السلام عليكم و رحمة الله
السؤال الأول : ما هي صحة الرواية المنقولة عن الإمام العسكري عليه السلام:( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، مخالفا لهواه،مطيعا لأمر مولاه،فللعوام أن يقلدوه).
هل بالإمكان توثيق أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة الحديث ، فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة الله عليهم). أقصد بالتوثيق صحة التوقيع أو الرواية .
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين
وعليكم السلام أخي الكريم :
أما الرواية المنسوبة إلى الإمام العسكري (عليه السلام ) : (و أما الحوادث الواقعة…) فهي ضعيفة للإرسال قال السيد الخوئي (رحمه الله) : . نعم ورد في رواية الاحتجاج فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه مخالفا على هواه . مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه إلا أنها رواية مرسلة غير قابلة للاعتماد عليها… ) الاجتهاد والتقليد ص 82.
ولكن ضعفها لا يمنع من تأثيرها في إفادة الاطمئنان بل القطع بجواز التقليد فيما إذا ضمت إلى غيرها من الأدلة النقلية.
وأما التوقيع فقد اهتم العلماء ببحث سنده ، ولعل من أهم الأبحاث في ذلك بحث شيخنا الأستاذ العلامة علي الجزيري ( حفظه الله) وقد قررته وطبعته ضمن دروسه (حفظه الله ) في الاجتهاد والتقليد وهنا انقل نص كلامه :
قال (حفظه الله) : للتوقيع طريقان :
الأول : طريق الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة.
الثاني : طرق الشيخ الطوسي في الغيبة ، قال (رحمه الله ) : (قال في الغنية وأخبرني جماعة عن جعفر بن محمد ابن قولويه وأبو غالب الرازي وغيرهما عن مجمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب ).
وقد نسب بعض العلماء طريقاً ثالثاً للشيخ الكشي (رحمه الله ) .
قال الإسترابادي في الفوائد المدنية : ( وهذا الحديث الشريف بهذا السند مذكور أيضاً في كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله وفي كتاب الرجال لعمدة القدماء المحدثين الشيخ أبي عمرو محمد بن عمر ابن عبد العزيز الكشي، وفي اختيار رئيس الطائفة من ذلك الكتاب).
وقال الفيض الكاشاني(رحمه الله) الأصول الأصيلة: ويدل على ما ذلك ما استفاض عنهم عليهم السلام في هذا المعنى وهو ما رواه الصدوق في إكمال الدين عن محمد بن عصام قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب، ورواه الطبرسي في الاحتجاج والكشي في الرجال والطوسي في اختياره عن إسحاق بن يعقوب
وقال المحقق النراقي في عوائد الأيام : (وكذا ما رواه الصدوق في كمال الدين والشيخ في في كتاب الغيبة والطبرسي في الاحتجاج والكشي في رجاله بالسند الصحيح العالي).
ونحن بعد مراجعة كتاب الكشي (رحمه الله) لم نقف على هذا الطريق ، فلا ندري هل تأثر المتأخر منهم بالمتقدم أو كانت عندهم لرجال الكشي نسخة لم تصل إلينا وكانت توجد في تلك النسخة.
وكيف كان فسند الحديث في كمال الدين قصير أما الصدوق فهو أجل من أن يوثق، وأما محمد بن محمد بن عاصم فلم يذكر في كتب الرجال بمدح ولا قدح وأما الكليني فحاله كحال الصدوق ثقة الإسلام ، وأما إسحاق بن يعقوب فحاله كحال محمد بن محمد بن عاصم لم يذكر له توثيق .
وقد يقال في تصحيحه بأنّ محمد بن محمد بن عاصم وإسحاق بن يعقوب ثقتان، أما وثاقة محمد فلأسباب:
السبب الأولى: أنّ الصدوق قد ترضى عنه والصدوق لا يترضى إلاّ عن إمامي، نعم يمكن أن يترحم على غير الإمامي.
السبب الثاني: أنّ الصدوق قد أكثر الرواية عنه ، وكثرة رواية الأجلاء من كواشف الوثاقة.
السبب الثالث: أنّ محمداً من الوسائط بين الصدوق والكليني وجميع الوثائق بينهما ثقات.
أما إسحاق بن يعقوب فيدل على وثاقته أمور:
الأول: أنه من مشائخ الكليني وجميع مشائخ الكليني ثقات حتى من كان منهم ضعيف العقيدة مثل النينوائي فإنّ النجاشي قد وثقه.
الثاني: أنّ سعد بن عبد الله الأشعري قد روى عنه وسعد هو الثقة الجليل الذي قال فيه النجاشي شيخ هذه الطائفة وفقيهها وجهها بل إن سعداً شيخ محمد بن الحسن الوليد وهو شيخ القميين في وقته، وقد عرف القميون بتشددهم في الرواية وغلظتهم على من يروي عن الضعفاء.
الثالث: أنّ هذا التوقيع يتضمن ما يثبت جلالة إسحاق بن يعقوب أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك، التثبيت على من يكون هو على الحق من الثقات لأنّ دعاء الإمام (عليه السلام) على التثبيت يدل على جلالته وكذا والسلام عليك يا إسحاق.
والإنصاف أنّ جميع هذه الوجوه لا تنهض بتوثيق الرجلين ولكنها قرائن تقوي ما يشهد به متن الرواية، ومضمونها ، فإنّ نظم الرواية وجزالة التعبير فيها وما تحتويه من براهين وإجابات شافية في مسائل غامضة لم تكن معروفة قبل زمان هذه الرواية ، من الشواهد على صدورها عن المعصوم (عليه السلام) .
ثم إن جماعة من علمائنا قد نسبوا هذه الفقرة إلى صاحب الزمان (عجل الله فرجه: بصيغة الجزم منهم : الشهيد الأول في الدرة الباهرة، قال : (ومما كتبه عليه السلام جواباً لإسحاق بن يعقوب ) وذكر هذه الفقرة، ومنهم : الفيض الكاشاني في الحق المتين قال : (وقال صاحب زماننا عليه السلام ) ثم ذكر الفقرة، ومنهم المحقق النجفي في الجواهر قال : (بل هو مقتضى قول صاحب الزمان روحي له الفداء) ، ومنهم الشيخ الأنصاري في القضاء والشهادات قال : (وقوله عليه السلام في التوقيع الرفيع ) وقال فيه أيضاً : (وقوله عجل الله فرجه فإنهم حجتي عليكم)، وفي كتاب الزكاة قال : (ولقوله عليه السلام في التوقيع الشريف)، وفي المكاسب قال : (وقوله عجل الله فرجه هم حجتي عليكم)، ومنهم: المحقق الاشتياني قال: (وقول الإمام عجل الله فرجه فيا لتوقيع الشريف)، ومنهم : المحقق الأصفهاني في حاشيته على المكاسب قال : (ومنها قوله عليه السلام في التوقيع الشريف )،ومنهم: السيد الحكيم في المستمسك قال : (ولقوله عليه السلام في التوقيع الشريف) ، وبعض المعاصرين ذهب إلى أنّ الحديث قطعي حيث قال في كتاب القضاء : (وإنّ قوله في التوقيع الشريف الذي هو شبه قطعي كما أشرنا إليه ) .
السؤال الثاني : بداية شاكر لكم ما صرفتم من وقت للإيضاح هل توجد شواهد لممارسات فقهيه لعلماء آل محمد في زمن المعصومين؟
الجواب : الشواهد كثيرة جداً ، فإن ما تقتضيه طبيعة الأمور هو أن يعتمد الأئمة على منهج ألقاء القواعد العامة وتربية الفقهاء القادرين على التفريع والتطبيق ، لأن المعصوم لوحده لا يمكن أن يبلي حاجة كل سائل مع أنه قد يكون في الحجاز أو العراق أو خراسان والشيعة منتشرون في شرق الأرض وغربها ، ومن الشواهد :
1ـ الروايتان التين سألت عنهما .
2ـ ما نقل ابن إدريس من كتاب هشام بن سالم عن أبى عبد اللَّه ( ع ) قال : انما علينا ان نلقى إليكم الأصول ، وعليكم ان تفرعوا .
3ـ ما في كتاب ابن أبى نصر عن الرضا ( ع ) قال : علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع .
4ـ ما روي عن الامام الصادق ( ع )أنه قال : حديث تدريه خير من ألف ترويه . ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا . وقال : أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا . ان الكلمة لتنصرف إلى وجوه . وفي رواية أخرى : أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا ، ان كلامنا لينصرف على سبعين وجها .
5ـ جواب مكاتبة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليه
السلام يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر فإن بعض أصحابنا قال لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد فكتب عليه السلام في الجواب أن فيه حديثين أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير وأما الآخر فإنه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا.
فإن فيه دلالة واضحة على أن الفقهاء كانوا يمارسون أبداء الرأي ويختلفون فيه.
6 ـ ما في رجال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب : ( وقال له أبو جعفر عليه السلام : اجلس في مسجد المدينة ، وأفت الناس ، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك ) .
7ـ ما رواه معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ( بلغني أنك تقعد في الجامع ، فتفتي الناس ؟ قلت : نعم ، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج ، إني أقعد في المسجد ، فيجئ الرجل فيسألني عن الشئ ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، و يجي الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم ، فأخبره بما جاء عنكم ، ويجيئني الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو ، فأقول : جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا ، فأدخل قولكم فيما بين ذلك . فقال عليه السلام لي : اصنع كذا ، فإني كذا أصنع ) .
قال السيد الخوئي (رحمه الله)على ما في التنقيح : (الأخبار المشتملة على الأمر الصريح بافتاء بعض أصحابهم (عليهم السلام) كقوله لأبان بن تغلب : اجلس في ( مسجد ) المجلس المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك وقوله لمعاذ بن مسلم النحوي : بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج : إني أقعد في المسجد فيجيئ الرجل فيسألني عن الشئ فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ، ويجئ الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ، ويجيئ الرجال لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا ، وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع . وهذه الطائفة لا إشكال في دلالتها على جواز الافتاء في الأحكام ، كما أنها تدلنا على جواز التقليد والرجوع إلى مثل أبان أو معاذ ، إذ لو لم يجز تقليده بأن لم يكن فتوائه حجة على السائل لم يكن فائدة في أمرهم (عليهم السلام) بافتائه لأنه حينئذ لغو ومما لا أثر له ) .
8ـ رواية المفضل بن شاذان ، عن عبد العزيز بن المهتدي – وكان خير قمي رأيته ، وكان وكيل الرضا ( عليه السلام ) وخاصته – قال : سألت الرضا ( عليه السلام ) فقلت : إني لا ألقاك في كل وقت ، فعمن آخذ معالم ديني ؟ فقال : خذ عن يونس بن عبد الرحمن .
9ـ رواية محمد بن عيسى ، عن عبد العزيز بن المهتدي قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : إن شقتي بعيدة فلست أصل إليك في كل وقت ، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين ؟ قال : نعم .
10ـ رواية عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعا ، عن الرضا ( عليه السلام ) قال : قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة ، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال : نعم .
السؤال الثالث : هل لفظ ( العوام ) المشار إليه يصدق على طالب العلم ممن هو دون مرتبة الاحتياط ؟ لا عدمنا قلمكم سيالا لخدمة الدين و عذرا لأخذ وقتكم.
الجواب : نعم فهو يشمل غير القادر على استنباط الأحكام ولو كان طالب علم بل ولو كان مجتهداً متجزئاً ، فإنه في المسائل التي لا يستطيع فيها الاستنباط عمي وظيفته التقليد.
حيدر السندي
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً