حديث( علي حبه حسنة ) فوق شبهة التغرير في ارتكاب السيئة:
أثيرت شبهة حول حديث النبي الأكرم ( صلى الله عليه واله):(حب علي حسنة لا تضر معه سيئة )، وحاصلها ان هذا الحديث يشجع على ارتكاب الذنوب والمعاصي ، لانه يوصل رسالة إلى من يحب علي ويقول له: ارتكب ما شئت من الذنوب فنها لن تضرك أبدا.
وقد نقل عن بعض الفضلاء الجواب عن هذا الاشكال بقوله تعالى: (الحسنات يذهبن السيئات ).
هذا الجواب في نفسه غير تام، لان الظاهر من حديث ( حب علي….) إثبات خصوصية وامتياز لهذا الفعل الخاص، وهومحبة امير المؤمنين (عليه السلام)، وما أجاب به هذا الفاضل يثبت أمرا ثابتا في كل حسنة سواء كانت ثابتة بحب امير المؤمنين عليه السلام اوبصدقة اوصلاة وغير ذلك من الطاعات.
واذا اردنا ان نتكلم حول ما يظهر من الحديث، فلابد من تمهيد مقدمة وهي، ان العرف عندهم قاعدة في تحديد مراد المتكلم تسمى بقاعدة مناسبة الحكم للموضوع، وقد بحث العلماء هذه القاعدة مفصلا في علم الأصول، وحاصل هذه القاعدة هو: ان الحكيم لا يمكن ان يرتب حكما عظيما على موضوع حقير لا يتناسب مع عظمة الحكم، وهذا يعني ان المتكلم اذا كان حكيما ورتب حكما عظيما على موضوع ما، فان عظمة الحكم تحدد ملامح ذلك الموضوع، وفي الرواية محل الكلام ( حب علي حسنة لا تضر معه سيئة ) يوجد موضوع وحكم:
اما الموضوع: فهوحب علي عليه السلام.
واما الحكم: فهولا تضر معه سيئة.
والحكم عظيم جدا اذا إطلاقه يعني ان من ارتكب اي ذنب وسجلت له بسببه السيئة فهولا يتضرر بالسيئة.
وعظمة هذا الحكم بمقتضى مناسبات الحكم للموضوع وحكمة المتكلم وهوالمعصوم الذين يفرغ عن الله تعالى تقتضي عظمة الموضوع( المحبة) فلا يمكن ان يكون المراد مجرد الشعور القلبي، ولوصدر من كافر محارب لله وللرسول اومنكر للإمامة الائمة عليهم السلام اومحاربا لأحدهم، فلابد وان يكون المقصود من المحبة المحبة التي يترتب عليها اثرها من الاعتراف بالحق والإيمان به والمتابعة، وهذا المعنى متداول في الروايات اذ يقصد من محبيهم الشيعي بالمعنى الخاص .
ومن جهة أخرى عندنا عدة روايات يستفاد منها ان المؤمن يعذب على بعض ما صدر منه ولوحال النزع وفي القبر، وهذه تقيد إطلاق ( لا تضر معه سيئة )، فلا يمكن ان يكون مطلق الموالي المعتقد بامامتهم .
والحاصل: مقتضى ما تقدم ان يقال في تفسير الحديث احد الاحتمالين التاليين ، ولكل احتمال وجه:
١/ ان المحب العامل جوانحا وجوارحا بمقتضى حبه، وهوالذي يندر صدور الذنب منه، لا تضره السيئات ودونه الذي في حبه بعض التقصير، فانه قد تضره في موارد خاصة، واما غير الموالي فلا حض له في هذا الحديث البتة.
وعلى هذا الاحتمال يكون التقييد في الموالي.
٢/ ان الموالي لا تضره السيئة بسبب الولاية، في الجملة، وعلى هذا الوجه يكون التقييد في الضرر.
فان قلت: يلزم من ذلك التغرير بالمعصية، اذا يلزم ان يعول المؤمن على الولاية فيرتكب الذنوب والمعاصي، لانه يعلم بانه سوف يغفر له بسببها. وهذا هوالاشكال الذي يختلج في ذهن الشيخ مغنية رحمه الله.
قلت: الجواب من جهتين:
الجهة الاولى: هي ان هذا الاشكال لوتم فهويرد على التوبة، اذا قد يعول عليها الإنسان فيرتكب الذنوب لانها سبب من أسباب المغفرة.
وأيضاً بالشفاعة فإنها من أسباب المغفرة، وأيضاً بقوله تعالى:( الحسنات يذهبن السيئات) وقوله تعال: ( ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيئاتكم ) فالأشكال اذا لا يرتبط بحديث فقط بل له ارتباط بآيات قرآنية، فإذا كان من السهل رفع اليد عن الحديث، فهل من السهل رفع السيد عن الآيات والتوبة والشفاعة!
الجهة الثانية: ونبين فيها الجواب الحلي عن جميع هذه الموارد، ويكن ان نذكر عدة أجوبة ولكن نكتفي بجواب وأحد، وهوان الإنسان إنما يتكل على الولاية والشفاعة وتجنب الكبائر. في ضمان المغفرة ويرتكب الذنوب ، فيما اذا كان يعلم بانه سيموت على الولاية، اولن يرتكب كبائر اوسيوفق للتوبة، وكيف يعلم بذلك في مستقبله !
ان الإنسان لا يضمن ان لا يموت الا على الولاية ولا يضمن ان لا يموت قبل التوبة، والا يضمن ان لا يموت قبل ان يرتكب كبيرة، وبالتلي هولا يضمن تحقق شرط المغفرة فكيف يرتكب يكون غير المضمون مشجعا له ومعينا وداعيا لارتكاب الذنب والمعصية.
موقع زاد المعاد
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً