رسالته(عليه السلام) إلى نائبيه الخاصّين عثمان بن سعيد العمري وابنه محمّد
رفع عثمان بن سعيد العمري وابنه محمّد رسالة إلى الإمام(عليه السلام) أخبراه فيها أنّ الميسمي وهو من الشيعة حدّثهما أنّ المختار وهو من الضالين يدعو الشيعة إلى الإمامة ل (جعفر)، فأجابهما الإمام(عليه السلام) بهذه الرسالة:
وفّقكما الله لطاعته وثبّتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته.
انتهى إلينا ما ذكرتما أن (الميسمي) أخبركما عن المختار ومناظرته من لقي واحتجاجه بأنّ لا خلف غير جعفر بن علي، وتصديقه إيّاه.
وفهمت جميع ما كتبتما به ممّا قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء, ومن الضلالة بعد الهدى, ومن موبقات الأعمال, ومرديات الفتن فإنّه عزّ وجل يقول: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمن وهم لا يفتنون).
كيف يتساقطون في الفتنة، ويتردّدون في الحيرة ويأخذون يميناً وشمالاً؟ فارقوا دينهم أم ارتابوا؟ أم عاندوا الحقّ أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟ أو علموا بذلك فتناسوا؟
ما يعلمون أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إمّا ظاهراً وإمّا مغموراً؟ أوَ لم يروا انتظام أئمّتهم بعد نبيّهم (صلى الله عليه وآله) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عزّ وجل إلى الماضي- يعني: الحسن بن علي صلوات الله عليه ـ فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم.
كان نوراً ساطعاً وقمراً زاهراً، اختار الله عزّ وجل له ما عنده، فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عزّ وجل بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئته، للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله ولو قد أذن الله عزّ وجل فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حيلة، وأبين دلالة، وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه، وأقام بحجّته.
ولكن أقدار الله عزّ وجل لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق فليدعوا عنهم اتباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله عزّ وجل فيندموا.
وليعلموا: أنّ الحقّ معنا وفينا لا يقول ذلك سوانا إلاّ كذّاب مفتر ولا يدعيه غيرنا إلاّ ضال غوي، فليقتصروا منّا على هذه الجملة دون التفسير ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله(۱).
رسالته(عليه السلام) إلى نائبه الخاص علي بن محمّد السمّري، يذكر له الغيبة الكبرى وتكذيب المشاهدة
بسم الله الرحمن الرحيم. يا عليّ بن محمدٍ السمّري؛ أعظم الله أجر إخوانك فيكَ، فأنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام، فأجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً.
وسيأتي إلى شيعتي مَن يدّعي المشاهدة، ألا فمَن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم(۲).
رسالته(عليه السلام) إلى الشيخ المفيد(قدس سره)
للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد، سلام الله عليك أيّها الوليّ المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله الذي ﻻ إله إلاّ هو، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين.
ونعلمك – أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق- أنّه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤدّيه عنّا إلى موالينا قبلك أعزّهم الله بطاعته وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته.
فقف – أمدّك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه – على ما تذكره، واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه، بما نرسمه إن شاء الله. نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين – حسب الذي أراناه الله تعالى من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين – فإنّا نحيط علماً بأنبائكم. ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذلّ الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ (منه) وراء ظهورهم كأنّهم ﻻ يعلمون إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف حركتنا و(مبانيتكم) (مباثبتكم) بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
اعتصموا بالتقية؛ مَن شبّ نار الجاهلية يحشّشها عصب أموية يهول بها فرقة مهدية.
أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن الخفيّة، وسلك في الظعن منها السبل المرضية.
إذا حلّ جمادى الأولى من سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيها، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليها، ستظهر لكم من السماء آية جليّة، ومن الأرض مثلها بالسويّة، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق، طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يسرّ بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفاق، ما يؤملونه منه على توفير غلبه (عليه) منهم وإنفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق، شأن يظهر على نظام واتساق فليعمل كل امرئ منكم بما يقرّب به من محبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة حين ﻻ ينفعه توبة، ولا ينجّيه من عقابنا ندم على حوبة والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته(۳).
رسالته(عليه السلام) الثانية للشيخ المفيد(قدس سره)
من عبد الله المرابط في سبيله، إلى ملهم الحقّ ودليله.
بسم الله الرحمن الرحيم. سلام الله عليك أيّها الناصر للحقّ، الدّاعي إليه بكلمة الصّدق.
فإنّنا نحمد الله إليك الذي ﻻ إله إلاّ هو إلهنا وإله آبائنا الأوّليين، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين وعلى أهل بيته الطاهرين.
وبعد. فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه وشفعنا ذلك الآن من مستقرّ لنا ينصبّ في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الأيمان ويوشك أن يكون هبوطنا إلى ضحضح من غير بعد من الدهر، ولا تطاول من الزمان، ويأتيك نبأ منّا بما يتحدّد لنا من حال فتعرف بذلك ما يعتمد (نعتمده) من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقك لذلك برحمته.
فلتكن – حرسك الله بعينه التي ﻻ تنام – أن تقابل بذلك فتنة تبسل نفوس قومٍ حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون.
وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم، ستحلّ للدم المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي ﻻ يحجب عن ملك الأرض والسماء فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب، وليتّقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة – بجميل صنع الله سبحانه – تكون حميدة ما اجتنوا المنهي عنه من الذنوب.
ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظّالمين أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين: إنّه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدين، وأخرج ممّا عليه إلى مستحقيه، كان آمناً في الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته.
ولو أنّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمين بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين(۴).
—————————————————————-
۱- كمال الدين : ۵۱۰٫
۲- المصدر السابق: ۵۱۶٫
۳- تهذيب الأحكام ۱/۳۷٫
۴- المصدر السابق ۱/۳۹٫
مركز آل البيت العالمي للمعلومات
اترك تعليقاً