من المال وأعطى الفقراء على 500 ريال، فقال أحد المؤمنين: يجب عليكم أن لا تأتوا الأسبوع القادم. فقال الشيخ: إذا توفرت عندي أموال فنحن في خدمتهم.
وكذلك ما نقله سليم بوخمسين: جاء إلى الشيخ الهاجري فقير في المسجد عند صلاة الظهر، وكان الشيخ يعرفه، فطلب الفقير من الشيخ مساعدة مالية، فقال له شيخناً: إن شاء الله مع صلاة المغرب تعال وأعطيك، ولكن الفقير لم يأت إلى المسجد، وإذا بالشيخ يذهب لمنزله ويعطيه مبلغاً من المال.
وذكر أحد المؤمنين: أردتُ تطليق زوجتي الثانية، فذهبت إلى الشيخ في المحكمة الجعفرية، وكان الاختلاف على توفير شقةٍ للزوجة الثانية، وأنا رافض لذلك، بحجة الاشتراط في العقد عليها أن تسكن مع زوجتي الأولى، فقال له شيخنا الجليل: أسكن في شقة مستقلة، وأنا أدفع لك إيجار الشقة.
وعندما تم افتتاح مركز الفيصلية التابع للجمعية الخيرية بمحافظة الأحساء عام 1412هـ وبإشرافٍ منه، جَند شيخنا نفسه وبكل ما يستطيع لإنجاح مشاريعها، وساهم مساهمة كبيرة في ربط أفراد المجتمع المؤمن بمدينة الهفوف بهذا المركز الخيري.
ولعل من أبرز مساهماته لدعم مشاريع المركز ما يلي:
1ـ مشاركته في المأدبة الرمضانية التي كانت تقام للفقراء والايتام على شرفه لمدة سبع سنوات.
2ـ تبنيه ودعمه لمشاريع المركز مادياً ومعنوياً.
3ـ توفيره كل ما يستطيع لخدمة أيتام المركز.
4ـ معالجته الفقهية لمختلف المشاكل المرتبطة بالفقير.
5ـ زيارته السنوية لمقر المركز في شهر رمضان.
6ـ دعمه مشروع زكاة الفطرة.
5ـ الشيخ وإمامة الجماعة:
كان شيخنا الهاجري يهتم كثيراً بإقامة الجماعة، وقد عرف عنه المواظبة على أدائها. فقد أمّ المؤمنين في مسجد الحدادين، وكان يخطب بين الصلاتين وليلة الجمعة ويومها بحسب ما نقله الحاج طاهر بن علي الغزال، كان ذلك قبل ذهابه لكربلاء لإكمال الدارسة الحوزوية، والحاج طاهر الغزال من وجهاء المنطقة، وعضو المجلس البلدي سابقاً من عام 1377هـ إلى ما بعد 1390هـ، وكانت هناك علاقة قوية بينه وبين الشيخ الهاجري. وبعد رجوع الشيخ من العراق عام 1390هـ، تولى إمامة الجماعة في مسجده بالفاضلية منذ افتتاحه، وكان يخطب بين الفريضتين لتوضيح مسائل الوضوء والصلاة وغيرها من المسائل التي يبتلي بها المكلف.
ونقل أخوه الحاج جواد الهاجري: كان يأتي الشيخ بالإناء، ويمثل لنا كيفية الوضوء.
وذكر الشيخ عبدالعليم العطية: أن الشيخ عندما يشرح المسائل الفقهية بين الصلاتين كان يأتي بالمسائل المتفق عليها، وعند الاختلاف يأتي بالاحتياط.
بالإضافة ما ذكره الأستاذ عبدالله الجبارة، أن بحثه كان متنوعاً في العقيدة والفقه والأخلاق.
وكان مواظباً على أداء الصلوات في المسجد ما دام موجوداً في المنطقة[8]، وكان يحيي ليالي القدر في المسجد، وكذلك صلاة يوم العيد، وصلاة الكسوف والخسوف[9].
وقد أمّ الجماعة على فتراتٍ مختلفةٍ في المساجد التالية:
1ـ مسجد الإمام زين العابدين (عليه السلام) بحي الفاضلية.
2ـ مسجد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بحي الفيصلية (بالقرب من سوق التمر القديم).
3ـ مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) بحي الفيصلية[10].
4ـ مسجد الإمام الصادق (عليه السلام) بحي النسيج.
كما ساهم شيخنا في افتتاح العديد من المساجد منها:
1ـ مسجد قرية بني معن.
2ـ مسجد الإمام علي (عليه السلام).
3ـ مسجد الإمام الحسن (عليه السلام). وكان الشيخ الهاجري يؤم الجماعة في هذا المسجد ليلة الجمعة ويومها[11].
6ـ الشيخ وتصديه للأهلة:
تميز الشيخ بتصديه لأهلة الشهور طول السنة والعيدين بشكل خاص وكان يبذل قصارى جهده لتوحيد المجتمع على رأياً واحد، وكان يهمه معرفة آراء علماء المنطقة في ثبوت الهلال, وعمد إلى تأسيس مجلس هلال عيد الفطر يضم مجموعة من الفضلاء والمشايخ لستقبال الشهود، تارةٍ في الحسينية العباسية وتارةٍ في مسجده وتارةٍ في حسينية آلبن الشيخ وأخيراً في مسجد الإمام الحسن (عليه السلام).
[1] الحجر، آية: 88.
[2] البحار ج 75، ص 119.
[3] كان من الملازمين للشيخ.
[4] الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة، ولد في 29/9/648هـ، وتوفي في 20/1/726هـ، من ابرز أساتذته: والده سديد الدين يوسف، خاله المحقق الحلي صاحب الشرائع، المحقق خواجة نصير الطوسي، السيد جمال الدين أحمد بن طاوس، السيد رضي الدين علي بن طاوس، لم يتفق لأحد من علماء الإمامية أن لقب بالعلامة على الإطلاق غيره، برع في المعقول والمنقول، من كتبه: منتهى المطلب في تحقيق المذهب، تلخيص المرام في معرفة الأحكام، حاشية التلخيص، تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، مبادئ الأصول في علم الأصول، القول الوجيز، مصابيح الأنوار، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال. رجال العلامة الحلي، تأليف الحسن بن يوسف الحلي.
[5] سورة مريم، آية: 58.
[6] النمارق الفاخرة إلى طرائق الآخرة، السيد محمد صالح بن عدنان الموسوي البحراني، ص 81.
[7] وهذا الكتاب يتكون من عشرين مجلداً، متوسط المجلد 500 صفحة.
[8] في السنوات الأخيرة توقف عن صلاة الصبح جماعة؛ لكبر سَنّه، وشدَّة مرضه.
[9] في بداية مجيئه كان يصلي على الجنائز، ولكنه توقف بعد ذلك لتوفر من يتصدى لها من الطلبة.
[10] كان هناك ترميم في مسجده بالفاضلية، وصلى في حسينية البقشي فريضة هناك، ولما علم تلميذه الشيخ محمد الشهاب لم يقبل بذلك الوضع، وطلب منه تحويل جماعته في مسجده، فوافق الشيخ الهاجري على ذلك.
[11] أستفدنا من كتاب سيرة آية الله الشيخ محمد بن سلمان الهاجري.
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً