السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد يسأل ما هي دلالة أفضلية الحسن والحسين عليهما السلام من حديث [الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ]
والحديث ذكر نوع خاص من السيادة وهي سيادة شباب أهل الجنة دون غيرهم وهذا يدل أن هذه السيادة مخصوصة دون غيرها أي غير الشباب يخرج بالضرورة من هذه السيادة
فإن قلتم أن أهل الجنة كلهم شباب وهذا أقوى دليل على سيادتهما للكل قلنا أن هذا الدليل عليكم لا لكم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد البلغاء فلو أراد سيادتهما على الكل لكتفى بقوله [سيدا أهل الجنة ] ولكنه أضاف كلمة شباب وهذا لغو أن كان المقصود الجميع وحاشاه اللغو فيتبين من هذا أن سيادتهما محدودة؟
كيف الجواب على هذا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين:
الجواب : من عدة وجوه منها :
الوجه الاول : لقد تصور السائل ان ذكر لفظ ( الشباب ) لغو بسبب توهمه ان المقصود باهل الجنة هم جميع الناس والناس كلهم شباب فقال : لماذا لم يقل النبي صلى الله عليه واله ( سيدا اهل الجنة ) اذا كان يقصد التفضيل على الجميع وليس على خصوص من مات شابا ، فحيث ان النبي ( صلى الله عليه واله ) سيد البلغاء فلابد من حمل كلامه على انهما ( عليهما السلام) سيدا من كان شابا حال وفاته – مثلا- صونا لكلامه عن اللغوية .
وقد غاب عن المستشكل ان عنوان اهل الجنة لا يختص بالناس كما ان الناس ايضا ليسوا جميعا في الجنة شبابا بل بعضهم أطفال بحسب روايات القوم
ففي حديث سمرة بن جندب ، قال :
( كانَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – مِمَّا يُكثِرُ أن يَقُولَ لِأَصحَابِهِ : هَل رَأَى أَحَدٌ مِنكُم مِن رُؤيَا ؟ قالَ : فَيَقُصُّ عَلَيه مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ .
وَإِنَّه قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ : إِنَّه أَتَانِي الليلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهما ابتَعَثَانِي ، وَإِنَّهُما قَالَا لِي انطَلِق ، وَإِنِّي انطَلَقتُ مَعَهُمَا . . .( فذكر أشياء رآها ثم قال ) فانطَلَقنَا ، فَأتَينَا عَلَى رَوضَةٍ مُعتَمَّةٍ ، فِيهَا مِن كُلِّ لَونِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ لَا أَكادُ أَرَى رَأسَهُ طُولًا فِي السَّماءِ ، وإِذَا حَولَ الرَّجُلِ مِن أَكثَرِ وِلدَانٍ رَأيتُهم قَطُّ ، . . . ( ثم كان مما عبره له الملكان ) :
وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الذي فِي الرَّوضَةِ فَإِنَّه إبراهيمُ ، وَأَمَّا الوِلدَانُ الذِينَ حَولَه فَكُلُّ مَولُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ ، فَقَالَ بَعضُ المُسلِمِين : يَا رَسُولَ اللهِ ! وَأَوْلَادُ المُشْرِكِين ؟ فَقَالَ : وَأَوْلَادُ المُشرِكِين ) رواه البخاري (7047)
والتعبير بالاولاد وان كان يطلق على الشيوخ ايضا الا ان ظاهر الرواية بقرينة السؤال عن اولاد المشركين من كان دون التكليف سنا لوضوح حكم البالغ من الكفار .
عن ابن مسعود قال :
” أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت ، فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ” انتهى.
و عن أبي حسان قال : قلتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : إنَّه قَدْ مَاتَ لِي ابنانِ ، فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللهِ بِحَدِيْثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا ؟
قالَ : نَعَمْ ، صِغَارُهُم دَعَامِيْصُ الجَنَّةِ ، يَتَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ – أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ – فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ ، – أَوْ قَالَ بِيَدِهِ – كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنَفَةِ ثَوْبِكَ هذا ، فَلَا يَتَنَاهَى حتى يُدخِلَه اللهُ وَأَبَاهُ الجَنَّةَ .
رواه مسلم (2635)
يقول ابن الأثير : ” الدعاميص : جمع دعموص ، وهي دويبة تكون في مستنقع الماء . والدعموص أيضا : الدخال في الأمور : أي أنهم سيَّاحون في الجنة ، دخَّالون في منازلها ، لا يمنعون من موضع ، كما أن الصبيان في الدنيا لا يمنعون من الدخول على الحُرَم ، ولا يُحجب منهم أحد ” انتهى. “النهاية” (2/279)
نعم روى القوم عن أبي سعيد الخدري وفي أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : ( مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ بَنِي ثَلاَثِينَ فِي الجَنَّةِ لاَ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ ) ولكن هذا الحديث ضعيف فقد رواه الترمذي (2562) وضعفه بقوله : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين – وهو ابن سعد -. قال ابن معين : ليس بشيء. وقال النسائي: متروك.
وقد نص القوم ومنهم ابن القيم على من الصحابة والتابعين ، ذهبوا إلى أن من مات من أطفال المسلمين قبل بلوغ سن الحلم ، يكونون خدم أهل الجنة ، يطوفون عليهم بالشراب والطعام والنعيم ، وأولئك هم المذكورون في قوله تعالى : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ . بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) الواقعة/17-18 ، وقوله سبحانه : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ) الطور/24، وقوله عز وجل : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) الإنسان/19
ومن الذين ذهبوا الى ذلك الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والحسن البصري.
فإذا اتضح ان اهل الجنة ينقسمون الى قسمين :
القسم الاول : الشباب وهم كل من مات فوق سن الطفولة ويشكل جميع الأنبياء والأولياء والصالحين .
والقسم الثاني : الأطفال . سوف يتضح لنا ان ذكر الشباب ليس لغوا لان النبي ( صلى الله عليه واله ) أراد ان يبين أفضلية الحسنين على جميع من كان من القسم الاول فجاء اللفظ للتمييز .
فان قلت : لماذا ادخل ( صلى الله عليه واله) القسم الاول في المفاضلة فقط ولم يدخل القسمين .
قلت : هذا من بلاغته ( صلى الله عليه واله ) فان الاكتفاء بعبارة ( سيدا اهل الجنة ) يفيد الشمول للقسم الاول بالاطلاق ، بينما دلالة ( سيدا شباب اهل للجنة ) تفيد الافضلية بالتنصيص و هذا انجع واقوى في رد التشكيك عن دلالة الحديث خصوصا وانه لا يتوهم حتى الجاهل افضلية احد من القسم الثاني على الحسنين ( عليهمت السلام) اذ من سيقول بان طفل من المسلمين افضل منهما ! ولهذا اخرج النبي ( صلى الله عليه واله ) القسم الثاني من المفاضلة .
الوجه الثاني : لا يمكن حمل الحديث على أفضلية الحسنين على من مات شابا فقط ولا يشمل الشيوخ ، بحجة انهما (عليهما السلام) ماتا في سن الشباب ، لان الواقع التاريخي يكذب هذا المعنى فان الحسين (عليه السلام ) استشهد بعد ان تجاوز سن الشباب واصبح كهلا بل شيخنا فقد استشهد في السنة ٦١ وعمره قرابة ٥٧ ولا شك في ان من كان في هذا السن فقد تجاوز مرحلة الشباب .
قال ابن الأَثير الكَهْلُ من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إِلى الأَربعين وقيل هو من ثلاث وثلاثين إِلى تمام الخمسين وقد اكْتَهَلَ الرجلُ وكاهَلَ إِذا بلغ الكُهولة فصار كَهْلاً .
وقال الزبيدي في تاج العروس:قال الأزهري : وقيل له كهل حينئذ لانتهاء شبابه وكمال قوته .
وقال ابن منظور في مادة شيخ:الشيْخُ الذي استبانتْ فيه السن وظهر عليه الشيبُ وقيل هو شَيْخٌ من خمسين إِلى آخره وقيل هو من إِحدى وخمسين إِلى آخر عمره وقيل هو من الخمسين إِلى الثمانين والجمع أَشياخ وشِيخانٌ وشُيوخٌ وشِيَخَة وشِيخةٌ ومَشْيَخٍة ومَِشِيخة ومَشْيُوخاء ومَشايِخُ وأَنكره ابن دريد وفي الحديث ذكر شِيخانِ قريش جمع شَيْخ كضَيْف وضِيفانٍ والأُنثى شَيْخَة .
فهو (عليه السلام) ممن استشهد شيخا او كهلا ثم يبعث شابا ، فلا معنى للقول بان النبي ( صلى الله عليه واله) ذكره مع أخيه لبيان انهما افضل من مات شابا ، فالحديث ناظر الى حال الجنة لا حال الوفاة ، وفي الجنة كل من تجاوز سن الطفولة حال وفاته يبعث شابا والحسنان سيداه.
واللطيف ان القوم نقلوا ان بعض الأنبياء توفي وسنه دون سن الامام الحسين (عليه السلام) احال الشهادة او موافق له ، فقد نقل ابن كثير في ج ٢ ص ٣٩ ان ابن جرير قال في نبي الله سليمان ( عليه السلام) كان جميع عمر سليمان بن داوود نيفا وخمسين سنه ، و نقل عن الزهري وغيره انه عاش ثنتين وخمسين سنة، فإذا كان الملحوظ في الحديث من مات متقاربا في السن مع الحسنين (عليهما السلام ) لا من كان شابا في الجنة ، فهو يثبت أفضلية الحسنين على نبي الله سليمان ( عليه السلام) وبذلك يدل على افضليتهما على جميع الامة شبابا وكهولا وشيوخا الا ما قام الدليل على استثنائه كالنبي الاكرم( صلى الله عليه واله) وذلك لان العامة يقولون بافضلية الانبياء جميعا على جميع الامة بما فيهم من تقدم على الامام علي (عليه السلام) فيكون الافضل من بعض الانبياء افضل من جميع الامة ، وهذا المقدار يكفي لاثبات عقيدة الشيعة بعدم أهلية من تقدم على اهل البيت (عليهم السلام) .
كتبه بيده الداثرة : حيدر بن الحاج عبد الله السندي عاملهما الله بعفوه من جوار العتبة الحسنية المقدسة على مشرفها آلاف الصلوات .
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً