بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على المصطفى وآله المعصومين…
في دعاء الإمام الحسين في يوم عرفة، بعد أن ذكر الإقرار بالربوبية، فقال: «وَأشهدُ بالربوبية لك مُقراً بأنَّك ربِّي وأنّ إليك مَرَدِّي»؛ ذكر أول نعمة شُكِرَ الله عليها، وهي نعمة الإسلام، قال: «فلم أزل ضاعناً مِنْ صُلْبً إلى رحم، في تقادُمٍ من الأيام الماضية، والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك لي، ولطفك لي، وإحسانك إلي َّفي دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك، وكَذَّبوا رسلك، ولكنَّك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي يسرتني، وفيه أنشأتني».
وظاهر هذه الكلمات النورية الشريفة؛ أنَّ أعظم نعمةٍ تستحقُّ أن ينوَّه بها المؤمن هي أنه وُلِد في بيئة الإسلام بعد الإقرار لله بالربوبية، فخير النعم بعد نعمة الهداية للإقرار بالخالق نعمة الولادة في بيئة الإسلام.
وبما أنَّ الإسلام المحمديَّ متقوِّمٌ بولاء آل محمد ، فأعظم النعم بعد الإقرار بالربوبية الولادة في بيت الولاية، أو الالتحاق به بعد حين. صحيحٌ أنَّ هذه النعمة لم يصل إليها الإنسان باختياره في عالم الدنيا، ولكنَّ هذا لا يلغي كونها نعمة، كما لو ولد الإنسان سليم الجسد، أو ولد الإنسان ذكيًا، أو ولد وفيه الطباع الحسنة، فإنَّ هذه نعمة وإن لم يصل إليها باختياره، فكذلك من النعم: أن يولد من أبوين مؤمنين مواليين لمحمد وآله «صلوات الله عليهم اجمعين»، وكذلك من دخل دوحة الولاية الناضرة.
إن نعمة بيئة الولاية لها آثار عظيمة على الإنسان قد لا يلتفت الإنسان لأهميتها في حياته:
الأثر الأول:
إنّ كون الإنسان موالياً سببٌ من أسباب التوفيق للتوبة، فالإنسان قد يعصي ربه، وقد يسرف في المعاصي، وقد يطغى، ولكن هناك فرصة لن تفوته قال عنها الله تعالى: ﴿يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لٰا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ، إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾[1] .
ورحمة الله التي تدركه وتكون سبباً لتوبته؛ هي أنه من الموالين، فالولاء سبب للتوبة، أي أن يموت الإنسان وهو تائب، وهذا ما يستفاد من بعض الأحاديث الشريفة، فقد روى الثعلبي في تفسيره عن النبي أنه قال: ”ألا مَن ماتَ على حُبّ آل محمّد مات شهيداً، ألا ومَن ماتَ على حُبّ آل محمّد مات مغفوراً له، ألا ومَن ماتَ على حُبّ آل محمّد مات تائباً، ألا ومَن ماتَ على حُبّ آل محمّد مات مُؤمناً مستكمل الإيمان“[2] .
فهذه من آثار: أن يولد الإنسان وهو على الولاية، أو من آثار بيئة الولاية.
الأثر الثاني:
أن يحشر الإنسان مع النجوم التي تحدث عنها القرآن في قوله: ﴿فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾[3] .
وأيُّ نعمة أعظم من أن يحشر الإنسان مع آل محمد ، وأن يكون ضمنهم في البعث والنشر والحشر، وهذا هو مقتضى ما كان بينه وبينهم من المودة، فهو ببركة هذه النعمة صار مصداقاً للآية الشريفة: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾[4] .
وهو ببركة هذه النعمة صار مصداقاً للحديث الشريف: ”مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق“[5] .
وأيُ نجاة اعظم من ان يحشر في زمرتهم؟!
وببركة هذه النعمة يندرج المؤمن في ظلال الحديث الشريف: ”شيعتنا منّا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا“[6] .
فعندما ينظر الباري عباده، فيرى قلب الموالي حزيناً كحزن آل محمَّدٍ، فرحاً كفرح آل محمَّدٍ، فسوف يصطفي هذا القلب ويؤهله ليوم آخر، وتكون هذه الصلة الدنيوية مفتاحاً لصلة أخروية، وهي الحشر في زمرة الطاهرين .
الأثر الثالث:
من آثار هذه النعمة العظيمة التوفيق لقراءة تراثهم، فإنَّ الفرق الإسلامية الأخرى حرمت نفسها من هذا التراث في المناسبات المتجددة، بينما الإمامية ترتع في رياض التراث الروحي لأهل البيت ، فعندما يبزغ شهر رمضان يحظى المؤمن بقراءة دعاء أبي حمزة، وعندما تأتي ليلة الجمعة يحفل المؤمن بقراءة دعاء كميل، وفي يوم عرفة يحفل المؤمن بقراءة دعاء الإمام الحسين …
فإنَّ هذا التراث من النعم التي اختص بها الموالي الإمامي، حيث إنه يبادر لقراءة هذا التراث العظيم الذي يوقظه من سباته، ويعرفه بمعتقداته ويرسخها في قلبه، وينبهه إلى ذنوبه ومعاصيه وسوء أخلاقه.
فأي تذكرة أعظم من تذكرة تصدر من آل محمد «صلوات الله عليهم أجمعين»؟! فكلُّ هذه الآثار والبركات يجدها الموالي، وقد ولا يجدها غيره، فلذلك إن نعمة الولاء والولادة في بيت الولاء ومهد الولاء تستحق الشكر الجزيل من الله تعالى، قال تعالى ﴿ولَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾[7] .
وفي الحديث الشريف: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْب، ٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَال: َ ”يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ أُعْطِيَ ثَلَاثاً لَمْ يُحْرَمْ ثَلَاثاً، مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ أُعْطِيَ الْإِجَابَة، َ وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ أُعْطِيَ الزِّيَادَةَ، وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوَكُّلَ أُعْطِيَ الْكِفَايَةَ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: ﴿وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ﴾، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ﴾، وَقَال: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ﴾“[8] .
والشكر على نعمة الولاية خصوصاً بالنسبة للمؤمنين، والشباب المثقفين، ولخصوص طلبة العلم؛ يتمثل بالدفاع عن الولاية ومبادئها، فمن يملك طاقة عقلية، أو يملك طاقة قلمية، أو يملك طاقة خطابية، أو أدبية، فإن تجسيده لشكر الله على نعمة الولاية أن يصرف جزءاً منها للدفاع عن مبادئ أهل البيت وقيمهم، فإنَّ هذا من أعظم مظاهر الشكر على النعمة، فمن العقل والحصافة والفطنة أن يتنبه الإنسان إلى أنه في نعمة الولاية، ومقتضى نعمة الولاية أن يصرف النفيس من وقته، وطاقته، وفكره، في: أصولها، وبراهينها.
نسأل الله أن يجعلنا معهم، وأن يوفقنا لخدمتهم، والانتفاع بعلومهم، والاستفادة من تراثهم.
والحمد لله رب العالمين،،،
اترك تعليقاً