ترجمة موجزة لسماحة العلامة آية الله الشيخ محمد الهاجري (رحمه الله)
يعتبر كاتب هذا التعريف أحد أكثر من لازم الشيخ الهاجري في مختلف مراحل حياته حيث بلغت مجموع السنوات التي لازمه فيها خمسة وثلاثين عاما منها ستة عشر عاما دراسة. وقد درس على يديه ست سنوات بحث خارج هو ومجموعة من طلبة العلوم الدينية آنذاك منهم سماحة السيد عبدالأمير السلمان وسماحة الشيخ حجي السلطان.
اغترب الشيخ عن مدينة الهفوف بالأحساء مدة تنوف على العقدين مهاجراً في طلب العلم إلى كربلاء. ولما كانت كل فائدة علمية كنزاً لا يقدر بثمن لم يضع الشيخ رحمه الله أي وقت في سبيل اجتنائها فثابر بكل جد و اجتهاد فنهل ما أمكنه أن ينهل وحمل ما وسعه أن يحمل من درر المعارف وجواهر العلوم. وكان الشيخ يحكي لنا طرفاًَ من قصص حياته في مهجره في كربلاء المقدسة، فمما حكى أنه يجمع بين تسع دروس يقصد بها ما هو أعم من الدرس أو التدريس أو المذاكرة مع الفضلاء
ومما ذكره – رحمه الله – أنه شكل مع أستاذه آية الله الشيخ على العيثان الأحسائي وزميله في البحث آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي فريقاً ثلاثياً تصدوا فيه لغرض المسائل العلمية عرضاً علمياً استدلالياً. ومما ذكره – رحمه الله – أنه يحضر بحث آية الله العظمى السيد محمد مهدي الشيرازي – رحمه الله – وكان يحظى منه بتقدير واحترام فائقين.
وقال – رحمه الله – إنه عند حضوره بحوث أساطين العلماء كان متتبعاً للأدلة فكم من أثر عثر عليه غير مجرى البحث وقلب حكم المسألة مثيراً بذلك إعجاب أساتذته حاصداً ثناءاتهم.
ولما قفل راجعاً إلى وطنه – الأحساء – فما أن حط رحله فيها صير منزله معهداً للعلم وطلابه.حيث كرس وقته وجهده لتربيتهم وتغذيتهم بالعلم ولم يبخل على أحد إذا وجده أهلاً له.ومع أن من في منزلته يترفع عن الدروس الأولية إلا إنه لم يكن كذلك فكان لا يأنف من أن يدرس أي طالب مهما كان مستواه إذا آنس فيه القابلية و الجد في التحصيل غير آبه بالعناوين.
وقد حضرت عنده دروس الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني – رضوان الله عليه – (هذا الكتاب القيم) دورة فقهية تضم جميع أبواب الفقه متوسط الاستدلال فهو ليس مجرد كتاب فقه، كما أنه ليس مبسوطا كالمطولات، ويحوي كثيراً من الفوائد القواعد المفيدة، ضمنه مصنفه مسائل كثيرة لفها بالغموض شحذاً لذهن الطالب ليجتهد في إزالته فيستلذ بلذة الظفر بإدراك المطلب.
ولتدريس هذا الكتاب قراءتان إحداهما للمبتدئين والأخرى للمنتهين.
أما الأولى :- فهي تنحو إلى تجلية المطلب وشرح عباراته وإزالة الغموض الذي يلفه بصياغة تقربه إلي الأذهان.
وترتكز الثانية على النظر إلي الدليل فالمسألة التي لم يذكر المصنف دليلها يشير إليه الأستاذ ولو بنحو مقتضب وأما التي ذكر دليلها فيتوجه النظر إلي مناقشته، وكان – رحمه الله ينحو المنحنى الثاني.
ومما حضرت عنده بحث المكاسب المحرمة من كتاب المكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري رضوان الله عليه. فقد اقتضت العادة بعد دراسة كتاب الروضة أن يدرس هذا الكتاب وهو كتاب رفيع المستوى من حيث الصناعة و الصياغة، كما انه يمثل مرحلة متقدمة في الدراسات الفقهية لذا اعتمدته الحوزات العلمية في العصر الحاضر كتاباً يدرس تمهيداً للأبحاث العالية التي يطلق عليها أبحاث الخارج، و الحقيقة أن استيعاب هذا الكتاب يحتاج إلى جهد مشترك من مدرس المادة و التلميذ. فعلى المدرس التحضير الجيد و المراجعة و على التلميذ حسن الاستماع و الحفظ وتقرير الدرس وبدون هذا أو ذالك فلن تكون الاستفادة كاملة. وأكملت الكتاب في النجف الأشرف وبعد أن رجعت منها حضرت عنده بحث الخارج وكان منحصراً في الفقه وكان هذا بعد الرجوع من رحلتي الثانية من النجف الأشرف.
ومن المهم الإشارة إلى انه في هذه المرحلة تنفتح للطالب آفاق علمية واسعة رحبة ويتاح له فيها الاطلاع على الأقوال والآراء مع أدلتها وفيها تنصقل موهبته وتتجلى قدرته على المناقشة العلمية واستصواب أو تخطئة الوجوه التي تتبنى عليها الأقوال و المذاهب وقد تجاوز ذلك إلى تبنى رأى أو قول بل تتجاوزه إلى تأسيس نظرية أو اختيار مسلك علمي. ومع مرور الأيام ومواصلة الجهد تتكون عند الطالب رؤى علمية في مجال النظرية و التطبيق أعنى علم الأصول و الفقه إما بالفعل أو القوة ويصبح حينئذ بعد قطع هذا الطريق و الرحلة الطويلة عالماً فقيهاً قادراً مجتهداً قادر على الاستنباط.
أما بالنسبة لشيخنا الراحل فقد كان يدرس خارج الفقه فقط أما الأصول فلم يدرسه على هذا المستوى بل اقتصر درسه الأصولي على المتون كفرائد الأصول للشيخ مرتضى الأنصاري وكفاية الأصول للشيخ محمد كاظم الخراساني، واقتصاره على بحث الفقه ليس قصوراً منه في طرق مجال الأصول وإنما يرجع إلى الاتجاه العام لدى طلاب المنطقة حيث إن الساحة فيها ساحة عمل وليست ساحة تنظير وتأسيس القواعد. فالمنطقة تحتاج إلى الفقه أكثر من حاجتها إلى الأصول وحتى لو كانت الواقعة متوقفة على تنقيح مسألة أصولية بشكل كامل فإنك تجدهم يعملون بالاحتياط المبرئ للذمة قطعاً أو بالاطمئنان إن توفر أو أن الطالب يرجع إلى رأي المرجع ونادراّ ما تراهم يعتمدون على اجتهادهم الخاص في المسائل الأصولية، ولكن الحقيقة أن علماءنا ليسوا بقاصرين من الناحية العلمية على تناول المسائل ذات الجنبة الأصولية لو توفرت لديهم الرغبة ولعل المانع هو الخوف والحذر من مخالفة الواقع ورعاً وتقوى.
وعلى كل حال فإن شيخنا الفقيد قضى فترة تصديه في الأحساء ولم يدرس خارج الأصول واقتصر على الفقه وكانت مختاراته الفقهية تتبنى أساساً على عدم مخالفة المشهور والأخبار، وكان يستأنس بآراء ثلة من العلماء الذين عاصرهم مع دقة في الاختيار وذوق رفيع في الاستظهار.
وكان – يرحمه الله – يحرص بشدة على مواصلة الدرس إلا إذا منعه منه مانع، بل لم يشغله القضاء لما وليه عن مواصلته وكان لا يخرج للقضاء إلا بعد الفراغ من الدرس. كما كان رحمه الله شديد المراس في النقاش، لكنه ربما رجع عن بعض آرائه في النقاشات. وكانت ذاكرته قوية مستحضرا للأدلة ولو على نحو إجمالي.
شغل الشيخ الساحة العلمية في المنطقة وملأ الفراغ الحاصل حينذاك وقد وجد الطلاب فيه بغيتهم معلماً وأستاذاً ينهلون من علمه ويقترفون من بحر معرفته رحم الله الفقيد السعيد واسكنه فسيح جنته وجزاه عنا خير جزاء المحسنين.
———————————————
* شبكة يامهدي الاسلامية
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً