نفحات من الغدير…
في ذكرى عيد الغدير الأغّر، ذكرى تجديد البيعة لأمير المؤمنين علي (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في ذكرى عيد الغدير الأغّر، ذكرى تجديد البيعة لأمير المؤمنين علي ، وتجديد الثبات على عهد الإمامة الذي عهد الله به إلى خلقه، في الإقرار به، والإيمان به، نلحظُ أموراً:
الأمر الأول:
إنَّ ظاهر النصوص الشريفة؛ نحو قوله – عزَّ وجلَّ -: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[1] ، وقوله – – ”مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاه، ُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ“[2] ؛ إنَّ مفادها ثبوت الولاية لأمير المؤمنين بالفعل، أي في عرض ولاية النبي المصطفى زمناً، فليس المقصود بهذه النصوص – كما تَوَهَّمه بعض الكُتّاب – أن لا ولاية للأمير إلاّ بعد وفاة النبي ، فإنَّ هذا:
– أولاً: خُلف معنى الإمامة؛ فإنَّ معنى كون الشخص إماماً أنَّ له الولاية بالفعل، في كلّ أمرٍ وشأنٍ من شؤون الأمّة، مضافاً لحجية ما يصدر منه، قولاً، وفعلاً، وتقريراً، لا أنَّ معنى كونه إماماً أنَّ له الولاية في المستقبل، فالإمامة مساوقة للولاية، إذ معنى الإمامة: أنَّ ما يصدر منه من أمر، ٍ أو نهيٍ، في جميع الشؤون، يكون نافذاً، وأنَّ إذنه في جميع الشؤون معتبرٌ بالفعل، فإنَّ هذا هو معنى الإمامة، فلا وجه لأن يكون علي إماماً في عهد رسول الله، ولكن لا ولاية للأمير ، أو أنَّ الحسن والحسين «عليهما السلام» إمامان في عهد جدهما، وأبيهما، ولكن لا ولاية لهما، فإنَّ هذا خُلْف معنى الإمامة.
– وثانياً: بأنَّ هذا منافٍ لظاهر اللفظ؛ حيث ذكر في علم الأصول: أنَّ المشتق ظاهرٌ في الفعليّة، فعندما يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[3] ؛ أي إنَّما وليُّكم الأنوار الثلاثة فعلاً لا مستقبلاً.
– مضافاً لقرينية السياق؛ وهو أنه كما أنَّ ولاية الباري بالفعل، وولاية المصطفى بالفعل، فولاية الذين آمنوا بالفعل أيضاً.
وهذا هو معنى حديث الغدير، حيث أنَّه إخبارٌ عن ولايتين بالفعل، فعندما يقول: ”فمن كنت مولاه“ أي وليّاً عليه بالفعل، فإنَّ هذا أيضاً وليٌّ عليه بالفعل، لا إنَّه سيكون مولىً له بعد الممات.
ولو فُرض أنَّ بعض النصوص عبرت بكلمة ”بعدي“؛ فإنَّ المقصود بها ”البعدية الرُّتبيّة“ لا ”الزمانية“، لأنّه إذا قلنا بأن للإمام أمير المؤمنين ، ولسائر الأمَّة، ولايةٌ بالفعل، فهذا لا يعني أنَّها ولاية حتّى على الحجة عليه، فمثلاً؛ ولاية النبيِّ عامّة حتّى للإمام علي، والحسنين، والزهراء، فإنَّه وليٌّ عليهم، بينما ولاية الإمام علي على جميع الأمّة ما عدا رسول الله ، فيتحقق بذلك التأخُّر الرتبيّ، وتتحقق الطولية، وإلاّ فالولايتان من حيث الأمّة في عرض واحد، بحيث لو تصرف أحد الوليَّيْنِ، لكان تصرُّفه نافذاً، كما ذكر ذلك الفقهاء في ولاية الأب والجد على البنت البكر، في أنّ ولايتهما في عرض واحد، ولا يلزم من ذلك المفسدة في اجتماع وليَّيْنِ فإنَّ المفسدة إنَّما تلزم لو لم يكن الوليّان معصومَيْنِ، بحيث يقع التضارب والتعارض بينهما، وأمّا على فرض كون الوليَّيْن معصومَيْنِ، فلا معنى لهذا الإشكال؛ وهو أنَّ افتراض ولايتين في وقتٍ واحدٍ لازِمُه التضارب والتعارض.
وقد ورد في عدة روايات صحيحة سؤال للصادق : ”أفيكون إمامان في وقت واحد؟ قال: لا؛ إلا وأحدهما صامت، قلت: فالإمام يعرف الإمام الذي من بعده؟ قال: نعم، قال: قلت: القائم إمام؟ قال: نعم إمام ابن إمام قد أؤتم به قبل ذلك“[4] .
ومفادها أنَّ كلا الإمامين له الولاية فعلاً، إلاّ أنَّ ولاية الثاني منهما في طول ولاية الأول، بحيث لا يُجري ولايته في أمرٍ إلاّ في ظلّ ولاية الأول، أو أنَّه لا يُجري ولايته في أي أمرٍ ما دام الأول موجوداً احتراماً له.
هذا من جهة الأمر الأول.
الأمر الثاني:
نلاحظ في بعض النصوص كما في قوله: ”عليٌّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ، اللهم أدِرِ الحقّ مع عليٍّ حيث ما دار“[5] قد يقال: بما أنَّ الإمام علياً عينُ الحقِّ، ومحض الحقِّ، فكيف يقول عنه الحديث: يدور الحق معه، أو هو مع الحقّ، بل المناسب لمقامه أن يقال: ”عليٌّ هو الحقّ“، لا أنَّه معه، أو يدور معه.
إلاّ أنَّ هذا التعبير ناظرٌ لمقام الإثبات، لا لمقام الثبوت، فهناك فرقٌ بين مقام الثبوت، ومقام الإثبات، فبحسب مقام الثبوت: عليّ هو الحقّ، وليس شيئاً آخراً، فإنَّ هذا هو مقتضى كون الذات معصومة لا تخطئ أبداً، علماً وعملاً، ولكن في مقام الإثبات، إذا اشتبهت الطرق، فحينئذٍ؛ ما كان مع عليٍّ فهو الحقّ، وما كان ضمن نهج عليٍّ فهو الحقّ، وما كان على غير نهج عليٍّ فهو باطلٌ، فلأجل نظر هذه النصوص لمقام الإثبات عبّرت بالمعية والدوران.
الأمر الثالث:
بما أنَّ علياً هو الحقّ، والحقّ معه، فالإمام علي هو المناط والمحور في الأُخوّة.
فالأُخوّة على نوعين:
- أُخوّة صورية تنزيلية.
- وهناك أخوَّة حقيّة، بمعنى أنَّها ناشئةٌ عن الحقّ نفسه.
فإذا كان عليٌّ هو الحقّ، وعين الحقّ، فلا محالة: لا أُخوَّة حقيقية حقّة إلاّ ما كان ناشئاً عن ولاية علي ، والاعتقاد بإمامة علي ، فما نشأ عن الحقّ نفسه يكون حقّاً، فلذلك ينصرف عنوان الأُخوَّة في النصوص إلى الأُخوَّة الحقيّة، لأنَّ غيرها مجرد أُخوَّة صورية مجازية، وبما أنَّه ينصرف إلى الأُخوَّة الحقيّة؛ فالأحكام المترتبة في النصوص على عنوان الأُخوَّة موضوعها الأُخوَّة الحقيّة، لا الأُخوَّة بالعنوان الأعمِّ، ولو كانت أُخوَّة صورية، ولأجل ذلك فإنَّ من المظاهر الحسنة في يوم الغدير أن يجري المؤمن مع أخيه المؤمن عقد الإخاء، ليبرز الأُخوَّة الحقيقية الحقّة، التي تجمع الطرفين في ولاية الإمام علي ، ويصافحه ويقول – كما في بعض المرويات -:
”واخيتك في الله، وصافيتك في الله، وصافحتك في الله، وعاهدت الله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وأنبياءه، والائمة المعصومين ، على أني إن كنت من أهل الجنة والشفاعة، وأذن لي بأن أدخل الجنة، لا أدخلها إلا وأنت معي، فيقول الأخ المؤمن: قبلت، فيقول: أسقطت عنك جميع حقوق الأُخوّة، ما خلا الشفاعة والدعاء والزيارة“[6] .
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من المتآخين في ولاية الإمام أمير المؤمنين ، وأن يجعلنا معه دنياً وآخرة، وأن يرزقنا في الدنيا زيارته، وفي الآخرة شفاعته، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
اترك تعليقاً