بسم الله الرحمن الرحيم
{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}
عرفت المنطقة عبر تاريخها علماءاً أفذاذاً من أبنائها، أثروا ثقافتها، وحافظوا على هويتها العقائدية المرتبطة بخط أهل البيت (عليهم السلام).
فطبقات العلماء تشكل سلسلة مترابطة يتلقى اللاحق منهم من السابق بيد، وطبقة بعد طبقة إلى أن تنتهي إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ثم رسول هذه الأمة خير البشر المبلغ عن الله جل وعلا محمد (صلى الله عليه وآله).
وكان شيخنا الفقيد واحداً من ابرز هؤلاء العلماء فهو حلقة الوصل بين جيل العلماء الذين سبقوه والجيل الذي جاء من بعده، مسهماً إسهاماً فعالاً في استمرار الخط العلمي واتصاله يتمثل ذلك في هذا اللفيف من فضلاء الطلبة الذين تتلمذوا عليه والذين من المؤمل أن يبلغوا المراتب العلمية العالية، ويواصلوا المسيرة على خطى الرسول والخلفاء من بعده (عليهم الصلاة والسلام).
وإن كان ثمة شيء يمكن قوله في هذه العجالة عن شخصية شيخنا الفقيد فإنه يمكن تلخصيه فيما يلي:
1ـ أنه وهب نفسه للعلم، وكرس وقته وجهده في سبيل نشره.
2ـ كان يأمر بالتفقه في الدين، ودائماً يردد قول الإمام الصادق (عليه السلام) (لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا).
3ـ كان دائم الخشوع، كثير التأمل، دائب الفكر، تراه مشغولاً لكن بذكر الله، وثيق الارتباط بمحمد وأهل بيته، غزير الدمعة، دائم اللوعة على مصائبهم (عليهم السلام).
4ـ كان متواضعاً للناس، مواسياً لهم في أفراحهم وأحزانهم، والشواهد على ذلك لا تحصى.
5ـ كان (قدس سره) لا يتردد في فعل كل ما من شأنه حفظ مصلحة هذه الطائفة، وقد صرف من عمره الكثير في هذا الشأن.
أما ما يخص الحديث عن القضاء فبعد أن عرض عليه بعد وفاة المرحوم العلامة الحجة الشيخ باقر بوخمسين (رحمه الله) هذا المنصب كان متردداً جداً فيه، قلقاً بشأنه، وكان سبب ذلك شعوره بخطورة هذا المنصب، وشدة حساسيته، وكان يبدي (قدس سره) ذلك لبعض تلامذته ولم يقبل به لولا تعينه عليه.
شغل هذا المنصب عام 1413هـ ولم تكن تأخذه في الله لومة لائم أو قرابة إذا شخص الحق مع فراسة ودقة نظر منقطعة النظير في جميع القضايا التي كانت تعرض عليه.
ومما يضاف إلى رصيده (قدس سره) أنه بعد استلامه القضاء لم يترك دروسه التي كانت يلقيها على تلامذته فبالرغم من جسامة المهمة وثقل المسؤولية التي كان يضطلع بها إلا أنه بقي مواصلاً إلقاء هذه الدروس، لم يشغله عن ذلك ولم يكن يتأخر عن إلقائها إلا لمرض أو حالة اضطرارية.
كان وجود الشيخ في أوساطنا يشعرنا بالأمان والطمأنينة ولعل هذا راجع إلى الإحساس بوجود مستند علمي وعقائدي في شخصه، يسهم في تعزيز شعورنا بالأمان على مستقبل المذهب والعقيدة، فكان وجوده يشكل دعماً معنوياً لنا وللطائفة عموماً، لذلك كان وقع نبأ وفاة الفقيد علينا مؤلماً بالغ الحزن، شديد الأسى، فرحيله عنا هد أركاننا، وصدع قلوبنا، وستظل مرارة فقده في نفوسنا لا تزول.
كيف لا وهو أستاذنا الأعظم، وعمادنا الأفخم، فرحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته ومتعه بصحبة محمد وأهل بيته (عليهم صلوات الله وسلامه).
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً