بقلم: سماحة الشيخ حيدر السندي
كلام السائل :
السلام عليكم سماحة الشيخ ، انتشر مقال ينسب إلى شاعر من الشعراء بعنوان (خطاب إلى الموتى) قال فيه مخاطباً نبينا العظيم (صلى الله عليه وآله) الذي يزوره الشيعة والسنة : ( سألتفت للأموات قليلا لأقول لهم برحمة والديكم خفوا عنا قليلا لقد حملتمونا فوق ما نحتمل لقد حملنا قوت عيالنا نذورا …! وعمرنا مراقدكم الشريفة وسكنا بالعراء .. بربكم تفاهموا مع خصومكم بأنفسكم ولاتجعلونا نحارب عنكم .. .. بربكم لابد يكون عندكم اشوية دم وترفعوا رؤوسكم من مراقدكم …. إنكم تنامون في قاع حفره بعمق أكثر من خمسة عشر مترا وأن لاتستكيع حتى الشياكين الوصول إليكم ، ولاضير على أجداثكم وأن الله ناصركم .. . . بربكم تحركوا قليلا …. بربكم أيها الموتى ارحمونا قليلا وانطقوا ارفعوا أصواتكم بأن أثقلنا عليكم وصنعنا منكم أوهاما وأصناما وضربنا بسببكم أعناق العالمين .. . . أيها الموتى الذين مازلنا نهرق ماء وجوهنا لدى قبورهم ، ونسفك دماءنا لأجلهم قولوا لأبنائكم أن ترابكم قد غرق بما سفك ، وأن الذهب المرصع على كل ناحية من حضراتكم الشريفة قد صبغ بلون أحمر .. تبا لكم إن لم تنتبهوا قليلا لتوقفوا هذه المهزلة التي تدور باسمكم .. تبا لكم إن لم تطلوا علينا من وراء الغيب لتنبؤونا أن قد أخطأنا الطريق والطريقة إليكم .. تبا لكم إن لم تفصحوا أن ما نحن به من صراخ وصياح وشغل شاغل وذهاب إليكم وإياب منكم إنما هو مجرد عبث ورهق .. تبا لكم إن نمتم طويلا هانئين منعمين وأجيال من أبنائكم يتقاتلون لما اختلفتم فيه من الحق أو الباطل .. تبا لكم إذ لم تعرفوا أن تتركوا لنا سوى ما يوغر الصدور ويؤجج الفتن .. سماحا أيها الموتى قد أكون عتبت كثيرا ولمت أكثر لكن ربما هو قدر العقلاء أن لايجدوا سوى الموتى ليعتبوا عليهم وسوى الماضين ليحملوهم جريرة الآتين .. سماحا أن قد غرقنا في وحل الدماء التي نسيتم بعد المعركة أن تردموه ، وأن تعثرنا في بقايا الجثث التي لم تعرفوا بعد حروبكم أن تواروها كما وارى الغراب جثة أخيه .. تبا لكم ولنا وويل لكم ولنا .. بربكم دعونا قليلا وشأننا .. إن بنا حنينا لإخواننا ، وبنا توق إلى إنسانيتنا ، وشوق إلى آدميتنا .. بربكم فلوا عنا قليلا .. لم نعد نريدكم أوصياء ولاشفعاء دعونا نمضي لربنا وحدنا كما مضيتم لربكم وحدكم ولاتثريب علينا ولاعليكم…).
لو يسمح وقتك شيخنا عندي بعض الأسئلة ، وأتمنى أن تجيب عليها :
1ـ هل يعتبر هذا الكلام سبا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
2ـ ما هو موقف علماء المسلمين الشيعة والسنة من من سب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
3ـ ماذا ينبغي علينا اجتماعياً اتجاه من ينتقص النبي (صلى الله عليه وآله) أو يخاطبه بمثل هذا الخطاب ؟.
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين:
وبعد :
شكراً لكم أخي السائل الكريم على طرح هذا الأسئلة المهمة ، والتي ينبغي أن يتأمل في جوابها كل مسلم محب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عنوان عزتنا ومن به فخرنا ، ولولاه لكنا في ضلال مبين وجهل مطبق ، ونعم ما قالت ابنته الصديقة الزهراء (عليها السلام) : ( فأنار الله بأبي محمد ص ظلمها وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية وبصرهم من العماية وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الطريق المستقيم … وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد ص بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا لا تأخذه في الله لومة لائم وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال وتفرون من القتال).
لهذا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) علينا حق عظيم يدركه عامة المسلمين الشيعة والسنة ، و ليست هذه الانتفاضة العظيمة التي قام بها المسلمون على الرسومات المسيئة و الفلم الأمريكي الساقط والإنكار العام على ما يحاول الفرنسيون نشره تحت ذريعة حرية الفكر والتعبير إلا دليلا قطعياً على غيرة المسلمين على نبيهم وأنه عندهم من الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها تحت أي ذريعة وأي مبرر ، وأن من يقدم على تنقيص النبي (صلى الله عليه وآله) فهو مبغوض منبوذ ، ولا بد وأن ينال جزاءه في الدنيا و الآخرة .
إن حب الرسول والغيرة عليه من صفات المؤمن الصادق في إيمانه ، قال تعالى : قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة:24. وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله سلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
وانطلاقاً من هذا أخي الكريم سوف أجيب على أسئلتك هذه :
السؤال الأول : هل يعتبر هذا الكلام سبا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
وفي مقام الجواب أذكر أموراً ثلاثة :
الأمر الأول : في حقيقة السب في اللغة وعرف العرب.
كثير من الناس يتصورون أن السب منحصر في القذف أو الكلام الفاحش وبعض يقصره في الألفاظ الدراجة من الفحش ، وليس الأمر كذلك ، فإن السب في اللغة والعرف أعم من ذلك فإن حقيقته : ذكر الشخص بما يوجب النقص في جسمه أو عقله أو صفاته أو أفعاله أو نسبه وحسبه وعرضه ، سواء كان الشخص المذكور بالنقص حاضراً مخاطباً أو لا ، موجوداً فيه النقص أو لا ، وإليك بعض كلمات اللغويين .
قال في الصحاح : وسبه يسبه ، إذا طعنه. ج2 ص145.
قال في مجمع البحرين: الشتم : السب ، بأن تصف الشىء بما هو إزراء ونقص. مجمع البحرين : ج2 ص 481.
وقال في معجم مقايسس اللغة ج 1ص64: ( سب ) السين والباء حده بعض أهل اللغة وأظنه ابن دريد أن أصل هذا الباب القطع ثم اشتق منه الشتم ، وهذا الذي قاله صحيح وأكثر الباب موضوع عليه من ذلك السب الخمار لأنه مقطوع من منسجه فأما الأصل فالسب العقر يقال سببت الناقة إذا عقرتها… وقوله سب أي عقر والسب الشتم ولا قطيعة أقطع من الشتم…).
وهذا يدل على أن السب هو كل كلام فيه قطع للمتكلم عنه ، وهذا عام لا يختص بالقذف أو كلام الفحش ، وإنما يشمل على ما دل على النقص والازدراء ، ولهذا قال السيد العاملي (رحمه الله) في مفتاح الكرامة: الشتم السب بأن تصف الشيء بما هو إزراء ونقص ، فيدخل في السب كل ما يوجب الأذى كالقذف والحقير والوضيع والكلب والكافر والمرتد والتعيير بشيء من بلاء الله كالأجذم والأبرص. . مفتاح الكرامة ج12 ص 222.
وقد نقل ابن تيمية في الصارم المسلول أمثلة متعددة للسب والشتم وما يدل على الازدراء برسول الله (صلى الله عليه وآله) عن القاضي عياض فقال : ( قال القاضي عياض: “جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهة بشيء على طريق السب له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب: يقتل ولا نستثن فصلا من فصول هذا الباب عن هذا المقصد ولا تمتر فيه تصريحا كان أو تلويحا وكذلك من لعنه أو تمنى مضرة له أو دعا عليه أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عيبه في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو عيره بشيء مما يجري من البلاء والمحنة عليه أو غمضه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه قال: هذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن أصحابه وهلم جرا”.).
ثم قال ابن تيمية : ( قال ابن القاسم : من سب النبي صلى الله عليه وسلم قتل ولم يستتب” قال ابن القاسم: “أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل كالزنديق وقد فرض الله توقيره”. وكذلك قال مالك في رواية المدنيين عنه: “من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل مسلما كان أو كافرا ولا يستتاب”. وروى ابن وهب عن مالك من قال: “إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم ويروى برده “وسخ” وأراد به عيبه قتل”. وذكر بعض المالكية إجماع العلماء على أن من دعا على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة. وذكر القاضي عياض أجوبة جماعة من فقهاء المالكية المشاهير بالقتل بلا استتابة في قضايا متعددة أفتى في كل قضية بعضهم: منها: رجل سمع قوما يتذاكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية فقال: تريدون تعرفون صفته؟ هذا المار في خلقه ولحيته. ومنها: رجل قال: النبي صلى الله عليه وسلم أسود. ومنها: رجل قيل له: “لا وحق رسول الله” فقال: فعل الله برسول الله كذا وكذا ثم قيل له: ما تقول يا عدو الله فقال أشد من كلامه الأول ثم قال: إنما أردت برسول الله العقرب قالوا: لأن ادعاء للتأويل في لفظ صراح لا يقبل لأنه امتهان وهو غير معزر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا موقر له فوجبت إباحة دمه. ومنها: عشار قال: أدوا شك إلى النبي أو قال: إن سألت أو جهلت فقد سأل النبي وجهل. ومنها: متفقه كان يستخف بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسميه في أثناء مناظرته اليتيم وختن حيدره ويزعم أن زهده لم يكن قصدا ولو قدر على الطيبات لأكلها وأشباه هذا. قال: فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله لم يختلف في ذلك متقدمهم ومتأخرهم وإن اختلفوا في حكم قتله. وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه أو برئ منه أو كذبه: “إنه مرتد” وكذلك قال أصحاب الشافعي: “كل من تعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيه استهانة فهو كالسب الصريح” فإن الاستهانة بالنبي كفر وهل يتحتم فيه قتله أو يسقط بالتوبة؟ على الوجهين وقد نص الشافعي على هذا المعنى. فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التنقص به كفر مبيح للدم وهم في استتابته على ما تقدم من الخلاف ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه لكن المقصود شيء آخر حصل السب تبعا له أو لا يقصد شيئا من ذلك بل يهزل ويمزح أو يفعل غير ذلك. فهذا كله يشترك في هذا الحكم إذا كان القول نفسه سبا فإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ومن قال ما هو سب وتنقص له فقد آذى الله ورسوله وهو مأخوذ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه أذى وإن لم يقصد).
الأمر الثاني : إن هذه المقالة التي نقلتها أخي السائل عن صاحب مقال : (خطاب إلى الموتى!) فيها عبارات كثيرة تدل على الازدراء والتنقيص والتهجم والاستخفاف بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله ) فالكاتب يقول بإسلوب تهكمي مستفز لمشاعر المسلمين قاطبة :
1ـ برحمة والديكم خفوا عنا قليلا .
2ـ لقد حملتمونا فوق ما نحتمل .
3ـ بربكم لابد يكون عندكم اشوية دم وترفعوا رؤوسكم من مراقدكم.
4ـ إنكم تنامون في قاع حفره بعمق أكثر من خمسة عشر مترا وأن لاتستطيع حتى الشياكين الوصول إليكم .
5ـ بربكم أيها الموتى ارحمونا قليلا وانطقوا ارفعوا أصواتكم .
6ـ تبا لكم إن لم تنتبهوا قليلا لتوقفوا هذه المهزلة التي تدور باسمكم .. تبا لكم إن لم تطلوا علينا من وراء الغيب لتنبؤونا أن قد أخطأنا الطريق والطريقة إليكم .. تبا لكم إن لم تفصحوا أن ما نحن به من صراخ وصياح وشغل شاغل وذهاب إليكم وإياب منكم إنما هو مجرد عبث ورهق .. تبا لكم إن نمتم طويلا هانئين منعمين وأجيال من أبنائكم يتقاتلون لما اختلفتم فيه من الحق أو الباطل .
7 ـ لم تعرفوا أن تتركوا لنا سوى ما يوغر الصدور ويؤجج الفتن ..
8ـ تعثرنا في بقايا الجثث التي لم تعرفوا بعد حروبكم أن تواروها كما وارى الغراب جثة أخيه .
9ـ تبا لكم ولنا وويل لكم ولنا .
10 ـ بربكم دعونا قليلا وشأننا .
11ـ بربكم فلوا عنا قليلا .
12ـ لم نعد نريدكم أوصياء و لاشفعاء .
وإذا لم يكن هذا سبا واستخفافا وازدراء وانتقاصا ، فما عساه يكون!
إن من الواضح البين أن المتنازعين في أكثر من بلاد إسلامي يقصدون قبر النبي (صلى الله عليه وآله) من أجل زيارته والسلام عليه ، نعم بعضهم يحرم شد الرحال لزيارته ، ولكن لا يحرم السلام عليه ، ولا يجيز أن يقال للنبي (صلى الله عليه وآله): (تباً لك و ويل لك) كما لا يجيز أن يقال ذلك لآل النبي والصحابة الذي يزورهم بعض المسلمين ، فهناك فرق بين أن تُخطّئ من يزور النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) والآل والصحابة وبين أن تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) والآل والصحابة المخلصين بهذا الخطاب المشين الذي يندى له جبين الحر الغيور ، بل يكاد يموت منه أسفاً .
لو لم يكن في هذا الخطاب إلا قول الكاتب تباً ! لكفى للحكم عليه بنفس الحكم الذي حكم به علماء الإسلام على أصحاب الرسومات الدنمركية المشينة والفلم الأمريكي الساقط ، فإن تباً دعوة بالهلاك والخسران ، قال في العين ج 8 ص 110: تبا لفلان تتبيبا ، ويقال : تبا لفلان تبيبا ، و التباب الهلاك ، قال :
أرى طول الحياة وأن تأتى * تصيره الدهور إلى تباب
وقال الأنباري في الزاهر ص 353: قولهم : تبا لفلان قال أبو بكر : معناه : خسارا له وهلاكا . قال اللَّه عز وجل : * ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وتَبَّ ) * معناه : خسرت يداه ، وقد خسر هو . وقال عز وجل : * ( وما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ) * ، فمعناه : غير خسار وهلاك .
قال الشاعر :
عرادة من بقيّة قوم لوط * ألا تبّا لما عملوا تبابا
وقال الجوهري في الصحاح ج1 ص90 : [ تبب ] التباب : الخسران والهلاك . تقول منه : تب تبابا ، وتبت يداه ، وتقول : تبا لفلان ، تنصبه على المصدر بإضمار فعل ، أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا . وتببوهم تتبيبا ، أي أهلكوهم .
وقال الطريحي في مجمع البحرين ج2 ص 12: ( تبب ) قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب أي خسرت يدا أبي لهب وخسر هو . والتباب : الخسران والهلاك ويقال : تبا لك منصوب بإضمار فعل واجب الحذف ، أي ألزمك الله خسرانا وهلاكا قوله تعالى وما زادوهم غير تتبيب أي غير نقصان وخسران يعني كلما دعاهم إلى الهدى ازدادوا تكذيبا فزادت خسارتهم .
الأمر الثالث : بعض الحدثيين يحاول أن يمرر هذا السخف من القول تحت لائحة حرية التعبير ، أو أن الكاتب وأمثاله لأنهم يعيشون حرقة الواقع المعاش وما فيه من الصراع والتناحر يستخدمون مثل هذه التعابير الساقطة والنابية والجارحة لمشاعر المسلمين والطاعنة في أقدس مقدساتهم ، وهو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) و في الآل والصحابة .
وقد حاول الغرب سابقاً أن يمرر كلام سلمان رشد والرسومات المسيئة و فلم (براءة المسلمين Innocence of Muslims ) بنفس هذه الأعذار الواهية ، وقد سمعتها من الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه في افتتاح الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة ، وقد رفض المسلمون ذلك وأطلقوها صرخة مدوية في جميع القارات و البلاد والمدن والقرى : (إلا رسول الله صلى الله عليه وآله) ، وقد أخذت هذه الصرخة وجعلتها عنواناً لهذه المقالة ، ليعلم دعاة التنوير المزيف أن حرية الفكر والتعبير شعار زائف عندما يسمح بتشويه الحقيقة وتدنيس الطهر، إن الكلام الذي فيه تنقيص لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مرفوض جملة وتفصيلاً ، ويحكم علماء الإسلام بأنه موجب للكفر وحلية الدم مطلقاً ـ كما سوف يأتي ـ ولا يقبل المسلمون له تبريراً ، بل إن التبرير في نظرهم جريمة أخرى تضاف إلى جريمة السب والتهجم والازدراء .
السؤال الثاني : ما هو موقف علماء المسلمين الشيعة والسنة من من سب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
الجواب : نتحدث في جواب هذا السؤال في مقامين :
المقام الأول : في نقل كلمات علماء الشيعة (أظهر الله برهانهم) ، وهي تدل على جواز قتل من طعن في النبي (صلى الله عليه وآله) وسبه ، أو استخف به ، وإليك بعض كلماتهم :
1ـ قال السيد المرتضى في الانتصار ص 486: ومما كأن الإمامية منفردة به : القول : بأن من سب النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسلما كان أو ذميا قتل في الحال .
أقول : ومراده التفرد في قتل الذمي في الحال .
2ـ قال ابن زهرة في الغنية ص 429: ويقتل من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأنبياء أو أحد الأئمة عليهم السلام ، وليس على من سمعه فسبق إلى قتله من غير استئذان لصاحب الأمر سبيل ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
3ـ قال المحقق في المختصر النافع ص 221: يقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا من سب أحد الأئمة عليهم السلام . ويحل دمه لكل سامع إذا أمن.
4ـ وقال الشهيد الثاني في المسالك ج14ص452: قوله : ( من سب النبي . . . إلخ ) .هذا الحكم موضع وفاق ، وبه نصوص…).
5ـ قال السيد الخوئي في تكملة مباني المنهاج ج1 ص273: أما وجوب قتله ـ أي من سب النبي ـ مضافا إلى أنه لا خلاف فيه بل ادعى الاجماع عليه بقسميه – فلعدة روايات : ( منها ) – صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله ( ع ) : ( أنه سئل عمن شتم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ( ع ) يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام ) وأما عدم وجوبه مع الخوف فلاطلاق أدلة نفي الضرر ، ولخصوص صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( ع ) قال : ( إن رجلا من هذيل كان يسب رسول الله صلى الله عليه وآله – إلى أن قال – فقلت لأبي جعفر ( ع ) أرأيت لو أن رجلا الآن سب النبي صلى الله عليه وآله أيقتل ؟ قال : إن لم تخف على نفسك فاقتله ) .
المقام الثاني : في نقل كلمات علماء السنة . وهي تدل على جواز قتل من طعن في النبي (صلى الله عليه وآله) وسبه ، أو استخف به أيضاً ، وإليك بعض كلماتهم :
1ـ جاء في المجموع للنووي ج19 ص428: قال ابن بطال : اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم . فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه منهم إلا أن يسلم ، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ، ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد وإسحاق مثله في حق اليهود نحوه وحكى عن عياض هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف ، ونقل عن بعض المالكية أنه لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له السام عليك لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه ، وقيل إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم ، وقيل إنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بد منه ، ولذلك قال في الرد عليهم وعليكم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به ، أشار إلى ذلك القاضي عياض واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث أنس الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل من كانوا يقولون له السام عليك ، وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة ، وأما صدوره من اليهودي فالذي هم عليه من الكفر أشد فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن دمائهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى الله عليه وسلم فمن سبه منهم تعدى العهد فينقض فيصير كافرا بلا عهد فيهدر دمه إلا أن يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لو يقتلوا لان من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل ، فإن قيل إنما يقتل بالمسلم قصاصا ، بدليل انه يقتل به ولو أسلم ، ولو سب ثم أسلم لم يقتل .
2ـ وفي فتاوى السبكي ج2 ص596: قال هشام بن عمار سمعت مالكا يقول من سب أبا بكر وعمر جلد ومن سب عائشة رضي الله عنها قتل لأن الله تعالى يقول فيها يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل قال ابن حزم هذا قول صحيح قال محمد بن سهل سمعت علي بن المديني يقول دخلت على أمير المؤمنين فقال لي أتعرف حديثا مسندا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم فيقتل قلت نعم فذكرت له حديث عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن عروة بن محمد عن رجل من بلقين قال كان رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من يكفيني عدوا لي فقال خالد بن الوليد أنا فبعثه إليه فقتله فقال أمير المؤمنين ليس هذا مسندا هو عن رجل فقلت يا أمير المؤمنين بهذا يعرف هذا الرجل وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم وهو معروف فأمر لي بألف دينار قال ابن حزم هذا صحيح ندين به كفر من سب الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن حزم كل كفر شرك وكل شرك كفر وهما اسمان شرعيان أوقعهما الله على معنى واحد ونقلهما عن موضوعهما في اللغة إلى كل من أنكر شيئا من دين الإسلام يكون بإنكاره معاندا للرسول صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النذارة .
3ـ قال الصنعاني في سبل السلام ج 3 ص 266 : 7 – ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى ا عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ، فلما كان ذات ليلة أخذ المعول ) بكسر الميم وعين مهملة وفتح الواو ( فجعله في بطنها واتكأ عليه فقتلها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألا اشهدوا فإن دمها هدر رواه أبو داود ورواته ثقات ) . الحديث دليل على أنه يقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم ويهدر دمه فإن كان مسلما كان سبه له صلى الله عليه وسلم ردة فيقتل قال ابن ابطال : من غير استتابة . ونقل ابن المنذر عن الأوزاعي والليث أنه يستتاب ، وإن كان من العهد فإنه يقتل إلا أن يسلم . ونقل ابن المنذر عن الليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق أنه يقتل أيضا من غير استتابة . وعن الحنفية أنه يعزر المعاهد ولا يقتل …).
4ـ قال ابن حجر في فتح الباري ج12 ص 248: نقل ابن المنذر الاتفاق على من سب النبي صلى الله عليه وسلم صريحا وجب قتله ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الاجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل لان حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة وخالفه القفال فقال كفر بالسب فيسقط القتل بالاسلام وقال الصيدلاني يزول القتل ويجب حد القذف وضعفه الامام فان عرض فقال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما.
5ـ قال السيد سابق في فقه السنة ج 2 ص454: ومن الأمثلة الدالة على الكفر …4 – سب النبي أو الاستهزاء فيه ، وكذا سب أي نبي من أنبياء الله. 5 – سب الدين ، والطعن في الكتاب والسنة ، وترك الحكم بهما ،وتفضيل القوانين الوضعية عليهما .
6ـ وقال المرداوي في الإنصاف ج3 ص 257: وقيل يتعين قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم . قلت وهذا هو الصواب وجزم به في الإرشاد وابن البنا في الخصال وصاحب المستوعب والمحرر والنظم وغيرهم واختاره القاضي في الخلاف . وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا هو الصحيح من المذهب . قال الزركشي يتعين قتله على المذهب وإن أسلم . قال الشارح وقال بعض أصحابنا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل بكل حال وذكر أن أحمد نص عليه .
7ـ قال ابن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول : المسألة الأولى: أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله.
هذا مذهب عليه عامة أهل العلم قال ابن المنذر: “أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل” وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي…. وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي إجماع المسلمين على أن حد من يسب النبي صلى الله عليه وسلم القتل كما أن حد من سب غيره الجلد وهذا الإجماع الذي حكاه هذا محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين أو أنه أراد به إجماعهم على أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم يجب قتله إذا كان مسلما وكذلك قيده القاضي عياض فقال: “أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه”… وقال محمد بن سحنون: “أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر”.
وتحرير القول فيه: أن الساب إن كان مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم وقد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك إسحاق بن راهوية وغيره وان كان ذميا فإنه يقتل أيضا في مذهب مالك وأهل المدينة وسيأتي حكاية ألفاظهم وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث. وقد نص أحمد على ذلك في مواضع متعددة قال حنبل: “سمعت أبا عبد الله يقول: “كل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه مسلما كان أو كافرا فعليه القتل وأرى أن يقتل ولا يستتاب” قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: “كل من نقض العهد وأحدث في الإسلام حدثا مثل هذا رأيت عليه القتل ليس على هذا أعطوا العهد والذمة” وكذلك قال أبو الصفراء: “سألت أبا عبد الله عن رجل من أهل الذمة شتم النبي ماذا عليه؟ قال: إذا قامت عليه البينة يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم مسلما كان أو كافرا” رواهما الخلال.
وقال في رواية عبد الله وأبي طالب وقد سئل عن شتم النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقتل قيل له: فيه أحاديث؟ قال: نعم أحاديث منها: حديث الأعمى الذي قتل المرأة قال: سمعتها تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وحديث حصين أن ابن عمر قال: “من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قتل” وعمر ابن عبد العزيز يقول: “يقتل” وذلك أنه من شتم النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرتد عن الإسلام ولا يشتم مسلم النبي صلى الله عليه وسلم زاد عبد الله: “سألت أبي عمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم يستتاب قال: “قد وجب عليه القتل ولا يستتاب لأن خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستتبه” رواهما أبو بكر في الشافي وفي رواية أبي طالب: سئل أحمد عمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يقتل قد نقض العهد” وقال حرب: سألت أحمد عن رجل من أهل الذمة شتم النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يقتل إذا شتم النبي صلى الله عليه وسلم” رواهما الخلال وقد نص على هذا في غير هذه الجوابات.
فأقواله كلها نص في وجوب قتله وفي أنه قد نقض العهد وليس عنه في هذا اختلاف. وكذلك ذكر عامة أصحابه متقدمهم ومتأخرهم لم يختلفوا في ذلك…).
وقال في الصارم المسلول أيضا : إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له أو كان ذاهلا عن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.
وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وهو أحد الأئمة يعدل بالشافعي وأحمد: قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام أو دفع شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيا من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بما أنزل الله).
هذا حكم من طعن في النبي (صلى الله عليه وآله) و انتقصه ونسب إليه ما لا يليق بساحته استهزاءاً واستخفافاً به ، فهناك عناوين متعددة يترتب عليها حكم واحد ، وهي السب والاستهزاء والسخرية ، قال السبكي في الفتاوى ج2 ص 573 : أما سب النبي صلى الله عليه وسلم فالإجماع منعقد على أنه كفر والاستهزاء به كفر قال الله تعالى أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم بل لو لم تستهزئوا قال أبو عبيد القاسم بن سلام فيمن حفظ شطر بيت مما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كفر وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع إجماع المسلمين على تحريم ما هجي به النبي صلى الله عليه وسلم وكتابته وقراءته وتركه متى وجد دون محوه .
و قال ابن قدامه في المغني ج1ذ0 ص 113: ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه . قال الله تعالى ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ) وينبغي أن لا يكتفى من الهازئ بذلك بمجرد الاسلام حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك فإنه إذا لم يكتف ممن سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة فمن سب الله تعالى أولى.
وهل هنالك استخفاف أوضح من الأقوال التالية :
1ـ برحمة والديكم خفوا عنا قليلا .
2ـ لقد حملتمونا فوق ما نحتمل .
3ـ بربكم لابد يكون عندكم اشوية دم وترفعوا رؤوسكم من مراقدكم.
4ـ إنكم تنامون في قاع حفره بعمق أكثر من خمسة عشر مترا وأن لاتستطيع حتى الشياكين الوصول إليكم .
5ـ بربكم أيها الموتى ارحمونا قليلا وانطقوا ارفعوا أصواتكم .
6ـ تبا لكم إن لم تنتبهوا قليلا لتوقفوا هذه المهزلة التي تدور باسمكم .. تبا لكم إن لم تطلوا علينا من وراء الغيب لتنبؤونا أن قد أخطأنا الطريق والطريقة إليكم .. تبا لكم إن لم تفصحوا أن ما نحن به من صراخ وصياح وشغل شاغل وذهاب إليكم وإياب منكم إنما هو مجرد عبث ورهق .. تبا لكم إن نمتم طويلا هانئين منعمين وأجيال من أبنائكم يتقاتلون لما اختلفتم فيه من الحق أو الباطل .
7 ـ لم تعرفوا أن تتركوا لنا سوى ما يوغر الصدور ويؤجج الفتن ..
8ـ تعثرنا في بقايا الجثث التي لم تعرفوا بعد حروبكم أن تواروها كما وارى الغراب جثة أخيه .
9ـ تبا لكم ولنا وويل لكم ولنا .
10 ـ بربكم دعونا قليلا وشأننا .
11ـ بربكم فلوا عنا قليلا .
12ـ لم نعد نريدكم أوصياء و لاشفعاء .
السؤال الثالث: ماذا ينبغي علينا اجتماعياً اتجاه من ينتقص النبي (صلى الله عليه وآله) أو يخاطبه بمثل هذا الخطاب ؟
الجواب : ينبغي عدة أمور :
الأمر الأول : التصدي له بالرد وبيان جهله وسخف قوله .
ففي الصحيح ، عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.
إن السكوت عن أهل الباطل ، أو قِلت المتصدين للرد هو سبب جسارة أهل الضلال ، وتكلمهم بهذا الأسلوب الاستفزازي المفتقر إلى العقل والمنطق و الأدب واللباقة ، ولو وجدوا كبار المجتمع أصحاب التأثير أول من يصرح في منافحتهم عن الحق و مكافحتهم للضلال وأهله لما تجاسروا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
الأمر الثاني : مقاطعة أهل الريب والبدع والأهواء .
فإن الضال عن الحق ينبغي أن يُرشد ويأخذ بيده إلى سواء السبيل إذا لم يكن معانداً ومجاهراً بالاستهزاء بمقدسات الدين كالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والعقائد الحقة ، يقول تعالى : (أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ).
وأما إذا كان معانداً مجاهراً بالاستهزاء مصراً على باطله ويرفض الحوار العلمي البناء ، فينبغي مقاطعته وتحذير الناس منه وحثهم على ترك مصاحبته ، ففي الكافي عقد الشيخ الكليني (رحمه الله) باباً بعنوان ( مجالسة أهل المعاصي ) ، أورد فيه عدة روايات منها :
1ـ عن الجعفري قال : سمعت أبا الحسن ( عليه السلام ) يقول : مالي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب ؟ فقال : إنه خالي ، فقال : إنه يقول في الله قولا عظيما ، يصف الله ولا يوصف ، فإما جلست معه وتركتنا وإما جلست معنا وتركته ؟ فقلت : هو يقول ما شاء أي شئ علي منه إذا لم أقل ما يقول ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى ( عليه السلام ) وكان أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو يراغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فاتي موسى ( عليه السلام ) الخبر ، فقال : هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع .
2 – أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الرحمن بن أبي نجران
عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : المرء على دين خليله وقرينه .
3 – عن ميسر ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب .
4 ــ عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : كان أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) إذا صعد المنبر قال : ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة : الماجن والأحمق والكذاب …).
5ـ عن شعيب العقرقوفي قال ، سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) ، عن قول الله عز وجل : “ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها . . إلى آخر الآية ” فقال : إنما عنى بهذا : [ إذا سمعتم ] الرجل [ الذي ] يجحد الحق ويكذب به ويقع في الأئمة فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان .
6 – عن عبد الاعلى بن أعين ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلسا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن .
7 – عن عبد الاعلى قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن في مجلس يعاب فيه إمام أو ينتقص فيه مؤمن .
8- الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن محمد بن مسلم ، عن إسحاق ابن موسى قال : حدثني أخي وعمي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ثلاثة مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم : مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه ، ومجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رث ، ، ومجلسا فيه من يصدعنا وأنت تعلم ، قال : ثم تلا أبو عبد الله ( عليه السلام ) ثلاث آيات من كتاب الله كأنما كن في فيه – أو قال [ في ] كفه – : ” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ” . ” وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ” . ” ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب “.
9 – عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : من قعد في مجلس يسب فيه إمام من الأئمة ، يقدر على الانتصاب فلم يفعل ألبسه
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً