بالرغم من أن وظيفة رجال الدين – وخصوصاً من تكون مهمته عملية استنباط الأحكام الشرعية – ممن بلغ مرتبة الاجتهاد، قد لا تدع له مجالاً للإنخراط في أمورٍ كماليةٍ أُخرى كالشعر، إلاّ أننا نجد العكس في الأوساط الحوزوية، فالكثير من رجال الدين هم أدباء سواء من المجتهدين أم غيرهم، وهناك الكثير من الأندية الأدبية والدواوين الشعرية، وهناك الكثير من المشاركات الأدبية في شتّى القضايا، والمناسبات الاجتماعية، ويرجع ذلك إلى عاملين:
1- إنّ وظيفة رجل الدين كما تتطلب حسّاً وذوقاً علمياً يساعده في مهمته كعالم دين يرشد المجتمع بعلمه، كذلك تتطلب حسّاً عاطفياً مرهفاً يساعده في التعامل مع شتّى الطبقات من أبناء مجتمعه، والنفوذ في أعماقهم لمعرفة أفكارهم وهواجسهم، الأمر الذي يتطلب الارتباط بعواطفهم، لتحسس معاناتهم وآلامهم.
فإذا كان الارتباط بمختلف المؤثرات الاجتماعية له الأثر في تكوين المواهب الأدبية عند الأدباء، فهو ذاته موجود لدى رجال الدين بشكلٍ واضحٍ؛ لأن مهمة رجل الدين الأولى هي هداية المجتمع، والارتباط به، لتحقيق تلك المهمة.
2- إنّ طبيعة وظيفة رجل الدين تتطلب الاهتمام بالمجالات الأدبية، كمبادئ للوصول إلى هدفه المنشود ، وهو عملية الاستنباط؛ لأنّ هذه العملية كما تحتاج إلى مبادئ من قبيل الأصول والرجال والمنطق، كذلك هي بحاجة إلى مبادئ أدبية؛ وذلك من أجل تحصيل فَهْمٍ صحيحٍ ودقيقٍ للنصوص القرآنية والروائية، ومن تلك المبادئ الأدبية التي يهتم بها رجل الدين تتولد عنده ملكة الأدب، فتظهر براعته بمختلف الفنون الأدبية، وخصوصاً الشعر منها.
إذاً لا غرابة في أن نجد الكثير من رجال الدين ـ ومنهم شيخنا المترجَم له ـ تفيض قرائحهم بالشعر في مختلف المناسبات، برغم أنّ هناك من لا يتقبّل ذلك لرجل الدين، ممن غفل عن هذين العاملين.
وبهذه المناسبة نذكر لشيخنا المترجَم له بعض ما جادت به قريحته، رغم انشغالاته بأمورٍ أهم من ذلك؛ لنعرّف القارئ الكريم على جانبٍ مشرقٍ آخرٍ من حياة شيخنا المعظّم، فمن ذلك ما قاله في رثاء سماحة عَلمَ الورع والتقى الفاضل، الشيخ عبد الوهاب الغريري، المتوفى 1418 هـ:
جور الزمان وفرقة الأحباب |
جعلا فؤادي في شقا وعذابِ |
يا منار الهفوف [1]
قرّ عيناً فيك الهدى والعلاء |
وتغنّت باسمك الأحساءُ
|
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً