محاضرة سماحة الشيخ حيدر السندي
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في زيارة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه: (أشهد أنك تسمع الخطاب وترد الجواب)(بحار الأنوار للمجلسي ج98 ص224).
كلامنا ضمن هذا العنوان سوف يكون في نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: التزام المؤمن بتحية المعصوم عليه السلام.
من الأعمال التي ندبت إليها الروايات والتي ينبغي أن يلتزم بها المؤمن تحية المعصوم عليه السلام من خلال بعث السلام، فلا تكاد تجد زيارة من الزيارات المتواترة إجمالاً إلاّ وهي متضمنة للسلام عليهم أو على أحدهم صلوات الله وسلامه عليهم.
ففي زيارة الرسول صلى الله عليه وآله نقول: (السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله..)(الحج والعمرة في الكتاب والسنة للريشهري ص329).
وفي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام نقول: (السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده..)(مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص738).
وفي زيارة أئمة البقيع عليهم السلام نقول: (السلام عليكم أئمة الهدى، السلام عليكم أهل البر والتقوى، السلام عليكم أهل الحجج على أهل الدنيا..)(الحج والعمرة في الكتاب والسنة للريشهري ص344).
وفي الزيارة الجامعة: (السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرحمة وخزان العلم، ومنتهى الحلم، وأصول الكرم، وقادة الأمم، وأولياء النعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد، وأبواب الإيمان..)(من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج2 ص610).
التأمل في هذه الزيارات التي تحث على السلام عليهم يوقفنا على أمور أربعة:
الأمر الأول: حث الزيارات على تكرار السلام على المعصومين ولو كان في مجلس واحد أو في مقام واحد، ففي الزيارة الجامعة كرر السلام خمس مرات، وفي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام يوم ميلاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله كرر أربع وسبعين مرة، وفي زيارة عاشوراء نكرر السلام ثلاثمائة وست مرات.
الأمر الثاني: ينبغي على المؤمن أن يجعل السلام برنامجا يوميا، فلا ينقطع مدة طويلة عن إرسال التحية والسلام إليهم صلوات الله وسلامه عليهم.
الشيخ المفيد في مزاره ينقل هذه الرواية ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إلي في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ السلام فإنه يبلغني)(المزار للشيخ المفيد ص168).
هذه الرواية تدل بإطلاقها أنه في كل لحظة لا يتمكن المؤمن من زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله يستحب أن يقول السلام عليك يا رسول الله، (فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ السلام فإنه يبلغني ).
سدير دخل على الإمام الصادق عليه السلام، فقال له الإمام: (يا سدير تزور قبر الحسين عليه السلام في كل يوم؟ قلت: جعلت فداك لا، قال: فما أجفاكم، قال: فتزورونه في كل جمعة؟ قلت لا، قال: فتزورونه في كل شهر؟ قلت: لا، قال: فتزورونه في كل سنة؟ قلت: قد يكون ذلك، قال: يا سدير ما أجفاكم للحسين عليه السلام أما علمت أن لله عز وجل ألفي ألف ملك شعث غبر يبكون ويزورون لا يفترون وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين عليه السلام في كل جمعة خمس مرات وفي كل يوم مرة؟ قلت: جعلت فداك إن بيننا وبينه فراسخ كثيرة فقال لي: اصعد فوق سطحك ثم تلتفت يمنة ويسرة ثم ترفع رأسك إلى السماء ثم انحو نحو القبر وتقول: “السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته” تكتب لك زورة والزورة حجة وعمرة، قال: سدير فربما فعلت في الشهر أكثر من عشرين مرة)(الكافي للشيخ الكليني ج4 ص589).
الأمر الثالث: أنّ الأئمة عليهم السلام يشهدون مقام المسلم عليهم ويبلغهم السلام، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: (فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ السلام فإنه يبلغني)(المزار للشيخ المفيد ص168).
في مستدرك الوسائل يقول الإمام الصادق عليه السلام: (من كانت له حاجة إلى الله عز ووجل–أي إذا كنت مديناً تريد أن يقضى دينك أو مريضاً تريد أن يعافيك الله من مرضك..- فليقف عند رأس الحسين ( عليه السلام ) وليقل: يا أبا عبد الله أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي، وأنك حي عند ربك ترزق، فاسأل ربك وربي في قضاء حوائجي، فإنها تقضى إن شاء الله تعالى)(مستدرك الوسائل للنوري ج10 ص346).
الأمر الرابع: أنّ الأئمة عليهم السلام يردون سلام من يسلم عليهم، فالسلام تواصل تفاعلي بين الشيعة وبين الأئمة عليهم السلام، أنت تسلم عليهم وهم ضمن شروط يردون عليك السلام، في الاستئذان على رسول الله صلى الله عليه وآله تقول: (وأعلم أن رسلك وخلفاءك أحياء عندك يرزقون، يرون مكاني في وقتي هذا وزماني ويسمعون كلامي في وقتي هذا، ويردون علي سلامي)(بحار الأنوار للمجلسي ج97 ص160).
في زيارة الإمام الحسين عليه السلام، نقول: (أشهد أنك تسمع الخطاب وترد الجواب)(بحار الأنوار للمجلسي ج98 ص224).
هناك فرق بين جواب المعصوم عليه السلام بعد الارتحال وبين جواب غيره، فجواب غير المعصوم امتثال لقوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا}(النساء:86)، أي إذا سلمت على مؤمن يجب عليه أن يرد السلام فيما إذا كان يسمعك وجوباً فرضه الله تبارك وتعالى.
أما المعصوم عليه السلام فشأنه شأن آخر، فهو خليفة الله تعالى، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(البقرة:30) ويقول الإمام الرضا عليه السلام: (الإمامة خلافة الله عز وجل وخلافة الرسول)(عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق ج2 ص196). فالخليفة من يقوم مقام المستخلف، الله تعالى له ولاية تكوينية عامة على الخلق قدرته شاملة تطال كل موجود، خليفة الله يقوم مقام الله تعالى في هذه الولاية، مقتضى إطلاق الخلافة أنّ الإمام يقوم مقام الله تعالى حتى في شأن التكوين، لديه ولاية عنده قدرة، أقدره الله تعالى على التصرف في نفوس العباد، بإمكانه أن يسوق هذه النفوس إلى الخير ويبدلها من السيء إلى الحسن ومن الحسن إلى الأحسن، وهذا معنى ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: (نحن الأسماء الحسنى)(بحار الأنوار للمجلسي ج25 ص4)، الباري تعالى يفيض على عباده بواسطة أسماء بقدرته تعالى، لأنه القادر يخرج الأشياء من العدم، لأنه المدبر يدبر أمور الخلق، لأنه الرحيم يرحم الخلق، يفيض عليهم ولفيضه أسباب ولأسمائه مظاهر وهم المعصومون عليهم السلام، هم مظهر رحمة الله هم مجرى فيض الله، هم مظهر اسم الله السلام، فإذا قال لك المعصوم وعليك السلام، فاعلم أنّ الله تبارك وتعالى قال لك: وعليك السلام، هم لسان الله الناطق، هم المعبرون عن إرادته العاملون بإرادته، إذا سلمت على المعصوم وردّ عليك السلام هو يعطيك السلام تكويناً في روحك في عقلك في إيمانك، يعطيك السلام في بدنك، يعطيك السلام في سلوكك، أسأل الله تعالى لي ولكم أن نبلغ مبلغاً إذا قلنا فيه السلام عليك يا أبا عبدالله يرد علينا أمامنا السلام.
النقطة الثانية: دفع شبهة.
تتكون هذه الشبهة من مقدمتين:
المقدمة الأولى: السلام هو خطاب مباشر لمن تسلم عليه، فإذا قلت السلام عليك يا أبا عبد الله فأنت تخاطب الحسين عليه السلام مباشرة، والخطاب المباشر لكي يكون عقلائي يشترط فيه شرط وهو أن يكون المخاطب يسمع كلامك، فيه قابلية أن يسمع وأنت قادر على إسماعه، لأنه لا معنى أن تخاطب من لا يسمع.
المقدمة الثانية: القرآن الكريم بيّن أنّ الميت غير قادر على السماع، أو الحي غير قادر على إسماع الميت، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}(فاطر:22) هذا الخطاب موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فالله تعالى يقول له: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) النبي غير قادر على أن يسمع المقبور، فإذا كان النبي غير قادر فنحن من باب أولى، نحن لا نقدر بالأولوية القطعية كما يقال على إسماع الميت، وحيث إنّ أغلب الأئمة انتقلوا من هذه الدار وارتحلوا إلى دار أخرى، فنحن لا يمكن أن نسمعهم، إذا كنا لا نستطيع أن نسمعهم فلا معنى لئن نخاطبهم بالسلام ونقول السلام عليكم يا أهل بيت النبوة.
هذه الشبهة مبنية على فهم خاطئ للآية المباركة، صاحب الشبهة يتصور أنّ الآية في مقام نفي إمكانية إسماع الميت الحقيقي بالإسماع الحقيقي، هو يتصور أنّ الآية في مقام أنّ الإنسان إذا مات وقبر، لا يمكن إسماعه بمعنى لا يمكن إيصال الصوت إلى إذن رأسه، فيكون المعنى في قوله تعالى: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) لا يمكن أن توصل صوتك إلى إذن رأس الميت المدفون في القبر، وبالتالي طريق الإسماع مسدود بين الأموات والأحياء، هو يتصور أنّ الآية في صدد بيان هذا المعنى ولذا أورد هذه الشبهة، مع أنّ الآية ليس في هذا الصدد بل في مقام بيان معنى آخر ، هي في صدد بيان أنّ النبي صلى الله عليه وآله كمنذر لا ينفع إنذاره إلاّ من كان قلبه حي وأما من كان قلبه ميت فهو يسمع إنذار رسول الله بإذن رأسه ولكنه لا يسمع بإذن قلبه، قبل أن يقول الباري تبارك وتعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} بأربع آيات قال تبارك وتعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}(فاطر:18) بيّن أنّ النبي صلى الله عليه وآله منذر وبين أنه ليس كل الناس ينتفعون بإنذاره وإنما ينتفع صنف خاص وهم الذين يخشون الله تعالى، وأما الذين لا يخشون فلا ينتفعون، من يخشع الله تعالى يسمع بإذن رأسه وقلبه، وأما من لا يخشى الله تعالى فهو يسمع بإذن واحدة وهي أذن رأسه دون أذن قلبه، ثم ضرب الباري تبارك وتعالى مثال لمن يخشى ربه ومن لا يخشى ربه، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ} أي الذين قلوبهم تعيش حياة التفاعل والاستجابة مع إنذار رسول الله صلى الله عليه وآله، {وَلَا الْأَمْوَاتُ} وهم الذين ماتت ضمائرهم جعلوا قلوبهم في مثل القبر الذي يحول بينهم وبين الانتفاع بخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} أي أنّ الله تبارك وتعالى قادر على أن يهدي وينفع بإنذارك من يشاء ولكن حكمة الله تعالى اقتضت أن يهتدي الإنسان باختياره والذي يمكن أن يقبل الهداية من كان يخشى الله تعالى ومن كان قلبه حي، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي ما أنت بنافع الذين ماتت قلوبهم فلا يستجيبون بدعوتك، فالآية ليست في مقام نفي أنّ الميت يسمع، بل في مقام بيان أنّ الرسول كمنذر لا ينفع إلاّ من يخشى الله تعالى ثم ضربت مثلا تقريبيا يفهمه العرف ، فمثلت لمن يخشى الله بالحي ومن لا يخشى الله بالميت، ولا تريد أن تقول الآية بأنّ الميت في القبر لا يسمع، والذي يدلك على هذا المعنى ـ و هو أنّ الآية في صدد بيان أنّ الذي لا يخشع الله لا ينتفع وليست في صدد بيان أنّ الميت لا يسمع ـ أنّ الضرورة الدينية قائمة على أنّ الميت يسمع وأنّ بعض الموتى سمعوا بعض الخطاب، القرآن الكريم يحدثنا عن نبي الله صالح على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام، وأنّ نبي الله صالح خاطب قومه الهالكين بعد هلاكهم فأخذتهم الرجفة فأصبحوا {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ*فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}(الأعراف:78-79) لو كان الميت لا يسمع فلماذا يخاطبهم نبي الله صالح عليه السلام؟ هل نبي الله صالح لا يعلم ما يعلمه صاحب هذه الشبهة من أنّ الميت لا يسمع؟ هل صاحب هذه الشبهة أعلم من نبي مؤيد ومسدد من قبل الله تبارك وتعالى؟
القرآن الكريم أمر النبي الخاتم بأن يسأل الرسل الذين أرسلوا من قبله، وأغلبهم انتقلوا من هذه الدار وارتحلوا إلى دار أخرى، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا}(الزخرف:45) إذا كان الأنبياء بعد ارتحالهم لا يسمعون فلماذا يأمر الله تبارك وتعالى نبيه بأن يسألهم؟ إذا كان سؤال النبي لا يصل إليهم فلماذا يقول الله تبارك وتعالى لنبيه اسألهم؟ لا معنى لهذا السؤال إلاّ قدرة النبي صلى الله عليه وآله على إسماع الأنبياء بعد ارتحالهم إلى الدار الأخرى، في كتاب البخاري وهو أصح الكتب عند صاحب هذه الشبهة، النبي صلى الله عليه وآله بعد بدر جمع أجساد المشركين ثم رماهم في قليب في بئر ووقف عليهم صلى الله عليه وآله وقال: (لقد كنتم جيران سوء لرسول الله طردتموه من منزله وأخرجتموه ثم اجتمعتم عليه وحاربتموه، لقد وجدت ما وعدني ربي حقاً) ثم قام أحد الصحابة متعجباً، وقال يا رسول الله: ما خطابك لهامٍ صديت، كيف تخاطب رؤوس قد تفسخت، وهذا يدل على أنّ النبي صلى الله عليه وآله لم يخاطبهم مباشرة وإنما خاطبهم بعد مدة تفسخت فيه رؤوسهم وقف عليهم وخاطبهم، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: (والله ما أنت بأسمع منهم)(راجع صحيح البخاري ج5 ص21)، النبي صلى الله عليه وآله ألا يعلم بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}؟! هذا يدل على أنّ الآية ليست في صدد الحديث عن أنّ الموتى يسمعون أو لا يسمعون بحيث يصل الصوت إلى أذن رؤوسهم وإنما الآية في مقام التمثيل لمن ختم الله على قلبه لمن لا يخشى الله ولا يستجيب لهدي رسول الله صلى الله عليه وآله.
النقطة الثالثة: معنى التسليم على المعصومين عليهم السلام.
في تحديد المقصود من السلام نتكلم في محورين:
المحور الأول: معنى السلام لغة.
السلام مصدر سلم يسلم، وهو بمعنى الخلوص، سلم يعني خلص من الآفات والأمراض والمضار والنقص، من كمل بلحاظ نقص وخلص منه سلم من ذلك النقص.
وتنقسم السلامة إلى قسمين:
القسم الأول: السلامة الذاتية وهي أن يكون الموجود فيها سالماً من النقص بذاته وليس بغيره، وهذه السلامة الذاتية الثابتة لله تبارك وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ}(الحشر:23) فمن أسماء الله تبارك وتعالى السلام ومن صفاته السلامة، هو سالم من العيب والنقص والشين، وسلامته عين ذاته وقداسته عين ذاته.
القسم الثاني: السلامة الكسبية، وهي المأخوذة من الغير، وهي السلامة الثابتة للخلق، فالجنة دار السلام، وصفت بالسلامة، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}(يونس:25) هي سالمة من العيب من آفات هذه الدار، ولكن سلامتها بتدبير من الله تبارك وتعالى، أي جعلها الله تبارك وتعالى دار سلام، وبإمكانه تعالى أن يسلب منها هذه الصفة، النار ليست سالمة، ولكن جعلها الله تبارك وتعالى برداً وسلاماً لإبراهيم عليه السلام أي أعطاها الله تبارك وتعالى صفة السلامة كما سلب من النار نقيض السلامة وجعلها سالمة بإمكانه تبارك وتعالى أن يسلب من الجنة السلامة ويجعلها نقيضة للسلامة.
المحور الثاني: معنى التسليم عليهم صلوات الله وسلامه عليهم.
علمنا معنى السلام، فهو مأخوذ من الخلوص، فما معنى قولنا للحسين عليه السلام (السلام عليك يا أبا عبدالله).
ذكر العلماء نظريات متعددة في تفسير السلام، نحن نقتصر على ذكر نظريتين:
النظرية الأولى: أنّ جملة (السلام عليك يا أبا عبد الله) هذه جملة اسمية خبرية ولكن لم يقصد بها الإخبار وإنما قُصد بها إنشاء الطلب، ولهذا تسمى تحية، التحية مأخوذة من قولك للمقبل حياك الله، فحياك الله جملة فعلية خبرية يقصد بها الدعاء أي أسأل الله تبارك وتعالى أن يديم حياتك، أن يبقيك في الحياة، التحية دعاء وهي تطلق على السلام، {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا}(النساء:86) أي حيوا المقبل بالدعاء له بأن تدعو له بالسلامة، بناءً على هذه النظرية يكون معنى “السلام عليك يا رسول الله” أنّ الله تبارك وتعالى على النبي الأكرم ظاهر باسم السلام، جعله سالماً من النقص.
وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ ً من كل عيـــــب كأنك قد خلقت كما تشاء
خلقه الله تبارك وتعالى سالماً من النقص منزهاً من الشين أذهب الله تبارك وتعالى عنه الرجس وجعله مظهراً لرحمته في كل شيء وإني أسأل الله تبارك وتعالى أن يديم عليه الرحمة، أن يديم عليه السلامة، أن يديم عليه اللطف.
النظرية الثانية: السلام ليس دعاء وطلب وإنما هو إبراز للالتزام بعهد الله تبارك وتعالى.
فالله تعالى أخذ على العباد ميثاق أن يلتزموا بطاعة واتباع رسول الله صلى الله عليه وآله، المؤمن في سلامه يبرز التزامه بهذا الميثاق، ثقة الإسلام الكليني يروي عن داوود الرقي أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن معنى التسليم على رسول الله صلى الله عليه وآله: فقال عليه السلام: (إن الله تبارك وتعالى لما خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الأئمة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق وأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا وأن يتقوا الله ووعدهم أن يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن وأن ينزل لهم البيت المعمور، ويظهر لهم السقف المرفوع ويريحهم من عدوهم والأرض التي يبدلها الله من السلام ويسلم ما فيها لهم لاشية فيها ، قال : لا خصومة فيها لعدوهم وأن يكون لهم فيها ما يحبون وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله على جميع الأئمة وشيعتهم الميثاق بذلك، وإنما السلام عليه تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على الله، لعله أن يعجله عز وجل ويعجل السلام لكم بجميع ما فيه)(الكافي للشيخ الكليني ج1 ص451). فالتسليم على النبي صلى الله عليه وآله تذكرة للنفس بالميثاق والإبراز لرسول الله صلى الله عليه وآله على العهد.
الرسول صلى الله عليه وآله ألزم الأمة بإتباع أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (أو لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قيل: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه وعاد من عاداه)، وأخذ البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام (راجع الخصال للشيخ الصدوق ص66) حتى قال قائلهم بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمن (راجع شرح أصول الكافي للمازندراني هامش ج6 هامش ص135)، فكل مؤمن ومؤمنة في عنقه بيعة لأمير المؤمنين عليه السلام، إذا قلت السلام عليك يا رسول الله أنت تقول للنبي يا رسول الله لن تجد مني إلاّ السلامة اتجاه هذه البيعة أنا ملتزم بأمرك متبع بالوصي من بعدك وللأوصياء من بعده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، النبي صلى الله عليه وآله خاطب المسلمين وقال: (إ ني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتان من بعدي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(الأمالي للشيخ الصدوق ص500) ألزم الأمة بإتباع أهل البيت عليهم السلام، والأمة يجب عليها أن تقبل هذا الالزام وأن تعمل به ونحن بحمد الله قبلنا هذا الالتزام وقد وطنا أنفسنا على أن نعمل بمقتضى هذا الالزام ونسلم على النبي لكي نقول له يا رسول الله نحن على العهد ثابتون ونحن ملتزمون بأوامرك وتعاليمك وبوصيتك في أهل بيتك من بعدك.
لهذا جعل السلام برنامج يومي ينبغي أن يلتزم به المؤمن كل يوم، السلام على النبي صلى الله عليه جعل مستحباً في الصلاة، المؤمن بحد أقل يسلم على النبي صلى الله عليه وآله في كل يوم خمس مرات، فهو كل يوم يجدد البيعة يجدد الالتزام بميثاق رسول الله صلى الله عليه وآله وأيضاً يجدد العهد والميثاق والالتزام بالحسين عليه السلام.
القيت المحاضرة بتاريخ: 1 / 1 / 1436 هـ
لا توجد تعليقات، كن الأول بكتابة تعليقك
اترك تعليقاً