يتكرر هذا السؤال كثيراً في الأوساط المؤمنة بوجود إله خالق للكون خصوصاً في ظل الشبهات التي يثيرها الملاحدة ، وينطلق السؤال من خلفية أن كل موجود يحتاج إلى موجد ، وحيث أن إله الكون الذي يعتقد الإلهي بوجوده موجود ، فهو كغيره من الموجودات يحتاج إلى موجد ، فمن الذي أوجده ؟
وقد أستبشر التيار الملحد كثيراً بهذا السؤال ، وطار به فرحاً ، لأنه يعتقد أن هذا السؤال هو الضربة القاضية التي سوف تجهز على التيار الإلهي ، وفعلاً كان لهذا التيار ما أراد ، ولكن في حدود ضيقة جداً ، وهي حدود الجهل وعدم الإحاطة الدقيقة بالقواعد العقلية القطعية المتحكمة في نتيجة هذه المسألة ، فقد تأثر سلباً بهذا السؤال بعض السذج والبسطاء ، و كان ذلك التأثر سبباً لتولد الشك في قلوبهم حول وجود الإله ، ثم تطور الشك في بعضهم إلى إنكار الإله وهو ما يسمى بالإلحاد الموجب.
في هذا المقال سوف نحاول الإجابة على هذا السؤال بالكشف عن الخطأ المنهجي والفلسفي الذي أنطلق منه المنتج الأول له ، وغفل عنه كل من تأثر وانساق وراء الشك ثم الجحود ، وسوف يكون حديثنا في عدة أمور مترتبة:
الأمر الأول : السؤال الذي يطرحه المستشكل بقوله : (من خلق الله؟) ينطلق من المقدمة القائلة ( كل موجود يحتاج إلى موجد) ، و حيث أن الله تعالى موجود ، و كل موجود يحتاج إلى موجد ، فمن الذي أوجده ؟
وعليه إذا أردنا أن نعرف هل السؤال صحيح في نفسه وله وجه ، فلا بد وأن نقيم المقدمة التي أنطلق منها السائل وهي (كل موجود يحتاج إلى موجد) فهل هذه المقدمة صحيحة أم لا ؟
الأمر الثاني : هذه المقدمة تتحدث عن سبب علة الحاجة إلى العلة ، وتفترض أن الوجود هو السبب ، فكون الحقيقة ذات وجود وتتصف بالتحقق هو سبب أنها محتاجة إلى العلة ، وهذا ما رفضه الفلاسفة المتعمقون بشدة ، وأقاموا على ذلك أدلة مختلفة منها :
1ـ إنّ اعتبار الوجود ملاكاً وسرّاً للاحتياج المعلول إلى العلّة يلزم منه ارتفاع الاحتياج عند ارتفاع الوجود، وهذا اللازم باطل؛ لأنّنا ندرك بالضرورة احتياج المعلول إلى العلّة في وجوده وعدمه. ويمكن أن نقرب ذلك بترجح أحدى كفتي الميزان على الأخرى ، فإن أصل الترجح لا يمكن أن يتحقق إلا بعلة وسبب وهو الثقل الذي يوضع فيها ، كما أن بقاء الترجح يحتاج إلى علة وهي بقاء الثقل في الكفة ، وكما أن الترجح يحتاج إلى علة وهي وجود الثقل كذلك عدم الترجح وبقاء كفتي الميزان متساويتين يحتاج إلى علة ، وهو عدم وجود الثقل.
2ـ إنّ وجود المعلول متأخّر رتبةً عن إيجاده، يقال: أوجد فوجد، والإيجاد متأخّر عن الارتباط بالعلّة، إذ ما لم يرتبط المعلول بعلّته لا يتحقّق إيجاده، والارتباط بالعلّة متأخّر رتبةً عن سرّ الارتباط وسببه (سبب الاحتياج إلى العلة المصحح لإيجاد العلة)، وعلى هذا فالوجود متأخّر عن سرّ الارتباط، فإذا كان سرّ الارتباط هو الوجود لزم تأخّر الوجود رتبةً عن نفسه بمراحل، وهو محال.
وبهذا يتضح أن المقدمة التي أنطلق منها السائل غير صحيحة في نفسها ، وعليه لا يمكن أن يقال : (لأن الله موجود فهو بحاجة إلى علة فما هي علته ؟) لأن الوجود ليس سبب الحاجة إلى العلة ، فالسؤال في نفسه غير صحيح علمياً لأنه مبني على افتراض فاسد .
قال الشهيد الصدر رحمه الله: هي النظرية القائلة: إنّ الوجود يحتاج إلى علّة لأجل وجوده، وهذه الحاجة ذاتية للوجود، فلا يمكن أن نتصوّر وجوداً متحرّراً من هذه الحاجة؛ لأنّ سبب الافتقار إلى العلّة سرّ كَمُن في صميمه، ويترتّب على ذلك أنّ كلّ وجود معلول. وقد أخذ بهذه النظرية بعض فلاسفة الماركسية مستندين في تبريرها علمياً إلى التجارب التي دلّت في مختلف ميادين الكون على أنّ الوجود بشتّى ألوانه وأشكاله التي تكشف عنها التجربة لا يتجرد عن سببه ولا يستغني عن العلّة. فالعلية ناموس عامّ للوجود بحكم التجربة العلمية، وافتراض وجود من غير علّة مناقض لهذا الناموس، ولأجل ذلك كان ضرباً من الاعتقاد بالصدفة التي لا متّسع لها في نظام الكون العام. وقد حاولوا عن هذا الطريق أن يتّهموا الفلسفة الإلهية بأنّها تؤمن بالصدفة نظراً إلى اعتقادها بوجود مبدأ أوّل لم ينشأ من سبب ولم تتقدّمه علّه. (فلسفتنا: ص ٢٧٢).
ثمّ ناقش الشهيد ـ رحمه الله ـ هذه النظرية تارة من خلال تحديد المنهج الذي على ضوئه تتمّ معالجة مثل هذه المسائل الخارجة عن نطاق التجربة؛ وتارة من خلال بيان خروج الواجب تخصّصاً عن هذا البحث بناءً على الرأي الدقيق ، الذي سوف أبينه إن شاء الله .
الأمر الثالث : الفلاسفة والمتكلمون بعد أن استبعدوا أن يكون علة الحاجة إلى العلة (الوجود) اختلفوا في مقام تحديد السبب الحقيقي الذي يجعل الموجود محتاجاً إلى علة فذكروا نظريات أشهرها النظريات التالية:
النظرية الأولى : ترى أنّ سرّ الاحتياج إلى العلّة (الحدوث) ، فكون الموجود لم يكن ثم كان هو سبب احتياجه إلى العلة ، وذهب إلى هذه النظرية جمع من المتكلمين ، وفي مقدمتهم المعتزلة.
النظرية الثانية : ترى أنّ سرّ الاحتياج إلى العلّة (الإمكان) ، فلأن الموجود ممكن أي الوجود ليس ضرورياً له ، حقيقته لا يقتضي التحقق والثبوت ، وإنما الثبوت من غيره ، فهو محتاج إلى العلة.
وقد نوقشت النظرية الأولى بعدة مناقشات منها :
1ـ الحدوث كون وجود الشيء بعد عدمه، فهو صفة لوجود الماهية المتحقق، والماهية باعتبار تلبّسها بالوجود تكون ضرورية من باب الضرورة بشرط المحمول، والضرورة مناط الغنى.
2ـ الحدوث صفة للوجود الخاصّ، فهو مسبوق بوجود المعلول لتقدّم الموصوف على الصفة، ووجود المعلول مسبوق بإيجاد العلّة، وإيجاد العلّة مسبوق بوجوب المعلول، ووجوب المعلول مسبوق بإيجاب العلّة، وإيجاب العلّة مسبوق بحاجة المعلول، وحاجة المعلول مسبوقة بإمكانه، إذ لو لم يكن ممكناً لكان ضروري الوجود أو العدم، والضرورة مناط الغنى .
وللفلاسفة عبارة مشهورة وعد عندهم آية من الآيات الفلسفية ، وهي :(الماهية تقرّرت فأمكنت، فاحتاجت فأوجبت، فوجبت فأوجدت، فوجدت فحدثت. فلو كان الحدوث ملاك الاحتياج إلى الجعل لكان متقدّماً على نفسه بمراتب، وهذا محال).
وقد كان الحكماء قبل الفيلسوف الإسلامي الملا صدرا ـ رحمه الله ـ يعتقدون بأنّ ملاك الاحتياج إلى العلة (الإمكان الذاتي)، بمعنى أنّ ماهية الممكن لمّا كانت في ذاتها متساوية النسبة إلى الوجود والعدم احتاجت في رجحان أيٍّ منهما إلى مرجّح، وهذا المعنى ـ كما هو واضح ـ يلائم القول بـ (أصالة الماهية).
ولكن وبعد أن أثبت الملا ـ رحمه الله ـ أصالة الوجود كان من المناسب البحث عن ملاك الاحتياج في نفس وجود المعلول، وكانت النتيجة باهرة حيث ذكر ـ رحمه الله ـ أنّ ملاك الاحتياج إلى العلة (الإمكان الوجودي) الذي يعني أنّ وجود المعلول عين الربط والتعلّق بوجود العلّة.
قال رحمه الله: فالحاصل أن لا شكّ في احتياج المحدّث إلى السبب، وذلك الاحتياج إمّا لإمكانه أو لحدوثه بوجه، لأنّا لو قدّرنا ارتفاعهما بقي الشيء واجباً قديماً، وهذا الشيء لا يكون محتاجاً إلى السبب، فإذا ثبت أنّ هذه الحاجة إمّا للإمكان أو للحدوث وقد بطل أحدهما وهو الحدوث بقي الآخر، وهو كون الامكان محوجاً لا غير. أقول: والحقّ أنّ منشأ الحاجة إلى السبب لا هذا ولا ذاك، بل منشأها كون الشيء تعلقياً متقوّماً بغيره مرتبطاً إليه. (الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة: ج ٣ ص ٢٥٣.
فإذا ثبت أن سبب الحاجة إلى العلة ليس الوجود وإنما الحدوث أو الإمكان الماهوي أو الوجودي وهو يعني كون الموجود فقيراً محتاجاً إلى غيره ، فنفس أدلة وجود واجب قديم أزلي سرمدي غني مطلق مستقل تنفي وجود علة وسبب لذلك الموجود الواجب ، لأنها تنفي عنه الحدوث والإمكان والفقر ، وبعبارة أخرى : لأنها تنفي عنه علة الحاجة إلى العلة ، وبالتالي لا معنى للسؤال عن وجود علة وسبب لوجوده لأن مناط وجود العلة منتفي فيه
وقد أستبشر التيار الملحد كثيراً بهذا السؤال ، وطار به فرحاً ، لأنه يعتقد أن هذا السؤال هو الضربة القاضية التي سوف تجهز على التيار الإلهي ، وفعلاً كان لهذا التيار ما أراد ، ولكن في حدود ضيقة جداً ، وهي حدود الجهل وعدم الإحاطة الدقيقة بالقواعد العقلية القطعية المتحكمة في نتيجة هذه المسألة ، فقد تأثر سلباً بهذا السؤال بعض السذج والبسطاء ، و كان ذلك التأثر سبباً لتولد الشك في قلوبهم حول وجود الإله ، ثم تطور الشك في بعضهم إلى إنكار الإله وهو ما يسمى بالإلحاد الموجب.
في هذا المقال سوف نحاول الإجابة على هذا السؤال بالكشف عن الخطأ المنهجي والفلسفي الذي أنطلق منه المنتج الأول له ، وغفل عنه كل من تأثر وانساق وراء الشك ثم الجحود ، وسوف يكون حديثنا في عدة أمور مترتبة:
الأمر الأول : السؤال الذي يطرحه المستشكل بقوله : (من خلق الله؟) ينطلق من المقدمة القائلة ( كل موجود يحتاج إلى موجد) ، و حيث أن الله تعالى موجود ، و كل موجود يحتاج إلى موجد ، فمن الذي أوجده ؟
وعليه إذا أردنا أن نعرف هل السؤال صحيح في نفسه وله وجه ، فلا بد وأن نقيم المقدمة التي أنطلق منها السائل وهي (كل موجود يحتاج إلى موجد) فهل هذه المقدمة صحيحة أم لا ؟
الأمر الثاني : هذه المقدمة تتحدث عن سبب علة الحاجة إلى العلة ، وتفترض أن الوجود هو السبب ، فكون الحقيقة ذات وجود وتتصف بالتحقق هو سبب أنها محتاجة إلى العلة ، وهذا ما رفضه الفلاسفة المتعمقون بشدة ، وأقاموا على ذلك أدلة مختلفة منها :
1ـ إنّ اعتبار الوجود ملاكاً وسرّاً للاحتياج المعلول إلى العلّة يلزم منه ارتفاع الاحتياج عند ارتفاع الوجود، وهذا اللازم باطل؛ لأنّنا ندرك بالضرورة احتياج المعلول إلى العلّة في وجوده وعدمه. ويمكن أن نقرب ذلك بترجح أحدى كفتي الميزان على الأخرى ، فإن أصل الترجح لا يمكن أن يتحقق إلا بعلة وسبب وهو الثقل الذي يوضع فيها ، كما أن بقاء الترجح يحتاج إلى علة وهي بقاء الثقل في الكفة ، وكما أن الترجح يحتاج إلى علة وهي وجود الثقل كذلك عدم الترجح وبقاء كفتي الميزان متساويتين يحتاج إلى علة ، وهو عدم وجود الثقل.
2ـ إنّ وجود المعلول متأخّر رتبةً عن إيجاده، يقال: أوجد فوجد، والإيجاد متأخّر عن الارتباط بالعلّة، إذ ما لم يرتبط المعلول بعلّته لا يتحقّق إيجاده، والارتباط بالعلّة متأخّر رتبةً عن سرّ الارتباط وسببه (سبب الاحتياج إلى العلة المصحح لإيجاد العلة)، وعلى هذا فالوجود متأخّر عن سرّ الارتباط، فإذا كان سرّ الارتباط هو الوجود لزم تأخّر الوجود رتبةً عن نفسه بمراحل، وهو محال.
وبهذا يتضح أن المقدمة التي أنطلق منها السائل غير صحيحة في نفسها ، وعليه لا يمكن أن يقال : (لأن الله موجود فهو بحاجة إلى علة فما هي علته ؟) لأن الوجود ليس سبب الحاجة إلى العلة ، فالسؤال في نفسه غير صحيح علمياً لأنه مبني على افتراض فاسد .
قال الشهيد الصدر رحمه الله: هي النظرية القائلة: إنّ الوجود يحتاج إلى علّة لأجل وجوده، وهذه الحاجة ذاتية للوجود، فلا يمكن أن نتصوّر وجوداً متحرّراً من هذه الحاجة؛ لأنّ سبب الافتقار إلى العلّة سرّ كَمُن في صميمه، ويترتّب على ذلك أنّ كلّ وجود معلول. وقد أخذ بهذه النظرية بعض فلاسفة الماركسية مستندين في تبريرها علمياً إلى التجارب التي دلّت في مختلف ميادين الكون على أنّ الوجود بشتّى ألوانه وأشكاله التي تكشف عنها التجربة لا يتجرد عن سببه ولا يستغني عن العلّة. فالعلية ناموس عامّ للوجود بحكم التجربة العلمية، وافتراض وجود من غير علّة مناقض لهذا الناموس، ولأجل ذلك كان ضرباً من الاعتقاد بالصدفة التي لا متّسع لها في نظام الكون العام. وقد حاولوا عن هذا الطريق أن يتّهموا الفلسفة الإلهية بأنّها تؤمن بالصدفة نظراً إلى اعتقادها بوجود مبدأ أوّل لم ينشأ من سبب ولم تتقدّمه علّه. (فلسفتنا: ص ٢٧٢).
ثمّ ناقش الشهيد ـ رحمه الله ـ هذه النظرية تارة من خلال تحديد المنهج الذي على ضوئه تتمّ معالجة مثل هذه المسائل الخارجة عن نطاق التجربة؛ وتارة من خلال بيان خروج الواجب تخصّصاً عن هذا البحث بناءً على الرأي الدقيق ، الذي سوف أبينه إن شاء الله .
الأمر الثالث : الفلاسفة والمتكلمون بعد أن استبعدوا أن يكون علة الحاجة إلى العلة (الوجود) اختلفوا في مقام تحديد السبب الحقيقي الذي يجعل الموجود محتاجاً إلى علة فذكروا نظريات أشهرها النظريات التالية:
النظرية الأولى : ترى أنّ سرّ الاحتياج إلى العلّة (الحدوث) ، فكون الموجود لم يكن ثم كان هو سبب احتياجه إلى العلة ، وذهب إلى هذه النظرية جمع من المتكلمين ، وفي مقدمتهم المعتزلة.
النظرية الثانية : ترى أنّ سرّ الاحتياج إلى العلّة (الإمكان) ، فلأن الموجود ممكن أي الوجود ليس ضرورياً له ، حقيقته لا يقتضي التحقق والثبوت ، وإنما الثبوت من غيره ، فهو محتاج إلى العلة.
وقد نوقشت النظرية الأولى بعدة مناقشات منها :
1ـ الحدوث كون وجود الشيء بعد عدمه، فهو صفة لوجود الماهية المتحقق، والماهية باعتبار تلبّسها بالوجود تكون ضرورية من باب الضرورة بشرط المحمول، والضرورة مناط الغنى.
2ـ الحدوث صفة للوجود الخاصّ، فهو مسبوق بوجود المعلول لتقدّم الموصوف على الصفة، ووجود المعلول مسبوق بإيجاد العلّة، وإيجاد العلّة مسبوق بوجوب المعلول، ووجوب المعلول مسبوق بإيجاب العلّة، وإيجاب العلّة مسبوق بحاجة المعلول، وحاجة المعلول مسبوقة بإمكانه، إذ لو لم يكن ممكناً لكان ضروري الوجود أو العدم، والضرورة مناط الغنى .
وللفلاسفة عبارة مشهورة وعد عندهم آية من الآيات الفلسفية ، وهي :(الماهية تقرّرت فأمكنت، فاحتاجت فأوجبت، فوجبت فأوجدت، فوجدت فحدثت. فلو كان الحدوث ملاك الاحتياج إلى الجعل لكان متقدّماً على نفسه بمراتب، وهذا محال).
وقد كان الحكماء قبل الفيلسوف الإسلامي الملا صدرا ـ رحمه الله ـ يعتقدون بأنّ ملاك الاحتياج إلى العلة (الإمكان الذاتي)، بمعنى أنّ ماهية الممكن لمّا كانت في ذاتها متساوية النسبة إلى الوجود والعدم احتاجت في رجحان أيٍّ منهما إلى مرجّح، وهذا المعنى ـ كما هو واضح ـ يلائم القول بـ (أصالة الماهية).
ولكن وبعد أن أثبت الملا ـ رحمه الله ـ أصالة الوجود كان من المناسب البحث عن ملاك الاحتياج في نفس وجود المعلول، وكانت النتيجة باهرة حيث ذكر ـ رحمه الله ـ أنّ ملاك الاحتياج إلى العلة (الإمكان الوجودي) الذي يعني أنّ وجود المعلول عين الربط والتعلّق بوجود العلّة.
قال رحمه الله: فالحاصل أن لا شكّ في احتياج المحدّث إلى السبب، وذلك الاحتياج إمّا لإمكانه أو لحدوثه بوجه، لأنّا لو قدّرنا ارتفاعهما بقي الشيء واجباً قديماً، وهذا الشيء لا يكون محتاجاً إلى السبب، فإذا ثبت أنّ هذه الحاجة إمّا للإمكان أو للحدوث وقد بطل أحدهما وهو الحدوث بقي الآخر، وهو كون الامكان محوجاً لا غير. أقول: والحقّ أنّ منشأ الحاجة إلى السبب لا هذا ولا ذاك، بل منشأها كون الشيء تعلقياً متقوّماً بغيره مرتبطاً إليه. (الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة: ج ٣ ص ٢٥٣.
فإذا ثبت أن سبب الحاجة إلى العلة ليس الوجود وإنما الحدوث أو الإمكان الماهوي أو الوجودي وهو يعني كون الموجود فقيراً محتاجاً إلى غيره ، فنفس أدلة وجود واجب قديم أزلي سرمدي غني مطلق مستقل تنفي وجود علة وسبب لذلك الموجود الواجب ، لأنها تنفي عنه الحدوث والإمكان والفقر ، وبعبارة أخرى : لأنها تنفي عنه علة الحاجة إلى العلة ، وبالتالي لا معنى للسؤال عن وجود علة وسبب لوجوده لأن مناط وجود العلة منتفي فيه
اترك تعليقاً