للإمام الكاظم ( عليه السلام ) مناظرات واحتجاجات هامّة وبليغة مع خصومه المناوئين له ، كما جرت له مناظرات أخرى مع علماء النصارى واليهود ، وقد برع فيها جميعها وأفلج الجميع بما أقامه من الأدلّة الدامغة على صحّة ما يقول ، وبطلان ما ذهبوا إليه ، وقد اعترفوا كلّهم بالعجز والفشل معجبين بغزارة علم الإمام ، وتفوّقه عليهم ، منها :
مناظرته (عليه السلام) مع علماء النصارى:
جاء قطب من أقطاب النصارى ومن علمائها النابهين ، يدعى بريهة ، كان يطلب الحق ويبغي الهداية ، اتصل بجميع الفرق الإسلامية ، وأخذ يحاججهم فلم يقتنع ، ولم يصل إلى الهدف الذي يريده ، حتّى وصفت له الشيعة ، ووصف له هشام بن الحكم ، فقصده ومعه نخبة كبيرة من علماء النصارى ، فلمّا استقر به المجلس سأل بريهة هشام بن الحكم عن أهم المسائل الكلامية والعقائدية ، فأجابه عنها هشام .
ثمّ ارتحلوا جميعاً إلى التشرّف بمقابلة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وقبل الالتقاء به اجتمعوا بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فقصّ عليه هشام مناظراته وحديثه مع العالم النصراني بريهة .
فالتفت ( عليه السلام ) إلى بريهة ، قائلاً له : ( يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ ) قال : أنا به عالم .
فقال ( عليه السلام ) : ( كيف ثقتك بتأويله ؟ ) قال : ما أوثقني بعلمي به !
فأخذ ( عليه السلام ) يقرأ عليه الإنجيل ويرتّل عليه فصوله ، فلمّا سمع ذلك بريهة آمن بأنّ دين الإسلام حق ، وإنّ الإمام من شجرة النبوّة ، فانبرى إليه قائلاً : إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة .
ثمّ إنّه أسلم وأسلمت معه زوجته ، وقصدوا جميعاً والده الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، فحكى له هشام الحديث ، وإسلام بريهة على يد ولده الكاظم ، فسرّ ( عليه السلام ) بذلك ، والتفت قائلاً له : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .
وانبرى بريهة إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) قائلاً : جعلت فداك ، أنّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟! قال ( عليه السلام ) : ( هي عندنا وراثة من عندهم ، نقرؤها كما قرأوها ، ونقولها كما قالوها ، إنّ الله لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شيء ، فيقول : لا أدري ) .
وبعدها لزم بريهة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وصار من أخلص أصحابه ، ولما انتقل الإمام إلى دار الخلود اتصل بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) حتّى توفّي في عهده .
اترك تعليقاً