🔆تأملات في مقال🔆
تأمّلات في تطبيق حديث الخلفاء من بعدي إثنا عشر!!
🖊 بقلم
سماحة الشيخ حيدر السندي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد و آله الطاهرين ، وبعد …
فقد انتشر عن بعض الكُتّاب مقال تشكيكي في دلالة حديث ” الأئمة إثنا عشر ” على حقانية معتقد الشيعة الإثني عشرية من جهة تطبيق و انطباق الحديث على واقع مذهبهم ، وحيث يوجد في المقال جهات كثيرة من الضعف رأيت أن أبين بعضها استجابة لطلب بعض الأحباب ، و سوف أنقل ـ إن شاء الله تعالى ـ كلام الكاتب أولاً ثم أعلق عليه.
🔷معضلة التطبيق التي لا وجود لها إلا في مخيلة الكاتب:🔷
قال الكاتب :
أكبر معضلة تواجه الشّيعة الإثني عشريّة وهم يستدلّون بحديث: “الأئمّة من بعدي إثنا عشر” لإثبات حقّانيّة معتقدهم الإثني عشريّ هي: اجتهاديّة تطبيقه على هذا العدد المعروف، بمعنى: إنّنا حتّى لو سلّمنا بصحّة صدور هذا الحديث عن النّبي الأكرم “ص” بل وتواتره المدّعى أيضاً، واتّفقنا أيضاً: على صحّة صدور صيغة الخلفاء أو الأئمّة إثني عشر أيضاً لا صيغة أخرى، وآمنّا أيضاً: بعدم اختصاصه بالإمامة السّياسيّة بل بما يشملها ويشمل الإمامة الدّينيّة أيضاً، وقبلنا أيضاً: إنّ إمامة الإمام تثبت برواياته وبمرويّاته بل وبتطبيقاته أيضاً، وقبلنا أيضاً: إنّ تطبيقه على الإمام الثّاني عشر لا تجوّز فيه ولا عناية أصلاً… إلّا إنّه لم يثبت إنّ أحداً من الأئمّة قد طبّق هذا الحديث بالخصوص على نفسه أو على من قبله أو على من بعده من الأئمّة الإثني عشر المعروفين “ع” ليصحّ التّمسّك بتطبيقه ويُعدّ حجّة على مبانيهم.
🔸التعليق :
إذا اعترف الكاتب بأن حديث: “الأئمّة من بعدي إثنا عشر” صدر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله) يدل على وجود إثني عشر إماماً بالإمامة بالمعنى الذي يعتقد به الشيعة ؛ فلن نواجه مشكلة في تطبيق هذا المفاد على الأئمة عندنا لوجوه كثيرة بينها الأعلام في كتبهم الكلامية وليت الكاتب اطلع عليها وخبر ما فيها ثم علق عليها ، فهذا خير مما ذكره في تأملاته هذه ، ومن الوجوه :
1ـ الروايات المتواترة التي تدل على إمامتهم وقيادتهم للأمة من الناحية السياسية والدينية ، وهذه على طوائف كثيرة ، وهي بمجموعها تعين أن الأئمة الإثني عشر في خصوص أهل البيت (عليهم السلام ) وفي هذه السلالة المبركة دون سواها ، وكثير من هذه الروايات وردت في كتب المخالفين .
وهذه الروايات على طوائف متعددة منها : ( ما دل على فرض طاعة أهل البيت (عليهم السلام ) وحديث الثقلين ، و ما دل على النص على الأئمة بجميع أسمائهم وحصرهم في إثني عشر إماماً، و ما دل على نص الإمام السابق على اللاحق ، و ما دل على أنهم هداة الأمة وقادتها ، وما دل على أنهم أعلم الأمة ، وما دل على أنهم أبواب نجاتها ، و ما دل على أنهم ترجمان القرآن وبيانه …) وهذه الروايات تشتمل على تطبيقات تعين أنه لو كان هنالك إثناعشر إماماً فهم أئمة الشيعة الذين من أهل البيت (عليهم السلام) دون سواهم .
إن ضم حديث الثقلين والغدير و عدد الأئمة لوحدة كاف لإثبات حقانية إمامة أهل البيت المنحصرة في إثني عشر إماماً ، فكيف إذا دعم ذلك بطوائف أخرى كثيرة متواترة.
2ـ إن مسألة الأئمة وعددهم مسألة خطيرة جداً وقد أهتم بها المسلمون اهتماماً كبيراً ، ولا تجد في مذهب من المذاهب من يقدم هداة مهديين من أهل البيت بصورة واضحة جلية تناسب ما بنى الكاتب مقاله عليه من التسليم بدلالة “الأئمّة من بعدي إثنا عشر” على الإمامة السياسية والدينية إلا مذهب الشيعة الإثني عشرية ، وما سواهم فهو إما يقدم مثل حُكام بني أمية وكيف يكون هؤلاء أئمة الدين؟! أو يتجاوز عدد الأئمة عنده حسب ضوابط مذهبه العشرات بل المئات ، فالواقع ينحاز مع المعتقد الشيعي الإثني عشري ، ويصرح مبيناً انطباق مضمون الحديث عليه فقط.
3ـ إن المعصومين (عليهم السلام) في روايات كثيرة جداً تفيد القطع طبقوا حديث “الأئمة إثنا عشر ” على ما تعتقد الشيعة بإمامتهم ، ولو لاحظ الكاتب كتاب منتخب الأثر للمرجع الكبير لطف الله الصافي (حفظه الله) لخرج عن حيرته في مسألة التطبيق ، وهنا أذكر بعض النماذج:
روايات تبين تطبيق الحديث :
1ـ كفاية الأثر ـ أحمد محمد بن عبدالله الجوهري عن عبدالصمد بن علي بن محمّد بن مكرم عن الطيالسي أبي الوليد عن أبي الزياد (أبي الزناد نخـ) عبدالله بن ذكوان عن أبيه عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزوجل من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان علي الضَّلالة ثمَّ أهل بيتي اذكّركم الله في أهل بيتي قالها ثلث مرات فقلت لأبي هريرة فمن أهل بيته نسائه قال: لا أهل بيته (أصله صلبه نخـ) وعقبه وهم الأئمّة الإثني عشر الذي ذكر هم الله في قوله (وجعلها كلمة باقية في عقبه).
2ـ كفاية الأثر ـ أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمَّد التميمي المعروف بابن النجار الخوي عن أحمد بن محمَّد بن مروان الغزال عن محمَّد بن تيم عن عبدالرَّحمن بن مهدي عن معوية بن صالح عن عبدالغفّار بن قاسم عن أبي مريم عن أبي هريرة قال: دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله): وقد نزلت هذه الآية:(إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد) فقرأها علينا رسول الله(صلى الله عليه وآله). ثم قال: إنما انا المُنذر، أتعرفون الهادي؟ قلنا: لا يا رسول الله قال هو خاصف النعل فطولت الأعناق إذ خرج علينا عليّ من بعض الحجر وبيده نعل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ثم التفت إلينا رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال: الا انه المبلغ عنِّي والإمام بعدي وزوج إبنتي وأبوسبطي فنحن أهل بيت أذهب الله عنا الرِّجس وطهّرنا من الدنس يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل وهو الإمام أبو ألأئمّة الزهر فقيل: يا رسول الله وكم الأئمَّة بعدك؟ قال: إثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل ومنّا مهدي هذه الأمّة يملأالله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً لاتخلو الأرض منهم إلاّ ساخت بأهلها ورواه في غاية المرام عن ابن بابويه بسنده عن أبي هريرة.
3ـ كفاية الأثر ـ على بن الحسن بن محمد عن هرون بن موسى عن جعفر بن علي بن سهل الدَّقاق الدوري عن على بن الحارث المروزي عن أيّوب بن عاصم الهمداني عن حفص بن غياث عن يزيد بن مكحول عن واثلة بن أسقع قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: لمّا عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ناداني جلّ جلاله فقال لي: يا محمد قلت: لبيّك سيدى قال: إني ما أرسلت نبياً فأنقضت أيامه إلاّ أقام بالأمر من بعده وصيّه فاجعل علي بن أبي طالب الإمام والوصيَّ من بعدك فإنّي خلقتكما من نور واحد وخلقت الأئمة الراشدين من أنوار كما أتحبّ أن تراهم يا محمد؟ قلت: نعم يا رب، قال ارفع رأسك فرفعت راسي قاذاً بأنوار الأئمة بعدي إثنا عشر نوراً قلت يا رب أنوار من هي؟ قال: أنوار الأئمة بعدك اُمناء معصومون.
4ـ كفاية الأثر ـ القاضي أبو الفرج معافا بن زكريّا عن على بن عتيبة (عتبة نخ) عن أبيه عن الحسين بن علوان عن أبي علي الخراساني عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي(عليه السلام) قال: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): أنت الوصي على الأموات من أهل بيتي والخليفة على الأحياء من أمتي حربك حربي وسلمك سلمي أنت الإمام أبو الأئمة أحد عشر من صلبك أئمة مطّهرون معصومون ومنهم المهدي الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلا والويل لمبغضكم يا علي لو أن رجلاًّ أحبّ في الله حجراً لحشره الله معه وان محبك وشيعتك ومحبّي أولادك الأئمة بعدك يحشرون معك وأنت معي في الدرجات العلى وأنت قسيم الجنة والنار تدخل محبيك الجنة ومبغضك النار.
5ـ دلائل الإمامة ـ أبوالمفضل عن محمد بن الحسن الكوفي عن محمد بن عبدالله الفارسي عن يحيى بن ميمون الخراساني عن عبدالله بن سنان عن اخيه محمد بن سنان الزهري عن سيّدنا أبى عبدالله جعفر بن محمّد عن أبيه عن جده عن أبيه الحسين عن عمه الحسن عن امير المؤمنين عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: قال لي: يا علي إذاتم من ولدك أحد عشر إماماً فالحادي عشر منهم المهدي من أهل بيتي.
6ـ كمال الدين ـ حمزة العلوي في رجب سنة تسع وثلاثين وثلثمائة عن أحمد بن محمد بن سعيد عن القاسم بن محمد بن حماد عن غياث بن إبراهيم عن الحسين بن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ابشِرواثم ابشروا ثلاث مرات إنّما مثل أهل بيتي كمثل غيث لا يدري أوله خير أم آخره إنما مثل أهل بيتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً ثم اطعم منها فوج عامالعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولا وفرعاً وأحسنها حباً (حبا نخ خصال) وكيف تهلك امة أنا اولها وإثني عشر من بعدي من السعداء و اولو الألباب والمسيح عيسى بن مريم آخرها ولكن بين ذلك نطح الهرج ليسوامني ولست منهم، ورواه في البحار عن الخصال وعن عيون أخبار الرّضا مع اختلاف يسير في العبارة.
7ـ كمال الدين ـ محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى بن العطار عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن العباس بن جريش الرازي عن أبي جعفر الثاني عن أبيه عن آبائه ان أمير المؤمنين قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لأصحابه: آمنوا بليلة القدرانها تكون لعلي بن أبي طالب وولده الأحد عشر من بعده، وروى فى المناقب ما يقرب منه وفي البحار عن الخصال، وفي كفاية الأثر بإسناده عن الحسن بن العباس عن أبي جعفر محمد بن علي عن آبائه عليهم السلام ما يقرب منه، ورواه في البحار عن الشيخ في غيبته عن جماعة عن التلعكبري عن الأسدي عن الحسن بن عباس عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام) ورويه المفيد في الارشاد بسنده مع اختلاف يسير.
8ـ كمال الدين ـ الهمداني عن محمد بن معقل القرميسيني عن محمّد بن عبدالله البصري عن ابراهيم بن بهر عن أبيه عن أبي عبدالله عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إثنى عشر من أهل بيتى أعطاهم الله تعالى فهمي وعلمي وحكمتي وخلقهم من طينتي فويل للمتكبرين عليهم بعدي القاطعين فيهم صلتي ما لهم لا أنا لهم الله شفاعتي، وروى في البحار عن عيون أخبار الرضا وعن الاختصاص مثله.
9 ـ كمال الدِّين ـ محمد بن إبراهيم بن اسحق عن محمد بن همام عن أبي علي عبدالله بن جعفر عن الحسن بن موسى الخشاب عن أبي المثنى النخعي عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله)كيف تهلك امة أنا وعليّ وأحد عشر من ولدي اولوا الآيات أولها والمسيح بن مريم آخرها ولكن يهلك بين ذلك من لست منه وليس منّي.
10 ـ غيبة الشيخ ـ جماعة عن أبي المفضل الشيباني عن محمد بن عبدالله الحميري عن أبيه محمد بن يحيى عن عمرو بن ثابت عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّي وأحد عشرة من ولدي وأنت يا علي زرّ الأرض أعني أوتادها وجبالها بنا أوقد الله الأرض ان تسيخ بأهلها. ألحديث.
11ـ المناقب ـ جابر الجعفي عن الباقر في خبر طويل في قوله تعالى: (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كلّ اناس مشربهم. ألآية) فقال: إنَّ قوم موسى لما شكوا إليه الجدب والعطش استسقوا موسى فاستسقى لهم فسمعت ما قال الله له ومثل ذلك جاء المؤمنون إلى جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) قالوا: يا رسول الله تعرفنا من الأئمَّة بعدك فقال(عليه السلام): (وساق الحديث إلى قوله) فإنك إذا زوَّجت عليّاً من فاطمة خلقت منها أحد عشر إماماً من صلب عليِّ يكونون مع عليِّ إثني عشر إماماً كلّهم هداة لاُمّتك يهتدون بها كلّ امّة بإمام منها ويعلمون كما علم قوم موسى مشربهم.
12 ـ المناقب ـ في حديث أبي جعفر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من أهل بيتي إثني عشر نقيباً محدّثون مفهمون منهم القائم بالحقِّ يملأ الأرض عدلا كما مُلئت جوراً.
13 ـ كفاية الأثر ـ الحسين بن علي عن هرون بن موسى عن الحسين بن همدان عن عثمان بن سعيد عن أبي عبدالله محمد بن مهران عن محمّد بن إسمعيل الحسني عن خالد بن المفلس عن نعيم بن جعفر عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال دخلت على عليّ بن الحسين وهو جالس في محرابه فجلست حتى اثنى وأقبل عليّ بوجهه يمسح يده على لحيته فقلت يا مولاي أخبرني كم يكون الائمة بعدك قال ثمانية قلت وكيف ذاك قال لأن الأئمة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)إثنا عشر إماما عدد الاسباط ثلاثة من الماضين وأنا الرابع وثمانية من ولدي أئمة أبرار من أحبنا وعمل بأمرنا كان معنا في السنام الأعلى ومن أبغضنا وردَّ واحداً منّا فهو كافر بالله وبآياته.
🔷روايات تحدد هوية الإمام المهدي وفق العدد:🔷
إن من الملفت للنظر أن هنالك روايات تحدد هوية الإمام المهدي (عليه السلام) استناداً إلى العدد ، و تطبيق حديث ” الأئمة إثنا عشر” على الأئمة (عليهم السلام) ومنها :
الطائفة الأولى : التي ذكرت أنه (عليه السلام) الحادي عشر من أولاد الإمام علي (عليه السلام)، منها:
منها ما عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن مالك الجهني، عن الأصبغ بن نباتة قال أتيت أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته متفكراً ينكت في الأرض فقلت يا أمير المؤمنين ما لي أراك متفكراً تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها؟. فقال لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي، الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون. كمال الدين وتمام النعمة : ص288.
الطائفة الثانية: التي ذكرت أنه (عليه السلام) من أولاد الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهي تبلغ 148رواية، في بعضــها أنه التاسع من ولد الحسين عليهما السلام، منها:
1- محمد بن أبي عمير عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام) قال سئل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، عن معنى قول رسول (الله صـلى الله عليه وآله) إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، من العترة؟ فقال أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حوضه. كمال الدين وتمام النعمة : ص240.
2- عنه عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال سئل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، من العترة، فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله حوضه. كمال الدين وتمام النعمة : ص240
الطائفة الثالثة : التي ذكرت أنه (عليه السلام) الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليه السلام، و هي تبلغ 136رواية، منها:
1- الحسن بن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على فاطمة عليها السلام وبين يديها لوح [مكتوب] فيه أسماء الأوصياء فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي عليهم السلام. كمال الدين وتمام النعمة : ص311.
2- عبد الله بن حماد الأنصاري قال حدثنا عمرو بن شمر، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن بن أبي الحسن البصري يرفعه قال: أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن الله عز وجل يأمرك أن تزوج فاطمة من علي أخيك، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام)، فقال له: يا علي إني مزوجك فاطمة ابنتي سيدة نساء العالمين وأحبهن إلي بعدك، وكائن منكما سيدا شباب أهل الجنة، والشهداء المضر جون المقهورون في الأرض من بعدي، والنجباء الزهر الذين يطفئ الله بهم الظلم، ويحيى بهم الحق، ويميت بهم الباطل، عدتهم عدة أشهر السنة، آخرهم يصلي عيسى بن مريم (عليه السلام )خلفه. كتاب الغيبة: ص 57.
الطائفة الرابعة : التي ذكرت أنه (عليه السلام ) السادس من أولاد الإمام الصادق (عليه السلام) ، منها:
ما عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال سمعت السيد بن محمد الحميري يقول كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي – ابن الحنفية – قد ضللت في ذلك زماناً، فمنَّ الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعدما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به، فقلت له، يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيـبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال (عليه السلام) إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما . . . كمال الدين وتمام النعمة : ص33.
الطائفة الخامسة : التي ذكرت أنه (عليه السلام) الخامس من أولاد الإمام الكاظم (عليه السلام)، منها:
1- عن الحسن بن محبوب عن إبراهيم الكرخي قال: دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) فإني عنده جالس إذ دخل أبوالحسن موسى وهو غلام فقمت إليه فقبلته وجلست فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا إبراهيم أما إنه صاحبك من بعدي، أما ليهلكن فيه أقوام ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجن الله عز وجل من صلبه خير أهل الأرض في زمانه، سمي جده ووارث علمه وأحكامه وقضاياه، ومعدن الإمامة ورأس الحكمة يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة حسداً له، ولكن الله بالغ أمره ولو كره المشركون، يخرج الله من صلبه تكملة اثني عشر إماماً مهدياً اختصهم الله بكرامته، وأحلهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر الشاهر سيفه بين يديه كان كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه، و دخل رجل من موالي بني أمية فانقطع الكلام، فعدت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) إحدى عشرة مرة أريد أن يستتم الكلام فما قدرت على ذلك، فلما كان قابل السنة الثانية دخلت عليه وهو جالس، فقال يا إبراهيم هو المفرج للكرب عن شيعته بعد ضنك شديد وبلاء طويل، وجور وخوف، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان حسبك يا إبراهيم، قال فما رجعت بشيء أسر إلي من هذا لقلبي ولا أقر لعيني. الغيبة : ص90.
2- وعنه عن عبد العزيز العبدي عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): من أقر بالأئمة من آبائي وولدي وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلى الله عليه وآله) نبوته. فقلت يا سيدي ومن المهدي من ولدك؟ قال الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لكم تسميته. كمال الدين وتمام النعمة : ص333.
الطائفة السادسة: التي ذكرت أنه (عليه السلام) الرابع من أولاد الإمام الرضا (عليه السلام)، منها:
ما عن الشيخ الصدوق: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن الصلت قال: قلت للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعـها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان عليهما السلام. ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ [به] الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. كمال الدين وتمام النعمة: ص 376.
أقول : من راجع الروايات الكثيرة التي تزخر بها مصادرنا المعتبرة فإنه يقف على تطبيق المعصومين (عليهم السلام) “حديث الأئمة إثنا عشر” بجلاء ووضوح ، فقول الكاتب : ” إلّا إنّه لم يثبت إنّ أحداً من الأئمّة قد طبّق هذا الحديث بالخصوص على نفسه أو على من قبله أو على من بعده من الأئمّة الإثني عشر المعروفين “ع” ليصحّ التّمسّك بتطبيقه ويُعدّ حجّة على مبانيهم” يفتقر إلى الملاحظة والدقة.
🔷بساطة التفكير وافتقارها إلى المنهج العلمي:🔷
قال الكاتب :
وبعبارة أخرى: لو كان أحد الأئمّة الإثني عشريّة “ع” يشعر بأنّه التّطبيق الجزميّ والحتميّ والحصريّ لما يُروى عن جدّه “ص” من حديث: “الخلفاء من بعدي إثنا عشر” لبادر لتطبيق ذلك على نفسه ولو بين خواصّه ومقرّبيه لإرشادهم إلى برهان إمامته في زمن الاحترابات الشّيعيّة الشّديدة حول الإمامة ومصاديقها، وفي زمن ولادة فرق شيعيّة عديدة تدّعي الحقّانيّة لنفسها كالزّيديّة والجاروديّة والنّاووسيّة والإسماعيليّة والفطحيّة والواقفيّة…إلخ، إذ كان بإمكان الصّادق “ع” مثلاً أن يقول للزّيديّة: أنا الإمام السّادس من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه، وكان بإمكان الكاظم “ع” مثلاً أن يقول: للفطحيّة أنا الإمام السّابع من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه، وكان بإمكان الرّضا “ع” مثلاً أن يقول للواقفيّة: أنا الإمام الثّامن من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه…إلخ، وهكذا تنتشر هذه الأقوال وتذيع بين أصحابهم، فما بالهم تمسّكوا بالسّلاح والجفر والجامعة…إلخ من علامات لإثبات إمامة بعضهم؟!
🔸التعليق :
يوجد على كلامه عدة ملاحظات :
الملاحظة الأولى 1️⃣: هو أنه اتضح مما تقدم أن الأئمة (عليهم السلام) وقبلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قاموا بالتطبيق ، ولكن هذا لا يمنع من وجود شبهات ومعاندين يشوشون وضوح التطبيق ويحدثون خلافاً في بعض الأوساط ، فهل يشك الكاتب في حجة الله البالغة على إبليس اللعين ، وحجة النبي (صلى الله عليه وآله ) البالغة على مشركي الجزيرة العربية ؟! ومع ذلك عاند إبليس وحارب كثير من المشركين النبي (صلى الله عليه وآله).
إن وضوح الحجة لا يعني عدم قابليتها للعناد والتشكيك ، ولعل أوضح الواضحات ثبوت الواقع الموضوعي ، وحدثنا التاريخ عن وجود السوفسطائيين الذين ينكرون الحقيقة وتحقق واقع خارجي.
الملاحظة الثانية 2️⃣: من الغريب قول الكاتب : ” إذ كان بإمكان الصّادق “ع” مثلاً أن يقول للزّيديّة: أنا الإمام السّادس من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه، وكان بإمكان الكاظم “ع” مثلاً أن يقول: للفطحيّة أنا الإمام السّابع من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه، وكان بإمكان الرّضا “ع” مثلاً أن يقول للواقفيّة: أنا الإمام الثّامن من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه…إلخ، وهكذا تنتشر هذه الأقوال وتذيع بين أصحابهم، فما بالهم تمسّكوا بالسّلاح والجفر والجامعة…إلخ من علامات لإثبات إمامة بعضهم؟!”
ووجه الغرابة :
أولاً : هو أن الأئمة (عليهم السلام) بالفعل بينوا للناس أنهم الأئمة الشرعيون في كل زمان ، وموقفهم ـ خصوصاً موقف الإمام الرضا (عليه السلام) في وجه الواقفية ـ منقول بالتواتر ، و يكفي كونهم زعماء مذهب ـ فيه علماء وأدباء ولهم مدارسهم وتراثهم ومذهبهم مخالف للزيدية والفطحية والواقفية ومذهب السقيفة و ثابت بالتواتر عنهم ليعرف موقفهم ممن خالفهم ، فالأئمة لم يتركوا التطبيق والتصدي لبيان حقهم الشرعي وموقعيتهم الدينية بالحجج والبراهين ، وهذا من الواضحات التي لا تخفى على من عنده أدنى معرفة بالتراث وتاريخ الأئمة(عليهم السلام).
وثانياً : إن للإثبات منصب الإمامة طرقاً مقررة منها نص المعصوم والمعجزة و الأعلمية ، و لم يخرج الأئمة (عليهم السلام) عنها ، فدعوى أن الأئمة (عليهم السلام) تمسكوا بوجود الجامعة والجفر لإثبات الإمامة فيها تسطيح وتبسيط للمسألة أو غفلة عن لبها ومربط الفرس فيها ، إن الإمام لا يستدل بوجود الجفر عنده ، وإنما يستدل بتفوقه العلمي الموروث من رسول الله والأئمة السابقين (عليهم السلام) ، ومن كان أعلم ووارثاً لعلم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فهو الأولى بخلافته ، مضافاً إلى أن من يكون خليفة قائماً مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بد وأن يكون واجداً لعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ما يؤخذ من الرجال وقد يكون وهماً غير مطابق للواقع ، ولم يدع أحد أنه وارث لعلم رسول الله(صلى الله عليه وآله) غيرهم ، فلا بد أن يكونوا كذلك ، وإلا كذب مضمون الروايات المتواترة الدالة على وجود من يقوم مقام رسول الله (صلى الله عليه و آله) ويكون هادياً بهديه نفسه في كل زمان ، وهذا العلم الموروث والمنتهي إلى رسول الله أقسام ومنه الجامعة والجفر و سائر مواريث النبي (صلى الله عليه و آله) فعلامة الإمام ليس نفس أن يدعي أن عنده الجفر والجامعة ، وإنما مقتضى ذلك و أثره ، وهو أن يكون متميزاً في العلم .
نعم ، من كان عارفاً بالجفر والجامعة ومصحف فاطمة (عليها السلام) و سلاح رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعارفاً بوجودها عند شخص ويعلم أنها لا تكون إلا عند الإمام (عليه السلام) ؛ يكون وجودها نفسه علامة على أن من وجدت عنده إمام .
ففي معاني الأخبار، الخصال، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الطالقاني عن أحمد الهمداني عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: للامام علامات: يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد الناس، ويلد مختونا ويكون مطهرا، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه، ولا يكون له ظل. وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين ولا يحتلم، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ويكون محدثا، ويستوي عليه درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يرى له بول ولا غائط لان الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما يخرج منه وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك.
ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم، وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ويكون أشد الناس تواضعا لله عز وجل، ويكون آخذ الناس بما يأمر به، وأكف الناس عما ينهى عنه، ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين.
ويكون عنده سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيفه: ذو الفقار، وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة.
وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصفر إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش، وحتى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون عنده مصحف فاطمة (عليها السلام).البحار ج 25 ص 116.
و ثالثاً : أتصور هناك سذاجة واضحة في قول الكاتب : “إذ كان بإمكان الصّادق “ع” مثلاً أن يقول للزّيديّة: أنا الإمام السّادس من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه، وكان بإمكان الكاظم “ع” مثلاً أن يقول: للفطحيّة أنا الإمام السّابع من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه، وكان بإمكان الرّضا “ع” مثلاً أن يقول للواقفيّة: أنا الإمام الثّامن من الأئمّة الإثني عشر الّذين أشار لهم الرّسول “ص” في حديثه…إلخ، وهكذا تنتشر هذه الأقوال وتذيع بين أصحابهم”
لأنه إذا كان هؤلاء منحرفين عن الأئمة و لا يؤمنون بصدقهم ، فهل سيصدقونهم إذا طبقوا الحديث عليهم؟!
أعتقد أن البحوث العلمية ونكاتها الدقيقة لا ينبغي أن تعالج بهذه البساطة والسطحية.
الملاحظة الثالثة 3️⃣: لنفرض أن بإمكان الأئمة أن يقنعوا الناس بتطبيق حديث ” الأئمة إثنا عشر ” على أنفسهم ، ولم يفعلوا ، فهل هذا يضر في حقانية إمامهم وانطباق الحديث عليهم؟
الجواب : كلا ، لأن عدم استثمارهم لهذا الحديث قد يكون لموانع لا يعلم بها إلا المعصوم ، أو لأن استثمار سائر الأدلة أكثر تأثيراً بحسب ظروف وملابسات ذاك الزمان ، أو من باب {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } وقد أقام الله الحجة البالغة بالنحو الذي يريد وليس للعباد أن يقترحوا على الله حجةً بالكيفية التي هم يردونها {قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا (94) قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا (95) قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } ، فإنه ليس للكاتب وغيره أن يحدد كيف يقيم الله الحجة على عباده ، فهذا من شؤون الله تعالى ، وقد أقامها الله تعالى بطرق كافية {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } .
وقد يكون ذلك من باب ابتلاء العباد و امتحانهم ، فإن الله قادر على أن يجعل الكعبة من ياقوت ، ويجعل الحرم من معدن لا مثيل له ، و ينزل الملائكة تطوف بأنفس الهدايا والعطايا للطائفين ، وبهذا تكون حجته على وجوده وصدق نبيه أكثر فاعلية ، ومع ذلك لم يفعل ، فهل سيكفر الكاتب بوجود الله وصدق دعوى النبي؟!
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) حول البيت الحرام : ثم أمر آدم (عليه السلام ) وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لمُلْقَى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة، من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللاً، يهللون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثاً غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خَلْقهم، ابتلاء عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنته. ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتف البناء، متصل القرى، بين برة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء، على حسب ضعف البلاء؛ ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولَوَضَع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس؛ ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحا إلى فضله، وأسباباً ذللاً لعفوه.
وقد قال تعالى : {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }.
إذن ، لو سلمنا عدم تطبيق الأئمة (عليهم السلام) حديث ” الأئمة إثنا عشر” فهذا ترك لا يعلم وجهه إلا منهم ، وهو لا يدل على عدم انطباق الحديث عليهم (عليهم السلام) ولا يؤثر على دلالته ودلالة غيره من المتواترات على حقانية عقيدتنا.
وبهذا نقف على التحليل الضعيف الذي قدمه الكاتب بقوله : ” وقد وعى متكلّمو المحدّثين الإثني عشريّة هذا الإعضال، وعرفوا إنّ صرف الثّبوت النّظري لحديث “الأئمّة من بعدي إثنا عشر” لا يحلّ الإشكال، ويبقى تطبيق هذا الحديث على الصّيغة الإماميّة الإثني عشريّة خصوصاً مع أزمة الثّاني عشر المجهول الولادة والغيبة محلّ إشكال شديد حتّى في داخل الوسط الشّيعي، من هنا فلم يجدوا بُداً من الاستعانة بمقولات كلاميّة مرتكزة على نصوص روائيّة لتسهيل عمليّة تطبيق هذه الصّيغة من الحديث على العدد الإثني عشريّ المعروف عندهم؛ فجاءت مقولة إنّ الأرض لا تخلو من حجّة وإنّ الإمامة لا تنتقل بشكل عرضي إلّا في الحسنين “ع” كأساس نظريّ يضيّق الخناق على الطّرف الآخر، وبدأت عمليّات نحت الأدلّة ما بعد الوقوع لإنشاء نصوص روائيّة ذات أسانيد تحمل اسماء مخصوصة للاحتجاج بها أمام الفرق الأخرى، فجاء حديث الّلوح وأضرابه وسيناريو اختبارات الخضر للحسن بن عليّ “ع” وذكر اسماء جميع الأئمّة بمحضر أبيه…إلخ، وحينها قالوا: إنّ أفضل صيغة معقولة ومقبولة ومؤيّدة ومسدّدة تجمع ما بين حديث الأئمّة إثنا عشر وبين أحاديث خروج المهديّ من ولد الحسين بن علي “ع”… هي الإمامة والمهدويّة بصيغتها الإلهيّة الإثني عشريّة المعروفة، مع إنّ التّطبيق إنّما يكون حجّة إذا صدر ممّن ثبتت حجيّته في رتبة سابقة كما يقولون، لا التّطبيقات الاجتهاديّة العلمائيّة الّتي تأتي من ضيق الخناق كما أسلفنا”.
فكل هذا مجرد أراجيف ودعاوى باطلة لا تقف أمام الثابت من وضوح براهين الإمامة التي لا موضع لها إلا في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فكم من السهل أن يأتي مستشرق ويقول بكل بساطة : (الآية { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) لا تنطبق على محمد بن عبد الله الذي عاش في مكة وهاجر إلى المدينة ، ولكن المسلمين نحتوا لنا تاريخاً و اختلقوا شخصيات وحروباً ومعارك و براهين ليقابلوا بها الديانات الأخرى)!
وهكذا يكون من السهل على كل شخص أن يقلع جبلاً من محله بجناح بعوضة ، إذ ما أسهل الخيال و عرض الأمنيات.
🔷تكهن لإضعاف استدلال محكم :🔷
قال الكاتب :
“وممّا تقدّم تعرف الخلل الّذي اُبتليت به كلمات المرحوم محمد باقر الصّدر؛ وذلك حينما حسبت إنّ صرف وجود حديث الأئمّة من بعدي إثني عشر في المجاميع الحديثيّة السُنيّة قبل مرحلة ما يُصطلح عليه بالغيبة الصّغرى كافٍ لإبعاد احتمال أن يكون الشّيعة الإثنا عشريّة هم من وضعوا مثل هذا الحديث تأثّراً بالواقع الخارجيّ للإماميّة الإثني عشريّة وانعكاساً له؛ وذلك لأنّ من يسجّل هذا الاعتراض على الإماميّة الإثني عشريّة وفقاً للبيان الّذي قرّرناه لا يريد اتّهامهم بوضع أصل هذه الصّيغة من الحديث على الإطلاق، بل يريد أن يقرّر إنّ تطبيقهم لهذا الحديث على الأئمّة الإثني عشر المعروفين عندهم إنّما هو تطبيق اجتهاديّ جاء في مرحلة الحيرة الكبرى من باب ضيق الخناق، ونُحتت نصوص روائيّة عدّة وبصيغ مختلفة لأجل تدعيمه، فالإيمان بحقّانيّة صدور هذا الحديث لا تلازم الإيمان بحقّانيّة تطبيقه حتّى ولو كان أفضل الصّيغ التّطبيقيّة معقوليّةً كما يُدّعى، خصوصاً وإنّ الإمام الثّاني عشر حسب الصّياغة الإثني عشريّة ولد وغاب غيبة طويلة حسب الفرض، وإطلاق صيغة حديث الخلفاء من بعدي إثنا عشر بمفردها لا تتحمّل مثل هذه العناية الزّائدة وغير الطّبيعيّة على حاقّها، فتأمّل، والله من وراء القصد…”.
🔸التعليق :
اتضح مما تقدم الخلل في كلام الكاتب ، فإن حديث ” الأئمة إثناعشر” من خير الأدلة على حقانية مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لأنه يحدد عدد الأئمة والخلفاء ، وهو ما يكشف عن بطلان القول بأن الإمام كل من تصدى للحكم بأي طريق ، إذ يلزم أن يكون عدد الأئمة بالمئات ، كما أنه لا يملك مذهباً واقعاً موضوعياً لمضمونه إلا مذهب الشيعة الإثني عشرية ، فمن حيث الدلالة والانطباق لا غموض ، نعم قد يتوهم متوهم أنه موضوع لانحيازه إلى المعتقد الشيعي ، أو يحاول البعض التلبيس بإثارة الوهم عن عمد كما فعل بعض المخالفين في حديث الثقلين والغدير ، فكان من المفيد جدّاً ضرب هذا الوهم والتوهم ، وهذا ما فعله الشهيد الصدر (رحمه الله).
و أما نسبة الكذب واختلاق الأسانيد والروايات إلى علماء الحيرة ، فهذه دعوى كانت ولا تزال تُكرر من أعداء المذهب ، وهي حرفة العاجز الكسول ، فما أسهل أن تقول بأن الشيخ الصدوق ومن عاصره كذب بوضع روايات ذات اسانيد إلى زمن الأئمة ، أو تقول لو ثبت صدور الروايات عن الأئمة أنفسهم فهذا من اختلاقهم أو اجتهادهم الشخصي .
وحيث أن الكاتب تبرع وبين مراد من يشكك في استدلال الشيعة بالحديث الشريف بقوله : “وذلك لأنّ من يسجّل هذا الاعتراض على الإماميّة الإثني عشريّة وفقاً للبيان الّذي قرّرناه لا يريد اتّهامهم بوضع أصل هذه الصّيغة من الحديث على الإطلاق، بل يريد أن يقرّر إنّ تطبيقهم لهذا الحديث على الأئمّة الإثني عشر المعروفين عندهم إنّما هو تطبيق اجتهاديّ جاء في مرحلة الحيرة الكبرى من باب ضيق الخناق” فنحن نطالبه بأن يبين لنا من الذي قصد الشهيد الصدر (رحمه الله) الرد عليه ، وينقل عبارته ليثبت عدم فهم الشهيد الصدر ( رحمه الله) لمراده و فهمه هو لمراده ، و إلا سيكون ما كتبه مجرد حرق للوقت واتلافه بكلام فرضي و تكهن أجوب بلا شاهد و لا قيمة له في تقييم ما ذكره الشهيد (رحمه الله).
الحمد لله رب العالمين
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً