أسئلة معرفية
المجيب : الشيخ حيدر السندي
١- الفرق بين العقوبة والبلاء
٢- معنى (لايكون شئ .. إلا …. بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل ).
٣- قيمة الأسلوب العقلي.
◀السؤال الأول : ما الفرق بين العقوبة والإبتلاء؟ وكيف يُعْرف ان مصيبة معينة هي عقوبة او بلاء ترفع الدرجات ؟
الجواب :
العقوبة : أمر مكروه بداعي الحط والوهن والتحقير مجازاة على عمل سيّء ، وهو قد يكون لمصلحة نظامية كالتزام العبد بالقانون في مستقبل عمره ، وقد يكون أمثالا بالوعد كما في عقاب الله للمجرمين يوم القيامة لوعد الله النار أو المؤمنين بعقابهم ليحصل لهم التشفي من الظالمين لتعديهم على حق خالقهم أو حقهم .
وأما الابتلاء : فهو ما يكون بداعي اختبار العبد وتقريبه من الله ، وهو قد يكون أمرا مكروها كالمرض والالم والفقر و فقد الأحباب وقد يكون أمرا محبوبا كالسلامة و الغنى و كثرة الأولاد والسلطة والجاه والعلم ، قال تعالى :
قال تعالى : ( فأما الإنسان اذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ، وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقته فيقول ربي أهانن).
والعبد تارة معصوم وتارة غير معصوم ، والمعصوم اذا نزل به مكرره يعلم لمكان عصمته أنه ليس عقابا لقبح معاقبة غير المستحق للعقاب والله لا يصدر منه القبيح ، وغير المعصوم الذي ارتكب بعض الذنوب حيث يجوز عقابه ويحسن ابتلاؤه ، فلا يسعه التمييز إلا بإخبار من الله أو ممن علمه الله تعالى .
◀السؤال الثاني : عن أبي عبدالله عليه السلام انه قال: لايكون شئ في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع: بمشيئة وإرادة وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل .. ) اصول الكافي.
في أي هذه الخصال يؤثر الدعاء والصدقة ؟
الجواب :
في البداية أذكر مقدمة وبعدها أختصر الإجابة .
أما المقدمة فهي في تحليل معنى الحديث الشريف ، و في معناه يحتمل عدة احتمالات منها أنه :
لا يقع شيء في عالم الوجود الامكاني الا بسبق علم من الله تعالى ، وعلم الله له مرتبتان :
١- الذات ، وهو قديم أزلي .
٢- الفعل وهو ما أظهره الله تعالى لخلقه في اللوح وغيره وهو كتاب فيه التقديرات ومنها الاجل والوقت المضروب للحوادث الزمانية .
وبعض ما علمه الله تعالى أزلا استأثر به لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، وما أطلع عليه الخلق يتفاوت في معرفته الخلق كما وكيفا .
و علم الله بكيفية وقوع الفعل وحتمية وقوعه قبل وقوعه تقدير وقضاء وحتم في مرتبة العلم الذاتي ويطلق عليهما الفلاسفة( التقدير والقضاء الذاتيان) ، وهما سابقان على الفعل ، و بهذا العلم الذي يحيط الباري تعالى به بموافقة الفعل للنظام الأكمل يتحقق الفعل خارجا مطابقا في تقديره وهندسته و صفاته وعلله وأسبابه لعلم الله تعالى ، وتحققه مسبوق بايجاب وجوده بالذات المقدسة التي أمرها اذا أرادت شيئا أن تقول له كن فيكون ، وبهذا يتحقق التقدير و القضاء والحتم في رتبة فعل الله تعالى ، وهذا هو التقدير والقضاء الفعلي .
وحيث أن من تقدير الشيء اسبابه الخاصة وقد أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها ، فوجود للاسباب إذن تكويني لتحقق الفعل .
و قد وقع خلاف بين علماء الكلام وبين الفلاسفة – أيضا – في تحديد إرادة الله التي هي نفس المشيئة مع اختلاف اللحاظ – فإن نسبة الفعل الى الفاعل يعبر عنها بالارادة وإلى الفعل يعبر عنها بالمشيئة – فلابد من ملاحظة المباني في تفسير توقف الفعل على المشيئة والارادة ، فعلى القول بقدمها بمعنى حب الذات او العلم بالنظام الأكمل فتوقف الموجود عليها بمعنى توقفه على ذات العلة لذاتية الحب والعلم ، واذا كانت بمعنى اعمال القدرة أو هجمة الذات فمنتزعة من الإيجاد اذ لا يوجد الا الله وفعله المجعول بالذات اذ اثر الجعل وجود ارتبط ، والقدرة عين الذات ، و هي بتعلقها توجد الفعل فينتزع منه الارادة ، و على القول بأن الإرادة صفة فعلية منتزعة من تحقق الفعل فمعنى توقف الفعل عليها كذلك ، فإن تحقق الفعل لا يكون إلا بايجاد فاعل يصدر منه الفعل ، والإيجاد بحسب التحليل مقدم على الوجود فقد قال الفلاسفة الماهية تقررت فامكنت فاحتاجت فاوجبت فوجبت فأوجدت فانوجدت .
فان تقرر الماهية وايجابها بيان للتقدير والقضاء العلميين ، و إيجادها هو ما ينتزع منه الإرادة وفق هذا التحليل .
وأما اذا بنينا على ما يلوح من كلمات بعض الاعلام من أن للمشيئة وجود مستقل سابق على الخلق به وجد الخلق يختلف عن الإرادة ، فلابد من القول بأن المقصود بالإرادة ما ينتزع من ايجاد الفعل والمشيئة ما يتحقق به الإيجاد والوجود.
وأما الجواب : فإن بعض ما يعلمه الله تعالى حتمي من جميع الجهات و يوافق النظام الأكمل مطلقا ، وهو ما لا يقع فيه البداء والتغيير والتبديل ومثله لا دافع لقضائه وحتميه تعالى فيه ، وبعضها موقوف و موافقته تختلف باختلاف الأسباب والمقتضيات والشروط و الموانع ، ومثل هذه التقديرات قد يكون من شروط وموانع حتمها وقضائها فعل العبد ، كطول عمر العبد الذي تؤثر فيه صلة الرحم والصدقة والدعاء ، فإن الله يعلم بأن الموافق للنظام الأكمل أن يعيش مثلا٥٠ سنة بدون صلة الرحم والدعاء والصدقة أو يعيش ٧٠ معها أو مع بعضها ، وهذا تقدير وقضاء علمي ، قد يُطلع الله عليه خلقه في اللوح وغيره ، فيكون كتابا ،فان لم يفعل العبد أحدها تعمل اسباب وعوامل الهلاك في سن ٥٠ والا لم تعمل ومُد عمر العبد إلى السبعين لأسباب تقتضيه ، فيتحقق التقدير والقضاء الفعليين بالأذن التكويني وهو الأسباب الخاصة ذات الأثر الخاص ، ويتحقق الفعل كذلك بارادة ومشيئة.
فالصدقة توجب تغير التقدير لتغير موافقة الفعل للنظام الأكمل الذي يفعل الله على وفقه لعلمه به أزلا ، وحيث ان القضاء يتعلق بالتقدير فيتغير بذلك القضاء ولان علم الله تعالى يتعلق بالاشياء على ما هي عليه فيكون علمه تعالى الأزلي هو ما تحقق من بلوغ العبد ٧٠ او عدم بلوغ وفقا لفعله المقتضي لذلك وهو ما تتعلق به الارادة او تنتزع منه الارادة او تفعل فيه المشيئة .
◀السؤال الثالث : هناك من يدعي أن طريق المعرفة ينحصر في الملاحظة والتجربة ، وأن القضايا التي يعتمد عليها المسلمون في اثبات وجود الله لا قيمة لها فكيف نناقش هؤلاء ؟
الجواب :
لقد تعرض العلامة الطباطبائي ( رحمه الله ) في أصول الفلسفة وتلميذه النبيه المبدع الشهيد المطهري ( رحمه الله ) في تعليقته على أصول الفلسفة ، والمفكر الاسلامي الشهيد الصدر ( رحمه الله ) في فلسفتنا للرد على هذه الدعوى ، وما نذكره هنا هو تلخيص لبعض ما علق في الذهن من كلامهم شكر الله سعيهم .
يلاحظ على كلامهم عدة ملاحظات :
١- إن الحس الذي تعتمد عليه التجربة يتوقف في قيمته المعرفية على مطابقته للواقع ، وأن ما يظهر لنا في جهازنا الإدراكي مطابق لما في الخارج ، وليس كانكسار القلم في الماء الذي يبدو في الحس وليس كذلك في الواقع أو اتصال السماء بالأرض أو تشابك حديدتي سكة القطار في نهاية البصر وغيرها من أخطاء الحس ، وهل هذه المطابقة أمر حسي ندركه بالحواس كما ندرك الألوان والروائح والطعوم !
٢- هناك تصورات لها وجود في ادراكاتنا الحسية ولا تحقق لها في عالم المحسوسات مثل مفهوم العلة و الاستحالة ، فكيف توصلنا اليها اذا حصرنا الإدراك التصوري بالحس.
٣- هناك تصديقات سابقة على التجربة مثل قيمة التجربة و استحالة التناقض ومصادرات حساب الاحتمال ، بل واصل العلية ولولا هذه الاصول لم تنتج التجربة ، فيستحيل ان تكون حاصلة بالتجربة .
إذن حصر طريق المعرفة في التجربة ، والغاء قيمة المنهج العقلي ، يلزم منه انهيار المعارف البشرية ، وسقوط التجربة نفسها .
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً